المحرر موضوع: التصنع وتقليد الاخرين!  (زيارة 3595 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل الاب يوسف جزراوي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 311
  • الجنس: ذكر
  • انك انت صانع نفسك بنفسك
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
التصنع وتقليد الاخرين!
« في: 23:46 20/08/2008 »
تساقط الاقنعة


في البدء كلمة
     
      بعد ان عرفته على حقيقته خرجتُ اتمشى ليلاً وفي القلب غصة ، والكثير من الصور والاحداث تتزاحم في الفكر  عن انسان يتظاهر  بالقداسة لكنه شيطان اكبر ، أسير متنهدًا واضعًا احدى ذراعيَ على الاخر فوق صدري واتمتم مع نفسي الحزينة المصدومة : إن ارتداء الاقنعة لا بد  وان يعقبه سقوط لا محالة ما دامت هذه الاقنعة وضعت اصلاً للتضليل واخفاء الحقيقة والتعتيم ...... فمن الممكن ان تخدع الاخرين وذاتك ..... فتختلق حدثًا او موقفًا او كذبةً وتصدقها وتوهم بها الاخرين ...... ولكن هل من الممكن ان نخدع الله ..... لنفكر مليًا ماذا سيقول واحدنا للرب ؟.... لاسيما اؤلئك الذين يضعون على رؤسهم هالات القداسة !!

 
         ففي مجتمع كمجتمعنا العراقي وللاسف تعلمنا ان نتصنع ونوهم الاخرين .... تعلمنا ان نتصنع وأن نُقلد الاخرين وان نكون مثل هم ما يريدون ويتمنون  وليس كما نحن نُريد . ومنذ نعومة اظافرنا خضعنا لمقارنة ومنافسة مع الاخرين ( أنه يشبه اباه وأمه ..... لماذا لا تكون مثل أخيك  او رفقيك هادئًا متفوقًا ..... أنظر إلى فلان كيف يتصرف وتصرف مثله .... انه نسخة من خاله او عمه) فيحاول كل منا ان يتماهى مع من شبه به من قبل الاهل والاصدقاء ..... ومن هنا كانت بدايتنا في التصنع والتقليد

وبهذه المقارنة الا تربوية سندفع بالطفل للسعي ان يكون مُقلدًا وبذلك سيفرغ من شخصيته وسيكون مثل فلان وفلان ولا يكون هو ...... وهنا كانت طامتنا الكبرى ولا تزال !!

    إن سقوطنا في فخ المناسبة والتقليد سيدفعنا لا رتداء الأقنعة والتصنع وازدواجية الشخصية . ولعل من المُفيد الاستشهاد ببعض ما كتبه الدكتور على الوردي _ رحمه الله_ عن هذا الصدد : " نحن نعود اطفالنا مُنذ الصغر ان يتظاهروا  بالوقار والرزانة امام الكبار وبهذا ستنشأ فيهم شخصيتان: شخصية للزقاق واخرى للظهور أمام الناس . فالابوان في العراق كثيرًا ما يؤنبان طفلهما إذا بدرت منه بوادر لا تليق بمعشر الكبار ؛ فهو اذا يحاول ان يكون عاقلاً خلوقًا ساكنًا إذا ذهب مع أبيه إلى المقهى ز ولكنه لا يكاد يرجع إلى الزقاق حتى تراه قد خلع عنه ذلك القناع المصطنع الذي تقنع به في صحبة ابيه. فإذا كبر هذا الطفل تراه يقول نلا يفعل  وان يتحمس لما لا يعتقد به وان يعظ غيره بغير ما يعظ به نفسه"!!


