الحوار والراي الحر > المنبر الحر

القيـــــــــــد و أناشيــد البطولـــــة - قصة نفق سجن الحلة (الحلقة الخامسة)

(1/1)

Naeem Alzuheyri:
القيـــــــــــد  و أناشيــد  البطولـــــة

قصة نفق سجن الحلة المركزي
الحلقة الخامسةنعيم الزهيري

بعد انقلاب شباط الاسود في 8/2/1963 ، غصت المعتقلات والسجون وحتى الملاعب وبعض دور السينما وبعض المدارس بالمعتقلين من الشيوعيين والديمقراطيين والمستقلين وصارت العداوات الشخصية ذريعة للاعتقال، واغرقت البلاد بالدم، وضرب الارهاب اطنابه في كل البلد، وصبيان مايسمى بالحرس القومي كانوا قد شدّوا خرقا خظراء على ايديهم وحملوا الرشاشات وصار القتل بلا ثمن، عشوائيا، في الشارع وفي السجن وفي البيوت، فعاش البلد في فوضى تامة، وهلل عبد الناصر " بانتصار العروبة!"
ونصب الانكليز اذاعة لهم في الكويت تعيّن اسماء ومواقع الشيوعيين والديمقراطيين ولم تتحرك القوى الكردية في الشمال،لم تسخم بيان استنكار لجرائم الانقلابيين،بل عمدت كوادر الحركة الكردية الى تسليم الشيوعيين الى حكومة الانقلابيينن لذبحهم، عدى موقف يذكر للملة مصطفى البرزاني بايقاف ذلك ،ولم نجد تفسيرا لذلك الموقف؛ أهو إعتقادا من الحركة الكردية أن غلات العنصرية العربية ستؤمن للشعب الكردي حقوقه القومية، أم هو إشارة من العم سام ومن الموساد الصهيوني ،أم هو تشفي بالحزب الشيوعي العراقي، الحزب العراقي الوحيد الذي سطر في برامجه الحقوق القومية للشعب الكردي ،قبل ان تتشكل الاحزاب القومية الكردية !؟
أم نسيانا لتضحيات الحزب الـ"الف " شيوعي سجن في مظاهرات ايقاف حرب حكومة عبد الكريم قاسم في كردستان ، وشعار "السلم في كردستان " أم الجبهة الثنائية التي أقامها الحزب الشيوعي العراقي مع "حزب البارت " بعد ان رفضت كل الاحزاب العراقية دخول الاكراد في جبهة الاتحاد الوطني في آذار 1957  ، أم ماذا !؟.
ورقصت شركات النفط على مسح حبر القانون رقم 80 ، لقد وصلت العروبة والوحدة الى الحكم بقطار انكلوـ امريكي، كما قال  على صالح السعدي، بعد سقوط حكمهم في انقلاب تشرين من نفس العام. واثر هذه الضربة الموجعة بالحزب والحركة الثورية تبلور اتجاهان، الاول، يتمثل في ادانة الانقلاب والتحول الى الكفاح المسلح  كما صار في اهوار الجنوب، كالناصرية. منطقة غمّوكه. وفي كوردستان ببناء قاعدة للحزب في " بيرموس" ويعني هذا الاستمرار في النضال ضد حكومة الانقلاب... ومن هنا ايضا انتفاضة معسكر الرشيد في 3/تموز/1963 بقيادة النائب العريف حسن سريع ورفاقه (( الكاتب هو واحد من قيادييها ومؤرخ أهم احداثها)).
تلك الانتفاضة التي اعادت للشيوعيين والجماهير الشعبية معنوياتها، ومرغت هيبة الانقلابيين بالوحل وكشفت زيف بطولاتهم. وقبلها كانت حركة فايدة بقيادة الشهيد البطل طالب عبد الجبار التي قضي عليها قبل التنفيذ بساعات... ومحاولة منظمة الثوريين وغيرها، فالشعب لم يمت وغير عاجز عن تقديم الضحايا على مذبح الحرية والتقدم.
  اما الاتجاه الثاني، فهو يميني ذيلي، مفاده انتقادا للمسيرة الثورية للجماهير الشعبية ونضالات الشارع والاضرابات العمالية ومظاهرات، السلم في كوردستان، وقد وصل الامر بالبعض حد تزكية المتآمرين كحركة الشواف، بل واراد البعض اعطاء الحق لانقلابيي شباط في الاعمال التي ارتكبوها، على اعتبار ذلك رد فعل لمقاومة الحزب للانقلاب الاستعماري النفطي...
  لقد كان البعثيون والقوميون شركاء في الجريمة، وبعد نجاحهم ظهر التناقض فيما بينهم فابعد القوميون في 20/5/1963 واستأثر البعثيون بالحكم وحدهم، وبذلك تعقدت العلاقات بين البعث و مصرعبدالناصر... وفي 18/11/1963 نجح القوميون بقيادة عبد السلام محمد عارف رئيس الجمهورية نفسه، بانقلاب ضد شركائه البعثيين وطردهم من الحكم، وتم التقارب مع مصر كما اتخدت بعض الاجراءات لتهدأة الاوضاع المضظربة في العراق. ومن هنا جاء خط تزكية انقلابيي تشرين تحت ذريعة، القضاء على الحرس القومي، والتقارب مع مصر والهدنة في كردستان والتفاوض مع الحركة الكردية...
ان هذه الامور دفعت ـ ابو علي ـ عضو اللجنة المركزية،واخرين من كوادر الحزب ، ان يحرروا بيانا في اب 1964 يحددون فيه موقف "الحزب" من الانقلابيين الجدد و يسقطوا شعار إسقاط الحكومة القومية الجديدة ،  [[ لم ينكر حسين سلطان ذلك بل اكده لي" للكاتب" في لقآتي معه في سجن الحلة المركزي و في بلغاريا، بقوله:
ـ " لست انا الوحيد المسؤول عن خط آب، بل هناك اخرون معي وافقوا عليه واقروه، وهم من لجنة بغداد، ومنهم بيتر يوسف، وكاظم الصفار، وغيرهم" كما انه لم ينكر قوله " حتى لو يستقيل او يطرد ثلثا اعضاء الحزب " فالبيان صحيح  ويقول ايضا:  لقد طلب بيتر يوسف وكاظم  الصفار الانظمام الى الاتحاد الاشتراكي!! ]] ...
 
