الحوار والراي الحر > المنبر الحر

(ألعائلة المقدسة) وقرار رحيل الرئيس بشار الأسد

(1/1)

نذير حبش:
(ألعائلة المقدسة) وقرار رحيل الرئيس بشار الأسد
نذير حبش

قِيل لصدام حسين ((يأتيك الحظ مرتين: مرة في أوانه ، والأخرى بعد فوات الأوان ، فلا تندم مرتين.)).

عندما يأتنيا الحظ في أوانه ونتهاون في إستغلاله ونخسر الفرصة ، نندم لأننا لم نستغله ، ومتى ما جاءنا ثانية ، ذات الحظ ، في غير أوانه ، نندم لأننا لم نستغله في المرة الأولى ، حينما طرق بابنا في أوانه ، وهكذا نكون قد ندمنا مرتين !

لو جلسنا نعد المفكرين والكتّاب العرب المرموقين لن ننتهي من كثرتهم ـ وأنا لست مؤهل لتقييمهم ـ لكنهم بحق يستحقون الإنحناء لهم. لن أكتب ألف مقال كي أنال صفة كاتب جيد ، بل أحاول إصابة الحقيقة بمباشرة أكثر ، هذا هو هدفي ومبتغاي. ولأنني خارج حسابات أية جهة ، كشخص بسيط ، ولست كاتباً أو صحفياً يخاف على مهنته وباب رزقه أو منصبه ، مما يجعله يدور حول الحقيقة دون أن يتلفظ بها، وإن كان يعرفها !

حتى الآن صُلبت (أضاحي) عديدة على صليب الرأسمالية المتوحشة ، أو كما أطلقتُ عليها من قبل (ألعائلة المقدسة). أولها كانت الكويت ، حينما خُدِع صدام حسين ذو الفكر الضحل بمحاولته اليائسة في ضمها. وقد إبتلع الطعم بسرعة لوضاعة قدراته الفكرية كما قلنا ، وكان الذي كان.

وثانيهما لم تكن لها حول ولا قوة (برجي التجارة العالمية). أما ثالثة الأضاحي والخامسة (ديفد كيلي) و(غازي كنعان) . كانا ثمن من يشغل (المركز الأساسي) في (اللعبة). فاللعبة تتطلب أحياناً تقديم الأضاحي من بين اللاعبين الأساسييين أنفسهم.

بالإمكان التضحية بالبيدق، ألحصان ، ألفيل ، ألقلعة وحتى الوزير ، لكن من غير الممكن التضحية بالملك ، إلاّ في حالة الرغبة في إنهاء اللعبة ، أي الوصول إلى غايتها ، هكذا خسر صدام نفسه، وحافظ (طوني بلير) و (بشار الأسد) بحياتهما.

أما الأضحية الرابعة من بين الأضاحي كان الشهيد (رفيق الحريري) ، وكل ذنبه كان ـ كالأضحية الثانية (البرجين) ـ كان الحريري الرجل الأول في لبنان دون منازع ، وأعظم شخصية سياسية من حيث القيمة والأهمية ، فكان رمز لبنان ، شأنه شأن (البرجين) اللذين كانا (رمز) الولايات المتحدة الأمريكية ونظامها الرأسمالي. وتقودنا هذه الحقيقة إلى القول أن الذي يُصلب قد يكون يمثل رمز الشرف ، أو رمز الإجرام !

قدمت هذه الأضاحي بعد إستفراد المعسكر الرأسمالي ، الذي تقوده الولايات المتحدة ، بحكم العالم بعد سقوط جدار برلين ، وبعد إستفراد (الرأسمالية المتوحشة) بالحكم بإنقلاب (ديموقراطي !) وإسقاط جدار الديموقراطيين في البيت الأبيض إلى حين غير مسمّى حتى الآن.

أول أضحية كانت (الكويت) كتجربة أولى لجس نبض الروس إذا ما كانوا بالفعل قد أداروا ظهرهم للحرب الباردة إلى غير رجعة. والثانية كانت برجا التجارة العالمية من أجل أن تذهب العائلة المقدسة أبعد في غايتها. ألكويت كانت لجس نبض الروس إذا ما كانوا بالفعل غيّروا من سياستهم القديمة. وكانت بداية خجولة نحو تأسيس للمرحلة المقبلة ، أي سيطرة الولايات المتحدة على القرار العالمي، لكن مع إحترام الشرعية الدولية ، ألأمم المتحدة في تلك المرحلة.

