المحرر موضوع: سياسة التمييز العرقي والديني في العراق الجديد  (زيارة 3706 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Amer Hanna Fatuhi

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 124
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
سياسة التمييز العرقي والديني في العراق الجديد

الثابت والمتحول بين الأمس واليوم .. ؟!!

قبل أيام كنت أتصفح موقع عنكاوا فلفت نظري موضوع (قرنٌ من الإبداع العراقي يحلّ ضيفاً في باريس) بقلم السيد محمد الكحط الذي أعطاني موضوعه عن معرض (بغداد - باريس .. فنانون من العراق) إنطباعاً بأن الكاتب على ما يبدو غير ملم بخفايا الوسط التشكيلي العراقي وتشابكاته ، وبخاصة في العقود الثلاثة المنصرمة الأخيرة ، وبأن الموضوع بحد ذاته لا يتعدى تقرير عن مناسبة تمت دعوة الكاتب إليها حسب ، لكن موضوعه الآخر (الفكر البعثي العفلقي الصدامي يعود إلى السلطة بجهود وزير الثقافة الهمام) أعطاني إنطباعاً مختلفاً تماماً هذه المرة ، لأن دافع الرجل إلى الكتابة كان مرده بكل تأكيد حرصه على المنجز الفني وإحترامه للعمل الإبداعي العراقي .

الحق ، أنه بقدرما أسعدني هذا التوجه للتعريف بالفن التشكيلي العراقي المتميز رؤية وتقنية ، ولاسيما التقديم لأسماء مهمة كجواد سليم وفائق حسن وصالح القرغولي وأسماعيل فتاح الترك وخالد الجادر وكاظم حيدر ومحمد علي شاكر ومحمد مهر الدين وهيّ أسماء كان لها بالغ الأثر في رسم ملامح الفن التشكيلي العراقي ، إلا أنني قد أنزعجت كثيراً من عودة عدد كبير من أسماء (اللا موقف) التي عاشت طوال حياتها في دائرة مداهنة المؤسسة الرسمية للنظام المقبور إلى الهيمنة من جديد على المشهد التشكيلي العراقي ؟!

صحيح أن معظم الأسماء التي تم عرض نتاجاتها هيّ أسماء معروفة بتمكنها الفني ولكنها أيضاً (وهو مبرر كتابتي لهذا الموضوع) ذات الأسماء التي رسخت الحضورها المؤسسة الرسمية المقبورة (بسبب لا موقفها مما كان يحدث) على حساب فنانين آخرين كانوا بذات المستوى الفني بل أن بعضهم كان أرفع شأناً (رؤية وتقنية) ، ولاسيما هؤلاء الذين حاولت المؤسسة المقبورة (بسبب مواقفهم التقدمية) ليس التعتيم عليهم حسب ، وإنما ملاحقتهم وتصفيتهم جسدياً بدفع من (تقارير كلاب حراسة) دائرة الفنون التشكيلية و(عيون) نقابة الفنانين العراقيين الذين يتسلطون اليوم من جديد على ناصية القرار في المؤسسات التي أحكموا بالأمس قبضاتهم عليها ؟!!

ولرب قائل يقول : إن ما عرض من أعمال كان حصيلة ما يتوفر في مجموعة السيد (محمد زناد) صاحب قاعة أثر (بحسب ما ورد في موضوع السيد الكحط) ! ، وهو ما أستغربه تماماً ، إذ كيف تمكن شاب لم أسمع به حتى يوم توقفي عن الكتابة في العراق عام 1992م وعن المشاركة في المعارض الجماعية عام 1993م من الحصول على أعمال تعد من مقتنيات متحف الرواد والمتحف الوطني للفن الحديث ؟!!

عموماً ، أن دحض مثل هكذا إدعاء لا يحتاج إلى كثير عناء ، إذ أن الأسماء التي عتم عليها النظام المقبور والتي لاحقها لغرض تصفيتها أو من نجح في تصفيتها فعلاً ، علاوة على الأسماء التي حكم عليها النظام المقبور بالإعدام غيابياً وسحب جنسيتهم العراقية لمواقفهم الرافضة على المستويين الفني والسياسي (ومن بينهم كاتب الموضوع) ، هيّ أسماء معروفة جداً ، وليس من الصعب الحصول على نماذج من أعمالهم من بين مجموعات المتحف الوطني للفن الحديث التي نجت من سطو المعنيين بحمايتها أصلاً وذلك بحسب القول العراقي الشهير (حاميها حراميها) ، وهو ما يذكرني بحادثة السطو (الشهيرة) على منزل الفنان الراحل (فايق حسن) بعد ساعات من إعلان خبر وفاته في باريس ؟!!

