أبحث ...
أبحث عن وجه يدعوني باسمي مرتين؛ مرة لأني الآخر ، ومرة لأني أنا هو.
أبحث عن قلب يحتضن دمعة حياتي، وهي تترقرق مطهرة وجوداً خلبَته الكلمة وخدعَه الفعل.
أبحث عن عين تنظر طفولتي في مرآة عمقي، فهي الوحيدة التي بقت بلا مساس.
أبحث عن روح تقودني الى وطن الآخر دون تهجم او تطفل بل بشرعية احترام الحدود والمقدسات.
أبحث عن اذن تصغي الى كلام بات كحَجري الرحى في عمقي، انه يخشى الخروج وهجر مهجعه، ففي الخروج دوما مخاطرة اللامكان، اللاهوية، اللاوجود. ولكن لربما يمسي اللامكان فردوس المكان، واللاهوية كل الهوية واللاوجود سحر مجهولية الوجود.
أبحث عن زمن يزاوج صحراءي بعزيمتي، هشاشتي برقّتي، مصيري بحاضري،
أبحث عن يد تنزع مسامير صليبي، وتقبرني بعد موتي معه، فقمة المفارقة في موت يقود للحياة.
أبحث عن قدم تسير بي نحو ملكوت خفي، حيث لا مكان سوى العمق، ولا زمان سوى الأزل.
أبحث عن ألم يطرحني خارج زهرته حين أمتص كل رحيقه، لأنه يعشق ويكره تطفلي في الوقت نفسه.
أبحث عن سلام الأحشاء الذي لا يسعى الى نزع السلاح النووي بل نزع سلاح الذات المنجرحة.
أبحث عن وطن فقدتُه حين قَلَعَت جذوري عاصفة هوجاء، ورمتني في أحضان أوطان غريبة مخيفة
أبحث عن فكر يخلو من مثالية تهيم بي في فضاءات خيالية لا واقع لها،
فكر يخلو من واقعية مجردة تسمرني على صليب اللحظة حيث الموت بلا قيامة، لا أريد ان أمسي بواقعيتي كزواحف لا تلوك الا تراب الأرض، ولا تقوى على التطلع الى فوق.
فكر يخلو من زخرفة بناته اللاتي يعشقن الظهور كما هن دون أي تحسين أو تغليف.
أبحث عن حكمة الأفاعي حين تحوّل سمها الى علاج يشفي كل أمراض الانسان
أبحث عن لغة جميلة عميقة ليست من ابتداع البشر بل ابتداع الكون، انها لغة الصمت
أبحث عن ذاتي المفقودة حتى لو كان على حساب هجر كل أوطان حياتي. فما نفع المعنى إنْ لم يستقر في قاع الذات المتهجرة، اذ يبدو كملء إجان مثقوب.
أبحث عن اله المستقبل يفتح لي حين اطرق أبواب زمني المجهول، انادي اعماقي الضائعة في زمنها، فأنا لا أقوَ على البقاء هكذا، في جوع شديد للحظة الحاضرة والقادمة، متشبثاً بما تغدقني به من فرحة تهيم في سماء الزمن المؤقت. أما المستقبل فقد جعل من جوعي مرارة، ومن استقراري اضطراب ومن صلاتي تطلُع. قالوا لي أن طريق الإله يقلب الكيان ويرمي الإنسان في أحضان عمقه، لكني ما فتأت متشنجاً في هذه الرحلة، فزمني فرغ من معناه الآن، ويتطلع الى الامتلاء غداً، ولكن حين يأتي الغد، أتفاجأ بانه فارغ المعنى وفي حاجة الى الامتلاء بالحاضر.
قد اعتدت أن أحوك خطط مستقبلي من خيوط الزمن الحاضر، كما يحوك العنكبوت شبكته باحكام كي يكون، لكني ما فتأت ارتطم بقوله : لا تفكروا في الغد"، كيف يمكن ان أعيش اللحظة الحاضرة بعمقها وحقيقتها إنْ لم أكسوها بغطاء المستقبل، وأصيرها في أحضان التطور؟ وهل يمكن استحمال الحاضر بدون تعزية تتحدر من مستقبل مشرق أفضل ؟ ألم ينظر لنا الله ولم نكن نحن سوى جبلة بين يديه بعيون المستقبل ؟ ألا كيف اذن، يعِد ابراهيم ويواصل مسيرته مع شعبه رغم خياناته. اليس هو اله المستقبل؟ [/color] [/size] [/size]