المحرر موضوع: الآيديولوجيا والبراغماتية في سياسات الحزب الشيوعي العراقي السابقة (1 ـ 2 )  (زيارة 1419 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل جاسم الحلوائي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 99
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الآيديولوجيا والبراغماتية في سياسات الحزب الشيوعي العراقي السابقة
(1 ـ 2 )

جاسم الحلوائي
jasem8@maktoob.com
 
 وجه لي السيد يوهان فرانزين الطالب في كلية الدراسات الشرقية في لندن، بعد أن وافقت أن أكون أحد مصادر بحثه، عددأ  من الأسئلة تتعلق بتاريخ الحزب الشيوعي العراقي ، مستهدفا منها معرفة مواقفي وتجربتي الشخصية.  وستكون أسئلته وأجوبتي عليها جزءا من كتاب سيحوي ذكرياتي . وقد نشرت أحد أسئلته وجوابي عليه، وإرتأيت نشر ثلاثة اسئلة آخرى من أسئلته وجوابي عليهم أيضا، تحت العنوان المذكور في أعلاه.
 السؤال: هل كانت المسائل المختلفة تناقش، عادة، بصيغ مبدأية ( على أساس أيديولوجي) أم بصيغ براغماتية (على ضوء ما يفرضه الواقع)؟ أيهما كان الأكثر إعتماداً عند إتخاذ القرارات المهمة في اللجنة المركزية؟
 الجواب: كان الحزب الشيوعي العراقي يسترشد بالآيديولوجية الماركسية اللينينية في إتخاذ قراراته الهامة. ولأن هذه الآيديولوجية ليست وصفة جاهزة ، وإنما مرشد للعمل، كما يؤكد على ذلك مؤسسوها، وينبغي تطبيقها بإبداع على الظروف الملموسة، فلم تكن تلك الآيديولوجية تحرّم، عمليا، اللجوء الى البراكماتية [1] ، بل تحبذها مسترشدة بمقولات مشهورة باتت من صلب الماركسية، وعلى سبيل المثال:
ـ النظرية ليست عقيدة جامدة بل مرشد للعمل
ـ إن دفع الحركة خطوة الى الأمام خير من دزينة برامج.
ـ الممارسة معيار الحقيقة.
ـ النظرية رمادية اللون ولكن شجرة الحياة خضراء.
 تكافح الماركسية ضد الجمود العقائدي، وتحبذ أقصى المرونة  في التكتيك مادامت لاتتعارض مع الستراتيج. وكانت تميّز بشكل صارم بين برنامج الحد الأدنى والذي يغلب عليه الطابع البركماتي وبرنامج الحد الأقصى الذي يغلب عليه الطابع الآيديولوجي . [2] وسأستعرض محطات هامة عايشتها ومناقشات جديّة خضتها عسى أن توصلنا الى جواب على سؤالكم.
 ** كان أول إجتماع أحضره للجنة المركزية  في نيسان 1965، وكانت مهمته تصحيح خط آب، الذي كان خطاَ سياسيا حرّف الحزب عن ايديولوجيته. وقبل الدخول في تصحيح الخط ، سأجيب على سؤالك الأول والمتعلق به :
 ـ  أي موقف إتخذته من خط أب؟ هل تعتقد بأنه كان من الصواب أن يتخذ هكذا قرار مهم من قبل أعضاء اللجنة المركزية الذين كانوا يعيشون خارج العراق في حينها؟ أي بديل أو بدائل كان يمكن أن تتبع حسب رأيكم؟
 إجتماع اللجنة المركزبة في آب والذي عقد في براغ لم يقتصر على الرفاق الذين كانوا في الخارج بل ساهم فيه رفاق من الداخل أيضا وهم كل من الرفاق عزيز محمد وباقر إبراهيم أعضاء المكتب السياسي . وصالح دكلة عضو اللجنة المركزية الذي كان قد هرب للتو من السجن في بغداد. وشارك في الإجتماع أيضا بصفة مراقب الكادر الحزبي الذي بقي في بغداد بعد إعدام قيادة جمال الحيدري وهو كاظم الصفار. وجميع هؤلاء سافروا بطرق ووسائل غير شرعية. وكان من الممكن عقد الإجتماع في الداخل ولكن كان ذلك يتطلب وقتا طويلا لعدم قطع شوط مناسب في إعادة بناء الحزب يسمح بعودة كل قيادة الحزب الى الداخل. في حين لم يكن إجتماع اللجنة المركزية يقبل التأجيل، فاللجنة المركزية بدون سكرتير، وهناك حاجة لمكتب سياسي جديد ولتقديم رفاق جدد الى اللجنة المركزية، هذا فضلا عن ضرورة وجود خط سياسي جديد مقر من قبلها.
