المحرر موضوع: المسيحية العراقية - "كنيسة المشرق الاشورية"  (زيارة 2274 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Odisho Malko

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 15
    • مشاهدة الملف الشخصي
المسيحية العراقية
"كنيسة المشرق الاشورية"

عوديشو ملكو كوركيس

نبذة تاريخية:
   بعد سقوط نينوى المفاجيء في 612 ق.م. واحراقها من قبل الكلديين والاشكوزيين أصبحت مقاطعات الامبراطورية الواسعة عرضة لاحتلالات القوى الغازية القادمة من الشرق والغرب مثل الميديين والفرس الاخمينيين واليونان (فترة الاسكندر المقدوني) والفرثيين، حيث تعرض العراق وشعبه المتحضر الى خمسة احتلالات خلال (650) سنة، بين سقوط نينوى ووصول مباديء المسيحية اليه. وللتخلص من نير المحتلين اولاً، وللتقارب الكبير بين مفاهيم المسيحية والمستوى الحضاري للمجتمع الاشوري ثانياً. سرعان ما دخل الاشوريون المسيحية عند وصولها الى العراق، وتحديداً الى العاصمة الاشورية الدينية اربيل، التي لم تسقط ولم تحترق مع سقوط الدولة الاشورية. حيث تأسست هناك النواة الاولى للكنيسة المشرقية الاشورية على يد الرسول مار أدى بعد قيامة المسيح سنة 33 م مباشرة. واستمرت هذه الرئاسة الدينية هناك الى ايام مار خّنانا الحذيابي المتوفى في الربع الاول من القرن السادس الميلادي.
   ولما كانت عاصمة البلاد في تلك الايام هي مدينة ساليق (المدائن) فمن الطبيعي أن تكون رئاسة الكنيسة في العاصمة أو بالقرب منها. هكذا نجد تحول كنيسة كوخي القريبة من المدائن الى المقر العام للكنيسة المشرقية في بلاد الرافدين برمتها، ايام الفرس الساسانيين، حيث استشهد رئيسها البطريرك مار شمعون برصباعي.
ومن ثم انتقلت رئاسة هذه الكنيسة الى بغداد مع اتخاذها عاصمة للدولة العربية الاسلامية، وهكذا يستمر الوضع الى سنة 1258م ايام الاحتلال المغولي وسقوط بغداد. اذ انتقلت الرئاسة الكنسية الى الشمال، حيث كانت فترة في مدينة مراغا التي اتخذها هولاكو عاصمة له بعد اندحار قواته أمام المماليك المصريين بقيادة بيبرس، في معركة عين جالوت في فلسطين في 3 أيلول عام 1260م.
   ومن ثم انتقلت الى اربيل ردح من الزمن... وظلت تنتقل من مدينة الى أخرى ومن مكان الى آخر ابان السيطرة العثمانية على البلاد وما قبلها، الى ان استقرت في كل من القوش شمال الموصل، وفي قوذشانيس في امارة هكاري الجبلية (جنوب شرق تركيا حالياً). واستمر الوضع كذلك الى ان اندلعت الحرب العالمية الاولى واصبحت الديار العراقية عموماً وديار كنيسة المشرق برمتها مسرحاً للحرب والاقتتال منذ اندلاع هذه الحرب المدمرة في 1914 والى تاريخ انتهائها في أواخر 1918 بل وفي بعض المناطق الى ما بعد هذا التاريخ.
    ظلت هذه الكنيسة طوال الالف وتسعمائة سنة من عمرها والمتمثلة برئاستها وبشعبها المؤمن الصبور، ظلت وفية للعراق وتربته. اذ ان رئاستها لم تغادر ارض العراق يوماً، بل كانت تنتقل من مكان الى آخر داخل الوطن. ولقد وقف ابناء هذه الكنيسة مع اخوتهم في الوطن للدفاع عن العراق ضد التتر والمغول والعثمانيين عند احتلالهم له.
   أما عن المساهمات العلمية والحضارية للاشوريين المسيحيين ابناء هذه الكنيسة في العراق والشام (بغداد ودمشق) ابان الدولة العربية الاسلامية فهي معروفة جيداً لدى كل المهتمين بالتراث العربي الاسلامي منذ ايام بيت الحكمة المأموني، وما قبله ايام المنصور والرشيد وما بعده طوال العهد العربي الاسلامي.
كما ان التاريخ يشهد وبصورة واضحة عن دور ابناء هذه الكنيسة من الاشوريين العراقيين في نشر الثقافة والعلم والتمدن واصول الكتابة، وبث روح التعايش السلمي بين الشعوب وحسب التعاليم المسيحية الداعية الى السلم والسلام ومفاهيم الحضارة العراقية العريقة. وما انتشار المسيحية واللغة الاشورية بين معظم شعوب اواسط آسيا وصولاً الى التيبت وسيبيريا في روسيا والى الصين واليابان الا دليل على ذلك.
   كما ويعود الفضل الى رسل هذه الكنيسة في استحداث الخط الايغوري المعروف، حيث قاموا بتعليمه الى ابناء الطبقة المتحضرة من اولاد التتر هناك. وشاع استعماله بينهم منذ القرن الخامس الميلادي.

