المحرر موضوع: الثقافة ُ ودورها في المجتمع الجديد  (زيارة 1908 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل rashid karma

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 499
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الثقافة ُ ودورها في المجتمع الجديد  ( 1 )


           رشيد كَرمه
لذكراك المتجددة يا أبا الحسن
الى رواد غرفة الديوان
الى من يساهم معنا في نشر الوعي المعرفي
تلعب الثقافة دورا تعبوياً مهما في المجتمعات , وعلى كافة المستويات , لذا فان الواجب يستدعي من المعنين المساهمة الجادة بشأن ذلك , والمثقف معني قبل غيره في اشاعة  المعرفة , لأنه منتجُ للأفكار .
لذا لابد ونحن بصدد البناء الديمقراطي في العراق , والذي عانى من الدكتاتورية وأهوالها على مدى أكثر من ثلاثة عقود ان نسعى بدورنا في الخارج من نشر المعرفة بين الجالية العراقية وبناء مؤسسات المجتمع المدني كالمنظمات الديمقراطية والنوادي الإجتماعية والتجمعات النسوية , وبقدر ما يتعلق الأمر بالنادي العراقي في بوروس | مملكة السويد فلقد بادرنا بانشاء مكتبة تهتم بالأدب العراقي بشكل خاص للتعريف بالأدباء العراقيين من شعراء وكتاب وروائين , ولقد توجهنا الى عدد من ادبائنا للمساهمة في تزويد النادي العراقي بعددمن نتاجاتهم ولقد استجاب لنا بأريحية عراقية  الشاعر صلاح نيازي والروائية سميرة المانع وكذلك الشاعر كريم ناصر ولقد تبرع مشكورا ً الأستاذ ( هادي رجب الحافظ ) بمجموعة كتب لموضوعات شتى الى مكتبة النادي العراقي في بوروس . ونأمل ان يبادر الآخرون لبناء مكتبة وطنية تساعد الجالية على تلمس الدرب وصولا ًللهدف .
وحتى نساهم بشكل أفضل وأعم في نشر الوعي السياسي والثقافي , نستعير من رفوف مكتبتنا المتواضعة كتاباً للراحل _ الغائب , الحاضر _ هادي العلوي , والموسوم [المرئي واللامرئي في الأدب والسياسة ]
تعريف بسيط :
هادي العلوي البغدادي مؤرخ اسلاميات, باحث فلسفة , عالم لغة , مناضل سياسي , مناهض للسائد متمسك بشروط المثقفية الإسلامية في معارضته , لايملك شيئا ً ولا يملكه شئ, وكتابه هذا يجمع ماكتبه في السياسة والأدب مما ضاقت به منابر الوطن والمهجر .كتابات لم يتمكن من نشرها في حينها , ومقالات كتبت خلال السنوات القليلة الماضية وحول موضوعات لا يزال عليها حظرا عند البعض .
واساعرض على حلقات ٍ بعض الموضوعات المهمة علني اكون قد ساهمت بنشر أفكار هذا المفكر العراقي الفذ في هذا الظرف العسير آمل ان يستفيد اعضاء النادي العراقي وأصدقائه والقراء من خلال المواقع الأكترونية .
    الظاهرة الطائفية في العراق :
كشف الجذور وتفكيك المصادرات
   كتب الموضوع بالأشتراك مع المناضل علاء اللامي