 وكان بين رفاق الداخل من هو متحمس للخط المذكور ليس بأقل من المتحمسين في الخارج مثل الرفيق باقر إبراهيم. وكان بين رفاق الخارج من هو معارض للخط السياسي والفكري المذكور مثل عزيز الحاج، و كان آرا خاجدور متذبذبا بين مؤيد ومعارض. [3]
 لقد كنت من مؤيدي خط آب 1964 الخاطيء ، ولم أكن في حينها عضوا في اللجنة المركزية ، فقد ترشحت لعضويتها في الإجتماع الذي أقر الخط السياسي المذكور. وطبيعي لم يعفني ذلك من المسؤولية بوصفي كادرا حزبيا متقدما آنئذ .
 فخط آب لم يقرره رفاق اللجنة المركزية الذين كانوا في الخارج فقط و"فرضوه" على الداخل كما يستشف ذلك من سؤالك. ولكن ينبغي عدم غض النظر عن الدور الكبير الذي لعبه الرفاق في الخارج في التمهيد سياسيا ونظريا للخط المذكور. فإذاعة "صوت الشعب العراقي" والتي كانت تبث برامجها من صوفيا وتعمل تحت إشراف قيادة الحزب في الخارج، كانت تبشر بالخط المذكور، و تسمع في كل العراق بوضوح. وكنا في الداخل ننشرما يذاع منها بإنتظام  واوتوماتيكيا، أي دون الرجوع للمركز الحزبي، بإعتبارها توجيهات من الهيئات الأعلى. وكنت مشرفا على جهاز الإنصات والتكثير في حينه. علما بأن المركز الحزبي في الداخل ذاته كان متعاطفا مع ما يذاع. إن لم يكن قد دخل في منافسة معه.
 ووجهة الإذاعة وقيادة الخارج لم تكن عفوية. ففي حزيران 1964، عقد إجتماع في موسكو ضمّ، إضافة الى أعضاء اللجنة المركزية، عدد من الكوادر الحزبية المتقدمة مثل: نوري عبد الرزاق وماجد عبدالرضا ومهدي الحافظ وهؤلاء من الشخصيات القيادية في المنظمات الديمقراطية العالمية. وثمينة ناجي يوسف وعامر عبد الله وبهاء الدين نوري، والإثنان الأخيران كانا أعضاء في المكتب السياسي ومعاقبين بتجريدهما من أي مركز حزبي . قاد الإجتماع الرفيق سلام الناصري العضو المرشح للجنة المركزية، وكان الناصري متحمسا للنهج السياسي الجديد متجاوبا في ذلك مع توجه السوفيت في هذا المجال. وجرت مناقشة حيوية في الإجتماع ، ولاقى الإتجاه السياسي الجديد معارضة جدية، وكان جميع الرفاق القياديين في المنظمات الديمقراطية من المعارضين، ولكن جرى إقراره بالأغلبية في آخر المطاف. وكان عامر عبد الله وبهاء الدين نوري من المؤيدين للخط الجديد ، وقد إنتخبا للمكتب السياسي في إ جتماع آب ، بعد أن أعيد الإعتبارلعضويتهما في اللجنة المركزية.
 اما البديل لسياسة آب، فكان يمكن طرح النظام الديمقراطي كبديل للنظام الدكتاتوري العسكري. ولإقامة مثل هذا النظام كان من الممكن الدعوة الى حكومة ائتلاف وطني ديمقراطي مؤقتة لفترة إنتقالية ( يتفق على مدتها مع الآخرين على أن لاتزيد عن السنتين) مهمتها إجراء إنتخاب لمجلس تأسيسي يضع مسودة دستور دائم للبلاد يستفتى الشعب عليه، وتجري إنتخابات عامة لإنتخاب برلمان دائم ومن ثم حكومة دستورية دائمة. وهذا البديل طرح في السياسة البديلة من حيث الجوهر ، لا من حيث الصياغة والتفاصيل المتأثرة بوعينا الحالي.