الكنيسة المشرقية والاضطهاد:
   بالنظر للنظام الاداري المركزي المتماسك لهذه الكنيسة العريقة، والتي كانت الى حدّ ما تمثل بل وتقوم مقام السلطة المركزية للاشوريين داخل العراق وخارجه حيثما امتدت ابرشياتها من جزيرة قبرص الى اواسط آسيا الشمالية والصين واليابان. ومن جبال آرارات الى الساحل الغربي للخليج العربي واليمن. بالاضافة الى القرن الافريقي والعديد من الجزر البعيدة جنوب شرقي آسيا. هذه الكنيسة الدولة لم تنجو من اضطهادات المحتلين لخوفهم من تعاظمها وتماسك اطرافها البعيدة بمركزها في العراق. ومن أهم هذه الاضطهادات والتي يمكن وصفها بحملات الابادة الجماعية التي تعرضت لها الكنيسة العراقية الاولى هي:

1.   الاضطهاد الاربعيني: الذي استمر أكثر من اربعين عاماً والذي أثاره وقاده واشرف على أدق تفاصيله الطاغية شابور الثاني من عام 341 لحين وفاته في 379 م. والذي كان مقره في ساليق. راح ضحية هذا الاضطهاد او الابادة أكثر من نصف مليون بشر عراقي آشوري مسيحيي كان من بينهم ثلاثة بطاركة أولهم مار شمعون برصباعي الآنف الذكر وخلفائه مار بربعشمين ومار شادوست ، بالاضافة الى المئات من المطارنة والقساوسة والرهبان والراهبات، حيث دمرت مدن وبلدات بكاملها وخاصة في منطقة شرق دجلة من المدائن والى الزوابي ومركزها مدينة أربيل. ولكثرة الجثث ومن ثم عظام الشهداء الابرياء في هذه المنطقة أطلق عليها لاحقاً بيت كرماي أي (ديار او موطن العظام).

2.   الاضطهاد التتري والمغولي: لم تكن مذابح التتر والمغول بحق ابناء الكنيسة المشرقية الاشورية أقل عنفاً وبشاعة من الاضطهاد الاربعيني. حيث انها شملت العراق كله بالاضافة الى الكنائس او المجاميع البشرية المسيحية المنتشرة من اواسط آسيا الى شمال ايران وأذربيجان وبلاد الاناضول وشمال سوريا والتي كانت تابعة للرئاسة الكنسية في بغداد.
خلال هذه الابادة الجماعية دُمرّ كل شيء من كنائس وأديرة ومدارس وأزيل العمران بكل اشكاله، وذبحَ البشر بكل اجناسه وأعماره، الى درجة أن ذهب البعض من المؤرخين والباحثين الى اعتبار هذا الاضطهاد تأريخاً لنهاية الكنيسة المشرقية الاشورية.

