المحرر موضوع: أبو غريب ـ ح21 ـ حينما يفقد أحدهم المشي..!!  (زيارة 1482 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل jalal charmaga

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 290
    • مشاهدة الملف الشخصي
أبو غريب ـ ح21 ـ حينما يفقد أحدهم المشي..!!



جلال جـرمكا / سويسرا

من دفتر ذكرياتي في معتقل / أبوغريب ، الحلقة الحادي والعشرون ، عنوان الحلقة / حينما يفقد أحدهم المشي !!.
عنوان غريب.. ياترى لماذا يفقد البشر المشي..؟؟ هل بسبب حادثة ؟؟ أو بتر ساقيه؟؟ أم تعرضة لكارثة وأقعدته ، كالشلل في ألأطراف..؟؟.
للرد لاهذه ولاتلك.. أنه سليم ولكنه فقد المشي!!.
طيب... لنرى :
                      *************

خلال حكم البعث للعراق وللمدة المعروفة ، أي مايقارب الـ 35 عاماً ، تعرض النظام الى العديد من محاولات ألأنقلاب .. سمعنا وقرأنا عن عدد منها ، ولكن ظلت عدد منها طي كتمان لأسباب أمنية!!!.
ولعل السبب لكونها كانت أختراقاً كبيراً على ألأجهزة ألأمنية وجاءت الضربة من الحلقات المقربة من صانعي القرار.. أي من رأس السمكة !!.
نعم في الخفي جرت عدد من محاولات ألأنقلاب ولكن ظلت طي الكتمان .. ولكن مع التستر عليها إلا أن ألأجهزة كانت تقوم بدورها ، حيث أعدام العشرات وأعتقال المئات..نعم كل من كان يشك به بأنه قد سمع بتلك المحاولة كان يجب أن ينال عقوبة ما ، وألأمثلة بالعشرات !!.
أقوى تلك المحولات والتي كانت بمثابة ضربة قاضية للنظام وأجهزة النظام ، تلك التي خطط لها عدد من ضباط الحرس الجمهوري ، لابل من الحلقة المقربة من رأس الهرم.. نعم لقد خطط عدد من ضباط ( عشيرة الجبور ) للقيام بتلك العملية.. في المقدمة، لابل العقل المدبر لتك المحاولة كان أحدهم برتبة نقيب ويدعى / سطام الجبوري!!.
أستطاع ذلك الشاب من إقناع العشرات من الضباط والضباط الصف والمراتب من قوات الحرس الجمهورية ومن حماية ( صدام حسين ) للقيام بمحاولة أنقلابية!!.
في الحقيقة كان / النقيب ـ سطام الجبوري ، قد قطع شوطاً كبيراً وبعيداٌ من خطته وكانت خطة ناجحة ومحكمة.. ولكن بسبب ( هفوة ) غير متعمدة كشفت المحاولة .. وبسرعة البرق تم تنفيذ ألأعدام بالعشرات منهم.. أما البقية فقد تم معاقبتهم بين السجن المؤبد و15 عاماً!!.
إن المشاركين في المحاولة لم يكونوا جميعاً من العسكريين ، لابل كان من بينهم العشرات من المدنيين!!.
من بين الذين حكموا بالأعدام .. ثم خفض حكمهم الى المؤبد / عشرون عاماً.. كانوا معنا في نفس القسم.. أكثرهم كانوا في الغرفة رقم / 10 في الطابق ألأرضي.. وكنا نطلق عليها غرفة الجبور .
هؤلاء نجوا من عقوبة ألأعدام.. حيث قضوا سنوات في (غرف ألأعدام ) في قسم ألأعدامات في أبوغريب!!.
ليتصور القارىء الكريم حجم الخوف والهلع والكارثة.. وكالأتي :
كل يوم ( أحد وأربعاء ) ، كانت هنالك حملة لتنفيذ أعدامات.. وبأستمرار!! .. كان الجماعة كل يوم ( سبت وثلاثاء) يبلغون عليهم التهيأ لعل يوم غد يعدمون.. لذلك كان عليهم أن يحلقوا الذقون.. ويتهيأون لتلك العملية القذرة!!!.
في صباح يوم ألأعدام كانوا يبلغون بأنه من المحتمل أن يكون ألأعدام ألأسبوع المقبل.. وهكذا !!.
عن حالتهم النفسية حدثني أحد المناضلين وكان يدعى / أبوقريش الجبوري :
ــ بعد فترة أصبحت الحالة طبيعية.. كنا نقول : يالله .. لقد أعطانى الباري أسبوعاً أخراً من العمر.. آمنا بالله !!.