 وخلاصة خط آب هو، إن أنظمة تقودها القوى الديمقراطية الثورية ( البرجوازية الصغيرة ) يمكن أن تتحول الى أنظمة إشتراكية تحت تأثير النظام الإشتراكي العالمي ، مستندة في ذلك على اشارة ماركس الى امكانية انتقال المشاعة الروسية الى الاشتراكية دون المرور بالمرحلة الرأسمالية بمساعدة مركزا متطورا!!  وأعتبر أن نظام عبد السلام عارف يمكن أن يتماثل مع تلك الأنظمة. إن فرضية إمكانية بناء الإشتراكية من قبل البرجوازية الصغيرة، أثارت علامة إستفهام خطيرة على مستقبل الحزب وقلقا على وجوده. ولم تكن صدفة أن ثبتنا في البيان الصادر عن الإجتماع المذكورجملة لم أنس نصها حتى الآن وهي:
ـ إن الحزب الشيوعي العراقي وُجد ليبقى.
وتضربُ هذه الجملة جذورها عميقا في الآيديولوجيا ...  في رسالة الطبقة العاملة والحتمية التاريخية.... وقد وردت هذه الفكرة التي تبناها الإجتماع  في فقرة إقترحها الفقيد عامر عبد الله، والذي يشار له بالبنان بإعتباره أحد أبرز قادة الحزب الشيوعي العراقي براكماتية إن لم يكن أبرزهم!!
 كانت المناقشات في هذا الإجتماع ، الذي دام أربعة أيام ، سياسية وايديولوجية. وصرف الكثير من الوقت على صياغة البيان، فقد أرتؤي المصادقة على البيان الصادر عن الإجتماع بصيغته النهائية، وعدم ترك هذه المهمة للمكتب السياسي كما كان الأمر سابقا . وإحتدم النقاش الايديولوجي حول، مَن يبني الإشتراكية؟ وتوتر الجو بين الرفيقين آرا خاجدور وحسين سلطان اللذين كانا قد وصلا للتو من براغ. فكان الأول يؤكد بأن ذلك يتطلب قيادة الطبقة العاملة للسلطة، في حين يرد عليه حسين سلطان، بان ذلك ليس شرطا ومن الممكن أن تضطلع بهذا الدور، في الظروف الدولية المعاصرة، فئات اخرى. وتحول التوتر بين الرفيقين الى مناوشات كلامية.
 كان الرفيقان متقابلين في جلوسهما على منضدة عريضة نسبيا  ونهض الإثنان من فرط غضبهما من مقعديهما ملوحين بالأيدي وهما يتبادلان " شتائما  ايديولوجية " !؟ على وزن .. الجذور الفكرية اليمينية... والتصفوية ... دكتاتورية البروليتارية ... أو اليسارية... والجمود العقائدي ... وذلك بصوت عال أمام دهشة الجميع ، وخاصة دهشتنا نحن الجدد الذين نحضر لأول مرة إجتماعا للجنة المركزية. وكل ذلك جرى  في بيت سري يضم كل قيادة الحزب في الداخل؟! اُوقف الإجتماع وعاد ليواصل عمله بعد فترة قصيرة، وبعد أن تصالح المتشاجران. وهذه هي المرة الأولى والأخيرة التي أشاهد فيها مشاجرة في إجتماع حزبي طيلة حياتي الحزبية التي تجاوزت النصف قرن!
** في هذه الفترة إنفجر الوضع الفكري داخل الحزب وجرت نقاشات آيديولوجية واسعة "حُسمت" بعضها في الكونفرنس الثالث للحزب عام 1967، و"حُسمت" البقية في المؤتمر الثاني للحزب عام 1970. وفي هذه الفترة بالذات واجه الحزب إنقلاب 17ـ 30 تموز 1978. وإتخذ موقفا براكماتيا تجاهه. وسأحاول إعطاء فكرة مركزة عن كل ذلك.
المحاور الأيديولوجية  الأساسية التي دار حولها النقاش كانت ثلاثة وهي:
أولا: تقييم سياسة الحزب في عهد عيد الكريم قاسم.
