المحرر موضوع: محطات تاريخيــة بمثابـة الرد علـى الأخ جميل روفائيل  (زيارة 2142 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حبيب تومي

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1724
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
[color=Red]محطات تاريخية بمثابة الرد على الأخ جميل روفائيل[/color]
حبيب تومي / اوسلو

عذراً للأستاذ جميل روفائيل حيث تأخرت بالرد على ما سطره في مقال سابق تحت عنوان [ مع الأخ سعدي المالح والأخ حبيب تومي ] ولكي لا نغرق في لجة الجدال العقيم سأكتفي بنقاط تاريخية مهمة وردت في مقاله ، مع بعض النقاط التي تقتضي  الأجابة .
والنقطة الأولى : حيث وردت فقرة للأخ جميل روفائيل يقول :
نعم تهمني الوحدة اولا وأخيراً كما تهمك انت وغيرك الأسماء الطائفية .... ثم لماذا انت على حق عندما لاتبدي تنازلا للوحدويين ، وأنا باطل عندما لا ابدي تنازلا للطائفيين ؟
ان هذه الفقرة تدخل في حقل توجيه التهم لا اكثر .  انت وحدوي وغيرك طائفيين انه محض ادعاء لا اكثر .. واقول :
 اخي العزيز جميل روفائيل : انك تسعى لالغاء تسمياتنا القومية الكلدانية والسريانية واحلال الآشورية بديلاً  لها ، وهذه حالة مرفوضة ، ولا تمت بصلة للوحدة القومية انك تضرب عرض الحائط مشاعر اكثرية ابناء شعبنا وتحاول الغاء الآصرة الحضارية والتاريخية لما ورثناه من ابائنا وأجدادنا ، فأين الوحدة من هذا السلوك ؟
ان الأنتماء  والأسم القومي لا يفرضان قسراً ، انما يكسبها الأنسان عبر الموروث اللغوي والديني والأجتماعي ، فتتكون لديه مشاعر قومية دون ان تفرض عليه فرضاً . فلو كنا اشوريين لا يمكن ان تكون ثمة قوة تمنعنا من ذلك ، ولكننا لسنا اشوريين فلا يمكن فرضها علينا بالقوة ، وأنا احترم قناعتك ولك ان تحترم قناعتي .
اما المحطات التاريخية التي ينبغي الوقوف عندها للرد على الأخ جميل روفائيل فهي :
المحطة الأولى :
 يقول الأخ جميل روفائيل :
.. ورغم هذا يلاحق الأخ حبيب ، كغيره من الراكضين وراء ابراهيم وأور : كان ابونا ابراهيم .. وكان وكان ..
وبدوري اقول للأخ جميل روفائيل :
ان حقيقة اور الكلدانية والحضارة الكلدانية عموماً لا تتعلق بعبارة واحدة مذكورة في الكتاب المقدس : ان ابونا ابراهيم خرج من اور الكلدانيين ، انما هناك بحوث وآثار وتنقيبات اركيولوجية وقرائن حضارية باهرة كثيرة تشير الى الحضارة الكلدانية التي ازدهرت في بلاد ما بين النهرين ، وثمة مصادر كثيرة اجنبية وعراقية تذكر هذه الحضارة ، ولا مجال لنكرانها .
المحطة الثانية :
  لا ادري ما هي العبرة في ان يركز الأخ جميل روفائيل على حادثة تتعلق بالملك  نبوخذنصر ، مؤداها : ان الملك المذكور قد عزل نفسه في البراري لمدة سبع سنوات .
ان اشكالية الأخ جميل روفائيل تتلخص في انه يحكم على اوضاع قديمة بمنظور معاصر فيه السيارة والطائرة والأنترنيت ، وهذا بحد ذاته خطأ كبير .
 لا ادري اذا كان الأخ جميل روفائيل يحذف من قاموسه حالات الأساطير القديمة وحالات  انسانية روحانية قديمة سلكت مبدأ الأعتزال والعودة . لدينا حالات لشخصيات معروفة مبدعة في التاريخ يذكر عن لجوئها الى حالة الاعتزال عن المجتمع  والتصوف ، ومن ثم تكون العودة الى مجتمعهم والعمل وسط هذا المجتمع بروحية جديدة عالية ، وان مدار الفلسفة الهلينية تكمن في ان افضل حالات الحياة هي حالة التأمل ..