  أبتلعت اسوار السجن بقايا قرص القمر فغاب مثلما طلع. لفت البطانيات السوداء اجسام السجناء وناموا بصفّين متقابلين طويلين غارقين في احلامهم وكوابيسهم المزعجة وتعالى الشخير والهمهمات من بعضهم ، لكن الارق كان يصاحب جفون الشيخ وقد طرد منها الوسن فأسند ظهره الى الحائط وغطى وجهه سحاب خفيف من دخان سكائره التي لا تفارق شفتيه واخذته نوبة حادة من السعال كادت ان تقطع عليه تصوراته ، فتراى له سجن الحلة بأسواره العالية ومحارسه في اركان السطح كما تبين له بعض الحراس يتمشون بخطى ثقيلة على السطح ويطلّون على ساحة السجن المكشوفة تارة وعلى   الطرق المحيطة به تارة اخرى ...
  اطل آذار بزخات مطر خفيفة بلّت التربة وأنزلت ما في السماء الصحراوي من غبار ، لكن رغم ذلك فلا نبتة ولا زهرة  تبدو في تلك الارض الكلسية البيضاء... نوديََّ على الشيخ ان يحزم حاجياته فلقد صدر امر بنقله الى سجن الحلة ، وثانية تأرجح جسده المربوع  في السيارة الخضراء  المشبكة وسط حراسة مشددة ، وكالمعتاد كانت سيارة الشرطة المسلحة تسير امام سيارة السجناء تارة وتارة اخرى تتبعها كحيوان صغير يركض وراء أمه..
لم يشعر الشيخ بالطريق هذه المرة اذ ان سجن الحلة افضل بكثير من منفى سجن نقرة السلمان، فهو في وسط المدينة وبأمكان عائلته ان تزوره في الايام المخصصة للزيارة  دون استحصال ورقة اذن من الحاكم العسكري، كالذي في سجن السلمان اضافة ان علاقته بالحزب ستكون اسهل، والاكثر من ذلك ربمـا سينفذ برنامجه للهروب وفقا لما رسمه في ذهنه وصمم عليه...
كان وصوله الى سجن الحلة في المساء فاستقبله السجناء بأهتمام كبير حيث معارفه الكثيرة من السجناء وبالاخص رفاقه القدامى الذين عايشوه في مجرى حياته النضالية.. وكانت الغرفة الصغيرة التي عيّن فيها مكانه من قبل الهيئة الادارية للسجناء تغص بالزوار تارة وتفرغ تارة" اخرى، وفي ساعة متأخرة من الليل نام نوما عـميقا بعد ذلك السفر الشاق الطويل ...                                                                                                                   