     كلنًا وللاسف نتصنع وفي اوقات مختلفة ربما لأسباب نفسية او اجتماعية أو.... وفي مواقف كثيرة نكون على غير طبيعتنا ..... ولكل منّا اسبابه ان كانت بوعي او من دون وعي ، فنقول للضرورة احكام او الاتكيت يتطلب ذلك .....
     وهناك حالات تصنُع اود ان مر عليها مرور الكرام إلا وهي:

المرأة العجوز الكاهلة التي تصبخ شعرها لتبدو اصغر من عمرها
الرجل الاصلع الذي يخفي قرعته بباروكة ليبدو اكثر جمالاً واصغر سنًا في نظر الاخرين!
المكياج الذي تضعه العديد من الفتيات ليخفين العيوب والتجاعيد ولا سيما الطاعنات في السن لا زالة عاهة او تجاعيد الزمن من وجوهنن وليكونن اكثر جمالا وربما اصغر سنًا!
الرجل المثسن عندما يرتدي ثيابًا لا تليق بعمره او يسرح شعره تسريحة لا تليق به كرجل مُسن  ليبدو ابن الثلاثين وهو في السبعين من عمره!
او تراهم يلبسون الثياب السوداء في التعازي  لا من باب انهم حزانى والتضامن مع اهل الميت او وفاءًا لفقيدهم، بل خوفًا من انتقادات الاخرين او من باب المجاملة والخجل الاجتماعي
او تراهم يحدثونك عن الفقر والتواضع والتجرد وعن امور اخرى ، لكنهم اغنى الاغنياء وقد طلعوا الفقر بالثلاثة ..... فبدلاً من  ان يكون مثالاً للاخرين ..... يغدون حجر عثرة لهم ....ز والويل لمن تاتي على يديه الشكوك يقول يسوع له المجد!
وكثيرون في هذه الحياة على اختلاف مناصبهم ومستوياتهم يمتلكون اكثر من وجه متلونيين ..... يعيشون في تناقض ازدواجي .....
غالبيتنا يضع اقنعة على وحوهنا ونمثل ادوارًا الفناها جيدا وتمرسنا على القيام بها ولكن بالحقيقة هي لاتمت بصلة لعمقنا بل هي نتيجة تاقلمنا مع الواقع!
وابوح علنًا .... وبصراحة تامة كم هي المواقف التي تجعلون فيها الكاهن يتصنع من اجل ارضائكم لانكم ترفضون ان ترون فيه الانسان ..... بل تطالبونه ان يكون ملاكًا ..... لكنه انسان قبل كل شي من لحم ودم مثلكم.
اتذكر في بداية حياتي الكهنوتية أن احد الكهنة وغيره.... قال لي ( حبذا ابونا تتصرف كذا وكذا ..... قلت له لماذا ؟ قال : الناس تريد هكذا )!! ولا اتعس من انسان يعيش ويُسير من قبل الاخرين!الستم معي ان قلت : ان في كل هذا نوع من التصنع واخفاء الحقيقة!؟

مسك الختام:
من اتعس الامور واقساها على انساننا ان يعيش بوجوده عديدة ، فيكون متخبطًا في ذاته ولا يشخص الاحداث ولا الاشخاص . ليعيش بعدم وضوح يجعل منه ممثلاً بارعًا متعدد الاقنعة . وما اكثر الممثلين اليوم وفي اكثر من مجال ومكان!!
ولعلي اقسوا فأقول : صعب على الإنسان ان يتصرف بزيف وتحايل فيمثل ادوار بطولة بارعة في فيلم اسمه الحياة! والاصعب ان يقضي حياته باكملها وهو لا يدرك قيمة نفسه ولا يتحسس عظمة الوجود فيقضي الوجود على الفراغ ..... وسيعيش علاقات فاشلة لانه لم يظهر شخصيته الحقيقة ، فيمر امام معضلة الوجود مرور الكرام !

املي ان نعيش جميعنا حياتنا دون اي تصنع وتكلف ومحاكاة وتمثيل ادوار حفظناها على ظهر القلب ، بل نسعى لنكون واضحين ونكون نحن وليس مقلدين متصنعيين او كما يتمنونا الاخرين
وياليتك تكون صاحب مبدا وقضية وقرار .... بعيدا عن المجاملات والمساومات والتصنع والتملق والتزلف....ز املي ان تكون انت ..... وان تكون واضح الخطوات!

الأب يوسف جزراوي
 هولندا
 
 
نحن خلقنا لنحبّ ولنشهد لحبّ الله بين اخوتنا البشر
على الله أبي إتكالي لإشهد بحبهِ بين اخوتي
الإنسان المُسامح هو الذي سيربح في نهاية المطاف.