لقد صعد موسى الى الجبل لوحده دون بقية بني اسرائيل وذلك ليتحدث مع يهوه . ولقد انسحب السيد المسيح بعد ان عمده يوحنا المعمدان لقد انسحب الى الفلاة اربعين يوماً ، وينسحب الى الجبل العالي منفرداً ويكمل بعدها رسالته ، لدينا امثلة تاريخية عديدة عن الأعتزال والعودة الى المجتمع والناس ، وكأمثلة غير حصرية أقول :
ان القديس بنديكت ثار على حياة العاصمة وعلومها وظل يعيش في وحدة مطلقة لمدة ثلاث سنوات وبعدها يعود الى الحياة الجتماعية . وربما كان بوذا اكبر مثال على ذلك حيث هجر عالمه الأرستقراطي وظل سبعة اعوام ينشد حياة الأفراط في التقشف والزهد ، وعاد الى مجتمعه مستنيراً رفاقه من البشر .
 لقد كان اكتشاف لفائف وادي قمران يشير الى وجود مجموعة من النساك تقيم بصوامع وكهوف في وادي قمران في شرق الأردن ، وكان هؤلاء النساك المعروفين بالأسينيين ( العقاد : حياة المسيح ص13 وما بعدها ) ينعزلون عن المجتمع ويعيشون حياة تقشف وزهد شديدين والأمثلة كثيرة على هذا النمط من الحياة من اجل مبادئ سامية   ، فعندما ينعزل نبوخنصر العظيم في البرية ، ويعود الى الحياة الأجتماعية ليس امراً غريباً في تلك العصور ، وحتى في عصرنا الحاضر هناك من يعتزل اختيارياً ، ويزهد في الحياة ، والناسك  تعني حرفياً في الأصل اليوناني : ذلك الذي يعتزل القوم ، انها صدى الأساطير القديمة  ترددها في معظم الديانات الكبيرة ، ولا ارجح الحكم على هذه الحالة على اعتبار انها غلطة مميتة .
المحطة الثالثة
نقرأ فقرة للأخ جميل روفائيل يقول :
عجيب انتقاء الأخ حبيب لفقرات من الحضارة الآشورية المتسمة بالطابع العسكري الدموي .. لماذا الآشوريين وحدهم ؟ كل الأمبراطوريات القديمة اتسمت حضاراتها بالجوانب الأنسانية والعسكرية والدموية .. فلماذا مدح هذا وذم ذاك ، ولماذا التركيز على الآشورية ...
اقول :
 كان ينبغي على الأخ جميل روفائيل ان لا يتطرق الى هذه المسألة بهذه الصورة لان دموية ووحشية الحضارة الآشورية في التاريخ محسوم . اجل كل الحضارات كان فيها الثقافة والعلوم والعسكرة ، لكن كل حضارة اشتهرت بصيغة معينة غلبت على السمات الأخرى .
