الكلدانيــــة .. القومية العراقية الاصيلة وحتمية إدراجها في الدستور
حبيب تومي / اوسلو / النرويج
السيد رئيس لجنة صياغة الدستور المحترم
السيد نوري بطرس المحترم
السيد يونادم كنّا المحترم
مقدمة
يعتبر الدستور القانون الأساسي في الدولة ، انه الوثيقة التي تجسد الخطوط العريضة للحقوق الأساسية للفرد والمجتمع اضافة الى ضمان استقلالية القضاء العرقي ، والغاء أي نوع من انواع التمييز الديني او القومي او المذهبي او السياسي ، من هنا ينبغي ان يكون الدستور العراقي اطاراً لحالة انسانية خالصة ودائمة ، وان تتضمن مواده عقداً اجتماعياً وسياسياً عادلاً لجميع العراقيين وبكل اطيافهم الدينية والعرقية والمذهبية والسياسية .
من بين هذه المكونات لشعبنا القومية الكلدانية العراقية . لقد آن الأوان والعراقيون مقبلون على كتابة الدستور الدائم للعراق ، ان تثبيت القومية العراقية الأصيلة في الدستور العراقي الدائم .
الحضارة الكلدانية
هناك من يرى ان اصل الكلدانيين هم من الجزيرة العربية او من سواحل الخليج العربي او من اليمن ونحن نقول لماذا لا يكون اثل الكلدانيين نابتاً من ارض بلاد ما بين النهرين ؟ نحن نقرأ في التوراة ، سفر التكوين ،ان ابراهيم الخليل خرج من اور الكلدانيين ويقدر هذا التاريخ قبل المسيح بحولي 2000 سنة ، فينبغي ان يكون هناك شعب كلداني في هذه الصقع منذ اقدم العصور .
لقد كانت الحضارة الكلدانية اخر حضارة وطنية في بلاد ما بين النهرين وكانت لهم صلة بالعرب والفرس واليونان وكل الشعوب المجاورة .
يكتب الدكتور جواد علي في مفصله التاريخي : .. لقد رأينا فيما مضى انهم [ العرب ] ساعدوا اهل بابل في نزاعهم مع آشور ، ثم ان العرب كانوا يجاورون البابليين منذ القديم وهذه المجاورة في حد ذاتها واسطة طبيعية لتكوين الأتصال المباشر بين العرب والكلدانيين ، وعن علاقتهم بالخليج يقول : ان البابليين كانوا قد ضموا جزيرة ( دلمون ) أي البحرين الى املاكهم وعينوا عليها حاكماً بابلياً وذلك سنة 600 ق. م .
عن هذه الحضارة يكتب الدكتور حسن فاضل في حكمة الكلدانيين : ان زمن الحضارة الكلدانية ـ السياسي ـ تزامن مع زمن انبلاج فجر الفلسفة عند اليونانيين القدماء ، وان العلاقة بين الحضارتين اليونانية والكلدانية العراقية القديمة ، كانت علاقة وطيدة اثبتها ذلك التقارب والتطابق الكبير في المناحي الفكرية والفلسفية والروحية والأجتماعية بين هاتين الحضارتين ...
اقول : ان تفاعل وتمازج الحضارة الهيلينية بالحضارة الشرقية ومنها الحضارة الكلدانية التي مر ذكرها وعلى ارض بلاد ما بين النهرين اوجدت الحضارة الأنسانية المعروفة بالنهيلستية ، التي تمثل تمازج الشرق مع الغرب .
الكلدانية بعد المسيحية
وجدت المسيحية طريقها الى بلاد ما بين النهرين في العهد البرثيين وذلك في في مطاوي المائة الأولى للميلاد ، ويقول رفائيل بابو اسحق في تاريخ نصارى العراق : انها كانت على يد مار ادي احد تلاميذ السيد المسيح الأثنين والسبعين والذي يعتبره الكلدان كرسولهم حقاً من تلامذة السيد المسيح ، وكذلك وتلميذه مار ماري ، وكان التبشير في نصيبين والجزيرة والموصل وارض بابل وبلاد العرب وأرض المشرق .
لقد كان التبشير بين اليهود المسبيين الى هذه البلاد وبين الكلدانيين والمجوس والعرب ..