3.   الاضطهاد العثماني: بعد ان انكمشت هذه الكنيسة على نفسها بشكل كبير وخسرت جميع ابرشياتها تقريباً إثر الاضطهاد المغولي الآنف الذكر. وخسرت الاخرى إثر الاعمال التبشيرية الغربية في صفوف أبنائها.
انحسرت البقية الباقية منها في المناطق الجبلية من العراق القديم، في شمال العراق وجنوب شرقي تركيا الحالية. في البقعة الممتدة بين الموصل وبحر وان، وبين بحر اورميا شرقاً الى انعطافة نهر الفرات جنوباً ثم شرقاً في جبال طوروس بين سوريا وتركيا.
وهذا المتبقي لم يسلم من التطرف القومي والعرقي الذي دعا اليه قادة الاتراك في الاتحاد والترقي مع بداية القرن العشرين الماضي حيث تأججت نار الطائفية في هذه الارجاء من الدولة العثمانية، والتي بلغت ذروتها مع اندلاع الحرب العالمية الاولى والتي خاضت فيها تركيا حربين في آن واحد. حرب خارجية مع دول المحور ضد الحلفاء وأخرى داخلية ضد رعاياها العزل من الاشوريين ابناء كنيسة المشرق وبقية الطوائف المسيحية والتي استمرت من 1913 ـ 1921 تقريباً. والتي على أثرها خسر الاشوريون الكثير من الانفس والاكثر من الارض والمال والممتلكات. والتي كانت من نتائجها المباشرة اضافة الى قتل عشرات الالاف من الانفس البريئة هي عملية التهجير لاتباع هذه الكنيسة، والتشتت في جميع انحاء العالم منذ ذلك التاريخ ولحد الان.
ومن نتائجها غير المباشرة كانت مذبحة سميل في دهوك عام 1933 بحق الاشوريين في العراق. لان جلّ ابطالها كانوا ضباطاً في الجيش العثماني سابقاً، ومن المتأثرين بالفكر القومي المتطرف (التتريك) والمجبولين فيه منذ نعومة اظفارهم.
هكذا فأن الاضطهاد العثماني بحق ابناء الكنيسة المشرقية أمتد فعلياً من بداية القرن العشرين والى عام 1934 حيث قتل نحو خمسة آلاف طفل وشيخ وامرأة. بالاضافة الى اسقاط الجنسية العراقية عن رئيس هذه الكنيسة ونفيه الى قبرص. وكانت تلك المرة الاولى التي اصبحت رئاسة الكنيسة المشرقية الاشورية خارج العراق قسراً وليس طواعية.
كما أبعد ألالاف من الاشوريين العراقيين وبصورة جماعية الى سوريا. وان  مسألة اعادة الاعتبار والجنسية العراقية الى هؤلاء المبعدين مازالت معلقة ولم يبت بها لحد الآن.




الكنيسة المشرقية والمستقبل:
   ان شعباً مثل الشعب العراقي وكنيسة مثل كنيسة المشرق العراقية الاولى. اصحاب خبرة مدنية وحضارية طويلة، خبرة الرقي والتقدم والرفاه، وخبرة المعاناة والالام تحت وطأة الاحتلالات القديمة والحديثة. لابد وان تكون ملامح صورة المستقبل واضحة لديهم بدرجة اكثر نضجاً وواقعية مما لدى غيرهم.
   فالكنيسة المشرقية الاشورية ومن خلال ابنائها ورعاتها العراقيين الاصلاء تنظر بتفاؤل وأمل كبير نحو مستقبل العراق. وهذا التفاؤل نابع من التصور السليم والواقعي، القائم على مواقف وممارسات انسانية نبيلة لجميع مكونات الشعب العراقي تجاه بعضهم البعض وتجاه الاخرين من غير العراقيين.
فعند العودة الى أهم الاضطهادات التي واجهتها هذه الكنيسة، المسالمة والمُحبة للسلم والسلام، سنجد بأن جميعها جاءت على يد المحتلين للعراق، أو على يد اتباعهم المحليين كمذبحة الاشوريين التياريين بين (1843ـ 1846) على يد بدرخان بيك، ومذبحة سميل وتبعاتها في العهد الملكي في العراق.
وهذا بحد ذاته يكفي ان نقول بل نؤكد بأن مبدأ التسامح الديني والاجتماعي والحضاري بين المكونات والاثنيات العرقية والدينية والحضارية العراقية بات من المسلمات ومنذ قرون وقرون، وأن اية مراهنة على هذه النقطة هي الخسارة حتماً. لان العراقي بطبعه الملتزم وبشدة تجاه مبادئه وخصوصياته، وبنفس القدر بل أكثر نجده ملتزماً بعراقيته ومحباً لاخوته العراقيين جميعاً.

   هكذا ايها الاخوة: فنحن نؤمن بأن العراقيين جميعاً خير من يعرف معنى التسامح الديني والمذهبي والعرقي، وخير من له الاستعداد النفسي والتربوي والحضاري لممارسة هذا التسامح والتعايش السلمي مع أخيه العراقي، وبأعلى درجات هذا التسامح والتعاون والمحبة والاحترام. وهذا ما تدعو اليه الرسالات السماوية جميعها. ولا عجب فأن ارض العراق، أرض الانبياء والاولياء والصالحين دون منازع. وان السير على خطى اولئك الاباء هو ديدن العراقيين في كل زمان ومكان.

   رعى الله العراق وشعبه .... وفقكم الله...  والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عن الاشوريين
عوديشو ملكو كوركيس
12/4/2006
------------------------
    القيت هذه الكلمة في الندوة الثقافية لوزارة حقوق الانسان تحت شعار (نحو تعايش سلمي لمكونات المجتمع العراقي). بغداد في 12/4/2006[/b][/size][/font]