ألبرجين كانا وسيلة لتصل العائلة المقدسة إلى أقصى حد ، بعد أن أدركت أن الإتحاد السوفياتي أصبح ذكرى من الماضي. كانا (رمز) لكرامة الولايات المتحدة ، وهما خير من يصلحا لهز مشاعر الشعب الأمريكي ـ مضافاً إليه الرأي الشعبي الأوربي ، كما توهمت (العائلة المقدسة) في باديء الأمر ـ فعملت وخططت على مساعدة عناصر (جاهلة) وحانقة على أمريكا من أعضاء القاعدة ـ بطريقة وبأخرى ـ وسمحت ومهّدت ، بل ساعدتهم في إصابة الهدف بشكل دقيق !

كلا الطرفين كانا على قناعة بأن الذي أنجزه كان رائعاً. هذه المعادلة لا يدركها إلاّ الراسخون بالسي أي إيه ! إعتقدت القاعدة أنها أصابت الولايات المتحدة في الصميم ، في حين تدرك تماماً (العائلة المقدسة) أنها حققت مرادها بواسطة شلة من الرعاع !
وبعد تردد هذا المصطلح على مسامع القاريء الكريم لا بد من التعريف به، أي (العائلة المقدسة). فهي كل من يؤمن بالرأسمالية المتوحشة ، واضعاً المال والقوة والسيطرة غاية نهائية للحياة والوجود. مقدماً كل شيء كأضحية ، ألشرف والكرامة وكل الأمور المعنوية الأخرى ـ بما في ذلك وضع الإنسان الآخر كوقود من أجل الوصول إلى غاياته لو إقتضى الأمر ذلك دون إعتبار لأي معيار أخلاقي.

إنها الطبيعة البشرية التي تنقسم إلى قسمين، قسم يقدم المال على الإنسان والحياة المعنوية ، وهذا يسمى من أتباع (ألإقتصاد السياسي) ، الذي يضع أي الإقتصاد السياسي ، ألإنسان وقوداً من أجل المال. هكذا ذُبح العراق والعراقيين كأضحية للرأسمالية المتوحشة دون رحمة.
بينما يقابل (الإقتصاد السياسي) ما يُعرف بـ ( ألإقتصاد الأدبي) ، وهو الذي يكون المال فيه مجرد وسيلة من أجل الحياة ومتطلباتها ، وليس العكس.

فعبدة المال تجدهم من بني عمومتك أو أبناء بلدك ومن شتى الأجناس ، هؤلاء هم اللذين أُطلق عليهم مؤخراً (ألمحافضين الجدد) ـ [ليس من الناس العاديين ، كل محب للمال والبخيل من هذا النوع ] ـ منهم الأمريكي الأصل ومنهم الفارسي ومنهم من هو محسوب على العروبة.

وبعد نهاية القرن العشرين في نوفمبر 1989 ، أي بعد سقوط جدار برلين ، وليست القرون تقاس بعدد السنوات ، بل بالأحداث التي تؤدي إلى تغيير منهجيتها. سقوط المعسكر الشيوعي كان كارثة بكل المقاييس ، وسوف يدرك ذلك لاحقاً المؤمنون قبل الملحدين ! فصفة المقدسة لم أطلقها عبثاً بل عن دراية تامة بكل معناها السلبي، عكس ما توحي به من حيث اللفظ. فمتى ما يصبح الإجرام وحرق الإنسان على مذبح الدولار والقوة الغاشمة ، ألتي لا تستند إلى أي واعز أخلاقي ، حينها ندرك المعنى الدنيء لكلمة مقدسة هذه !

راح أتباع هذا الإتجاه يربطون غاياتهم الإقتصادية المتوحشة وغير المشروعة ، بالعقيدة والأفكار الماورائية ، وإستغلال الذاكرة الميثولوجية للشعوب. فلم يتوان جورج دبليو بوش من أن يفصح أنه (يستمع إلى صوت الله) في ذبح شعب العراق ، ألذي لا حول له ولا قوة أمام ماكنة السلاح الأمريكي ! دون أن ينسى إثارة العاطفة الكهنوتية المريضة ، والعمل على إحيائها من جديد. وخطأً إعتقد البعض ، من بعض العقول العربية المنفعلة ( بالمفهوم الفلسفي لكلمة "منفعلة " ) ، خطأً إعتقدوا أن بوش الإبن إرتكب (زلة) لسان حينما صرّح بأن حربه على الإرهاب هي حرب (صليبية). لقد قالها عن قصد ودراية ، بعد أن لقنتها له (ألعائلة المقدسة) في دهاليز قصورها المتوارية في أرقى جزر العالم على الإطلاق.

