المحرر موضوع: كأننا في عصر الظلمات  (زيارة 828 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل صبري يوسف

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 15
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
كأننا في عصر الظلمات
« في: 15:59 28/04/2008 »
كأننا في عصر الظلمات


ردّاً على مقالة الدكتور فيصل القاسم، بعنوان: احتضار المعارضات العربية

بقلم صبري يوسف
أعزائي القرّاء والقارئات
أستعرض فيما يلي مقالة الدكتور فيصل القاسم، (مدير برنامج الاتجاه المعاكس)، التي حملت عنوان: احتضار المعارضات العربيّة، نقلاً عن موقع دروب، ثم أقدم لكم بعض وجهات نظري وردّي المفصّل حول مقالة القاسم.
************************************
احتضار المعارضات العربيّة
د. فيصل القاسم
31 ديسمبر 2006
لم يأت عنوان هذا المقال بأي حال من الأحوال شماتة بالمعارضات العربية، بل حزناً على حالها البائس وآمالها المُجهضة ورهاناتها الطفولية، كي لا نقول على احتضارها السريع أمام الانبعاث القوي للأنظمة الحاكمة بعد أن ظن الكثيرون أنها كانت على وشك الانهيار. لقد كان المعارضون العرب وكل الحالمين بالتغيير والإصلاح كلهم أمل قبل بضع سنوات بأن الجاثمين على صدور البلاد والعباد قد بدأوا يتهاوون شيئاً فشيئاً، ويخوضون معركة خاسرة أمام قوى التغيير والمعارضة.
لقد وجد الكثير من الأنظمة العربية قبل فترة نفسه في حالة “حيص بيص”، فارتعدت أوصال بعض الطبقات الحاكمة تحت وقع الهجمة الأمريكية على المنطقة وما صاحبها من أصوات داخلية مطالبة بالإصلاح والتجديد. لا بل إن بعض الأنظمة أصبح على حين غرة متخبطاً مغلوباً على أمره رغم جبروته، لا يعرف كيف يخرج من أزمته وورطته المتفاقمة، بينما كانت حركات المعارضة العربية تملأ الدنيا ضجيجاً وتتوعد الحاكمين بالويل والثبور وعظائم الأمور على شبكة الانترنت والفضائيات، ظناً منها أن زيت الأنظمة قد نفد، ولم يبق أمامها سوى حمل عصاها والرحيل، تاركة المجال للمعارضين الأشاوس كي يجتاحوا قصورها ويرفعوا رايات النصر المؤزر.
لكن بعد فترة قصيرة للغاية يبدو أن كل الأنظمة التي كانت على كف عفريت بدأت تستعيد زمام المبادرة بقدرة عجيبة، لا بل انتقلت فجأة من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم، بينما خفــّت أصوات المطالبين بالإصلاح والتغيير، إن لم نقل صمتت، وكأنها تعلن خسارة جولة فادحة أخرى من معاركها الدونكيشوتية مع الممسكين بزمام الأمور في بلادنا العربية. بإمكان المعارضين أن يقولوا في الأنظمة العربية أكثر مما قاله مالك في الخمر، لكنهم لا يستطيعون أن ينكروا أنها بارعة جداً في الحفاظ على نفسها والخروج من أزماتها كطائر الفينيق الذي ينبثق من تحت الرماد.
لا أقول هذا الكلام تشفياً بحركات المعارضة العربية، بل إظهاراً لحقيقة مؤلمة ظهرت تجلياتها من الجزائر حتى لبنان. فبالرغم من كل الدماء التي سالت في الجزائر والتضحيات الجسام التي بذلها المعارضون للتغيير والتجديد، إلا أنها كلها باءت بالفشل. وهاهي المؤسسة العسكرية الحاكمة ترّسخ مواقعها، لا بل تتحدى كل من تسول له نفسه تحديها. وقد جاءت قوانين المصالحة لتقول للجزائرين: “عفا الله عما مضى”، وكأن شيئاً لم يحدث! كل عاد إلى موقعه السابق في مربع الصفر، وكأنك يا بو زيد ماغزيت!
أما في المغرب فقد خرجت المعارضة من اللعبة بعد أن تم احتواؤها في السلطة وبعد تدجينها بالانضواء تحت جناح القصر (المخزن)، مع الاعتراف بأنها أنجزت شيئاً ما، ولو هزيلاً، بالمقارنة مع المعارضة الليبية التي خرجت من المولد بلا حمص.