 جرت مناقشات واسعة داخل الحزب، على مستوى الكوادر الوسطية، لسياسة الحزب في عهد عبد الكريم قاسم، إستنادا على وثيقة من اللجنة المركزية. وقد أقرت الوثيقة، بعد إعادة صياغتها على ضوء المناقشات، في الكونفرنس الحزبي الثالث المنعقد في كانون الأول 1967، مبدأيا. على أن تبقى وثيقة داخلية لحين إقرارها في المؤتمر الثاني للحزب. وقد أقرت الوثيقة في المؤتمر الثاني المنعقد في ايلول 1970، و نشر ملخصها في مقدمة البرنامج الذي أقره المؤتمر تحت عنوان "الدروس المستخلصة":
 ـ لقد كان على حزبنا في الوضع الثوري الذي بدأ في 14 تموز 1958، أن يواصل النضال على رأس الجماهير الثورية لتغيير الحكومة وإقامة حكومة ديمقراطية ثورية تمثل الأحزاب والقوى الوطنية التي يعنيها إنجاز الثورة الوطنية الديمقراطية دون اي تساهل في تحقيق هذا الشعار المركزي.[4] وكان الفقيد زكي خيري، الذي ساهم مساهمة أساسية في الدراسة، متحمسا لهذه الموضوعة فأوضح، مستندا على الوثيقة التي أقرها المؤتمر، كيفية تحقيق ذلك على الوجه التالي:
 ـ والسبيل الثوري الوحيد الذي كان على الحزب الشيوعي إنتهاجه هو أن يطرح برنامجا ثوريا لإزاحة قاسم وإقامة الحكومة الديمقراطية الثورية التي تحقق الأصلاح الزراعي الجذري وتلبي مطلب الحكم الذاتي للشعب الكردي وتسحق القوى الرجعية وتضمن المصالح المشروعة للجماهير. ورغم تعذر قيام الجبهة مع الأحزاب البرجوازية فمن شأن هذا البرنامج أن يعبأ القوى الجماهيرية الأساسية المدنية والعسكرية على أساس الحلف المتين بين العمال والفلاحين وبالتعاون الوثيق مع الثورة الكردية من أجل الإستيلاء على السلطة السياسية وقيادة الثورة الديمقراطية حتي نهايتها.[5]
 وكان منطلق الدراسة أيديولوجي ونصي يستند بالأساس على كتاب لينين " خطتا الأشتراكية الديمقراطية في الثورة الروسية" وعلى شعار الثورة الروسية في مرحلتها الديمقراطية وهو" دكتاتورية العمال والفلاحين الديمقراطية الثورية ". وعلى النظرية الماركسية ـ اللينينية حول الثورة المستمرة. وكل ذلك يضرب جذوره عميقا في الجمود العقائدي فقد تجاهلت الدراسة إختلاف الظروف السياسية والإقتصادية والإجتماعية بين روسيا بعد الثورة الديمقراطية في شباط 1917، في ظل حكومة كيرنسكي، والعراق في عهد قائد ثورة 14 تموز عبد الكريم قاسم.
