الحوار والراي الحر > المنبر الحر

بطل الصمت(سر التجسد)

(1/1)

ghada: [تعديل]
                                                                    بطل الصمت

             
الإهداء: الى بطل الصمت 
الى شهداء الصمت
والى المتعثرين في الحب
            
يا بطل الصمت احبك، لأنك مبعث الحب وذات الحب، ولأنك الحب والحق اهواك.احبك دون ان ادرك كيف كان الحب ولم كان الحب وما هو الحب، لكني عندما اقتربت من الإدراك ادركتني انت. ولأن ضلوعي ارتشفتك حتى ارتوت اعلنها صارخة في وجه الأشياء: " انت الكائن الى الأبد".
هكذا يبدو من بعيد، فائضا من الحب والسلام، تحت عينيه المقفلتين تختبيء ترانيم شكر يهديها لوالديه. عندما تقترب من سكينته ياخذك جمال وجهه، وتنفتح اذناك الى نبض قلبه وهناك تدرك ان لغة لأعماق هي الحقيقة.
عندما تقترب من قلبه تجد في جوفه صراخات البشر، آهات الفقير، أنات المرضى،وتشوهات الوجوه كلها مختمرة في روحه. تراها ولا تكاد تراها، تعود تدقق في بحثك فلا تدري تماما ما الذي عاينته في صفاء وجهه.
تهمس فيك نفسك الرافضة قائلة : "لا تصدق، فما امامك ليس بطلا، انه طفل طيب القلب لا يفقه شيئا، إنه عاجز فقير ، افضل ما لديه صمت يتيم، وإذا صرخ فصراخه طفولي أبله!
تراجعت قليلا  من نوره الساطع وانت تنظر الى امه تغطيه من برد المغارة، وشدتك زقزقات العصافير في فجر الميلاد.
وعادت دقات صمته تناديك،....
يااااه ، كم عاينت صامتين في حياتك، وحدثت قلوبا، وادركت عيونا لكنك مثله لم تعاين قط.
عدت تقترب اكثر من قبل، وقررت ان تتعرف على هذا الطفل، وصممت ان تلامس وجهه لتتاكد انه وجه طفل وليس وجه شمس!
حركت عينيه فإذ هما شهيتان، تنظران اليك بحنو وتسرقان منك روحك وعينيك. لمست انفه وكم احب الطفل عطرك البشري، وقلت في بالك: " بما اني اتفحص الوجه فعلي ان اقدم بحثا علميا شاملا عن تفاصيل الوجه الصغيرة والكبيرة.".
...............
وصلت الى الأذن، صرخت فيها مدويا، اطلقت فيها تردداتك المحتارة، افرغت لوعاتك، اثقالك افكارك وحملت في صوتك موسيقى الوجود، والحان الفرح واللقاء ، واناشيد الوطن ، قدمتها كلها في ملحمة غنائية مزجتها جميعا  وجعلت منها تقدمة إلى هذا الطفل القابع في برد الأرض.
ومن اجلك كي تتأكد، لم يلبث ان سمع نداءاتك حتى قام من حضن امه مسرعا على عجل، وإذا بالأرض تحترق تحت قدميه و تلتحم الأصوات بروحه، فيكبر ويكبر قبل الأوان حتى إذا ما صار شابا حمل الأصوات على كتفيه وسار درب الأوجاع مسرع الخطى إلى روح الميتة، وهناك اعلنها: "يا إبناه لم تركت اباك؟"
فإذ بك تستيقظ مما يشبه الحلم ، وياله من حلم جذاب يسرق منك عقلك و ياخذ منك افكارك وروحك، ثم تقول في نفسك : "ما بالك لا تصدقين؟ لقدحملها كلها في قلبه، اثقالك واثقالهم ،كل الألحان والأغنيات في صرخة واحدة شكل منها لحن الخلود. !".
تعود ألسنة التمرد الباقية فيك تقول لك: " ايها الغبي لا تصدق، فهذا حلم وليس حقيقة، ما هي إلا قصة حب مثيرة، ورواية طفل كبر سريعا واحب كثيرا لكنه لا يستطيع ان يخلص الأرض من اوجاعها لأنه رضيعها!
تقفز سريعا، تنتشل نفسك الماخوذة تبعدها عن الطفل الكبير وتركض سريعا الى مكان قفر حيث لا تعود تراه ولا تسمع حتى صدى انفاسه. وتبقى تركض حتى التعب ، ثم تنظر وراءك لتتاكد انك لن تراه امامك!
تنظر حولك شاكرا نفسك لأنها اخرجتك من حلم كاد ان يدمر عقلك، وهناك تجلس تحت الشمس وترتكز على الصحراء نائما مستريحا من عبء خيالك.