المشكلة ليست في السيد محمد زناد (إذ بارك ألله في جهده للتعريف بالفن العراقي) وإنما المشكلة تتعلق بذات موظفي مركز صدام للفنون الذين يعرف الوسط التشكيلي العراقي حجم إنتهازيتهم وتاريخ ولوغهم في مستنقع التقارير الحزبية والتجسس على زملائهم الفنانين ، والذين يضطلعون اليوم بقيادة وتوجيه المؤسسة التشكيلية التي عاثوا فيها بالأمس خراباً . المؤلم حقاً ، أن يكون المنفذ الوحيد للسيد زناد وغيره من الذين يسعون للتعريف بالفن التشكيلي العراقي أن يمرروا مشاريعهم عبر مصفاة أيتام المؤسسة الرسمية الشوفينية المعروفة بنهجها البعثي الذي كان نأمل إجتثاثه ؟!!

لقد عانى الوسط التشكيلي العراقي من العديد من العقد والتمييز العرقي والديني منذ ثلاثينات القرن المنصرم والتي ترسخت وتمنهجت في دهاليز المؤسسة الفنية الرسمية بشكل مقرف إبان هيمنة البعثيين على مقدرات الأمور في العراق ، نعم لقد أنثالت هبات القيادة السياسية الرشيدة ومكرمات القائد الضرورة على الوسط التشكيلي العراقي لشراء ذمم الفنانين التشكيليين عبر معارض الحزب ومعارض جداريات بطل تحرير العراق من العراقيين ، ونعم لقد ركب الموجة حتى البعض من اليساريين من ضعاف النفوس الذين وجدوا أن هيمنة العقلية البعثية أمر واقع لا مفر من الإذعان له وقبوله ، ويكفي مراجعة بسيطة لكتلوكات معارض الحزب ومعارض جداريات الرئيس المخلوع لمعرفة الغث من السمين من فناني الفترة المظلمة (1978-2003م) . الأنكى ، أن بعض يساريي الأمس صاروا مع مطلع عقد الثمانينات من أشرس الأبواق المطبلة للقائد الضرورة ومنهم د. ماهود أحمد الذي طلق زوجته الروسية تأكيداً على عروبيته ثم وراح يمجد ويؤله القائد الضرورة في لوحات كبيرة عديدة !!
فيما أنقلب البعض من بوهيمي الأمس في باريس وروما إلى سلفيين ومنافقين وتحول البعض الآخر إلى بهلوانات وشطار يلعبون بالإيديولوجيات الماركسية والبعثية (كما يلعب الحواة بالبيضة والحجر) أو يفصلونها على مقاساتهم (كما يفعل الخياطون المهرة) ! .

وإذا ما أستثنينا عبد الرزاق عبد الواحد الذي لم يكتب في الفن التشكيلي ، وتركنا لبعض الوقت يوسف الصائغ الذي رحل مؤخراً بعد مشوار من التحولات الدراماتيكية  رؤية وممارسة وبخاصة بعد زواجه من أمرأة مسلمة وتحوله إلى الإسلام ، فإن الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا الذي لا غبار على أستاذيته في عالم الترجمة والذي تحول بدوره إلى الإسلام بعد زواجه من أمرأة سنية ثرية ؟! ، كان واحداً من أخطر الذين رسخوا للأفكار (التمييزية) على أسس (عرقية ومذهبية) ، ويكفي الإستشهاد بكتابه الموسوم (الفن المعاصر في العراق /حركة الرسم) الذي تجاهل فيه عن قصد ونية مبيتة ذكر الفنان التشكيلي الرائد عزرا حيا (اليهودي) الذي يعتبر دونما جدال أحد أعمدة الحداثة في الفن التشكيلي العراقي والفنان العراقي الوحيد الذي يمتلك متحف اللوفر واحدة من لوحاته ضمن مجموعة الفن العالمي . ومثلما فعل ذلك مع (عزرا حيا) فإنه قابل إحسان صديقه والأخ الروحي لجواد سليم الفنان التشكيلي الرائد عيسى حنا (المسيحي الكلداني) بالإساءة والتجاهل (وهو ديدن اللؤماء) ، على الرغم من معرفة جبرا بأن عيسى حنا كان أول فنان تشكيلي عراقي يدخل تقنية الطباعة الفنية بالشاشة الحريرية (Silk-Screen) إلى العراق ، وذلك بعد تخرج عيسى حنا عام 1951م من جامعة سيركوزي / نيويورك ، ناهيكم عن أن عيسى حنا هو الذي علم جبرا (الغريب الوافد إلى بغداد) أصول الرسم ، وأستضافه في بيته لمدة ستة أشهر ، عرفه خلالها على الوسط التشكيلي العراقي وقدمه لمؤسسي الحركات الفنية العراقية كجواد سليم وفائق حسن وغيرهم !!