 وبعيدا عن الجمود العقائدي والنصّية  وبعد إنهيارالإتحاد السوفيتي كتب الرفيق زكي خيري ذاته ما يفيد بأن الطريق كان مسدودا أمام الإطاحة بقاسم :
 ـ وفي كل معسكر من معسكرات الجيش كان ضباط من مختلف الميول والإتجاهات يسهرون الليالي يترصد بعضهم بعضا. كما كان السنتو يترصدنا. والأهم من كل ذلك إن الجماهير لم تكن مستعدة لإسناد أي محاولة للإطاحة بقاسم مباشرة وحتى التنظيم الشيوعي في الجيش لم يكن مضمونا تحركه ضد قاسم دون ان يلمس إسنادا جماهيريأ واسعا مباشرا مستعدا لدعمه.[6]  وقد تلمس الفقيد زكي خيري،  ملامح الموقف الصحيح الذي كان يجب إتباعه في عهد قاسم والذي ينطوي على عبرة تاريخية هامة لحاضرنا ومستقبلنا، فكتب ايضا ما يلي:
 ـ ... كان الأحرى بنا أن نطالب بإنهاء الفترة الإنتقالية وإجراء إنتخابات عامة حرة تتنافس فيها الأحزاب لإنتخاب مجلس وطني تأسيسي يتمتع بالسيادة التامة ، اما محاولة القيام بإنقلاب عسكري فلم تكن تؤدي في تلك الظروف في ظل نسبة القوى القائمة آنذاك سوى الى تأليب جميع القوى ضدنا.[7]
 إن أهمية هذا التقديرات الجديدة تتأتى من كون الفقيد زكي كان أحد أكثر المتحمسين للتقويمات الجامدة ايديولوجيًا, ولأنه كان نائبا لسكرتير اللجنة المركزية وسكرتيرها الفعلي عند بقاء سلام عادل في موسكو حوالي عشرة أشهر، من نهاية آب 1961 حتى اواسط حزيران 1962. وهي تفند الإدعاءات الإعتباطية القائلة بأن الحزب الشيوعي العراقي ضيع فرصة للسيطرة على السلطة، أو إن السوفيت منعوه من القيام بذلك، في محاولة زائفة لإظهار الشيوعيين العراقيين وكأنهم كانوا بيادق شطرنج بيد السوفيت وهذا ما فندته في جوابي على سؤال سابق.
ثانيا: وضع برنامج جديد للحزب 
كانت المنطلقات الأيديولوجية الجامدة، التي عولجت بها مسألة تقويم سياسة الحزب في عهد قاسم، في أساس مسودة البرنامج التي نوقشت في الكونفرنسات المحلية تحضيرا للمؤتمرالثاني للحزب والتي حددت الشعار الستراتيجي للحزب بإقامة سلطة ديمقراطية ثورية بقيادة الطبقة العاملة. وكان الفقيد زكي خيري يعتبر هذا الشعار قانونأ أو بديهية من البديهيات التي يجب أن تتبناه جميع الأحزاب الشيوعية التي تناضل ضمن المرحلة الوطنية الديمقراطية كما جاء في مقدمة كتابه مع الرفيقة سعاد خيري والمعنون " تاريخ الحزب الشيوعي العراقي" . ويلفت هذا الكتاب إنتباه القارئ الى إغفال ذلك من قبل الرفيق فهد فيقول :
 ـ لم يدع فهد صراحة الى إسقاط النظام القائم وإقامة السلطة الديمقراطية الثورية بقيادة الطبقة العاملة، وإنما قال في المادة الثانية من"ميثاقنا الوطني": نناضل لإيجاد حكومة تعمل لمصلحة الشعب وجهاز حكومي ديمقراطي صحيح في نظام حكومتنا". [8]
لم اؤيد صيغة الشعار الستراتيجي وإعتبرته يعادل دكتاتورية البروليتاريا من حيث الجوهر، والتي هي ضرورية لمرحلة الثورة الإشتراكية حسب التعاليم الماركسيةـ اللينينية، في حين إننا نناضل في المرحلة الديمقراطية وإن مستوى  تطور البلد السياسي والإقتصادي والإجتماعي لايستلزم طرح قيادة الطبقة العاملة وحدها للسلطة.  وإقترحت بدلا عن ذلك أن تلعب الطبقة العاملة دورا قياديا فعالا في الثورة والسلطة، لأن هناك طبقات وفئات إجتماعية لديها مصلحة في نجاح الثورة الوطنية الديمقراطية.
 نوقشت مسودة البرنامج مرتين في اللجنة المركزية في عامي 1967 و1968، وصوتُ ضد هذه الصيغة وحدي. كان هناك عدد من الرفاق متحفظين ولكن كانوا يتجنبون التصويت العلني، ربما لتجنب المواجهة مع أكثرية ساحقة!  أو لحسابات أخرى لا أعرف كنهها. وصوتُ ضدها في المؤتمر الثاني أيضا، لأن التعديلات التي جرت عليهأ لم ترضني ولم ترض عددأ آخرأ ( أقلية) في المؤتمر صوت قسم منهم  ضدها. اتذكر منهم الرفاق باقر إبراهيم وعدنان عباس وجليل حسون، ولم يصوت قسم آخر.  وقد أقر بالصيغة التالية في برنامج الحزب : " جمهورية ديمقراطية ثورية تمثل إرادة الشعب وتلعب في سلطتها الطبقة العاملة وعلى رأسها الحزب الشيوعي العراقي الدور الطليعي والقيادي" وكان يغلب على تلك المناقشات الطابع الايديولوجي الدوكماتي. وقد وضع الشعار بعد إقراره في الإرشيف، وليس في التطبيق، لبعده الشديد عن الواقع. ولكن أعطى ذريعة إضافية لتشديد حملة ناظم كزار الأرهابية. وإذا أردت المزيد عن هذه الفترة، فأحيلك الى مسلسل " الإفلات من قبضة المجرم ناظم كزار"  وتجده في مخطوطة كتابي المرفق.