ـ (ديفد كيلي) و (غازي كنعان) قُتلا لأن عقيدة المال والسلطة والقوة تستوجب ذلك.
ـ وُعِد (رفيق الحريري) من قِبل أمريكا بأنه محمي من كل الجهات ، والدور السوري قد إنتهى في لبنان ، في حين يتطلب إيهام (الفاعل ؟) بأن أمريكا ليست معنية بلبنان ، وأظهرت التراخي ، لا بل ربما ذهبت أبعد من ذلك ، فأوحت للسوريين أنها غير جادة في تحرير لبنان ، بل لا تخرج غاياتها خارج حدود العراق وترويض الدور السوري فيه.

ألحريري ، ألرجل الذكي والمتمرس في عالم السياسة والمال. دون أن نكون قد بالغنا في قولنا، قد كان الحريري خير من أجاد ، وبوقت قصير ، بناء ممارسة السياسة وفق أهم أركانها، والتي توفرت بين يديه : ألمال ، ألإعلام ، ألعلاقات والدبلوماسية المثقفة. لحسن نيته ـ وهذا من عيوب السياسي ، لكن الحريري لم يستطع تجاوز نفسه كونه شرقي يؤمن بـ (كلمة شرف) من المقابل ! ـ أخذ مقولة أمريكا (وعْدَها) مأخذ الجد بنسبة مطلقة ، ولم يترك مجالاً للشك بقدر النسبة العلمية ، هذا كان خطأ رفيق الحريري ، خطأ الشاطر وليس إخفاق الجهلاء.

بالمقابل إبتلع الحمقى الطعم وأصدر أحدهم أمر القتل ، فإرتكبوا جريمة قتل لواحدة من أكبر الشخصيات اللبنانية في الوقت المعاصر بجانب نصرالله صفير ( بصفته السياسية وليس الدينية). لكن يبقى الحريري الشخصية الأولى بما كان له من مكانه داخلية وخارجية.

لا أؤمن بمنطق النبوءة ، بل بنبوءة المنطق.
قبل أيام (( دعا المندوب الأمريكي لدى الأمم المتحدة جون بولتون ، سورية لتقديم "إعتراف صريح: . وأضاف بولتون " حان الوقت كي تقدم سورية إعترافاً صريحاً ، وليس مزيداً من المعوقات ولا أنصاف الحلول" )) [ ألشرق الأوسط/ 25-10-2--5/عدد 9828 ].
أللعبة ذاتها (( أسلحة دمار شامل)) و (( إعتراف صريح)) ! إذا إعترف صدام سوف تغزوه أمريكا ، وإن لم يعترف فالحصار مستمر حتى يحين أوان الغزو !
((إعتراف صريح)) مساوياً لـ ((أسلحة دمار شامل)).
في مثلنا الشعبي إستقر رأي أحدهم على قتل زوجته ، فطلب منها أن تخبره عن حال السماء ، دون أن يخفي قراره بقتلها إذا كانت غائمة أو صافية !
عادت المرأة إلى زوجها وإستطاعت أن تتجاوز نية زوجها الخبيثة بجواب حكيم، لكن الولايات المتحدة الأمريكية ، لشديد الأسف ، حالها ليس حال ذاك الرجل ، لا تقبل الوسطية (إماّ .. أو .. ) فلا يرضيها (أنصاف الحلول) كما صرح بولتون ((إعتراف صريح )) !
ويدعو بعد يوم من تصريحة الأول (( إلى أن يكون للجنة التحقيق الدولية حق إستجواب أي سوري في إطار تحقيقاتها " بمن في ذلك الرئيس بشار الأسد ")).[ ألشرق الأوسط /ألخميس/ 27-20-2005/عدد 9830 ].

