المحرر موضوع: المسيحيون في العراق... هوية ومصير مكتوب بالدم - 2/1  (زيارة 1837 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Malka

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 4751
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
   
المسيحيون في العراق... هوية ومصير مكتوب بالدم - 2/1

بقلم جهاد صالح - المستقبل



إن أكثر ما يعتبر مأسوياً هو رفض الحق الأساسي لجماعات أثنية، وأقليات قومية في الوجود، وممارسة طقوس العقيدة. ولهذا يجري قمعها أو ترحيلها بعنف، أو السعي الى إزالة هذه الهوية القومية الأثنية من الوجود، فهل يمكننا أن نلتزم الصمت حيال هذه الجرائم ضد الانسانية، خصوصاً ما نشهده من عمليات إزالة مختلفة الأشكال للمسيحيين في العراق على يد الجماعات التكفيرية والأصولية المتطرفة؟
لنعد الى التاريخ، حيث يجمع الكثير من المؤرخين والباحثين حول الوجود المسيحي في العراق، بأنه يمتد الى قرابة ألفي سنة تقريباً، وهم يعتبرون من قدامى العراقيين، بل من قدامى المسيحيين في العالم، ويعتبر القسم الشمالي من (موزوبوتاميا) أي بلاد ما بين النهرين، المركز الحقيقي لكل المسيحيين في الشرق، حيث تنتشر فيها أعرق الكنائس والأديرة القديمة التي يعود تاريخها الى بدايات القرن الأول الميلادي.



وهناك تقليدان عن دخول المسيحية الى العراق، أحدهما ينسب البشارة الأولى للمسيحية للقديس توما الرسول، والآخر يقول إن القديسين (أداي وماري) هما اللذان بشّرا في أعالي ما بين النهرين ثم نزلا جنوباً عبر حوض ما بين النهرين، ويرجع ذلك الى نهاية القرن الأول المسيحي.
وقد دافع المسيحيون العراقيون الأوائل عن وجودهم ومعتقداتهم دفاعاً مستميتاً حسب ما يقوله المؤرخ العراقي سيار الجميل، وما زال الكثير من القصص والملاحم تتناقلها الألسن حول المسيحية منها قصة مار بهنام والذي يسمى الشهيد وأخته ساره. وتقوم الناس بزيارة دير ما ر بهنام الواقع قرب قرية النمرود التاريخية (30 كم جنوب شرق الموصل) ليتناولوا ذكر ملحمة الشهيدين.
ناهيك عن الكثير من قصص وملاحم الرهبان المسيحيين الموصليين الأوائل (مار ميكائيل ـ مار يعقوب ـ مار توما ـ مار متى ـ مار أوراها ـ مار يوحنا)، وتعتبر كنيسة مار بهنام، شرق الموصل، ودير مار متى، شمالها، من الكنائس القديمة (القرن الرابع الميلادي) وأيضا كنيسة مار أسقيا في المَوْصِل (النصف الثاني من القرن السادس الميلادي) إضافة الى عشرات الكنائس القديمة، منها كنيسة الطاهرة والتي أحرقت قبل شهور.ولقد كانت المسيحية مزدهرة أيضا في جنوب العراق وشماله، وتؤكد المراجع أن مدينة الكوفة تضم ضمنها مئات المواقع الأثرية المسيحية (كتاب الكنائس والديارات المسيحية لمحمد الطريحي). وفي مدينة تكريت التي كانت مقراً للسريان، كما أنه تم العثور على كنائس قديمة تحت الأنقاض في كل مرة يقوم نظام صدام بتشييد قصور في تلك المناطق، إضافة الى الكثير من القرى والعائلات المسلمة التي لا تزال تحمل أسماء سريانية قديمة.
المسيحيون القدماء في العراق منهم من يعود أصله الى النساطرة أو الجرامقة، وأيضا اليعاقبة والسريان الآراميين الكلدان الآثوريين.ومنهم الآرثوذكس الشرقيون التابعون للكنيسة الشرقية، وهناك مسيحيون عراقيون مغاربة، وهاتان التسميتان تعودان الى الكنيستين النسطورية (شرق حدود المملكة الرومانية يسمى أتباعها بالمشارقة). والآرثوذكسية (غرب حدود المملكة الفارسية يسمى أتباعها بالمغاربة). ثم تحول المسيحيون من هذه التسميات الى حين ظهور الكاثوليكية.
ولقد دخل الكلدان الآشوريون السريان الى الكاثوليكية تدريجاً العام 1551م.. وتواجد الأرمن في الموصل منذ القرن الثامن عشر ومن ثم تسربوا في القرن التاسع عشر الى مدينة بغداد.
طبعا يتكلم المسيحيون في العراق اللغة العربية والكردية، لكن لغتهم الأساسية هي الآرامية (قرى سهل الموصل) والتي هي لغة السيد المسيح، والتي لا تزال تستعمل في طقوس الكنيسة، وهناك اللغة السريانية التي يتحدث بها الكثيرون.
العراقيون المسيحيون من كلدان وسريان وآثوريين وأرمن يفتخرون بعراقيتهم المتأصلة في عمق التاريخ: سومر ـ آكد
ـ بابل ـ آشور ـ الدولة الكلدانية... ويزداد فخرهم كون العراق يُعتبر مهداً لولادة المسيحية وذلك على يد رسل السيد المسيح في مدن العراق (بابل ـ ساليق ـ كشكر ـ ميشان ـ حدياب ـ نصيبين ـ داسن ـ زوزان ـ كرخ ـ سلوخ ـ المدائن....).
في ظل الخلافة الإسلامية (الأموية والعباسية)، نجد أن المسيحية قد أغنت الحضارة الإسلامية من خلال المسيحيين العراقيين من الشعراء والعلماء والمترجمين والأطباء الذين برعوا في الجراحة وعلم الأدوية، وفي الهندسة والفن والتاريخ والرحلات الأستكشافية والزراعة والصناعات وفي فن البناء والسفتجة والتجارة وعلاج الأسنان والحدادة والنجارة وصناعة الحلويات والمعجنات وفن التطريز والتمريض والتعليم.




ولقد حافظ الإسلام في العراق على المسيحيين شركائهم وعاملوهم معاملة حسنة وعادلة، وأمّنوا على حياتهم وأرواحهم وأعراضهم وعاداتهم ومراكز العبادة من الأديرة والكنائس، واحترموا عاداتهم وتقاليدهم وصلواتهم. ولقد كان المسيحيون هم أقرب الحاشية من بلاط الخلفاء الراشدين.
كما قاموا بنقل الكتب اليونانية الى السريانية ثم العربية، وبرعوا في علم الفلك والغناء؛ ولقد حافظت الكنائس على العديد من الكتب العربية من الاندثار، وتميزوا بنظام الارساليات، فإرسالية الآباء الدومينكان وصلت الى مدينة الموصل سنة 1750م، وقدّموا خدمات طبية وتعليمية وتأسيسهم مدرسة فرنسية (الآباء الدومينكان) التي خرّجت الكثير من المثقفين ونجم عنها نشوء المسرح بالموصل لأول مرة في تاريخ المنطقة.
في العهد الملكي كان للعراقيين المسيحيين دور بارز في مختلف نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية للعراق، وحصلوا على التمثيل في البرلمان وفي مجلس الأعيان، لكن بعد سقوط الحكم الملكي وتواتر الانقلابات العسكرية واشتعال حروب داخلية وخارجية أثّرت سلباً في وضعهم في العراق.

الجزء الثاني