لقد استطاع النظام الليبي أن يعود إلى الواجهة بقوة بعد سنوات من العزلة والحصار، فيما أصبحت العزلة من نصيب المعارضة الليبية التي غدت معارضة الكترونية بامتياز، كمعظم المعارضات العربية الانترنتية! وبالمناسبة ليس هناك معارضات الكترونية إلا في وطننا العربي، فلا مكان للمعارضات إلا تحت قبة البرلمان حسب كل نواميس الديمقراطية. ولا أقول هذا الكلام اعتراضاً على المعارضة العنكبوتية المغلوبة على أمرها، بل حزناً عليها، خاصة وأن عدد العرب الذين يستطيعون الدخول إلى الانترنت لا يتجاوزون الستة وعشرين مليوناً من المحيط الى الخليج من أصل حوالي ثلاثمائة مليون عربي، بينما هناك في فرنسا وحدها حوالي ثلاثين مليونا يستخدمون الإنترنت من أصل خمسين مليوناً.
صحيح أن مناضلي المعارضة التونسية مازالوا يقاومون بشراسة في الداخل والخارج على حد سواء، لكن العبرة في النتائج، فهم ليسوا أفضل حالاً من المعارضين الليبيين، وهم يخوضون معركة خاسرة أمام النظام الحاكم الذي يزداد بأساً وتغولاً. ولا أمل في الأفق لأي اختراق.
ولا يختلف الوضع المصري كثيراً، فقد كسب النظام الجولة مرة أخرى، ويبدو أن حركة “كفاية” التي علق عليها الكثيرون آمالاً عريضة قد قارب بخارها على النفاد، رغم كل الهيصة الإعلامية التي رافقت ظهورها. ولا أعتقد أن الإصلاحات الدستورية التي تشهدها مصر في الآونة الأخيرة أكثر من زوبعة في فنجان طالما أن المؤسستين الأمنية والعسكرية تمسكان بزمام الأمور من ألفها إلى يائها.
أما أكبر المنتصرين في معركته مع المعارضة والتهديدات الخارجية فهو النظام السوري، فقد خرج من أزمته كما تخرج الشعرة من العجين، وانتقل أيضاً من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم، فيما أصبحت المعارضة في الداخل والخارج في محل مجرور، هذا إذا كان لها محل من الإعراب أصلاً. فقد تلاشت المعارضة الداخلية، بينما تكتفي معارضة الخارج بالبيانات الانترنتية المثيرة للشفقة والضحك في آن معاً، بعدما راحت تتقاطر الوفود الأوروبية والأمريكية على دمشق استجداءً للمساعدة والتشاور، تماماً كما كان يحدث أيام الزعيم الراحل حافظ الأسد الذي كانت تنهال عليه الضغوط والمؤامرات، ثم يخرج منها ببراعة مدهشة بشروطه، وليس بشروط الذين فرضوها عليه.
وحتى في لبنان، فقد انقلب السحر على الساحر، فالمعارضة اللبنانية التي تحاصر حكومة السنيورة في ساحات بيروت تــُحسب لصالح النظام السوري، بينما أصبح معارضوه اللبنانيون في “خانة الياك”. ولا أقول هذا الكلام انتصاراً لفريق على آخر، فكل المؤشرات تدل على أن النصر سيكون من نصيب القوى المتحالفة مع سوريا، بالرغم من كل الدعم العربي والدولي لحكومة السنيورة. هل ينفع الدعم الخارجي عندما يبدأ العصيان المدني وشل حركة البلاد الاقتصادية بعد موسم الأعياد؟
وبالرغم من أن المعارضة السعودية في الداخل والخارج أعطت الانطباع بأنها على وشك الإجهاز على النظام من خلال حملتها الإعلامية الهادرة قبل أشهر، إلا أن آمالها تبخرت أيضاً، وحسبها الآن أن تؤمّن لنفسها حق اللجوء السياسي في الغرب.
أما في السودان الخارج من حرب إلى أخرى، والمنهك بالمؤامرت الغربية على وحدته الترابية والقومية، فالنظام يمسك بزمام الأمور، وحلم المعارضة في تحديه كحلم إبليس في الجنة. قد يحسب البعض الاتفاق الذي تم بين النظام وحركة الجيش الشعبي لتحرير السودان نصراً للمعارضة. وهذا قد يكون صحيحاً، لكن النظام عزز من خلاله قبضته على الحكم، ويا جبل ما يهزك ريح رغم أزمة دارفور.
