المحرر موضوع: اغتيال ابو المعالي .. اغتيال النزاهة  (زيارة 1945 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل abuthar

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 308
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
أبو المعالي .. رجل قلّ نظيره 

 
 التقيت بالسيد مهدي عيسى أبو المعالي قبل عقدين أو أكثر بقليل ، ووقتها كان الرجل قد ترك القضاء وانصرف كليا للعمل في المحاماة دفاعا عن المظلومين في زمن تحول فيه الكثير من المحامين الى سماسرة ينصرون الظالم اذا أجزل لهم العطاء ويقلبون الباطل حقا والحق باطلا ، وغالبا ما كان يعلو نجم هذا أو ذاك منهم وتتزاحم الدعاوى على مكاتبهم ، لكن حين تقترب منهم ، لتتعرف على سر هذه العبقرية التي هبطت عليهم بين ليلة وضحاها حتى صاروا (يكسبون) الدعاوى منذ أول جلسة ، تكتشف بأن الموضوع لا علاقة لـه بالعبقرية أو حتى بمعرفة القانون وأسراره ، فالواحد منهم لا يقول إلا كلمتين أو ثلاثة أمام القاضي حتى يحكم هذا ببراءة المتهم ، وحين تبحث عن السر تكتشف بأنهم قد توصلوا الى رشوة القاضي فضلا عن رشوة رجال الأمن والشرطة ، وقد كنت وقتها (أي قبل عقدين) أسعى في قضية تخص شخص قريب مني ، تعرض لظلم النظام البائد وحكم عليه بالسجن لأكثر من خمسة أعوام ، وقد تمكنت من الوصول الى (أبو المعالي) بعد طول جهد وعناء ، ولا أكتمكم السر فقد كنت - وبعد أن تعرضت لتجارب مريرة مع محامون آخرون -  أخشى أن اتعرض مجددا الى مزيد من الغش والاحتيال الذي مارسه معي من قبل ، أشباه المحامون الذين تحدثنا عنهم آنفا ، لكن لحظة أن دخلت مكتبه (في منطقة المنصور ببغداد) شعرت لأول وهلة بأن هذا رجل يمكن الوثوق به حتى قبل أن يرد التحية ، وقد صدق ظني فيما جرى بعد ذلك ، ليس لأنه استطاع تبرئة المتهم الذي يخصني فقط ، إنما لأني اكتشفت بأن هذا الرجل يمتلك ثقافة وإطلاع يفوق مقدرة أي زميل لـه في المهنة ، فضلا عن شجاعته آنذاك في ادانة النظام البائد دون خوف أو خشية سيما وأنني لم أكن الوحيد الذي يتواجد آنذاك في مكتبه ، بعدها تكرر اللقاء بيننا ورغم فارق العمر شعرت بأن هذا الرجل صديق لي ، وتوالت بعدها السنوات ، وسقط نظام الطاغية ، ولم أحصل على أخبار ابو المعالي ، على الرغم من أنني تمنيت أن يكون الآن في منصب مهم من المناصب الحكومية ، لأنه رجل كفء لأي منصب يشغله ، ولأن العراق الجديد بحاجة ماسة الى أناس شرفاء يمتلكون المعرفة والخبرة ولهم تاريخ نظيف ناصع .
   لكن المفاجأة حدثت بعد سماعي لخبر استشهاد مفتش عام وزارة التربية مع نجله . إذ طرق سمعي اسم أبو المعالي ، ولم أتأكد من حقيقة الخبر إلا بعد أن اتصلت بأحد أصدقاءه من عائلة (النصّار) في مدينة بعقوبة ، فأكد لي حقيقة الخبر، وقتها شعرت بأنني قد فجعت بشخص عزيز جليل لا يمكن تعويضه ، شخص هو بمثابة بطل من أبطال هذا الزمان الذين يكرمون بالقتل بدلا من أن يوضع الغار على رؤوسهم ، وقد تحدث الرجل (النصّار) عن أبو المعالي قائلا : في السبعينات كان أبو المعالي يشغل منصب قاض في محكمة بعقوبة ، وقد سهرنا في إحدى الليالي الى وقت متأخر وبعد إلحاح استطعنا أن نجبر أبو المعالي على تناول الخمر ، وفي الصباح التالي كان على ابو المعالي أن يحكم في قضية لها علاقة بتناول الخمور ، فما كان منه إلا ان يؤجل النظر في القضية ، وحين سألته عن السبب ، قال : كيف تريدني أن أحكم في قضية كهذه وأنا قد فعلت الفعل ذاته ليلة أمس ، ثم أنه أقسم بأن لا يتناول الخمر مطلقا بعد ذلك .
إذن بهكذا خلق كان أبو المعالي يتعامل مع القضاء وقد استمر الرجل في عمله متوخيا الشرف والنزاهة ، حتى وجد في آخر المطاف بأن استمراره في هذا العمل سيؤدي به .. أما الى الحكم بالباطل على ضحايا النظام البائد ، أو التعرض للسجن أو الاعتقال في حال رفضه لتنفيذ أوامر الطاغية وزبانيته لذا اختار الرجل ترك القضاء ، والعمل في المحاماة عسى أن يكون قادرا على رفع الظلم والحيف عن المواطنين وفقا لتمكنه من الأمر .
 أخيرا لا أظن بأن من قتل أبو المعالي يدرك فداحة الجرم الذي ارتكبه بحق نفس بريئة عزيزة كريمة كنفس أبو المعالي ولا أظنّه يدرك أيضا الجرم الذي ارتكبه بحق الوطن ، لأننا بحاجة ماسة الى أمثال أبو المعالي اليوم وغدا ، كي نستطيع حقا أن نبني هذا الوطن بناء حقيقيا وعلى كافة الأصعدة ،  أيضا أود أن أشير هنا إلى أن هناك الكثير من عمليات الاغتيال قد تمت في ظروف مشابهة وضد شخصيات ذات كفاءة ونزاهة ، وبعضهم يشغلون مناصب مشابهة أيضا ، وقد ألصقت هذه الجرائم بالإرهاب أيضا ، وأنا لا أود هنا ان أبرء الإرهابيون منها لكن ثمة إرهاب مواز يرتكب من قبل ثلة من الفاسدون إداريا .. ممن أوشك الشرفاء من أمثال أبو المعالي على كشفهم !!