نـفـق سـجـن الحـلـة الـمـركزي ؛
مأثرة اخرى مـن مآثر الشيوعييـن العراقييـن
   يقع سجن الحلة المركزي في منطقة شعبية تسمى باب المشهد في الطرف الجنوبي من المدينة،على شارع رئيسي واسع يفصله عن البيوت السكنية المكتظة بالساكنين، فيما يمتد الشارع الاخر على يسار السجن  " غربا " بمحاذاة بستان طويل من اشجار النخيل وصولا الى مـدرسة كبيرة سياجها الخارجي منخفض تقريبا، وتقابل بناية السجن وفي وسط الشارع  بين الذي يقابل الباب المدرسة والسجن تقـع كابينة صغيرة لشرطي العام مرور، هي آخر نقاط المدينة في الطريق الى القرى حيث ينتهي الشارع المعبّد ويبدأ الشارع الترابي.
أمـا في الجانب الشرقي للسجن فيقع شارع ترابي ضيّق يفصله عن بيوت شعبية واكواخ يسكنها عمال وفلاحون وكسبة فقراء... كما يلاصق السجن من الناحية الجنوبية مرآب للسيارات، ترقـد فيه سيارة كبيرة عاطلة تكاد تلاصق السياج الخارجي للسجن. وفي باب المرآب الحديدي الواسع يجلس حارس المرآب على كرسي من الخشب  بمقابل كابينة شرطي المرور ....
  يتكون السجن من قلعتين القلعة القديمة والقلعة الجديدة. القلعة القديمة كبيرة ويفضي اليها الباب الرئيسي للسجن عبر باب حديدي آخر وتتكون تلك القلعة من عدة غرف كبيرة واخرى صغيرة وقـد نظمت الغرف بصفين متقابلين تتوسطها ساحة  مستطيلة مفتوحة على ساحة السجن العامـة وهذه الساحة العامة الكبيرة نسبيا مكشوفة ايضا ومعبدة بالقار وقد صار القار قديما جدا وصارت الحفر تملأ الساحة مما يجعل تنظيفـها امرا ليس باليسير ومن تلك الساحة ومن جدران الغرف والطابوق الذي بنيت منه الغرف يمكن للمرء ان يخمن مدى قدم السجـن..
وتحتوي الساحة على ساحة غير نظامية لكرة السلة واخرى للكرة الطائرة... اما القلعة الاخرى وتسمى ،القلعة الجديدة، فهي احدث من نظيرتها نسبيا ويفصلها عنها " أي عن القلعة القديمة " دهليز طويل بطول عرض السجن، عرض هذا الدهليز ستة امتار ويسمى الـ " محجر" وهو مخصص للسجناء غير السياسيين حيث وضع فيه ما يقارب ستين سجينا ....
  ساحة القلعة الجديدة معبدة بقطع كونكريتية ضخمة مربعة الشكل وتحيط بالساحة غرف كبيرة وصغيرة من جوانبها الاربع ومدخل القلعة الجديدة عبارة عن باب صغير مصنوع من القضبان الحديدية الغليظة لايبعد عن الباب الرئيسي سوى خمسين مترا عبر الممر الذي يفصل بين غرف السجن ( البناية الداخلية) وبين السياج الخارجي للسجن، وفي الجانب الجنوبي من القلعة الجديدة بني جناح خاص ينتئ في الساحة ويتكون من اربعة غرف متقابلة وغرفة صغيرة في النهاية تستخدم كحمام وتواليت، وهذا الجناح كان يستخدم كمستشفى داخل السجن...
والغرفة الصغيرة تتوسط الغرفتين رقم 13،7 وتشترك معهما ببابين يفتحان عليها، اضافة الى ان لكل منهما باب رئيسي اخر يفتح على الساحة كبقية الغرف الاخرى. وفي الجانب الشرقي من الساحة تقع غرف الحمامات العامة وبعض المغاسل. وهذه عامة لكل السجناء في القلعة الجديدة.
  يفصل بناية السجن عن سياجه الخارجي العالي، ممر ترابي يحيط بالبناية وهو بعرض ثلاثة امتار، اما المطبخ وفرن الخبز وغرفة اخرى تستعمل لحجز المخالفين من السجناء، تطل على الممر مباشرة وهي معزولة تماما عن القلعتين... اما نقاط الحراسة فتتركز في اركانه الاربعة فوق سطح السجن ويمكن مراقبة السجناء في الساحة بشكل جيد ايضا... هذه هي الخريطة العملية الميدانية بابعادها الدقيقة المعروفة لكل السجناء المتواجدين في السجن  تقريبا.
 