قصور الرئاسة لدى صدام حسين كانت تمثل (الكرامة) ، والولايات المتحدة هي وريثة الإرث المعرفي الإنكلوسكسوني للعقلية العربية. بشار الأسد رئيس الدولة والممثل لـ (كرامتها). راوغ صدام سنوات دون أن يعي أنه واقع في الفخ الذي نصبته له أمريكا وتريده أن يقع فيه.
عُرِف عن العرب في الوقت المعاصر على أنهم خير من يجيد اللعب في الساحة الخطأ. نسأل دائماً عن البرد وننسى الجسد العاري ، لم يعرف العرب ـ عدا قلة منهم ـ معنى المبادرة. ونحن نظلم هذه الصفة (العروبة) السريانية الآرامية  . إمتزاج العروبة بالدين والمذهب سلب الولاء من أهلها ، هذا من جهة ومن جهة أخرى ، ألدين ذاته إستقدم أشخاصاً وأقواماً من خارج العروبة ، تلونوا بها لغايات ضيقة. فالأمة العربية في حالة صراع مزدوج . ألقليل يمتلك الشجاعة أن يعلنها صراحةً نحن في صراع داخلي ـ صراع مذهبي ـ وصراع مع الطامع الخارجي . هذا ما يجعل وضع أوطاننا معقدة وليس من السهولة إتخاذ القرار الأسلم ، فيما يعترضنا من تحديات. ولن نكون مبالغين في هذا المجال إذا اضفنا أن قتْل الحريري كان أحد أسبابه كونه يمثّل الإتجاه السني الصاعد.

سال لعاب أمريكا على العراق لسنوات، وسارعت إلى ضمه لقائمة آبارها النفطية بمجرد أن زال العائق الذي كان يمنعها ، ألحرب الباردة . في حين سوريا المتخمة بمصانع حمص بالطحينة النووي، وأمام الظرف الذي تعيشه أمريكا كواقع عسكري الذي تعانيه في العراق، يمكننا أن نتصور أن سوريا لا تحتل حيزاً كبيراً في حسابات أمريكا. يبدو هذا في الظاهر فقط. ألأسد الأب منع التنقيبات على النفط، الذي كان يسبب في تسريع إقصائه عن الحكم. لكن الولايات المتحدة تبحث عن (الممكن) الذي تضيفه الأراضي والبحر السوري إلى نفطها.

مقابل المعادلة العراقية ، ألتي أصبحت في المنظور الحالي ، معادلة شيعية ، هذا يدفع بإمريكا للبحث عن معادلة التوازن ، وأكاد أبشر العرب السنة في سوريا ، بأن السنوات المقبلة هي لهم ، وهذا يقودنا نحو غاية مقالنا ، والعودة إلى الحظ الذي يأتي مرتين.
قيل سابقاً (( من تمنطق تزندق)) نحن نقول : من لم يتمنطق تزندق.
أمام الرئيس بشار الأسد سيناريوهات منطقية منها :

1 ـ إقامة نظام جمهوري ديموقراطي
وأنا بصدد كتابة هذه الأسطر إستمعت إلى خبر : أن القيادة المركزية للحزب الحاكم في سوريا ((تقرر طرح قانون مشروع مناقشة الأحزاب العام)). هذا هو المتوقع ، والمتوقع أيضاً إنه إلتفاف على التغيير الديموقراطي الحقيقي.
أما المنطق كما أشرنا يمكنه أن يقدم عدة إحتمالات للحالة السورية ، وأولها إقامة نظام جمهوري ديموقراطي. يتتطلب من أجل ذلك إقامة أحزاب حقيقية وتنظيم أجهزة ومؤسسات الديموقراطية الأخرى بشكل سليم.
شعاري (ألمجاملة على حساب الحقيقة جريمة) ، ألبعث السوري هو حزب الطائفة أولاً وليس القومية. في النظام الجمهوري الديموقراطي لن يكون مكان لطائفة تحكم البلد وهي تشكّل أقل من عشرة بالمئة من المجتمع. عندما يكون لبشار الأسد ، ومن معه ، الإستعداد بمغادرة السلطة ، يمكننا رؤية مثل هكذا جمهورية ديموقراطية.