لقد اتسمت الحضارة الكلدانية بالعلوم الفلكية ، وكانت الحضارة الرومانية تتميز بكونها دولة التشريعات والقوانين . ان المؤرخ الكبير ارنولد توينبي في دراسته للتاريخ يقول عن الحضارة الهلينية كانت تنزع بشكل ظاهر الى حياة يغلب عليها طابع الجمال بوجه عام .. وان الحضارة السندية والهندية المتفرعة منها ايضاً تغلب عليها نزعة الروح الدينية ، والحضارة الغربية اتسمت بولعها بالصناعة وبشييد المحركات الأجتماعية كالدساتير البرلمانية وانظمة الدولة .... (توينبي ج1 ص403 )
 ويكتب ارنولد تونينبي عن الحضارة الآشورية في الجزء الثاني من دراسته للتاريخ فيقول :
 ان البؤس والدمار اللذين ابتلت بهما اشور جيرانها ، لهما فوق ما يتصور . وتذكرنا الأقاصيص الوقحة الشرسة التي يعرض فيها سادة الحرب الآشوريون سجلات اعمالهم بشكل ساذج ، بذلك القول المأثور عن المدرس المنافق الذي يذكر للصبي الذي يجلده ، بأن الجلد يؤلمه ( اي المدرس ) اكثر مما يؤلم التلميذ . وإذا كان جميع ضحايا اشور الذين ذكرتهم هذه السجلات قد كافحوا ليعودوا الى الحياة ... الا ان نينوى قد سقطت ميتة ولم تبعث قط .. ( توينبي ج2 ص110 )
فهو يضيف في مكان اخر فيقول عن مصير اشور :
كانت الكارثة التي اودت بالقوة الحربية الآشورية عام 614 ـ 610 ق . م  احدى الكوارث العارمة المعروفة في التاريخ . فإنها لم تتضمن فحسب دمار اداة الحرب الآشورية ، ولكنها تضمنت كذلك محو الدولة الآشورية من الوجود واستئصال الشعب الاشوري ... ( توينبي ج2 ص104 )
 المحطة الرابعة
في فقرة اخرى يعلق الأستاذ جميل روفائيل عن السوباريين او الشوباريين ويقول ... انني سأبقى اعتبر هذا الكلام غير دقيق ، حتى يكتب الأخ حبيب تعريفاً واضحاً عن اصحاب هذا الأسم ...
اقول :
 ان التنقيبات الأركيولوجية تظهر ان هذه المنطقة كانت مسكونة منذ اقدم العصور ، وقد شخصت في الطبقات السفلى في بعض الكهوف الأثرية هياكل عظمية بشرية لأنسان النياندرتال ، ولكن لكي لا نتيه عن الموضوع الذي نحن بصدده وهو وجود السوباريين او الشوباريين فأقول  :
لقد اورد برهان الدين دلّو في كتابه حضارة مصر والعراق يقول :
إذن لم يحل الآشوريون في ارض خالية ليس فيها جذور حضارية ، بل سبقهم الى سكن هذه البقاع اقوام اخرى منهم السوبارتو( السوباريون ) ، وليس السومريون إلا فريقاً ينتمي الى نفس الأصل الذي ينتمي اليه السوباريون ، وكانوا يعيشون في الشمال مع السوباريين قبل ارتحالهم  ( برهان الدين دلّو ص 230 ـ 231 ) .
اما طه باقر في مقدمته في تاريخ الحضارات القديمة فيقول :
.. ويوجد اسم آخر لموطن الآشوريين يرجح ان يكون الأسم الأصلي الأقدم وهو سوبارتو او شوبارتو .. والمرجح ان الآشوريين قضوا على جماعات من اولئك السوباريين وأزاحوا جماعات اخرى منهم الى الجبال ... ومما لا شك فيه ان الآشوريين تأثروا بهؤلاء السوباريين في النواحي القومية واللغوية والدينية .. لكن الآشوريين تحاشوا اطلاق تسمية السوبارتو على بلادهم وعلى انفسهم ، لأن التسمية كانت تنطوي على مدلول شائن ... ويضيف طه باقر :على ان البابليين ظلوا يطلقون كلمة ( سوبارتو ) على الآشوريين وعلى مواطنهم ، ولا يستبعد ان يكون ذلك من باب الأنتقاص ... وعن موطن الآصلي للآشوريين يقول طه باقر :
ان الآشوريين نزحوا الى موطنهم من الجنوب اي من بلاد بابل ... طه باقر ص 472 ـ 472 ) .
المحطة الخامسة
يقول الأخ جميل روفائيل :
اما بالنسبة للسنين الـ (71 ) التي حكمت الأسرة الكلدانية في العد البابلي الآخير ... الخ
 ان الأخ يختصر الحكم الكلداني والحضارة الكلدانية بـ (71 ) سنة لكن الأمر ليس كذلك باعتراف الكتاب الآشوريون فالكلدانية هي البابلية والحضارة البابلية هي الحضارة الكلدانية ، ونقرأ للكاتب ايشو مالك خليل جوارو في الكتاب الذي جمعه تحت عنوان ( الآشوريون في التاريخ ) حيث يقول :
 من المعتقد ان القائد الكبير آشور جد الآشوريين قد هاجر هو ايضاً من شنعار وحل في آشور ، ( ايشو مالك ص 11 ) .