  في اواخر عام 1967 كان سجن الحلة المركزي يضم، عدا السجناء العاديين، اكثر من مائتي سجين سياسي، يتوزعون في القلعتين، وان مايميزهم هو وحدتهم القوية ازاء ادارة السجن، وارثين ذلك من تقاليدهم وتجاربهم الغزيرة...  فاللجنة القيادية للتنظيم الحزبي الشيوعي، تتكون من رفاق اختبرتهم الظروف القاسية وصلّبت اعوادهم من خلال بقائهم فترات طويلة في السجون في العهدين الملكي والجمهوري ومن خلال ما خاضوه من معارك طبقية وما عانوه من مصاعب جمّة فصمدوا امام المغريات والقسوة، وتحملوا التعذيب الجسدي والنفسي امام لجان التحقيق ودفنوا اسرار رفاقهم في اعمق اعماقهم وبذلك حازوا على احترام السجناء وتقديرهم كما ان وعيهم الجيد وادراكهم للعمل السياسي وما يجري في الساحة وثقافتهم المتنوعة وارتباطهم بالحزب بشكل مباشر، اضفى عليهم الهيبة والاحترام.
ان هذه اللجنة هي صاحبة القرار والامر والنهي والتوجيه وتحمل المسؤولية في اتخاذ القرارات، فهي تعنى بتربية السجين السياسي وتثقيفه وتصليبه وحلّ مشاكله، وتقرر شكل التنظيم الحزبي والديمقراطي المناسب وتؤدي واجباتها الحزبية والسياسية امام الحزب خارج السجن وان حدث وانقطعت العلاقة مع الحزب، وغالبا مايحدث نتيجة ظروف قاسية، تكون هي الحزب في نطاق عملها،مثل أية لجنة حزبية في السجون الاخرى...
  وتحت اشراف هذه اللجنة يتم تحديد شكل العلاقة مع ادارة السجن وبالتالي شكل النضال المناسب وبالاخص في ظروف الجزر، كتقديم المذكرات والوفود وحتى الاضراب عن الطعام والاعتصام. ومن هنا فان اعضاء اللجان القيادية في السجون يكونون مستهدفين من قبل ادارات السجون. وعرضة للعزل في زنزانات انفرادية او للنقل الى السجون البعيدة او اختلاق تهم اضافية ضدهم، واصداراحكام اضافية بحقهم، لذلك فان اعضاء هذه اللجان في الاغلب تكون سريّة وغير مكشوفة الا لمجموعة معتمدة فقط. ويرتبط الاعضاء الحزبيون والاصدقاء من غير الحزبيين بشكل معين تحدده هي، ويرتبط باللجنة القيادية ايضا مسؤول العلاقات مع ادارة السجن ويسمى( ممثل السجناء) ينفذ سياسة اللجنة وتعليماتها وله مساعد في حالة غيابه او مرضه. هذا في حالة ان يتمكن السجناء من تحقيق هذه المكاسب وفرض اراداتهم على الادارة.
   والى جانب لجنة التنظيم القائدة، هيئة ادارية لا يشترط ان تكون حزبية، لكن من العناصر الموثوقة والحائزة على احترام السجناء، وفي النصف الثاني من عقد الستينات اخذ بمبدأ انتخاب اعضاء هذه الهيئة. ومهام هذه الهيئة هي ادارة الشؤون اليومية للسجناء السياسيين، كتوزيع الواجبات في المطبخ وفرن الخبز والتنظيف العام، واستلام الارزاق والنشاطات الفنية المتنوعـة...