وهناك تغفو طويلا، فترى في المنام اطفالا وشيوخا، متالمين وجرحى ، حروبا وانتصارات وهزائم، مقابر وملاهي . وتختلط الألوان والألحان فترى احلام كثيرة متلاحقة تاخذك الى شقلبة دائمة التشقلب، فتفرح طورا وتحزن طورا آخر، تغني وتنزوي، تجوع وتشتاق، تموت وتقوم كل يوم، يحيط بك ظلم وافتراء، تناضل وتفكر وتقرا، تدرس وتلهو وتعمل كل الأشياء معا او كل على حدة.
وبين هذه الأحلام المبكية تكاد ذاكرتك تلتقط انفاسها، وفي التقاط الأنفاس كنت تلتقيه، ذلك الرجل الطفل الذي رايته مرة وعندما اقتربت منه هربت من احلامه الى احلامك.
حتى لحظة مبكرة، كنت لا تزال تذكر بقايا ماض سحيق وقصة غابرة ، اما الآن فلست تذكر إن كنت رأيته بالحقيقة ام بالخيال. كيف لاتنسى وقد بخرت اشعة الشمس دماغك، وكيف تذكر طفلا طيب القلب اراد ان يخلص الأرض فمات فيها!
وفي آخر الأحلام رايت نفسك بلغت خريفها وصارت شبحا بهيا، ألبست نفسك اجمل الأثواب، وأتفنت رسم الماكياج . غنيت للصباح، ارتشفت رحيق قهوتك ثم مضيت تلهث وراء العيش. التقيت كثيرين وتكلمت في شتى الأمور ، وساعدت بعض الأصدقاء ، وصرخت في وجه الأعداء ، انشدت مع بعض الجرحى في ميادين المعارك نشيد الشهادة،، ثم بعض دقائق مات بعضهم، وآخرون رحلوا في اليوم التالي...وبقيت وحيدا فارغا.
قلت في حلمك :"لا بأس فهذا شأن الحياة".
ويستمر الحلم تحت أشعة الشمس الحارقة، يتصدع رأسك من تزاحم الأحداث، ويحترق شعر رأسك فتقوم ملتهبا من نومك العميق قبل اكتمال المسلسل.
صوتك يختفي، رأسك يشتعل ، جسمك يذوب وأنت ميت بلا روح، لاشيء من حولك، كل شيء ساكن قاتم، أرضك خواء مثلما كانت الأرض قبل الخلق.
تنظر للأعلى وتلعن الشمس لأنها أيقظتك من موت الأحلام الممتع . تتعال الأصوات وتزدحم فيك ثم تصرخ فيها فجأة ......................."إهدأوا جميعا" .
تبدأ بتنظيم الأصوات لتسمعها واحدا واحدا ، ليتقدم أولا القوة العظمى...الأنااااا..... أنا مركز العالم ، أنا اريد...أنا احب...  أنا اكره..  أنا أنا أنا ...،ثم اصوات الناس و الأشياء  وغيرها كثيرا. وبينما تسبح في الأصوات يركض وراءك لاهثا ليلتقط موجتك في نهاية المطاف.
يقف وراءك مهملا منسيا ويدق على منكبيك قائلا :
" حملتك طويلا و إحتملتك زمانا، حول عيني إلى، هل تسمع ؟؟ حول"
تنظر وراءك خائفا ، فتجد نفس الطفل صار كاهلا قضى شبابه و رجولته باحثا عنك بقلق وحب.تأخذك الملامح البريئة التي بقيت واضحة على محياه ، ويفاجئك مشهد وجهه صافيا وصامتا رغم عناء السنين والإرهاق.
تلتقط عيناه عينيك وتخطفهما بعيدا فلا تعود ترغب بالهروب من وهج ضيائه. سرعان ما يخترق جنبك المطعون بهوان الأرض فتذوب أمامه ساقطا، وتلمس رجليه تجدهما حافيتين من كثرة الركض وراءك .
تضمه فإذ بك تضم إلها، وتغيب عن وعيك لا حلما بل رؤيا، فينقلب ميزان الرؤية لتكتشف أن واقعك كان حلما، وما ظننته حلما هو الحقيقة. وتفقد صوابك لا جنونا بل تعقلا. تهيم في هواه كأنك تقول ولسانك مخذول. وتسير معه وفيه إلى حقول خصيبة ترعيانها معا وهناك يبذل لك حبه ويفسر لك سر إنسانيته.
وبعد ان تستنشق عبير إنسانيته يميتك معه ويقيمك في قيامته فتبلغ معنى الوهيته، ويعيد خلقك مفسرا لك كل شيء ويحملك إلى الأبد.
            
      بمناسبة حلول سر التجسد،
            
                                                          ولكم حبي،
         
                                                                    غادة                http://

تصفح

[0] فهرس الرسائل

الذهاب الى النسخة الكاملة