انفردت في مسرح الحياة، وكأنني الوحيد الذي وُهِب نعمة التمثيل على منصته؛ انه مسرح خلاب، ستاره مطرز بنقشات فاق جمالها ستار هيكل اورشليم. لونه أحمر كلون الدم حين يصرخ الى السماء. لم يكن حقيقة ستارا واحدا بل ستائر ولكنها أُدمِجَت مع بعضها البعض كي تخذل رغبات العيون المتلهفة لمعرفة ما يستدر خلف هذا الستار، ثخنه بشع، لكن في بشاعته تكوّن معبد المجهول، حيث تنتكس الرؤوس امام لا تناهيه، فالعيون تعبد ما تجهله، والمجهول يحمل سراً. كنت خلف الستار أضحك الى درجة الموت على الصليب. فقلت في نفسي :
اين انت ايها الجمر الملتهب، تعال واحرق عيني كي اطهّر بصري ..
احرق شفتي كي اعاني مرارة التفوه بكلمة واحدة،
اجعلني اجذل حدودي في صمتك،
واجعل صمتي امتدادا لقداستك ...
فلا اريد التمثيل على منصة بالية، ترميني في قذارة مجهول البشر،
فالمجهول قدس اقداس الوجود المتسامي، حيث لا تطأه اقدام السفهاء، ممن يعبدون الستار.
لا يعلمون ان المجهول كشف وليس اختفاء،
حقيقة تستدر عالم الاوهام
عمق فضّل العيش على السطح.
وجهه واضح كجلاء الشمس، الكل يراه، ولكن كلٌ بطريقته وفنطازيته
الكل يقدس مِسخه؛ لانهم يرونه بعيون مجهولهم، فهو اشعة انجبتها شموس افكارهم المظلمة، وحبل بها صنمهم المجهول.
لا يمكنهم رؤية المجهول إن لم يحترقوا بنار الجمر الملتهب،
ولا يمكن للمجهول القيامة إنْ لم يفقهوا انهم أموات بمجهولهم.
اين انتم يا صالبي الحقيقة، لمَ تتوانون عن صلبي ؟
اتبتغون تعذيبي بالعيش في فردوس الحياة ؟
أنا لا اهرب،
ولكني اعمى بعيون ناظرة،
اعرج بأرجل تمشي،
أبرص بجسد قدسه المرض.
ظهرت تقيحات في جسدي، ويا لعفونتي، جلدي يفرز صديدا، والناس تحسبني قديس الستار، يُخرج زيتا من احشاءه، هذا لاني خلف الستار.
أخطأتم، فالمجهول لم يختف يوما، ولم يبارح نظرنا، ولكنكم من يبتغي اخفاءه، من يبتغي الهروب من صوته، من يبتغي الباسه حلة اللاوجود كي تُربّعوا مجهولكم على عرشه، انه صارخ في برية عدن، من يسمعه يبرأ من صحته، ويناشد المرض بان يسكن خدره، فحضوره يطرحنا في فراش الموت عن الكلام.
انطلقوا وحضروا اكفانا سوداء لسطحيتكم، ونادوا الدفان كي يقبر كل افكاركم، ويحرقها حتى تتحول الى رماد يُذَر في بحر الحقيقة. اني ادعوكم الى حضور جنازتي التي ستُعّد في شروق شمس المجهول. سيكون يوما عظيما حيث يخرج صوت من هناك، قائلا : كفاك العيش خلف الستار، واظهر، طوبى لك أيها المبادر، يا ممزق الستار.
فلنكن امواتا في عالم احياء اليوم
ولنرفس كل قداسة يلبسنا اياها العالم،
ولنطالب بقداسة المجهول ... هناك حيث لا أحد سوى الكل..