 في سجن الحلة المركزي ونتيجة لوحدة السجناء وقوة تنظيمهم والظرف السياسي العام، حقق السجناء السياسيون الكثير من المكاسب وفي مقدمتها، استلام المطبخ والمخبز وكذلك اجراء التعداد اليومي داخل الغرف واجراء مقابلات العوائل داخل الغرف ايضا، ومراجعة السجناء للادارة او استدعاء احدهم من قبل الادارة او تبليغه، يجري عبر ممثل االسجناء.
  لم يجتمع الشيخ مع الهيئة الحزبية للسجن، اذ ليس من الضروري ان يجتمع عضو لجنة مركزية مع اللجنة التنظيمية للسجن، رغم ان بعض اعضائها يحملون صفات متقدمة في الحزب، او ربما لان ترحيل الشيخ لم يصل بعد، او، لامور اخرى غير معروفة، لكن مراسلات الشيخ مع الحزب وبريده كان منتظما...
اسلـــوبان لهـــدف واحـــد
  كانت فكرة الهروب الجماعي قد اختمرت نهائيا واجتمعت خيوطها بيد الشيخ، ولم يبق سوى موافقة الحزب والبدء بالتنفيذ، لكن جواب الحزب تأخر كثيرا، لقد طرحت فكرتان لتنفيذ عملية الهروب تتلخص الاولى بشراء او استئجار بيت في الناحية الشرقية من السجن، ومن داخل البيت تجري عملية الحفر وتنتهي بالسجن في موقع الحمامات اذ تقدر المسافة 100ـ 150    مترا" في اكثر الاحوال ولهذه الفكرة فوائدها الكثيرة، فهي قليلة الصعوبة، او، قل أقل صعوبة حيث كل مستلزمات العملية متوفرة في الخارج ابتداءَ من ادوات الحفر الى نقل التراب وصيانة النفق وسريته وهذا اهم شيء في العملية...
أما الفكرة الثانية وهي الاصعب والاكثر تعقيدا، ان يكون الحفر من داخل السجن نفسه وهذه العملية شاقة جدا، اذ لا يمكن تصور صعوبتها اوالاقدام عليها بسهولة، نظرا لظروف السجن وعدم توفر ادوات الحفر وكيفية معالجةالتراب، والاكثر اهمية من ذلك هو امكانية صيانة العملية دون كشفها... لكن جواب الحزب تأخر كثيرا، ولم يكن تفسير هذا التأخير صعبا على الذين واكبوا عمل الحزب انذاك...
  اختار الشيخ عشرين رفيقا من بين رفاق السجن ممن تتوفر فيهم الصفات الاساسية للحزبي، الانضباط وكتمان السر، الدآبة في العمل، الاقدام الصمود وقوة التحمل وغيرها. والاهم من ذلك هو مواصلة العمل الحزبي بعد الخروج من السجن... عقد الاجتماع في غرفة مغلقة في القلعة القديمة، وطرحت فكرة حفر نفق في السجن والهروب منه ونوقشت فتحمس البعض وتحفظ البعض الاخر وتردد اخرون، لا، بل سفه العملية كادر حزبي معروف بتطرفه اليساري معتبرا اياها مغامرة لامنطقية ودعا الى صرف النظر عنها ، فانفضّ الاجتماع دون ان يحقق سوى خيبة الامل ...!
