المحرر موضوع: المجتمع المدني العراقي.. من أين نبدأ؟  (زيارة 617 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبد الحسين شعبان

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1284
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
المجتمع المدني العراقي.. من أين نبدأ؟
عبدالحسين شعبان
2009-06-01
إذا ما أردنا معرفة مواقف الدساتير العراقية من موضوع الحق في تشكيل الجمعيات، فيمكن اقتفاء أثر بعض المحطات المهمة، منها القانون الأساس «الدستور الملكي» الدائم العام 1925، الذي حكم العراق 33 عاماً والدستور الجمهوري المؤقت الأول 1958، ودستور عام 1970 الذي حكم العراق 33 عاماً أيضاً، وقانون إدارة الدولة العراقية المؤقت العام 2004، والدستور العراقي النافذ (الدائم)، الذي تم الاستفتاء عليه في 15 أكتوبر 2005، وعلى أساسه أجريت الانتخابات البرلمانية في 15 ديسمبر من العام ذاته لقيام حكومة دائمة (4 سنوات).
وقبل تناول مواقف الدساتير العراقية من الحق في تشكيل الجمعيات فيمكن القول إن الدستور «الدائم» ما زال معوّماً؛ إذ اشترط مشاركة بعض الأطراف السياسية وبالتحديد «جبهة التوافق»، لإجراء تعديلات حول قضايا عقدية في الدستور، لم يتم التوصل إلى إيجاد حلول لها ضمن لجنة صياغة الدستور، على أن تتم التعديلات خلال 4 أشهر من مباشرة البرلمان العراقي عمله. ورغم مرور نحو 4 سنوات على الاستفتاء، فإنه لم تتم مناقشة التعديلات المقترحة، والتي هي عبارة عن ألغامٍ، يمكن أن تنفجر في أية لحظة، وقد تؤدي إلى الإطاحة بالعملية السياسية برمتها.
ولعل أهم تلك العقد أو الألغام تتعلق بموضوع: إنهاء الاحتلال ووضع جدول زمني للانسحاب رغم التوقيع على معاهدة مع الولايات المتحدة (أواخر عهد الرئيس بوش 2008) تقضي بانسحاب القوات الأميركية من العراق (أواخر العام 2011) ووعود الرئيس الأميركي باراك أوباما بتحقيق ذلك خلال مدة 18 شهراً والاختلاف حول موضوع هوية العراق أو «الوجه العربي» للعراق الذي لا يزال البعض يتشبث به تأييداً أو تنديداً، وكذلك موضوع الفيدرالية وبخاصة الجنوبية أو الفيدراليات الأخرى وصلاحياتها.
وإذا كانت «الفيدرالية الكردية» أمراً واقعاً بحكم خصوصية القضية الكردية القومية، والإقرار بفكرة الحكم الذاتي لمنطقة كردستان منذ العام 1970 (بيان 11 مارس 1970)، وتشريع قانون الحكم الذاتي العام 1974 ووجود مجلس تشريعي وآخر تنفيذي، إلا أن هناك من يتشكك بالفيدراليات الأخرى المقترحة، ويعتبرها دعوة صريحة لتقسيم العراق، خصوصاً في ظل الاحتلال ومن خلال دعم إقليمي لبعض الأوساط!! ناهيكم عن أن الجدل أخذ يزداد بشأن حدود الفيدرالية واختصاصاتها وأبعادها (بما فيها الفيدرالية الكردية)، وأن مثل هذا الجدل احتدم خلال مناقشة مشروع الدستور، وكذلك عند طرح مشروع دستور كردستان، وخطوة إنزال «العلم العراقي» في المؤسسات الحكومية في إقليم كردستان، وما أثارته من ردود فعل شملت رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، ناهيكم عن أوساط مشاركة في العملية السياسية وأخرى واسعة خارجها.
ورغم الاستفتاء على الدستور (15 أكتوبر 2005) فإن المسألة سيعاد بحثها عند تعديل الدستور، إضافة إلى قضايا أخرى حسبما تمّ الاتفاق عليه.
كما تثير مسألة كركوك، التي تعتبرها الحركة القومية الكردية «قدس الأقداس»، تداعيات كثيرة ومخاوف عدَّة لأوساط واسعة من التركمان ومن عرب العراق وقوى سياسية متنوعة، خصوصاً أنها سبّبت نوعاً من الاحتقان الإثني وشهدت موجة من العنف، ناهيكم عن محاولة الفرقاء استخدام القوة أو التلويح بها وادعاء الأفضليات والحقوق والاختلاف حول المادة 58 الواردة في قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية وتطبيقها والمادة 140 من الدستور الدائم، التي تطالب الحركة الكردية بها، بل وتتهم بعض الأطراف بتسويفها، وهو ما كان مثار خلاف حاد بين حكومة الدكتور إبراهيم الجعفري ومن بعده حكومة نوري المالكي؛ حيث ما زالت المسألة تراوح في مكانها وبين الحركة الكردية، في حين ترى قوى أخرى رافضة أو متحفظة أو حتى مسايرة، إن الحركة الكردية تحاول استغلال الظروف والاستقواء بها لضم كركوك عنوة إليها!!
وهناك مشكلة اجتثاث البعث وحلّ الميليشيات وكيفية التعاطي مع المقاومة والتفريق بينها وبين الإرهاب وموضوع إعادة الجيش السابق أو تأهيل قسم كبير منه، والأهم من ذلك المشكلات العملية التي تتعلق بوضع حد للأعمال الإرهابية والقتل على الهوية ووقف عمليات التطهير والتهجير المذهبي والإثني رغم تحسن الوضع الأمني خلال العام المنصرم.
وبالعودة إلى موضوع الحق في تشكيل الجمعيات فقد نصّ القانون الأساس «الدستور الملكي» الدائم في المادة 12 على ما يلي: «للعراقيين حرية إبداء الرأي والنشر والاجتماع، وتأليف الجمعيات والانضمام إليها ضمن حدود القانون».
أما الدستور العراقي الجمهوري الأول الصادر في 27 يوليو 1958، فإن مواده الثلاثين لم تتضمن أية إشارة إلى الحق في تشكيل الجمعيات.
وعندما سُئل رئيس لجنة صياغة الدستور الفقيه القانوني حسين جميل قال إنه دستور مؤقت. وفي الواقع فإنه كان أقرب إلى إعلان دستوري منه إلى دستور، وربما هذا هو الذي قصده حسين جميل في رده على اقتضاب الدستور وأحكامه.
وكان دستور العام 1970 قد تضمن في المادة 26 نصاً ننقله في هذا الاقتباس بالقول: «يكفل الدستور حرية الرأي والنشر والاجتماع والتظاهر وتأسيس الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات وفق أغراض الدستور وفي حدود القانون. وتعمل الدولة على توفير الأسباب اللازمة لممارسة هذه الحريات التي تنسجم مع خط الثورة القومي التقدمي». لكن هذا النص كان معوّماً وحتى الهوامش القليلة تم احتسابها على نحو دقيق لمصلحة الحزب الحاكم.
ونصّ قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية في باب الحقوق الأساسية (المادة 13، الفقرة ج) على أن «الحق بحرية الاجتماع السلمي وبحرية الانتماء في جمعيات هو حق مضمون، كما أن الحق بحرية تشكيل النقابات والأحزاب والانضمام إليها وفقاً للقانون هو حق مضمون».