وعن الثقافة العسكرية الآشورية يقول :
 .. الجدير بالذكر ان القوانين الآشورية كانت اقسى من البابلية ، ومدوناتهم الملكية يدور محورها حول المعارك ، في حين نرى مدونات بابل في الحقبات التي تلي 2200 ق . م قلما تحدثنا عن القتال ( ايشو مالك ص 15 ) .
وعن الأدب الآشوري نقرأ في نفس المصدر قوله :
اولى الآشوريون المزيد من العناية للعمليات العسكرية ولم يكن فن السلم يسترعي انتباههم كفن الحرب ... والأدب الآشوري مؤلف من الأدب البابلي ، اي اللغة التي كانت تحكى في الجنوب مما يدل على ان اشور وبابل كانا عنصراً واحداً ... ويضيف اما سائر الهتهم كنابو ، إله الحمة ، وعشتار ( اشتار ) إلهة الحب ، فهي الهة بابل ...( ايشو مالك ص 24 ـ 25 ) .
 وهناك من يجتهد بفصل الكلدانيين عن البابليين ، ولكن الكاتب الآشوري يفسر  ترادف الكلدانية والبابلية ويقول ايشو مالك حول ذلك :
.. الجدير بالذكر ان امتزاج الكلدانيين بالبابليين من جهة وانصهارهم في بوتقة واحدة ازيلت منها الفوارق من جهة اخرى أديا الى نهضة الأمبراطورية البابلية ، إذ لم تكن اللهجة الكلدانية لتختلف عن البابلية التي كانت بالفعل مماثلة للآشورية ، فكان من حتميات الطبيعة ان تمسي عبارة كلـــــــــداني مرادفاً للبابلي ( ايشو مالك ص54 ) .
 في نقطة اخيرة يتساءل الأخ جميل روفائيل فيقول :
ثم لا ادري ما هذا ( الخلط الغريب ) الذي يذهب اليه الأخ حبيب ... بإيراد اسم تلعفر وتركمان وعرب وسنجار وازيدية وسينان ...
 اقول للأخ جميل روفائيل :
 ان اما اوردته ليس خلط غريب ، انما اردت به ان الأرض التي كانت اشورية سنة  2800 قبل الميلاد اي قبل حوالي 4800 سنة من زمننا الحاضر ، ان هذه الأرض لم تعد اشورية والناس الذين يعيشون عليها لم يعد اسمهم الشعب الآشوري ففي المدن التي كانت اشورية قبل 4800 سنة يعيش اليوم العرب والأكراد واليزيدية والكلدانيون والسريان والآشوريون والشبك والأرمن ومن هنا كما ترى ليس ذلك ( خلط غريب ) ، انما هو واقع حاصل على هذه الأرض .
ويورد الأخ جميل في ختام مقاله ويقول :
.. اتمنى ان يعتمد الأخ حبيب تومي على المصادر التاريخية ويورد نصوصها لكي لا يكون ما يورد من كلام مجرد كلام عابر ...
اقول :
 انا شخصياً ملتزم بأمانة الكتابة وغالباً ما اعتمد في موضوع التاريخ على المصادر ، وأشير بكل امانة الى المصدر ومؤلفه ، وهذا ما ادرجت عليه في كتابي عن القوش ، وفي المقالات غالباً ما اشير الى ذلك إذا كان المقالة تاريخية او فيها اقتباس من كاتب ، واليوم كتبت هذه المحطات التاريخية معتمداً على المصادر :
ــ الآشوريون في التاريخ : جمعه أيشو مالك خليل جوارو : ترجمة وأشراف ، سليم واكيم .
ــ مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة : طه باقر .
ــ حياة المسيح : عباس محمود العقاد .
ــ حضارة مصر والعراق  : برهان الدين دلّو
ــ مختصر دراسة التاريخ : أرنولد توينبي ، ترجمه فؤاد محمد شبل ، الجزء الثاني .
ــ مختصر دراسة التاريخ : ارنولد توينبي ، الجزء الأول   
  مع التحية
حبيب تومي / اوسلو