المحرر موضوع: العشائرية في المجتمع الاشوري  (زيارة 1357 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل تيري بطرس

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1326
  • الجنس: ذكر
  • الضربة التي لا تقتلك تقويك
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
العشائرية  في المجتمع الاشوري

العشيرة والقبيلة ظاهرة اجتماعية رافقت تطور المجتمعات الانسانية، وهي من المفترض ان تكون مرحلة من مراحل هذا التطور.  وبحسب الزمان والاحوال التي نعيشها كان من المفترض ان نكون قد تجاوزنا هذه الظاهرة الى ظاهرة اجتماعية سياسية جديدة اسمها المرحلة القومية والتي تصب كل العشائر والقبائل في بوتقة واحدة كبيرة، لها مصالح مشتركة محددة.
كنا جالسين في حفلة عرس، عندما سألني شخص عن عشيرتي، فقلت بالحق انا لا انتمي الى اي عشيرة فانا اعرف انتمائي القومي والاصغر هو انتمائي لقريتي بيباد(ܒܝܬܒܝܕܐ)، فرد الشخص منتفخا اوداجه وبفخر كبير وقال انه تياري العشيرة. كان هناك نغمة من التكبر وتضخيم الذات في لهجته وفي نفس الوقت نغمة من الاستصغار بي لانني قلت انني لا انتمي لاي عشيرة، وفي الحقيقة ان ابناء قريتنا من ناحية اللهجة هم اقرب الى اللهجة التيارية والبروارية منهم الى اي جهة اخرى، الا ان قريتنا لم تنتمي الى منظومة اجتماعية سياسية اقتصادية مثل العشيرة ويكون لهار راس واحد سمى في لغتنا السورث ب ملك (ܡܠܟ) واعتقد ان هذه التسمية الملك هي نوع شاذ من التصغيرات لتسمية ملكا (ܡܠܟܐ). لا اعتقد ان مجتمعا بشريا خلا من العشائرية و القبلية او ما شابهها من التنظيمات الاجتماعية الاقتصادية السياسية، والعشائرية تتميز بانها تمتد لمرحلتين اقتصاديتين وهما مرحلة الرعي ومرحلة الزراعة وبالتالي فالعشائرية وقيمها وقوانينها تمتد للمرحلتين وان باختلافات طفيفة في حدتها في المرحلة الزراعية.
ولان العشائرية نتاج نظام اقتصادي فالمفترض انها تزول او تندثر تسمية او قيما بمجرد اندثار النظام الاقتصادي الذي يدعمها و الذي يحتمي بقيمها وباستمرارية هذه القيم، بالطبع ان النظام الاقتصادي المتطور وقيام الدول القومية صهر العشائر في نظام اكبر واكثر قدرة اقتصادية وامنية وحماية اجتماعية، كما ان قيام مثل هذه الدول جعل القوة الفعلية او الاقوى في الدولة متمثلة في المدن التي تظم خليطا من العشائر والقوميات والمذاهب والاديان، هذه المدن التي صهرت الكثيرين في بوتقة واحدة.
الا ان المشكلة في واقعنا اننا كاشوريين تبنينا او استلهمنا المبادئ والدعوة القومية، ولكننا لم نحقق الدولة القومية، اننا تركنا الكثير من الارتباطات العشائرية ولكننا لم ننصهر في بوتقة متكاملة مندمجة، حدثت امور من هذا القبيل الا انها لم ترتقي لتكوين طبقات منسلخة حقا من العشائرية، ونلاحظ ذلك في اشوريي ايران الابعد عن العشائرية وقيمها واشوريي من اهالي حبانية وكركوك، في ايران ونتيجة للتطورات الاقتصادية ورسوخ المد القومي وتطور بعض الحريات وخصوصا بعد الحرب العالمية الثانية وعدم تهديد التحرك الاشوري لاي طموحات ايران الفارسية كان التطور الى الاتجاه المدني وما فوق العشائري لا بل حتى الطائفي، الا ان هذه التطورات بقت محكومة بعمل قومي في ارض الحلم بيت نهرين او ارعا داتور (ܐܪܥܐ ܕ ܐܬܘܪ) ارض اشور ولذا فالتطور المؤمل قد افتقد زخمه وخصوصا بعد ثورة الخميني عام 1979 حيث تنامى مجددا الشعور الطائفي المقيت وبدعم من جهات كنسية معروفة وتنامت الهجرة بشكل كبير مما يهدد وجود شعبنا هناك بالاندثار. ويبقى النموذجان الاخران وهما الحبانية وكركوك، فنتيجة لاختلاط ابناء شعبنا من كل الاصقاع ومن كل العشائر والقرى والمناطق، ادى الى  نوع من التجانس كان ملحوظا في هاتين المدينتين وخصوصا من نواحي انتشار لهجة محكية موحدة للتخاطب، كانت خليطا ناجحا من كل لهجات شعبنا، مع انتشار نغمة او لحن لهجة اورمي الجميل والموسيقي ولكن بتخفيف لحد التقارب مع لحن تياري والقوش. كانت الدعوة القومية الاشورية منتشرة في هاتين المدينتين وانتقلت الى بغداد مع مقدم الالاف من العوائل المهاجرة من قراها في دهوك واربيل والموصل جراء الحرب بين الكورد والحكومة. من الواضح ان التمازج والاختلاط وعلى المدى البعيد يزيل الكثير من الحواجز بين مختلف ابناء شعبنا ويجعل الكثير من العصبيات العشائرية والطائفية تزول وقد تندثر، الا اننا كشعب لم نتمكن من تطوير حركة العمل القومي باتجاه اقامة نموذج ( دولة او منطقة حكم ذاتي) لكي يتطور شعبنا في بوتقتها ويتمكن من التخلي عن المباهاة بامور هو لا يعيشها.
