المحرر موضوع: دردشة على فنجان قهوة - وعْيُنا.. درعُنا الوطني  (زيارة 1329 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل د. خالد عيسى

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 127
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
دردشة على فنجان قهوة
وعْيُنا.. درعُنا الوطني
المستشار خالد عيسى طه
رئيس جمعية محامين بلا حدود
ونائب رئيس نقابة المحامين العراقيين البريطانيين

الوعي هو الشعور السياسي الصادق وما يجب أن يعمله الفرد في شعب حوصر من كواسر بشرية لا رحمة في قلبها ولا ضمير ، إن عوامل تواجد الواعي أياً كان نوعه سياسياً أو اجتماعياً أو حتى طائفياً وعنصرياً هي كثيرة وممتنوعة ، منها الاحساس بالظلم والغبن والتهميش ، وشعور وجود هذا العامل هو العامل المحرك لخلق الوعي ، إذ أن الظلم وحده ليس كافياً لخلق الوعي ولا للثورة ، ولا في طلب التغيير ولكن الشعور بالظلم هو الأهم من أجل تحريك الوعي الذي يؤدي الى تأجج العواطف والنوازع الوطنية ، وهذا التأجج التراكمي يصل بالشعب للنزول لساحة الفداء بالروح ومركز قيادة الثورات ، وقد يشوبها بعض الشوائب ، ولكن هي ثورة ناتجة عن الظلم والشعور بالظلم .
ليس هناك ثورة في العالم ليس لها أخطاء وتجاوزات ، حتى أن بعضها تأتي على من قام بها ، وقد رفع (روبسبير) الفرنسي الشهير والذي كان محاميا ، شعاراً أن الثورة تأكل فراخها ، واستطاع أن يبسط نفوذه ، وكان متحمسا مثل بقية الثوار لآراء الفلاسفة الذين كانوا سببا في قيام الثورة الفرنسية، ومهدوا للقيام بها بأفكارهم: جاك جاك روسو، فولتير، ديدرو، ومونتسكيو.
إن الشعب الذي تسوده موجة وعي .. صحية هو الشعب الذي يستطيع أن يقدر باخلاص مصالحه العليا ، وهو أيضاً يستطيع أن يرسم خطاه المستقبلية بكل دقة نحو الأحسن عيشاً وممارسة وتطبيقاً للديمقراطية.. الكل يعي دوره ويعمل من أجل الصالح العام ، لا من أجل مصلحته الشخصية ولا من أجل الطائفة التي ينتمي اليها ولا لشعب مرجع له .
إن من ينزع صفة الوعي عن الشعب العراقي في الحالة التي سبقت خلع الرئيس صدام وانهيار نظامه لا يقرب من الواقع والحقيقة. الشعب الذي حاول عشرات المرات القيام بمحاولة اسقاط النظام ، وإن فشل في معظمها بسبب افشاء خططه الانقلابية عن طريق أجهزة المخابرات الأجنبية وخاصة الأمريكية .
الشعب الذي أكثريته رفضت الاحتلال بحجة الخلاص من نظام صدام ، ولم يكن يروج لهذا الاحتلال الا حفنة معروفين بالاسم والعائلة وهم أنفسهم حملتهم معها حملة الأمريكان العسكرية الى داخل الوطن ، يوم عقدوا أول مؤتمر في الناصرية.
الشعب الذي هاجر منه أكثر من خمسة ملايين خارج دائرة الظلم .. خارج دائرة الارهاب ، والذين وزعهم النظام الشرس على خمسة أركان من المعمورة ، ذهب بعضهم الى عمق البحار ليكون طعاماً للأسماك ، أو مات في جليد قمم جبال الألب الأوربية الشاهقة.
الشعب رغم كل وسائل القمع الذي يطلق على الرئيس النظام الارهابي كنايات وألقاب يتداولها همساً أو علناً مطلقاً لقب (عتريس) و (همبكة) على الرئيس صدام ، كل هذا يؤكد أن للعراق شعب قريب جداً من نقطة الانفجار والثورة ، وهو يحمل أعلى درجات الوعي . استمر الوعي العراقي حضوراً حتى بعد الاحتلال وتجلى ذلك في الحالات التالية:
تجلى وعي الشعب العراقي عند وقوفه سدًّا منيعاً متراصفاً متراصاً ضد شعارات الطائفية والمحاصصة والعنصرية رغم كل الكم الهائل من قوى يملكها مروجي هذه الشعارات والتي تقف وراءها وتروجها وتسند من يروجها وراءهم الجيش الأمريكي ذا القدرة العالية على البطش ، تعداده 180 الف يسانده ربع مليون عراقي مسلح أوجدته هذه الفئة التي ترفع شعار الطائفية والمحاصصة . إن قوى الشر التي لا ترتاح الى بقاء العراق موحداً مستقلاً بكل ما تحمل هذه الكلمات من معاني ستداوم على تفليش النسيج العراقي والغلغلة في سموم هذه الآفات الاجتماعية .