( الوطن هو نقيض الطائفية فعندما يسود النظام الطائفي يغيب الوطن وعندما يفرض هذا _ الوطن _ نفسه تتوارى الطائفية ) * هذا ما قاله الباحث وأستاذ التاريخ المصري يونان لبيب قبل عقد تقريبا ً وهو مصيب تماما ً في ما ذهب اليه . لكن لا الطائفية ذات ماهية ثابتة ومكتفية بذاتها ولا الوطن جوهر ميتافيزيقي يقع خارج حدود التاريخ الحي .
انهما وسواهما من المتماثلات , ظواهر ذات حيثيات ملموسة مرتكزة الى اسس مادية تؤلف بجملتها وبحركتها لحمة التاريخ وسداه. وبهذا المعنى يصح الإعتقاد بأن الوطن لايحتمل ولا يطيق منافسة الطائفة له على السيادة إذ في هذا ضياعه المحقق , أما الطائفة فهي حين تحل محل الوطن وتحتويه فإنها تضفي صفاتها وخصائصها وولاءاتها عليه , انها تنفيه الى العدم لتشيد عدمها الخاصمكانه في هيئة حروب ندميرية عقيمة وإعادة إنتاج لحروب أخرى من ذات الطبيعة .
لا مجال , والحالة هذه , لاية حلول تلفيقية تخترع توازيات وهميةوبدائل ذات مسميات محايدة شكلا ً تلفلف بها جوهرها الآيديولوجي الرجعي , كأن يسمى الطائفي نفسه أسلاميا ً , او ان يدعو تنويري مزيف غلى سيادة ( العدالة والحق ) وإلى إزالة التمييز الطائفي ولكنه يرفض البديل الديمقراطي في نفس الوقت , إن هذه الدعوة رغم ما تتستر به من شعارات ضد طائفية تكرس واقع الطائفية , انها تريد في الحقيقة , إستبدال هيمنة طائفة , بهيمنة طائفة أخرى , وهكذا يسستمر تاريخ الوطن في الدوران في حلقة مكررة من الخراب والدمار والغبن الشامل كيف يغيب الوطن , وفقا ً لهذه القراءة ؟                                         ان المقصود ليس الغياب الجغرافي بل التاريخي _ الحضاري _ وهذا ما يحدث مثلا ً حين تجتاح قوة غازية فتية وطنا ً فتحتله وتلغي حضوره , لفترة قد تطول وقد تقصر , وقد تنتهي باحتواء المغزو للغازي أو العكس, ويحدث الأمر ذاته حين تتمكن عصابة من الناس  من السيطرة على المؤسسات القمعية ومصادرة الثروة في دولة ما فتلتغي _ حكما _ سيادة الوطن لصالح سيادة العصابة , وغالبا ً ما لا تعمر سيادات كهذا المثال طويلا ً إلا في النادر ومنها الحالة موضوع دراستنا .
وثمت شكل آخر من أشكال غياب وسرقة السيادة , وهي الأكثر خطورة وحضورا ً في راهننا السياسي , يحدث ذلك حين تستثمر قوة سياسية طائفية منظمة ومسلحة وممولة جيدا ً وضع تاريخي , شاذ ومعقد يمر به بلد ما , وتنجح , الطائفة اسما , ومدعو تمثيلها واقعا ً , في احلال نفسها محل الوطن فتلغيه بما فيه . وغالبا ً ماتتحالف قوى كهذه مع عدو خارجي تأريخي أو محتمل لتحقيق هيمنتها , ومن ثم تدخل في صراع شامل وإبادي مع جميع المكونات التاريخية للوطن , حرثا ً ونسلا ً ومؤسسات , ماضيا وحاضرا ً ومستقبلا ً.
لا تشكل طبيعة النسيج المجتمعي في العراق استثناء لما هو سائد في المشرق عامة , حيث القاعدة هي التعددالفسيفسائي , بتمظهرات بالغة التنوع والتعقيد لماهيات إثنية ودينية وطائفية ......الخ , والآستثناء هو الأنسجام والصفاء النوعي المحدود في الزمان والمكان  ان هذه المحدودية تتأتى من الندرة التاريخية والجغرافية أولا , ومن التصاقها بحركة تاريخ النموذج الموصوف , وكونها حركة تاريخية يجعلها في تقاطع تام مع تاريخ آخر لا اسم له سوى تاريخ الأوهام , الذي تصول وتجول فيه الكتابات الطائفية المتكاثرة هذه الأيام تاليا ً . وهذه الكتابات نوعان : نوعان نوع يعي طائفيته فيدافع عنها تحت شعار ( اما نحن واما هم ) وبعضها أكثر حياء فيتستر بما سبق ذكره من مسميات .
النوع الثاني : وهو ما يجب تسليط الاضواء عليه بشدة تكافئ خطورته وهو ما يمكن تسميته بالطائفي مآلا ً وتكوينا ً , فهذا النوع من الكتابات يشكل الجزء الأكبر وألخطر من بنية الخطاب الطائفي , وهو بهذا يستحق صفة الجدة الخالية من أية قيمة إيجابية , أي لكونها جديدة فهي تقدمية تاريخيا ً , بل لآنها تفترق , نوعا ً عن الخطاب الطائفي التقليدي والذي قد يصنف ضمن ما يمكن تسميته فولو كلور الشتائم  المتبادلة !