وبالرغم من كل مآسيه وضعفه، إلا أن النظام في الصومال تمكـّن من استعادة زمام المبادرة، فها هو في طريقه للقضاء على حركة “المحاكم الإسلامية” بمساعدة لا تخفى على أحد من أمريكا وأزلامها في أفريقيا.
ومن سخرية القدر أن الأمريكيين هم المسؤولون عن تثبيت الأنظمة العربية الحاكمة وسحق معارضيها في السنوات الماضية، بالرغم من كل الهراء الأمريكي حول ضرورة التغيير والإصلاح ونشر الديمقراطية وحقوق الإنسان. ولا أدري إلى متى يتعلق المعارضون العرب بأهداب العم سام، فيما يرونه يبذل الغالي والرخيص لتكريس الأنظمة القديمة.
وأرجو أن لا يقول لي أحد إن المعارضة الموريتانية انتصرت على ولد الطايع، فكلنا يعلم أن الذين أسقط الرئيس المخلوع هم من نفس نظامه العسكري، أي “أهلييي بمحلييي” على طريقة تغيير الحكام في مسرحية “ضيعة تشرين” حيث يدخل الحاكم الجديد (حسني البورازان) إلى خشبة المسرح بعد أن يكون قد غير الحوذة العسكرية على رأسه بطنجرة مشابهة تماماً!!
المعارضة العراقية قد تكون الوحيدة التي بإمكانها أن تفاخر على طريقة دونكيشوت أيضاً بأنها انتصرت على النظام، لكن،كما نعلم جميعاً، فإن الذي أسقط النظام ليس عضلات أحمد الجلبي ولا إياد علاوي أوعبد العزيز الحكيم، بل مصالح أمريكا وأسلحتها الفتاكة، مع التذكير بأن تلك المعارضة التي ما لبثت تتشدق بانتصارها، تعيش حبيسة المنطقة الخضراء كالمساجين خوفاً من بطش النظام السابق المتمثل الآن بالمقاومة العراقية. وبذلك نلاحظ أن النظام العربي الحاكم قادر على خوض المعركة بقوة رهيبة حتى بعد سقوطه. ولعل أكثر ما يضحك أن المعارضة العراقية “المنتصرة” صدّعت رؤوسنا بالحديث عن النظام البائد، بينما تعزو إليه كل العمليات التي تسميها إرهابية في البلاد. ولا أدري كيف يكون النظام السابق بائداً بينما يتهمونه في الآن ذاته بترويع العراق وحبس معارضيه في منطقة مسورة بجدران خرسانية هائلة وأسلاك شائكة لا يمكن للعصافير اختراقها!
في الختام لا بد من الإشارة إلى أنه من الخطأ تسمية الحركات التي تعارض الأنظمة العربية من الخارج بـ”المعارضة”، فهي أقرب إلى حركات التمرد والانقلاب والاسترزاق، والمعارضة بريئة منها براءة الذئب من دم يوسف. فـ”المعارضون” في الخارج لا يبتغون سوى الانقلاب على الأنظمة الحاكمة بنفس الطريقة التي ربما استخدمتها الأنظمة الحاكمة للوصول إلى السلطة. وبالتالي هذه ليست معارضات، فالمعارضة حسب تعريفها الديمقراطي، ليست حركة انقلابية كيدية انتقامية، بل هي جزء لا يتجزأ من النظام الديمقراطي. لهذا فهم يسمونها في بلد الديمقراطية الأول بريطانيا بـ”معارضة جلالة الملكة”، لأنها في النهاية خاضعة لنظام معين، وليست حركة شاذة تسعى بشتى الطرق لاغتصاب السلطة، كما يفعل الكثير من المعارضات العربية المزعومة.
وإلى أن يصبح لدينا معارضات تعارض الحكومات من تحت قبة البرلمانات والمجالس الوطنية المنتخبة، أريد فقط أن أترحم بقلب مؤمن بقضاء أمريكا وقدرها وملئ بالحزن والأسى الشديد على انتقال الكثير من المعارضات العربية في الآونة الأخيرة إلى رحمة الله، بينما يحتضر بعضها الآخر في انتظار لقاء ربه. وإنا لله وإنا إليه لراجعون.
*****************************************
  ردّ على “احتضار المعارضات العربية”
صبري يوسف:

1 يناير 2007 في الساعة 8:21 م   

كأننا في عصر الظلمات

ردّاً على مقالة الدكتور فيصل القاسم، بعنوان: احتضار المعارضات العربية

الدكتور فيصل القاسم

تحيّة

لا يوجد في طول العالم العربي وعرضه وارتفاعه وانخفاضه معارضة بكلّ معنى الكلمة، فالمعارضة هي من تحمل أسساً جديدة ورؤية جديدة متقدِّمة على الأنظمة الحاكمة وهذا ما لا نراه في سائر البلاد العربية، لأنَّ الأنظمة العربية لا تفرز أصلاً  أرضية سوية للمعارضة، بقدر ما تفرز حالات انتقامية وردود فعل عنفية أشبه ما تكون بحركات تمرُّد وعصيان وتحدّي لمجرد التحدّي لأنها غير راضية على النظام، بينما في العمق هي لو تسلّمت زمام الأمور ربما تكون أكثر قمعية وديكتاتورية من الأنظمة التي عارضتها، لأن القطبين: المعارضة والنظام ليسا مرتكزين على أسس موضوعية كما هو الحال في البلاد المتقدمة، فأنا لا أؤمن بالمعارضات على امتدادِ البلاد العربية ولا أعلِّق آمالاً على الأنظمة العربية نفسها كلاهما في فترة ما كان معارضاً للأنظمة وقد وُجِدَت هذه الأنظمة والحكومات خلال قرون من الزمان ولم نجد ديقراطية بل ازدادت الأوضاع سوءاً على سوء وأصبحت المعارضات أكثر سوءاً مما كانت عليه قبل قرون أو عقود من الزمان!