وبسبب من نوازع جبرا العروبية تلك ، لم يتطرق مطلقاً إلى تناول منجز النحات التركماني الرائد فتحي صفوت قيردار (1896-1966م) ، الذي قام بتدريس عدد كبير من الفنانين المعروفين منهم عطا صبري وحافظ الدروبي ومحمد غني حكمت . وكان هذا التجاهل والإهمال المقصود مصير العديد من الفنانين العراقيين الكلدان والكورد والتركمان الذين أغفلتهم كتابات شاكر حسن آل سعيد وشوكت الربيعي ، أما الإستثناء الوحيد من بين الكتاب الكبار الذين تجاهلوا الطروحات العروبية البعثية فقد تمثل في كتابات الناقد التشكيلي الكبير (سهيل سامي نادر) الذي أنزوى آخر الأمر عن الساحة التشكيلية تجنباً لملاحقات كلاب حراسة السلطة وعيونهم المبثوثة في مركز صدام للفنون (دائرة الفنون التشكيلية) ونقابة الفنانين .

وقد أستمر هذا النهج المريض للمؤسسة الرسمية التي أمعنت إدارته التشكيلية في التمييز ضد من لا ينتمي إلى مستعربة العراق من الأثنيات العراقية المتآخية علاوة على الفنانين اليساريين ، ويبدو أن هذا النهج العروبوي الإسلاموي سيكون هو المهيمن على الوسط التشكيلي العراقي والمؤسسة الثقافية العراقية ، وبمعنى أشمل الثقافة العراقية لسنوات قادمة ، ما لم يتم إجتثاث أيتام النظام المقبور من المؤسسة الثقافية العراقية الحالية والتصدي لقوى الظلام الإسلاموية وإنتخاب واجهات منفتحة تؤمن بالعراق والعراقيين دونما ضوابط أو تمييز عرقي أو مذهبي ، وليس هذا بالصعب أو المستحيل ، إذ يمتلك العراق إحتياطياً هائلاً من المبدعين ربما يفوق بأضعاف حجم إحتياطه من النفط !!

أتمنى مستقبلاً من السيد محمد زناد أن يكون أكثر إلماماً بما يقدمه مسقبلاً ، كما آمل لا يتم تكرار الأسماء السبعينية والثمانينية والتسعينية التي كانت تجترها علينا المؤسسة التشكيلية المقبورة ، كما أتمنى مخلصاً أن يقوم المعنيون في العراق الجديد بتجاوز عقد الماضي وعقليته التمييزية فتكشف للعراقيين قبل غيرهم حجم الظلم الذي وقع على المبدعين العراقيين في العقود المنصرمة الأخيرة ، ويكتشفوا قبل غيرهم نتاجات وإبتكارات فنية لا يمكن إلا أن تكون مدعاة فخر لكل من يفتخر بعراقيته .

للسيد محمد زناد ولوزارة الثقافة العراقية  أقول : ترى هل سنرى في معارض العراق القادمة إلى جانب الأسماء التي تستحق (دونما جدال) تمثيل الفن العراقي أعمال كل من عيسى حنا دابش ، خضر جرجيس ، محمود صبري ، جميل إلياس ، د. شمس الدين فارس ، محمد عارف ، جودت حسيب ، حميد العطار ، مكي حسين ، فايق حسين ، قتيبة الشيخ نوري ، صالح الجميعي ، طالب مكي ، نعمان هادي ، صلاح جياد ، فيصل لعيبي ، إسماعيل خياط ، علي النجار ، جون نقاشيان ، خلود فرحان سيف ، غالب ناهي ، هيلدا أبيكيان ، عمار سلمان ، سركيس ميساك ، برهان صالح كركوكلي ، مسعود يلدو ، رملة الجاسم ، محمد حسين عبد ألله ، زياد مجيد حيدر وغيرهم من فنانين لم تستطع المؤسسة الرسمية المقبورة بكل سطوتها من التعتيم على حضورهم أو طمس أثرهم وبصماتهم التي تركوها على خارطة الجسد التشكيلي العراقي ؟!!   

عامر فتوحي
رئيس قسم الفنون التشكيلية / مجلة فنون 1980-1983م ، مدير القسم الفني للمجلة 1982-1983م
عضو مؤسس في (جماعة أفق) وكاتب البيان التشكيلي التحريضي (أتبع حلمك) عام 1986م


تصويبات :
الفنان الرائد عبد القادر الرسام لم يعش إبان الفترة العباسية كما جاء في موضوع السيد محمد الكحط ، فقد زالت الدولة العباسية عام 1258م ، أما عبد القادر الرسام الذي ولد في بغداد فقد عاش طفولته وشبابه إبان الحكم العثماني وتوفي في العهد الملكي (1882-1952م) وهو من المشاركين في جمعية أصدقاء الفن التي تأسست عام 1941م .
بالنسبة لتاريخ ولادة ووفاة الفنان عاصم حافظ اللذين وردا في موضوع السيد الكحط على النحو التالي (1920-1961م) فأنهما غير صحيحين . إذ يعد الفنان عاصم حافظ من رعيل الفنانين الذين ولدوا في العهد العثماني ، حيث ولد عام 1886م في الموصل ، درس العلوم العسكرية في إستنبول وتخرج برتبة ضابط في الجيش العثماني ، وذلك قبل دراسته للفن في باريس على يد الأستاذ أنطوان رينولدز في باريس (1928-1931م) ، وقد توفي عام 1978م .