كما قلنا، فالعشائرية بما انها ظاهرة اجتماعية اقتصادية، فان لها قيمها الخاصة بها من الكرامة والشرف والامن والامان والحريات ومفاهيم عن الحق والباطل، فمثلا كان من قيم العشائر ان ما تم سلبه من عشيرة اخرى يعتبر حقا وبطولة ويمدح وينشر صيت من قام بهذا العمل البطولي في حين ان نفس الشئ يعتبر في الحكم المدني سرقة وتتلطخ شمعة مقترفه بالعار. وبرغم تمتع بعض العشائر بنوع من قيم التشاور قبل اتخاذ القرارات الكبرى مثل الحرب، الا ان الحروب كانت تقع بين العشائر على الدوام ولاتفه الاسباب، مثل التجاوز على المراعي او خطف فتاة وان كان بنية الزواج او حتى قتل كلب لعشيرة من قبل احد افراد عشيرة اخرى، وبالطبع ان الدين الواحد لم يكن حائلا دون وقوع حرب بين عشيرتين من نفس الدين، او تحالف اطراف من عشار مختلفة الاديان ضد تحالف اخرى من عشائر اخرى وبنفس الصفة، وهذا لا ينطبق على المرحلة الاخيرة من القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين عندما تحالفت العشائر تحت راية الاسلام لابادة المسيحيين في السلطنة العثمانية.
وبالطبع ان الافتخار العشائري هو عملية تكاذب ذاتية مفضوحة، لانها بالاساس لم تستند الى قيم هذه العشائر لا بل الى الوراثة، اي ان الشخص الذي يفتخر بعشيرته وبانتمائه لهذه لعشيرة لم يعيش قيمها بل فقط لانه سليل من احد ابناءها، فالواقع الحالي لا يسمح لنا بان ندعي الانتماء العشائري، ونقتخر بهذا الانتماء كميزة كان السابقون يدعونها، فلتقريب المسألة للوضوح نذكر هنا بعض قيم العشائرية التي الغتها ممارسات العصر والواقع القومي المزري ورغم من ايحابية بعض القيم الا انها مع الاسف زالت مع زوال العنفوان الفردي المستمد من الحرية التي كان يتمتع بها ابناء العشائر. 
الاستقلال الفردي والعشائري، في هذا الامر كان الاستقلال متطرفا لحد (الجريمة) واعني الجريمة بقييمنا المدنية، فهذا الاستقلال الفردي يؤدي بالانسان الى قتل شخص من عشيرة اخرى وهو مطمئن الى ان عشيرته ستقف بصفه مهما تكن العواقب مستندا الى القانون العشائري، السائد والقائل انا واخي على ابن عمي وانا وابن عمي على الغريب، وبالرغم من ان المثل عربي الا انه كان قانونا عشائريا سائدا في كل العشائر في المنطقة. وفي مسألة قتل لغسل العار مثلا، فهو قانون سائد ولا زال سائدا ليس كعرف اجتماعي بل كقانون مخفف للجرائم المقترفة ويسمى جرائم الشرف، هذا القانون هو من مخلفات القيم العشائرية. كما ان العشيرة لم تكن تنظر الى الدولة حينذاك او حتى الان في بعض المناطق الا كسلطة غاشمة ترغب في استيفاء الضرائب وسوق ابناءها للجيش، وتعتقد العشيرة ان من حقها ان تمارس سلطاتها على ابناءها وان تحميهم وان تسن قوانينها الخاصة وان تحكم بين المتخاصمين من ابناءها، وهذه كما ترون كلها ممارسات تدعيها الدولة ولا تعطي الحق فيها لاي جهة. الا في حالات كون الدولة ضعيفة ومتهالكة كما رايناه في بدايات تأسيسي العراق ولمنتصف الخمسينيات وكذالك في اواخر السنين من عمر النظام الصدامي البعثفاشي.