القضية متشابكة للغاية لأن الغرب لا يترك الأنظمة العربية أن تزرع بذور الديقمراطية والحرية والاشتراكية والعدالة والمساواة، الغرب تراه تارةً مع الأنظمة وتارةً أخرى مع المعارضات، ودائماً ينشد بأنه مع الإنسان وحقوق الانسان لكنه في العمق هو أي الغرب مع حقوقه وتطلُّعاته وغزوه للبلاد التي لا حول لها ولا قوَّة! والعرب من المحيط إلى الخليج كما يبدو، ومن خلال قرون من الزمان وجدناهم غير قادرين على قيادة أنفسهم لهذا يتدخل الغرب بطريقة أو بأخرى، وتدخل الغرب ليس من أجل تطوير البلاد بل من أجل مصالحهم الخاصة فأحياناً تتقاطع مصالح الغرب مع الأنظمة وأحياناً تتعارض وهكذا يقف الغرب مع هذا أو ذاك بحسب مصالحه هو ونحن كشعب نبقى بين فكّي الكماشة، فسواء كنّا مع الأنظمة أو ضدّها، فنحن ضحايا الأنظمة تارة وضحايا المعارضة تارة أخرى، لهذا أرى أن الواقع العربي من رابع مليون المستحيلات أن يتحسّن أو يتصلح أو يخطو متراً واحداً إلى الأمام ما لم ينطلق من ذاته، من محلّيته، من ايديولوجيته المنسجمة مع واقعه، لا أن يضع فلان من المعارضين برنامجاً ورؤية لا تمت للواقع بصلة على الإطلاق، فهناك الكثير من الأمور يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار ولا أحد ينتبه إليها فمثلاً كيف سيتم تحقيق الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة إذا كان الحاكم أو المعارض غير مترعرعيَن في أجواء ديمقراطية وحرية وعدالة ومساواة؟ ان فاقد الشيء لا يعطيه، تفضَّل، أعطني حاكماً واحداً ومعارضاً واحداً متشرِّباً بقيم العدالة والديمقراطية والحرية والمساواة، كلاهما يلتقيان بالقمع والسلطوية والحرب والدم وإلغاء الآخر، فحالما يمسك أي معارض زمام الأمور يزداد بطشاً أكثر من الحاكم نفسه، وكأن استلامه للسلطة كان من أجل تصفية الأخضر واليابس، لهذا فأنا لا أرى فرقاً كبيراً بين المعارضين والحكام إلا بكيفية تطوير القمع والاستبداد والديكتاتورية، ببساطة وبدون أي تعقيد، هل هناك فرداً واحداً من أية دولة عربية من الأسرة الحاكمة، إلا ويملك ملايين بل مليارات العملة الصعبة والمحلية والعقارات والممتلكات إلى درجة أنه وصل بعضهم إلى مرتبةٍ، أصبحوا أكثر غنى من الدولة نفسها، أليس عاراً أن نجد أكثر أغنياء الكون من العالم العربي، وأغلب هؤلاء الأغنياء هم من السلطة الحاكمة، في الوقت الذي يتضور أغلبية العالم العربي من الجوع ويرزح تحت جنون الحروب الطائفية والمذهبية والدينية والقومية والعشائرية، لماذا لا ينطلق الحالكم العربي من منظور انساني ويخطط لمواطنه وكأنه ابنه ويحقق له ولو جزء بسيط من الكرامة والحرية والعدالة والمساواة، لماذا لدى الاسرة الحاكمة في بلادنا العربية ما لدى أولاد أباطرة الكون ومعشر المواطنين يفكرون بشراء خاتم خطبة لخطيباتهم أو بشراء فرش أقل من متواضع لبيت الزوجية هذا إذا لم يكن عازفاً عن الزواج أصلاً من شدة الفقر والضغوط المادية والنفسية والحياتية؟! لماذا عندما يستلم معارضاً ما سدَّة الحكم وبعد عقود من الزمن يصبح من أغنى رجال العالم، أين هي ديمقراطيته وعدالته وحريته ومساواته التي كان يشنفر بها آذاننا قبل استلامه سدَّة الحكم؟!
 
لست راضياً على الأنظمة العربية ولست راضياً على أغلب المعارضات العربية ومن لفَّ لفَّها في كنف العالم العربي، لأن المعارض الحقيقي الذي يحمل رؤية متفتحة وموضوعية وجادة وحقيقية غالباً ما ترفضه المعارضات نفسها قبل أن ترفضه الحكومات وقبل أن تقطع الطريق عنه الدول الغربية، وهنا بيت القصيد، فكل ما هو تقدمي وايجابي لا يمكن أن يأخذ موقعاً متقدِّماً في العالم العربي لأنه يجد نفسه أمام معارضة الدولة له وأمام معارضة المعارضات له وأمام معارضة الغرب له، وبهذه الحالة أرى ـ وهي رؤية تشاؤمية ـ مع انني كإنسان متفائل جداً، لكن من حيث هذا المنظور غارق في التشاؤمية لأنني لا أرى غير الظلمة الداكنة تغلف كافة أجنحة العالم العربي، واندهش كيف لا يفهم العرب سواء كانوا من السلطة الحاكمة أو من المعارضين أنهم هم عليهم أن يطوِّروا البلاد لا أن يعتمدوا على الغرب فالغرب يريد أن يتقدم الشرق على طريقة مناسبة للغرب وليس على طريقة وسنَّة التطور الكوني، فما هو تطوري تطوراً سريعاً وبديعاً لا يناسب الغرب في دنيا الشرق لأن رؤية الغرب للشرق هي أن هناك في الشرق بقرة حلوب ولا يوجد شرقي يعرف كيف يحلب هذه البقرة مع انها بقرته لهذا يرى الغرب أنه هو أولى من صاحبها بحلبها حتى ولو أخذ نصف حليبها، فالقضية وما فيها مرتبطة بالحليب والبقرة، وإلا ما هذا الجنون المفتوح أن يكون لدى العرب مالاً يكفي لقارة آسيا وأفريقيا والأمية والفقر والحروب طاغية في طول البلاد وعرضهاً، أليس جنوناً أن تكون بلادنا غائصة في حروب لها أول وليس لها آخر، تكلِّفنا هذه الحروب قصّ رقاب القوم والعباد وحكامنا تكبر صورهم في حياتهم وفي مماتهم ونحن نصفق للحاكم أحياناً وللمعارض أحياناً أخرى وكلاهما لم يقدِّما لنا سوى البلاء تلو البلاء؟!