  كان ربيع عام 1967 ساخنا في احداثة الدولية والعربية والداخلية، فالحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي مستمرة والتحضير للحرب بين اسرائيل والدول العربية على وشك الوقوع، وفي داخل العراق كان الظرف العام للتغيير مناسبا جدا حيث حكومة بغداد ضعيفة وممـزقة تنخرها التناقضات ورئيس الجمهورية " عبد الرحمن عارف "في منصبه مثل " خيّال المـآثة " .
ومن جانب آخر فاِن الحزب الشيوعي العراقي كان قـد نهض تواَ وضمد جراحاته العميقة ولملم شمله بعـد الضربة القاسية والابادة التي تعرض لهـا رفاقه وقيادييه واصدقاءه  بما فيهم سكرتيره الاول " سلام عادل" وأعضاء من المكتب السياسي واللجنة المركزية واعضاء مناطق ومحليات وكوادر اختصاص وكوادر حزبية، على ايدي انقلابيي شباط الاسود ، لكن صفوفه لم تكن موحدة اذ ان التناقض كان ينخر في صفوف قيادته، والتكتل أخذ أبعاداَ وسكرتير لجنته المركزية ينقصه الحزم.
وكان التحضير للانشقاق يجري على قدم وساق وبشكل مكشوف من قبل عضو المكتب السياسي عزيز الحاج " رمـزي" ومن التف حوله من كوادر بغداد ولجنتها القيادية وبالاخص لجنتها العمالية ، كما ان السجون لا تزال تطبق على خيرة الكوادر الحزبية واصلبها، لكن ذلك لا ينفي وجود نشاطات وتحضيرات وتهيأة لخلق مقدمات لانقلاب  او لعمل شعبي او اي اسلوب آخر يطيح بالنظام القائم انذاك والاتيان بالبديل الديمقراطي المناسب سواء بقدرات الحزب الذاتية ام بالتعاون مع اطراف وطنية أخرى، وقد انعكس هذا النشاط في العمل بين صفوف الطلبة والمثقفين والعمال والفلاحين والنضالات المنوعة الاخرى التي خاضتها تلك القطاعات. ومن هنا ايضا احياء الحزب لخطين للعمل بين صفوف الجيش ويبدو ان الشيخ  كان على اتصال باحد هذين الخطين قبل اعتقالة....

لا امل من مساعدة الحزب وتبنيه العملية، لا امل في تبني لجنة التنظيم للعملية ايضاَ نحن امام اختيارين؛ اما الاقدام على المغامرة وأما اهمال الموضوع نهائيا والاستسلام للقدر والاستمرار في حالة الترقب دون المساهمة في القيام بعمل يزيد من حط هيبة الحكومة القائمة وهـز كيانها؛  كان الرجحان للاقدام على عملية الحفر دون الاستسلام وليكن ما يكون..!؟ فلا ابعد من سجن نقرة السلمان سجن ولا اكثر من العشرين سنة، سنوات للسجن!!
 اختار الشيخ سبعة رفاق متميزين وهم كل من :  حافظ رسن / كمال كمـالة /  مجيد الملقـب بـ" جـدو" /   صلاح واخيه عقـيـل / ملازم فاضل/ سعيد تقي /. كان اؤلئك الرفاق على استعداد تام لتنفيذ العملية وكانت محكومية كل منهم لا تقل عن عشرين سنة ،فكانوا على استعداد تام لتنفيذ العملية ،بعد ان
فاتحهم بموضوع النفق...
يتبع[/b][/size][/font]

تصفح

[0] فهرس الرسائل

الذهاب الى النسخة الكاملة