ومن ضمن اطر هذا الاستقلال المدعي اعلان الحرب، فكان اعلان الحرب بين اي عشيرتين يعتمد معايير ذالك الزمان وممارساته، فكان التعدي على مراعي العشيرة يعتبر امرا لابد ممن اعلان الحرب لكي يعود الحق الى اصحابه، وبالعموم يمكننا القول ان القوة كانت العامل الحاسم في اي انتزاع اي حق، فالحق كان بيد الاقوى، ولذا فكان من الملاحظ ان يكون هناك تكتلات من عشائر عدة يواجه تكتل اخر، وكل يبحث عن مصالحة وحسب قوته.
ان حاجة الانسان الى الامان حاجة اساسية واولية بعد حاجته الى الغذاء، ولذا فالانسان الذي يشعر بالتهديد المستمر سواء كفرد او كمجموعة معينة ذات صفات محددة، سيعملون على ايجاد اسس او اساليب لتحقيق هذا الامان سواء بشكل فعلي او تخيلي، واليوم الفرد الاشوري (الكلداني السرياني الاشوري) مهدد فعليا في وجوده ليس كفرد في الغالب بل كثقافة مميزة ولدت ونشات وترعرعت في بقعة معينة نسميها في الغالب بيت نهرين او ارعا داتور (ارض اشور) في ظل هذا التهديد الجدي، وللانقسامات الحاصلة في المجتمع وباتجاهات مختلفة نرى عملية النكوص الى مراحل ما قبل القومية، في حين يمكننا التعايش مع المرحلة ما بعد القومية مع محافظتنا على قيمنا او مميزاتنا التي نتفاخر بها ونشعربانها اسس وجودنا كشعب، واعني بذلك ان البعض نتيجة لحالة التهلهل الحالية في واقعنا السياسي الاجتماعي، يعمل على ايجاد حلول مستنبطة من تصغير مكوناته لعل وعسى في هذه الحالة كل جزء يجد خلاصه الفردي (كمحموعة) بغض النظر عن مصير الاجزاء الاخرى، بالطبع هذا الحل كان تجربة مورست مرارا في شعبنا وفي مكوناتنا الاصغر، العشائر او الطوائف، الا ان هذا الامر كان على الدوام وبالا على الجميع، فاجتياح عشائر حكاري وسقوطها قبل منتصف القرن التاسع عشر بيد قوات بدرخان بك، لم يعنى للاخرين اي شئ غير انهم اصبحوا لقمة سائغة لمن اتى واحتل اراضيهم ودمر قراهم وخصوصا في سهل موصل واقضية عمادية وزاخو الى مناطق ازخ ومناطق من طورعابدين، وابتعاد من تسمى بالكلدان عن شعبهم وقبولهم بتسجيلهم كعرب وككورد في الاحصاءات السكانية لم يمنع عنهم تدمير القرى التي كانت تقول بالكلدانية او غيرها، وهذا هو حال من يريد بنا النكوص الى المرحلة العشائرية، التي لا يتقبل بها العصر واقتصاده وقانونه وممارساته وحقوقه.
العشائرية مرض من يريد بنا العودة القهقري الى ماض، وحقا لم يكن مجيدا، الا في مخيلتنا، ولكنه مرض الهروب من الواقع بتصوير متخيل عن ماضي لم يكن حقا كذلك، والادهى ما في الامر ان كل الجوار الاقليمي يتطور او يكاد يخرج من هذا الطور بتقوية الاواصر ما فوق العشائرية، لكي يواجه تحديات العصر بادواته، وليس بادوات ما قبل مائتي عام، فلكل زمان اسلحته وقوانينه وقيمه وعلينا التكيف معها لاننا ندرك اننا نعيش في قرية كونية اسمها الارض.
ككل مجتمع حي يمر بالمراحل التاريخية المختلفة، هكذا هو حال مجتمعنا الاشوري (الكلداني السرياني الاشوري) فمجتمعنا وبرغم عظم الضربات التي كيلت له وخصوصا مع بدايات القرن العشرين والى الان، ورغم كل التضحيات التي قدمها هذا الشعب المكافح والمستبسل لاجل قيمه، فانه لا بد من ان يجد طرقه نحو المستقبل الامن والمطمئن، فالعشائرية كقيم وكوجود وكحقوق ستندثر لصالح المجتمع الجديد والمنبثق من التعايش المشترك في ظل قوانين وادارة وامن ذاتي من كل مكونات شعبنا، العشائرية كانت من الماضي والماضي زال ولن يعود والمكون العشائري بكل مافيه لن يتمكن من الحياة والاستمرار في الحاضر وسرعته وقيمه واقتصاده، ان مستقبلنا هو في اندماجنا في المكون الملائم مع المستقبل الا وهو التماسك القومي ولنترك الموتى يقبرون موتاهم.



betkanno@web.de
ܬܝܪܝ ܟܢܘ ܦܛܪܘܤ