ربما يسألني أحدهم ، إذا لم يعجبك الحاكم  العربي ولا المعارض العربي فمن يعجبكَ؟
الجواب بسيط ولا يحتاج لأية حنكة سياسية ولأية دوخة رأس؟ يعجبني شخص عادي لا يفهم بالسياسة ولا يفهم بتفنيد أسباب التطور ولا يفهم بأي شيء، فقط أن يفهم بأن الحروب جنون، بأن السرقة جنون، بأن القتل جنون، بأن الحروب الطائفية جنون، بأن الديكتاتورية جنون، بأن اللجوء إلى الغرب في حل مشاكلنا جنون، بأن قتل الأخ لأخيه الإنسان جنون، بأن قتل المواطن للمواطن جنون، بان القوميات والأديان مجموعات بشريّة متآخية لها الحق أن تعيش بعيداً عن لغة الحروب السقيمة، وبأن قيادة الدولة لا تحتاج إلى عبقرية بقدر ما تحتاج إلى انسان بسيط وعادي ويؤمن أن قليلاً من الزاد يكفي لأن يسد رمقه فلماذا يحاول كل حاكم أن يكون لديه مالاً يفوق أحياناً ميزانية الدولة نفسها، في الوقت الذي عندما طرح نفسه قائداً للبلاد ما كان في جيبه وميزانته سوى القليل أو الكثير المنهوب على دور من سبقوه؟! أبحث عن منقذ للبلاد والعباد من الحالة المزرية التي أراها في العالم العربي، انّه لمن المخجل فعلاً أن أرى في بداية كل عام جديد الويلات تجتاح العالم العربي، في الأعياد الكبيرة والصغيرة، في رأس السنة، في عقب السنة، في خاصرة السنة، وكأننا نتسابق على مزيدٍ من الويلات! عجيب ألم يتعلَّم النظام العربي من المماحكات والحروب وسخافات آخر زمن؟! هل فكّر الحاكم العربي بالطفل ولو لدقيقة واحدة، ثانية واحدة، هل فكر أن الأطفال الذين يلدون يحتاجوا أن يعيشوا بكرامة وكبشر؟ ما هذا الخلل المميت الذي أراه طاحشاً في العالم العربي، ولماذا يسمحون للغرب أن يتدخَّل في كلِّ شاردة وواردة، لماذا يفتحون لهم الأبواب على مصراعيها؟! لأن وجودهم أصلاً كان من خلال الغرب نفسه لهذا فهناك حالة دورانية حلزونية سقيمة يدور فيها الشرق العربي الدافئ المتربع فوق القمح والنفط والدفء والفقر والحروب اللانهائية!
 
