المحرر موضوع: تكلّم أيها الآشوري الصامت!!  (زيارة 1429 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل أوشانا نيسان

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 322
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
تكلّم أيها الآشوري الصامت!! 


أوشـانا نيســـان
oschana@hotmail.com
يؤلمني كثيرا أن يدفعني رجل دين أحترمه ومن أبناء جلدتي، للرد على ادعاء ردده خلال محاضرته  التي جاءت وللأسف الشديد، بمثابة العودة المجّانيّة لمضمون الحملة التي أطلقها طاغيّة بغداد قبل عقود من الزمان تحت عنوان، حملة إعادة كتابة التاريخ، بهدف تشويه التاريخ وقطع العلاقات التاريخيّة بين عراق البعث ومهد اقدم حضارة إنسانية عرفتها البشرية على ضفاف دجلة والفرات. لآن العراقي الرافديني العريق لا يمكن له أن يكون غير عربي، وفق الخطاب السياسي للقوميين الفاشيين من العرب.

حيث أصر الكاهن خلال أجابته لتساؤل عن خلفيّته العرقيّة بالقول:" أنا رجل دين مسيحي واحّس بانتمائي المسيحي أكثر من انتمائي العرقي. ولكن لو تصّر في المعرفة عن انتمائي القومي، فأنا آرامي. الآشوريون كشعب انتهوا قبل اكثر من أربعة أو خمسة آلاف سنة". 
الغريب في الأمر، لا يكمن وضحالة معلومات كاهننا حول انتماءه العرقي وحتى عدم اطلاعه على قول سيدنا المسيح حين قال"رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل ويدينونه لأنهم تابوا بمناداة يونان،) متى( 12:41). بل  وجه الغرابة يكمن والسكوت الذي أطبق بجناحيه داخل القاعة التي شهدت جريمة إلغاء وجود وهوية معظم المصفقين لتفسيرات الكاهن . أولئك الذين طلبوا من الكاهن في نهاية المحاضرة بوجوب مضاعفة الحضور لربما سيكون حضور الكاهن حسب قولهم  سببا في كسب المزيد من شبابنا. أي بمعنى آخر، يمكن استغلال فكرة الإلغاء، تلك التي لم تنطلق هذه المرة من الخطابات  السياسة للتيارات الناسيوناليزمية العربية، الكردية، أو التركية كما يقولون، وانما أطلقها رجل دين مسيحي منّا وفينا كما يقول المثل العراقي، في سبيل كسب الجيل الجديد والالتفاف حول هكذا طروحات رغم أخطاءها التاريخيّة.

التمرد ضد الذات
أن النزعة الطائفية أو المذهبية تجّذرت في عقلية الإنسان الشرقي، لا لاعتبارات الخلل في عقلية المواطن المضطهد على الدوام، وانما بسبب تشديد خطاب القيادات السياسية المتنفّذة على أهميّة تهميش دور الإنسان صاحب رؤية سياسية ثاقبة وإلغاء وظيفة المثقف العضوي أولا، ثم الدفع بعجلة الطائفيّة والمذهبيّة لتحل محل قيّم التنوع، الانتماء والهوية والفكر، ثانيا.
الأمر الذي خلف مناخات ملائمة ومشجعة لنمو عقلية الوصاية وثقافة التخلّف، لدرجة أصبح فيه من الصعب على المهاجر، أن يميز بين الخطأ والصواب. رغم هجرة المواطن لواقع سياسي شرقي مهين إلى فضاء ديمقراطي دستوري سليم كالنظام الديمقراطي المعمول به في المملكة السويدية، على سبيل المثال.   

أن مجرد الانتقال السريع من واقعنا الشرقي المستبد والاستقرار ضمن المنافي التي تسودها الديمقراطية والعدالة، من شأن التفاوت هذا أن يسهّل عملية المكوث والاستمرار في ظاهرة أللانتماء ، ثم التمرد ليس فقط ضد التحديّات الخارجيّة وسلبياتها كما يفترض، وانما ضد الذات والهوية أيضا.

هذه الظاهرة التي يمكن اعتبارها بحق، المحصلة النهائيّة لمضمون الخطاب السياسي الذي مارسته وتمارسه بانتظام الأكثرية من القيادات السياسية لأحزابنا، وأسلوب تعامل وتعاطي الأخيرة مع جمعياتنا الموزعة في الاغتراب. لآن الآستنسابية المتبعة نهجا ضمن القيادات الحزبيّة لا تفلح أصلا في الحفاظ على التواصل المؤمل بين المنافي باعتبارها الوطن الجديد للآلاف من الصفوة العراقية التي دفعتها سياسات القهر والقتل والتشريد إلى الهجرة، وبين متطلبات العراق الجديد وحاجة الوطن إلى إبداعات المثقف العراقي ــ  المسيحي بدون تمييز.

التوجه هذا يتفق تماما ومضمون المثل الصيني القائل،"ليس المهم أن يكون القط أبيض أو أسود، ولكن الأهم أن يأكل الفئران". إذ ليس المهم أن تتفق أجندة معظم جمعيّاتنا التي تعتاش على معونات البلد المضيف مع فقرات سياسة الاندماج ضمن المجتمعات الغربية، بقدر أهميّة تسجيل أكبر حضور جماهيري مسّيس ومهمش محسوب على الحركة السياسية التي غالبا ما تعمل من وراء الكواليس.