ثالثا: أساليب الكفاح
جرت مناقشات داخلية واسعة في نهاية 1966، حول أساليب الكفاح، إشترك فيها حوالي 150 كادرا، إستنادا على وثيقتين، واحدة تدعو الى  ما يسمى بالعمل الحاسم (إنقلاب عسكري) حررها الفقيد عامر عبد الله والثانية  تدعو الى إنتفاضة شعبية مسلحة، وكنت طرفا في الأخيرة مع رفيقين آخرين في اللجنة المركزية وهما كاظم الصفار وباقر إبراهيم . ( كان الأخير خارج المكتب السياسي آنئذ) وكانت الوثيفة الأولى براكماتية شكلا وغير واقعية مضموناً. أما الثانية فكانت أيديولوجية تستند على التعاليم الماركسيةـ اللينينية، ولكن هي الأخرى لم تكن قد نضجت ظروفها. وميزتها إنها كانت تتطلب العمل النشيط بين الجماهير لتعبئتها وتدعو الى السعي الحثيث لتشكيل جبهة من القوى التي يهمها التغيير، دون إهمال دور القوات المسلحة. وأقرت اللجنة المركزية وثيقة وسطية. وصوت أربعة رفاق ضد عبارة الأنقلاب العسكري في الوثيقة، وهما عزيز محمد وسلام الناصري وبهاء الدين نوري وأنا. وصوتُ وحدي ضد الوثيقة كاملة لطابعها الإنعزالي فقد اعتبرت الوثيقة الجماهير الشعبية قوة إحتياطية للثورة، وبالرغم من إلغاء هذه العبارة من الوثيقة، بعد إنتقادي لها، ألا إن هذه الفكرة بقيت تربط السطر الأول بالأخير من الوثيقة، كما صرحت بذلك في الإجتماع . وكان الصفارمعتقلا عند عقد الإجتماع، أما باقر إبراهيم فقد كان مستثنى من الإجتماع، كتدبر صياني.
رابعا: موقف براكماتي
 وهذا الموقف يوضحه جوابي على سؤالكم الثاني والذي هو:
 لماذا إتخذت اللجنة المركزية موقفاً إيجابياً تجاه البعث بعد إنقلاب 17 ـ 30 تموز، أي بعد خمسة أعوام من مجازر شباط 1963؟ هل كنتم على وفاق مع الحزب في هذه المسألة؟
يتبع
________________________________________
[1] ـ  ملاحظة: يبدو لي بأن هناك سوء فهم حصل ويحصل لدينا في مفهوم البراكماتية. فقد كنا نعتبرها  ضربا من ضروب الإنتهازية في حين إنها حاجة ماسة لأي حزب سياسي ، فهي إسلوب تفكير/ أوالتعامل مع  المشاكل بإسلوب / عملي  يحقق الفائدة، مفضلة ذلك على إستخدام النظرية أو المبادئ المجردة.
[2] ـ  راجع وثائق المؤتمر الثاني للحزب.
[3] ـ  للمزيد أنظر بهاء الدين نوري. مذكرات، ص 314.
[4] ـ وثائق المؤتمر الوطني الثاني للحزب الشيوعي العراقي. ايلول 1970، ص 81
[5] ـ زكي خيري وسعاد خيري. تاريخ الحزب الشيوعي العراق، ص 354.
[6] ـ زكي خيري ، صدى السنين في ذاكرة شيوعي مخضرم. ص 230 .
[7] ـ زكي خيري. المصدر السابق، ص 230.
[8]  ـ زكي خيري وسعاد خيري. دراسات في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي، ص 118[/b][/size][/font]