الأخ العزيز ضياء
حين نتأمل خبرة الانسان وصيرورة علاقته مع الله، يتكشف لنا بعدان جوهريان ما فتآ يقحمان الانسان في تساؤل وجودي عن معنى الحياة والعلاقة مع الخالق. انهما: الألم والحرية.
فلربما تكون الخطيئة هرباً من الحرية. تلك التي يهبها الله لكل من يناغم ذاته العميقة بحضوره الخلاق. لكنها ليست بالسهلة، لانها كالنار التي تحرق كل اغصاننا اليابسة بل كالمخاض الذي يأذن بالولادة. ولهذا يخاف انساننا اليوم من ادراكها، فيلجأ بالتالي الى انكار هويته الايمانية متبنياً حرية صنمية تقدس " الأنا"، شعارها :" حريتي حيث أكون مرتاحاً".
بل قد تكون الخطيئة هرباً من العزلة والشعور بالألم. فلطالما تعتري حياتنا فترات ترطمنا بحائط اللاهدف واللامعنى، كوننا لم نتصالح يوماً مع ضعفنا ، نقصنا، طفلنا الداخلي. حينها يشع مجد هذا العالم ببهرجته وماديته النتنة، أما صخبه فهو الكفيل في اسكات صوت الداخل والهروب نحو " الهروب".
عزيزي ضياء، منذ أن شعت شمس المسيحية وتكونت أول دعائمها وهي تختبر اضطهاداً متفاوتاً في الشدة، يتراوح بين اضطهاد منظم وصريح على يد شابور، ونيرون وغيرهم وبين اضطهاد غير مباشر كما نشهده اليوم. ويبقى المسيحي في ارتحال والم باحثاً عن أرض الميعاد، باحثاً عن الجليل، باحثاً عن المعنى .. وكأنه يواصل رحلة ابتدأها الله في صحراء سيناء.
لنصل من أجل مسيحيينا في العراق، انهم يختبرون الم الكنيسة الاولى نفسه. لا يخافون الحرية ولا الالم بل ان بنائهم مؤسس على صخر الايمان والتمسك بالجذور. ولنصل من أجل مسيحيينا في المهجر، ممن يجسدون الشعب الباحث عن المعنى والمرتحل نحو عوالم مجهولة، يلتمسون فيها بصيص نور الله.
اخي العزيز ضياء، ما أعمق تساؤلاتك وتأملاتك التي تكشف ماضي مسيحييتنا وحاضرها. إذ يشع الق الامل في ارض الميعاد ويتجسد بالاتحاد بالله كما يقول القديس اوغسطين. هذا العالم مقدس،يدفعنا في كل لحظة الى اختبار حرية ابناء الله وألم هذه القضية. لنختبرها بفرح الايمان، طالبين من الله ان يدعمنا بنعمته المعزية، ولنكن رسله في الارض اينما كنا !
باركك الرب ... تقبل شكري وخالص محبتي ..
أخوك بالرب
الراهب صميم باليوس للفادي الأقدس