لا يمكن أن يتخلّص الشرق من هذه العقد وهذه التداخلات العقيمة إلا إذا نهض جيلاً متفتحاً لقيم الخير والعدالة والديمقراطية والتحرر والمساواة وهذا الجيل لا يمكن أن ينمو في هكذا بلدان مرتكزة ومرهونة على معايير الحروب الطائفية، والحروب العشائرية والقومية، أنظروا حولكم، البشر في الغرب تفكر بغزو الفضاء الخارجي ونحن ما نزال نفكر هل قيادة السيارة من قبل المرأة حلال أو حرام؟! بينما المرأة في الغرب تقود طائرة وقطار وباخرة وتقود الدولة نفسها؟! أرى أن هناك آلاف القيم التي تشرَّبها الشرق وأصبحت هذه القيم قيمة معيارية له، أرى أنّ أكثرها معايير بدون أية قيمة حياتية وهي سدٌّ منيع في طريق التقدُّم والتحضُّر، فلماذا لا نعتق المرأة من جبروت الرجل الشرقي المتحجر والرجل نفسه يحتاج إلى التحرر لأنه متحجر الفكر لهذا فلا أرى حلاً لهذا المعضلة الغريبة والعجيبة، كيف سيحرر الرجل المرأة إذا كان هو نفسه غير حر وغير ديمقراطي وغير عادل وغير متفتح الرؤية، ولو أحصينا عدد الرجال الذين يفدون إلى أوروبا عبر زيارة عابرة أو عبر الهجرة أو عبر رحلة سياحية، أو دخوله كوفد لعالم الغرب نجد أن أول ما يفكر به هذه الرجل هو الجنس، نعم الجنس، يبدأ بالبحث عن أنثى غربية شقراء تحقق له رغباته المكبوتة وتحقق له ما يحلم به، نادراً ما أجد رجلاً شرقياً عبر عالم الغرب إلا وثلاث أرباع محاور ذهنه مرتكزة على الجنس والبحث بشراهة عن هذا الفضاء الذي تجاوزه الغرب ولا يأخذ من تفكيره إلا القليل وهذا القليل يتماوج أمامه بشكل طبيعي ..

 .. السؤال المطروح هو أن الرجل الشرقي مقموع ومكبوت من كافة مناحي الحياة فكيف سيكون حال المرأة؟ لهذا أراني أمام مجتمع مخلخل الأجنحة ولا حول ولا قوة له، من هذا المنظور أرى من الضروري أن نعيد صياغة قيمنا ورؤانا وآفاقنا ضمن مقتضيات العصر وتطورات العصر لا أن نظل نناقش في برلماناتنا هل قيادة المرأة للسيارة حلال أم حرام؟!

الموضوع الذي أنا بصدده متشعب وطويل ومفتوح ويترك أسئلة كبيرة وغزيرة على بساط البحث، لكن ولكي لا نتوه في معمعانات الأوضاع السقيمة، لا بدَّ أن نتوقَّف عند جوهر الموضوع وهو الأنظمة والمعارضة، لماذا لا تحاول الأنظمة أن ترتقي بنفسها ولو سم واحد كل يوم، ألا تنظر حولها وإلى العالم، ولماذا لا تفتح المعارضة والأنظمة برامج تتقاطع مع بعضها للخروج بنتائج أقل ضرراً مما لو ظلا على طرفي نقيض، أنا ضد الأنظمة والمعارضات معاً، لأن المعارضات عندما تستلم زمام الأمور نجد معارضين لها أكثر مما كان للنظام السابق لها، لهذا أريد أن أخلخل هذه الصراعات العقيمة وهذه السجون التافهة التي يزجون الرعيّة بها، غريب! كيف لحاكم قلب أن يسجن مواطناً عنده لمجرد انه اختلف معه في وجهة نظر ما، ألا يفكر الحاكم لثانية واحدة لماذا هذا المعارض معارض له، ألا يفكر ولو لدقيقة أن هذا المعارض يفكر من أجل مصلحة البلد بلده، لأن البلد أو الوطن ليس ملكاً للحاكم فقط هو ملك للجميع والجميع يساهمون في تطويره، الفرق ما بين الشرق والغرب هو أن الوطن ملك للحاكم وكأنه إله زمانه على الأرض، منزّه عن الخطإ، بينما في الغرب يطرح الحاكم نفسه كإنسان ويعارضه من معه في نفس الحزب ومن هم تحت قبّة البرلمان، وأحياناً يعارضه ممن هم في أحزاب أخرى، وبالنتيجة لا نجد سجون ولا نجد سوى باقات ورد يقدمها الحاكم الخاسر للحاكم الفائز بالانتخاب؟