المصيبة أن هؤلاء كانوا في غرفة صغيرة.. وألأعداد كانوا ( كثرة ) لذلك كان يتعذر أن يقوموا ويتمشوا.. كان المكان لايكفي حتى النوم براحة .. والغرفة كانت فيها حمام من الداخل.. هذا يعني لايحتاجون المشي.. كل شىء داخل الغرفة.. وحتى الطعام كانت تعطى لهم من خلال فتحة في أسفل الباب!!!.
قسم منهم كانوا يمارسون ( رياضة ) في مكانهم.. كالقيام ببعض التمارين السويدية والمراوحة .. ولكن أحدهم / روكان عبدالله جاسم الجبوري ( أبوخالد) بسبب كبر سنه ومرضه ، ظل ملازماً للفراش لسنوات.. لذلك لابد من أن تتأثر عضلات الساقين ويصيبهما الرخاوة ..لأسباب معروفة صحياً .. لذلك في يوم نقلوهم الى / قسم السياسيون جلبوه على الظهور!!.
وحتى في القسم ألأخير ، كان ممتداً في الفراش من دون أن يتحرك الا لحمله الى الحمام لقضاء حاجته وبس!!.
في الفترة ألأخيرة أجتمع ألأطباء ( النزلاء في القسم ) وقرروا معالجته .. ولكن لابد من أن يبدأ بالتمارين.. وكالأتي :
يسنده شخصان ويضعوه في الوسط.. بالأسناد وقليل من الحمل ..بدأنا نحركه ولساعات!!.. بعدها تحول الى المرحلة الثانية وكالآتي :
يستند على شخص واحد.. يمشي وكأنه طفل يخشى من أن يسقط!!!.
المرحلة الثالثة ( طبعاً بعد سنة وأكثر ) ..كان لابد من ألأعتماد على نفسه بواسطة
( عكازة ) .. وبعدها ( عصا ) .. مع حقنه بأبر ( مقويات ) وحبوب وشراب .. مع رعاية كاملة من قبل الجميع !!.
بعد تلك السنة كان بأمكانه أن يمشي ولكن ليس مشياً طبيعياً.. كان يمشي ويتمايل في المشي!!!.
كانت حالة غريبة.. أنشغل الجميع بذلك الرجل / الجليل والذي كان من الوجوه البارزة لعشيرة / الجبور العريقة !!.
هكذا برعاية من الباري وهمة ألأطباء ومساعدة الجميع أستطاع / أبو أحمد أن يصبح في حالة أفضل.. ولكن ظل يتمايل في المشي !!.
أكمل الجماعة / عشرون عاماً بالتمام والكمال.. نعم لقد كملوا المدة وحينها خرجوا الى ذويهم ..ولكن للأسف الشديد بعد كل تلك المعاناة ينتقل / أبوخالد الى جناة الخلد ويتوفى في قسم ألأحكام الخاصة ..وآسفاه* !!.
تلك الحادثة كانت من بين العشرات التي نعاني منها ونحن لاحول ولا قوة.. ألأمكانيات كانت محدودة ، حيث كنا نواجه العديد من ( المطبات ) من قبل ألأدارة.. حيث عشرات الممنوعات.. على سبيل المثال :
كان معنا عدد كبير من الميسورين ، أبدوأ أستعدادهم لشراء جهاز يساعده على التمارين والمشي .. لكن ألأدارة رفضت الفكرة من أساسها !!.
ياترى ما العمل غير ألأعتماد على ألأمكانيات الموجودة ؟؟.
لكن مع هذا وذاك كانت هنالك معنويات وروح تعاون .. الجميع كانوا يشعرون بالمسؤلية .. لذلك كنا نتغلب على أكثرية المشاكل .. هكذا هي الحياة..لابد من تعاون وتضحية وشعور بالمسؤلية.. كنا كالأسرة الواحدة.. نساعد بعضنا بعض الى أبعد الحدود !!!.
كانت أيام صعبة لاتنسى ... شخصياً لا أستطيع نسيانها طالما أنا على قيد الحياة!!.
هنالك حلقات أخرى بأذنه تعالى .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* في الحقيقة كنت أظن إن الشهيد / أبوخالد كان قد خرج من رفاقه.. ولكن بعد كتابة الحلقة أخبرني العقيد الطيار البطل / ضامن عليوي الجبوري  قدأخبرني بأن أبوخالد قد توفي في قسم ألأحكام الخاصة.. في الحقيقة تألمت جداً.. ولكن ماباليد حيلة..إنالله وإنا اليه راجعون.