2 ـ ألملكية الدستورية الديموقراطية
في مداخلة لي مع أحد الباحين حول التساوي بين لقب الرجل الأول في الحكم في بابل وآشور ، أي التساوي بين (ألملك) و( شرو) ، كنت قد إعترضت على هذا التساوي ، وكنت أقصد من حيث إختلافهما في النّظم السياسية التي يمثّلانها. فالملك البابلي يمثل النظام الملكي الممتد حتى اللحظة الراهنة في معظم الدول العربية ، بما فيها الدول التي تنعت نفسها بالجمهوريات.
بينما (شرو) الآشوري كان يمثل نظاماً عسكراتياً ، وهذا ما أراده صدام حسين إقامته بالفعل (كل شيء من أجل المعركة). وقد تكون إحدى مقومات عظمة الرسول الكريم محمد النبي (ص) هي أنه إستطاع التمازج بين هذين النظامين ، ما بين الملكية والعسكراتية الرافدينية، وهذا سر مقولة (الإسلام دين ودولة).

وليس خفياً أن الوضع السوري هو حكم فردي وراثي لا تسمية علمية له حتى الآن غير الملكية. لأن نحت المصطلحات له أسسه وما يبرره ، وببساطة ، يتم نحت مصطلح على أمر أو إستحداث شيء جديد مختلف ومتميز بخصائصه. فإن قلنا هو نظام جمهوري ، فالوراثة لا تجوز فيه ، بل التوريث معروف في نظام ملكي ، وإذا قلنا أنه نظام ملكي ـ وهذا هو واقع الحال لكل الدول العربية كما أسلفنا ـ لكن من حيث الجهْر ليس كذلك.

في علم المنطق نعرف كقاعدة منطقية تقول : إذا إنطلقنا من مقدمة صادقة نصل إلى نتيجة صادقة. ماذا لو جهر بشار الأسد بالنظام الملكي الدستوري الديموقراطي ؟!
دائماً نسأل ماذا تريد منا أمريكا ، دون أن نسأل ماذا نريد نحن ، وفق ظروفنا الداخلية ، والظروف الخارجية المحيطة بنا ، والمؤثرة تأثيراً مباشر علينا. جدلاً لو فاوض الرئيس بشار الأسد القوى السياسية الرئيسية في البلد ، وهم العرب السنة على بداية ديموقراطية حقيقية وعلى أن يكون على رأس هرم السلطة بصفته ملكاً دستورياً ، هل يحصل على الموافقة ؟

هذا الطرح ، جهْر بشار الأسد بذلك هل ينال رضى الشعب السوري ، بأن يقبل بملك من طائفة ما زالت تستجدي موافقة من (أهل التشيّع) كي تحصل على المباركة ويضمونها إلى قائمتهم الشيعية. أرى أن هذا الباب ليس من السهولة فتحه أمام بشار الأسد.

3 ـ بقي أمام الرئيس بشار ألمناورة والمماطلة من أجل إطالة أمد الإستبداد إذا ما أراد التشبث بالسلطة ، وتأخير التطور الطبيعي للشعب السوري العربي، حتى يأتي الجندي الأمريكي ، وتدب الفوضى عموم سوريا ويُعمل على تفتيتها بما يخدم الأمريكي. عندها يكون المستفيد الوحيد الأكراد ـ بعد هجرة الشبه جماعية من السريان أولاد البلد الأصليين ، وتهميشهم في أرض الجزيرة ـ أي إستقطاع جزء كبير من سوريا للأكراد. ويبدو لنا أن القرن الواحد والعشرين هو قرن الأكراد بإمتياز !

4 ـ عندما يحين أوان تنفيذ قرار إزالة نظام الحكم في سوريا ، يُقرأ على بشار الأسد قرار الإزالة. ومن أراد أن يفهم ببساطة ما هي الولايات المتحدة الأمريكية  دون مصطلحات سياسية وفلسفية معقدة ، ألبراكماتزم والفوضى المنظمة وغيرها ، نستطيع أن نشبه أمريكا بسفينة كبيرة من طابقين في حالة إبحار. ألطابق السفلي يُتخذ فيه القرارات الإستراتيجية من قبل المحركين الأساسيين للسياسة الأمريكية ، أي مالكي القرار الحقيقي في البلد. فهؤلاء يقررون درجة الإبحار وإتجاهه.

