شجاعة الخوف
الأب سامي حلاق
مقدمة
الإنسان حيوان مهموم، ولهذا فهو عظيم. منذ ظهور الوعي لديه، نما معه خوفٌ مبهم ازدادت حدّته كلّما كان يواجه خطراً على حياته. فسعى إلى تهدئة هذا الخوف بالاختراع. وأدّى هذا السعي إلى تطوّره. لقد خاض معارك كثيرة ضدّ الخوف وربحها، لكنّه لم يحرز بعدُ النصر النهائيّ، وربّما لن يحرزه أبداً. فالخوف قدرٌ مكتوب على كلّ كائنٍ بشريّ، وعليه أن يعيش معه، أن يستأنسه كما استأنس كثيراً من الحيوانات. أن يروّضه ويهيمن عليه كما يروّض لاعب السيرك الوحوش.
تتطلّب منّا أصول منهجيّة البحث أن نعرّف الخوف. على أيّ خوفٍ نتكلّم؟ على خوف الإنسان طبعاً. لكنّنا ما إن نبدأ بتحديد الخوف حتّى يتبعثر في اتّجاهاتٍ شتّى. فكلمة "خوف" تثير لدينا صوراً متعدّدة ومتنوّعة، لا يربط بينها إلاّ خيطٌ واحدٌ اسمه الخوف. إنّه الاسم العام الّذي يولّد سائر التسميات: الرعدة، الرهبة، الريبة، الغمّ، الهمّ، القلق، الاضطراب، البلبلة ...
ينبع الخوف من شعورٍ مبدئيّ لا اسم له، تثيره أمور كثيرة لا نستطيع حصرها: الهلاك، الخطر، التهديد، المخاطرة، المحن، الحوادث، الألم ... ولا يربط بينها هي أيضاً سوى خيطٌ اسمه الخسارة. كلّ خوفٍ يبدأ حين يعي الإنسان أنّه يمتلك، وينمو حين يتعلّق الإنسان بما يمتلكه، فيكتشف أنّه يتعلّق بما هو مرحليّ، فانٍ، مؤقّت، وسيزول ذات يوم، سيخسره، فيخاف. التعلّق يولّد الخوف من الخسارة.
يتبع