أما الدستور العراقي الدائم فقد نص في (المادة 36) على كفالة:
أولاً: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.
ثانياً: حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر.
ثالثاً: حرية الاجتماع والتظاهر السلمي.
كما ذهبت (المادة 37) إلى تأكيد حرية تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية.. وعدم جواز إجبار أحد على الانضمام إلى أي حزب أو جمعية أو جهة سياسية. وذهبت (المادة 40) إلى تأكيد حرية الفكر والضمير والعقيدة (لكل فرد) وتناولت (المادة 43) حرص الدولة على «تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني ودعمها وتطويرها واستقلاليتها، بما ينسجم مع الوسائل السلمية لتحقيق الأهداف المشروعة لها».
وتبقى مسألة وجود مجتمع مدني عراقي طوعي واختياري وغير ربحي وغير إرثي ويمارس عمله في إطار توجه وممارسة ديمقراطية في علاقاته الداخلية ومع محيطه، وعلى نحو مستقل بعيداً عن الهيمنة السياسية الحكومية أو من قِبَل قوى المعارضة، دينياً أو مذهبياً أو غير ذلك، مسألة ضرورية وأساسية، بحيث يشكل قوة اقتراح واشتراك ورصد ورقابة، غير منخرطة في الصراع الأيديولوجي أو التطييف المذهبي الدائر في المجتمع والمدعوم من قوى وأحزاب سياسية.
إن وجود مؤسسات مدنية حرّة وفاعلة مسألة جوهرية لتعزيز وتطوير دور المجتمع المدني في تطويق العنف وفي التراكم السلمي التدرجي وفي عملية التنمية المستدامة.



صحيفة العرب القطرية العدد 7659 الإثنين 1 يونيو 2009 م ـ الموافق 8 جمادى الآخرة 1430 هـ