أتساءل ما هذه الانتخابات التي تتم في عالمنا العربي والحاكم يحصل على نسبة 98% و99% وإلخ من النكات السمجة، هل من المعقول أن يحصل الحزب الفلاني أو الحاكم الفلاني على كل هذه النسب وهو معارض من قبل ابنه وأخيه وأبيه ومن قبل جاره وخاله وعمه؟؟؟؟؟؟؟؟ ثم أن ما هذه الانتخابات عندما تتم للتصويت على مرشح واحد فقط أغلب الأحيان؟ طيب إذا كان هناك مرشحاً واحداً لرئاسة جمهورية ما، والمواطن لا يجد أمامه سوى هذا المرشح فقط، فمن سينتخب لو لم ينتخب المرشح، هل سيرشح المواطن ذاته ويربح صوتاً واحداً وبعد ألف قرن ربما يفوز؟؟؟؟

الآن نحن أمام مفترق طرق، البشرية في تطور مذهل وسريع ونحن ما نزال نفكر بالعشائرية والقبلية والمذهبية والطائفية وقضايا أخرى كالقومية والدينية وحبذا لو نفكر بكل هذه الأمور بموضوعية ضمن إطار قانوني وحقوقي وعادل قائم على أسس المواطنة بعيداً عن مبدإ كل يجرُّ اللحاف صوبه إلى أن انقطع اللحاف وانكشف المواطن ومات من البرد والجوع ومن هول المعارك الحمقاء وصل إلى درجة انه يكره نفسه لمجرد انه ينتمي لهذا الوطن أو ذاك! وإلا لماذا يدفع المواطن في هكذا بلدان دم قلبه كي يخرج ويلوذ بجلده من وطنه رامياً خلف ظهر بيته وأهله ووطنه كأنه هرب من الجحيم إلى النعيم، ما هذا الجنون أن يصلَ مواطننا إلى تصوِّرِ وطنه كابوساً وجحيما فوق رأسه؟ مَن المسؤول، أليس الحاكم والمعارض معاً؟!

يراودني أحياناً أنَّ المواطن العادي، غير المسيّس في الشرق يفهم بالسياسة أكثر من المواطن المسيّس، لأن غير المسيّس لا يهمّه سوى استقرار حاله وأحواله، بينما السياسي الحاكم والسياسي المعارض لا يفكران سوى بمصالحهما الشخصية وكل واحد منهما يَعِدُ المواطن بانه سيحقق له كل طموحاته ونرى في عهدِ كلٍّ منهما تقومُ الحروب ركباً، فبهذه الصورة الجحيمية لو قاد مواطناً ما، لا يفهم بالسياسة شيئاً بحيث أن يحقق الاستقرار لبلده أفضل من حاكم يطرح نفسه عبقرياً ومعارضاً يطرح نفسه ما فوق العبقري ويقودان البلاد إلى أسوار الجحيم، أليس العراق مثالاً دامغاً للعيان؟!

أخيراً هناك تساؤل مهم للغاية، لماذا أرى في العالم العربي كل المفكرين والمبدعين والفنانين والمحللين السياسيين وجهابذة القوم، غالباً ما يكونوا خارج إطار سدّة الحكم وخارج كتلة المعارضة، ونادراً ما نجد أعضاء من هذه النخب في تيار السلطة أو المعارضة، غالباً ما يكونوا خارج هذه الكتلة أو تلك، لأنهم على ما يبدو غسلوا أياديهم من السلطة والمعارضة معاً، لهذا أعود مؤكّداً إلى ضرورة التركيز على مبدعينا ومفكرينا وفنانينا ومحللينا السياسيين وذوي الرؤية الحكيمة والعميقة كي نسخّر طاقاتهم الخلاقة في تطوير البلاد بحيث أن يدخلوا على الخط ويضعوا حلاً لهذه الكوارث التي تتم ويضعوا حلولاً وتسويات بين الحكومات والمعارضين ويخرجوا بنتيجة مفادها الاستفادة من إيجابيات الأنظمة وإيجابات المعارضات للخروج بالأوطان من فكّي كمَّاشة الحروب وللنهوض بالأوطان إلى برِّ الأمان والوئام، لا أن يتركوا هذه الصراعات إلى أمدٍ مفتوح وكأننا في عصر الظلمات!

ستوكهولم: 1/1/2007
صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
sabriyousef1@hotmail.com
www.sabriyousef.com