ولكننا لن نهمل تماما ً هذا النوع الأخير _ الفولكلوري _ بل سنعود اليه كلما اقتضت ضرورات البحث ذلك .
على ضوء هذه المقدمات التوضيحية , تفترق المنهجية التاريخية النقدية المطلوبة في استقرائنا لهذه الظاهرة , افتراقا ً حادا ً ومثيرا ً لا شكاليات مختلفة , عن منهجيات أخرى تناولتها من مواقع , اريد لها ان تكون نقدية , ولكنها انتهت للاسف لتكون جزءا ً وطيدا ً من بنية الخطاب الطائفي , لأنها متورطة أصلا ً وإلى هذه الدرجة أوتلك , في ألانحياز الناجم من جملة الأحكام والأراء المسبقة والمستغرقة بحسابات سياسية وفكرية نفعية . وعلى النقيض من هذا فإن التراث والسلوك النضالي للقائدين والمؤسسين الفعليين للدولة العراقية مهدي الخالصي ومهدي الحيدري , ورغم انهما من رجال الدين العيشة , يمكن اعتبارهما خارج بنية ًا لخطاب الطائفي تماما ً لا بل اننا نعتبر تراثهما جزءا ً حيويا ً ومهما ً من بنية الخطاب العقلاني المضاد للطائفية شكلا ومضمونا ً مصدرا ً ومالا ً إنها بنية, تروم هذه الدراسة أن تشكل مفتاحا ً لفهمها كظاهرة سلبية وترسيخ نقيضها في تربة الواقع السيلسي والفكري  العراقي لتكون , بما تطرحه من أفكار وطرائق بحثية , امتدادا ً وتواصلا ً ومن ثم تطويرا ً لكل فكر وتراث مناهض ومناقض للخطاب الطائفي التدجيلي الراهن والزاحف بقوة في السنوات الأخيرة .
لقد نحينا جانبا ًكل ابتزاز محتمل لمنهجيتنا ومقولاتنا وندرك جيدا اننا سنواجه بالاحرى شبكة متنوعة وربما متعادية من الآبتزازات والأرهاب الفكري . ثمت مثلا ً الإبتزاز الطائفي السني الراغب في استمرار دار لقمان على حالها , سواء مكثت الحكومة القائمة أم ذهبت مع الريح  ( ولقد ذهبت مع الريح بالفعل وكما توقع الكاتبان  ..إذ كُتبت المادة أثناء تسلط الدكتاتورية البعثية ......التوضيح من  رشيد كرمه )
وهناك الإبتزاز الطائفي الشيعي الأثنا عشري الذي ** لن يطيق بكل تأكيد هذه القراءة الفاضحة والمفككة لملابساته التي ظلت في مأمن من اية فاعلية نقدية تقوم على اسس عقلانية قرونا طويلة . هناك أيضا ً إبتزاز النظام الحاكم والذي , وان كان سيرقص طربا لأشياء, لكنه سيدرك سريعا ً بأن أشياء كثيرة ستصيبه في مقتل ! ومع ذلك فلن نخضع قرائتنا لأية حسابات سياسية , فهذا شأن خاص بأهل السياسة وطلاب السلطان لا بأهل الفكر .
إضافة إلى ما سبق فإن هذه المنهجية ستزعج أؤلئك القائلين بعلمانوية زائفة ومزيفة تساوي بين القرامطة والإخوان المسلمين وتحكم على الأثنين بالرجعية كما يقول بذلك بعض (المستشرقين العرب ).
وأخيرا فلن نكون بمنجى من ردود أفعال الذين سيجدون أفكارهم وقد أضحت جزءا ً من بنية الخطاب الطائفي , ولهؤلاء نقول : إننا لا نشطب على إنجازات أحد ولا نلقي اتهامات جزافية بل ونعبر عن احترامنا للنوايا الطيبة التي كتبوا ما كتبوا في هديها , غير أن العقل وطرائق عمله لا يقيم كبير وزن للنوايا والعواطف رغم جمالها بل للحقائق والمصائر , وقديما ً قال عدو الطائفية الأول ابو العلاء :
كذب الظن ُ لا لإمامَ سوى العقل                              مشيرا ً في صبحهِ والمساء


الهوامش :
* الطائفية الى أين؟ تأليف مجموعة من الباحثين المصريين ,ص 65, دار المصري الجديد
** إن كون كاتبي هذه الدراسة عربيين ومن الشيعة الأثنى عشرية, لا يقدم أو يؤخر كثيرا بخصوص نظرتهما إلى الإبتزازات وردود أفعال الإستزلام الطائفي , فهما ماركسيان ويفرقان تفريقا لا لبس فيه بين الطائفية والدين وبين الإسلام الدين والإسلام الحضارة والإسلام الأيديولوجيا السياسية .

.......................................  يتبع
رشيد كرمه السويد 17 حزيران 2005