تجلى هذا الوعي بهرمه الكبير بين صفوفه ، إذ لم يستطع رموز الاحتلال الوصول الى نقطة اشتعال الحرب الأهلية ، سنة ضد شيعة وعرب ضد أكراد ، والنزول قتلاً وسبياً للأقليات الأخرى رغم كل ما لديهم من أسباب ووسائل وقد أتت على هذا الشعب ، إنه شعب متماسك في وحدته بكل فئاته وطبقاته وطوائفه. العرب العراقيون متمسكون بهاجسهم القومي ، وهذا الهاجس يمنع قبول فكرة التفرقة الطائفية، وقد تميزت الحالات التالية ، وهي اصرار الشعب العراقي على إخراج قوات الاحتلال عن أراضيه ، أو أقل تقدير تحديد مدة بقائه ، وهذا مما أجبر الادراة الأمريكية تحويل بوصلة الاستحواز التي كانت مسجلة في أجندة الاحتلال قبل وقوعه.
أ‌-   أراد الاحتلال أن يجعل من العراق ولاية تابعة لولاياته الخمسون ، وأرسل موظفيه لادارة العراق على اعتباره ولاية بعد أن أصرّ على حل كافة مرتكزات الدولة من وزارات وقوات أمن ، وكل ما يشير الى وجود الشخصية المعنوية لدولة العراق المعترف بها دولياً ، حتى أصبح المواطن تائهاً في بلاده لا يعرف لمن يراجع ومن يسأل ، لقد أصبح العراق مجموعة أشباح مراكز مدمرة ووزارات انتهت صيرورتها وأصبح كل شيء ماضي ، وبقى العراق بقايا دولة ..
هذه الدولة التي عمرت أكثر من 70 عاماً يوم أنشأت في زمن الملك فيصل الأول ناقلة حضارة تمتد الى آلاف السنين ، لقد ذهب كل شيء مع الاحتلال وأصبحت الحالة فوضى في فوضى ، لا سائل ولا مسئول ولا قائل و لامجيب .
حفنة من الشباب أمريكي الجنسية وضعوا في المناطق التي تقرر وتملك القرار في الوزارات وبدأت كفاءة هذه الوزارات تضمحل يوماً بعد يوم ، ولما شكل المجلس الوطني المؤقت على أساس المحاصصة والطائفية وشكلت الوزارة الأولى الأولى وملئت مجددة الوزارات على أساس المحاصصة والطائفية ، لكن الوعي السياسي والاجتماعي العراقي رفض هذه الحالة وأصر على مواكبة نضاله بمقاومته الوطنية والتي بدأت بعد فترة قصيرة من اعلان بوش سقوط النظام .
إن المقاومة بدأت واستمرت في نضالها وتوسعت في عدد أفرادها وأعمالها ، ولم تكن تكيل الضربات الا للوجود الأمريكي ، وهي لم تؤمن ولا تؤمن بأي جهة تصيب المجتمع المدني العراقي بأعمال ارهابية ليست في مصلحة الشعب العراقي ، رغم محاولة الأمريكان والقوى المؤيدة للأمريكان خلط الأوراق وخلط عمل المقاومة مع العمل الارهابي ، مؤمنين أن ليس هناك مواطناً عراقياً يؤيد الاحتلال الا نفرٌ باع نفسه وباع ضميره من أجل مصالحه الشخصية .
ب‌-   رغم اصرار الادارة الأمريكية على عدم التفكير بالانسحاب لا من بعيد ولا من قريب حتى تتمكن الحكومة العراقية من انشاء قوة عسكرية تؤمّن الاستقرار والأمان ، والمضحك والمؤلم في آن واحد أن تدريب وانشاء هذا الجيش مناط بالادارة الأمريكية وكأننا نقول ونطلب من الأمريكان أن ينهوا فترة احتلالهم إن توصلوا الى جيش قوي يؤمن الاستقرار ، وهذا ما يعارض الاحتلال الذي هو هدف ومبتغى الاحتلال الأمريكي .
إن السفينة العراقية التي تتهادى على أمواج غاضبة تحتاج الى مناكب رجال وطنيين يحملون أرواحهم على أكفهم ويعملون ليل نهار ، وعلى جميع العراقيين الاستفادة من هذا الوعي الذي يمتاز به الشعب العراقي.
إن الادارة الأمريكية أخطأت في قرار احتلالها واعتمدت على معلومات كاذبة من نفر من العراق أوصلها لهم ، ثم أخطأوا بعدم التهيئة لحكم العراق بنظام مدني متطور ، وهم إن نجحوا في الاحتلال بسرعة دخلوا في مستنقع المقاومة العراقية للذين لم يفهموا حضارته وتفكيره الاجتماعي ووعيه السياسي وتماسكه مع بعضه البعض ، فاذا أراد الاحتلال أن يستمر في خطأه فإنه يتحمل مسؤولية ذلك وسيخرج من العراق عاجلاً أو آجلاً في فترة لا يتوقعها المستفيدين من الوضع المأساوي العراقي ، لنا في وعي الشعب العراقي أمل ولنا رجاء ودعاء للقادر القدير أن يمكن الشعب من الخالص من هذه المأساة .

أبو خلود
لندن 5/ فبراير 2006 [/b][/size] [/font]