أما الطابق الفوقي الظاهري يشغله الشعب من كل جهات العالم الأربع ، وفيه دفة القيادة (البيت الأبيض) ، يتصارع عليها القوى السياسية في البلاد، التي تستلم أوامرها من الطابق السفلي.صائغ القرار الإستراتيجي وعلى من يدير دفة القيادة تنفيذ هذا القرار لكن بإسلوبه الخاص به.
هذا منشأ الخداع البصري الذي نقع فيه، إذ يبدو لنا أن ما يحدث في السياسة الأمريكية هو ديموقراطية راقية. كأن يُتخذ قرار إتجاه السفينة 60 درجة يميناً من قبل أهل القرار القابعين في الطابق السفلي الغير المرئيين. فعلى الحزب الذي يدير دفة القيادة العمل على الوصول إلى غايته ، أي هذا الإتجاه. لكن خلال مسيرته نحو الهدف قد يميل يميناً أو شمالاً ، أي يسلك مسلكاً متعرجاً، مستغلاً بذلك المعطيات الآنية ، كمكاشفة صدام حسين برغبته الغبية بإستلائه على آبار نفط أمريكية ، أي ما يُعرف بالكويت ، بعد سقوط جدار برلين (كللولا : يا مرحبا ..وكع الثور ) فنصحته إمرأة : بأنه لا مانع لأمريكا ! إذا قال صدام خدعتني إمرأة ، يقولون له (ها..لعد مو عيب على شاربك اللي تفتخر بيه تخدعك مرا ! ، أليس أنت الشرقيون تزعمون : أن المرأة ناقصة عقل ودين ؟! ووقع صدام في حيرة من أمره ) ـ ويبقى الحزب الحاكم في البيت الأبيض مدركاً أن غايته النهائية هي درجة 60 يميناً.

قرار الإستلاء على آبار النفط الخليجية وبالأخص العراقية حتى نضوب آخر قطرة منها ، بشكل مباشر وسافر حتى لو إقتضى الأمر ضرب القوانين الدولية عرض الحائط ، كان قد أُتخذ بعد سقوط جدار برلين كغاية إستراتيجية للسياسة الأمريكية للقرن الواحد والعشرين ، إذا ما أرادت الإستمرار في تسيّدها على العالم.
أما الوصول إلى هذه الغاية فتُأخذ الظروف والمعطيات الآنية بنظر الإعتبار. في خضم هذه المسيرة ، وفي هذه الرحلة نجد في الولايات المتحدة ، أشخاص يتساقطون وآخرون يُحاكمون ، ولكن كل هذا هو جزء من الخداع البصري الديموقراطي الأمريكي.

لا يخفى على المتتبع أن بشار الأسد لا يملك (فطنة) والده لما يكفي أن يفهم مقتضيات الواقع السياسي العالمي ، هذا إذا كان فعلاً يملك إستقلالية قراره. فمن الحكمة أن نسأل ماذا نريد نحن وفق هذه الظروف والمعطيات الدولية ، وليس الصراخ ونعت أمريكا بالظالمة ، فهل يوجد مبتدئ في السياسة لا يدرك هذه الحقيقية ؟!

إنطلاقاً من هذا المنطق أمام الرئيس بشار الأسد أحد الأمرين : أما الرحيل بواسطة العامل الخارجي ، أو الرحيل السلمي. والرحيل السلمي لا يُقصد به خارج البلد، بل خارج السلطة ، لأن الضامن سوف يكون (ميثاق الشرف) الذي توقّع عليه كل الأطراف. على هذا النحو ، ألأجدر بهكذا نظام ـ إذا كان حقاً حريصاً على المصالح القومية العربية ـ أن يرحل بطريقة سلمية ، بعد أن يتفاوض مع الشعب السوري قبل غيره ، وبإشراف الأمم المتحدة ، لتسليم الحكم بعد بناء المؤسسات الديموقراطية.
ـ إعلان (ميثاق شرف) من قبل جميع الأطراف الوطنية ، السياسية والمدنية ، بعدم اللجوء إلى الإنتقام المعاكس ، والأخذ بالثأر ، وعدم الملاحقة القانونية للمرحلة الماضية.

بعدها من حق الجميع ممارسة السياسة من بابها الديموقراطي ، بما في ذلك الرئيس المغادر والحزب الحاكم ، بعد عودته إلى أيديولوجيته الحقيقية وتطويرها.

30 - 10 - 2005

تصفح

[0] فهرس الرسائل

الذهاب الى النسخة الكاملة