يقول الأب لويس شيخوفي النصرانية وادابها بين عرب الجاهلية : ان اقدم التواريخ الكلدانية منها : بر حد بشايا عربايا وتاريخ مشيحا زخا وشعر نرساي واعمال الشهداء والكتب الطقسية القديمة كلها تشير الى بشارة الرسول ادي واعمال القديس ماري ، ان هؤلاء المبشرين الأولين للكلــدان ، ربما ذكروا ايضاً تبشيرهم لنواحي العرب . ونقرأ ان هؤلاء كانوا يفتخرون ببناء الكنائس في ديارهم فقد جاء في سيرة الرسول لابن هشام :
نحن الكرام ولا حيّ يعادلنا منّا الملوك وفينا تنصب البيع
الى القرن الخامس الميلادي بلغت كنيسة العراق اوج فخرها وكان الأيمان كاثوليكياً محضاً ، وكما ظهر من اعمال مجمع المدائن المنعقد في سنة 410 م . لكن الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية في بلاد النهرين تنتهي في اواخر القرن الخامس وكما يقول الأب الويس شيخو : ان صدى الحوادث الجارية في ظهرانيهم وهم منوطون في العراق بالكنيسة الكلدانية التي تبعت اضاليل نسطور وفي الجزيرة وديار بكر وربيعة وانحاء الرها بالكنيسة السريانية التي غلبت عليها الهرطقة اليعقوبية ، على حد قوله .
الكنيسة النسطورية الكلدانيــة والفتح الأسلامي
دخلت جحافل الجيوش العربية الأسلامية العراق ، وكان المسيحيون يشكلون نسبة 90% من السكان ، ومن بين المسيحيين هؤلاء قبائل عربية متنصرة منهم بني بكر وتغلب ولخم وبهراء وجذام ، حتى ان بعض هذه القبائل بقيت على نصرانيتها زمناً طويلا بعد الأسلام .
لقد رحب النصارى ترحيباً كبيراً بالفاتحين الجدد ويقول رفائيل بابو اسحق ولا عجب في ذلك إذ لم تكن للنصارى مطامع سياسية وعرفوا عدداً عديداً من الجنود المسلمين كانوا من القبائل المتنصرة ، وفي الوقت ذاته علموا ان المسلمين انفسهم يؤمنون بيوم الحشر ويعتقدون بالثواب والعقاب ويودون النصارى ورؤساء دينهم .، وعندما اتخذ الفاتحون مدينة الحيرة قاعدة لحركاتهم ارسلوا لهم دقيقاً وغنماً وبقراً .
وفي عهد الخلفاء العباسيين عندما اصبحت بغداد ام المدائن وكعب الأدب ومحط انظار رجال العلماء والأدباء والمترجمين والأطباء والفلاسفة ، كان للمفكرين والأطباء المسيحيين الحظ الأوفر في التقرب من الخلفاء والأمراء للعمل في حقل العلوم والأدب والترجمة والطب والفلسفة ...
لقد تعرضت هذه الكنيسة الى اضطهادات ومظالم اثناء هجوم المغول والتتار ، وكان اقساها على يد قوات تيمورلنك ، حيث هاجر ابناء هذه الكنيسة المدن العراقية البصرة وبغداد وغيرها الى شمال العراق ، وغابت المسيحية عن هذه المدن في نحو سنة 1400 م لتعود اليها بعد اكثر من قرن لترمم كنائسها المهدمة وتبني اخرى جديدة وتنشئ المدارس وتعود الى تجارتها ومزاولة حياتها في المدن التي تركتها تحت تأثير الظلم والأضطهاد .
الحكم الوطني
لقد عاش العراق تحت الحكم العثماني زهاء 384 سنة وبعدها انتقلت ادارة العراق الى السلطات العسكرية البريطانية ، وقد شهدت هذه المرحلة سلسلة من الأصلاحات في مجال البريد والبرق وانشاء المدارس وتحسين الحالة الصحية ، ونشطت الزراعة ، ومدت خطوط السكك الحديدية وغيرها من الأصلاحات .
وفي مجال الوحدة الوطنية فلم يقع ما يعكر صفو هذه الوحدة فقد عاش المسيحيون في هذه البلاد بين اخوانهم من الأديان الأخرى مسالمين متحدين متخدين مصلحة الوطن فوق المصالح الاخرى .
لقد كان للكلدان دوراً مهماً في تعزيز الحكم الوطني ، لقد قال بطريرك الكلـــدان يوسف السابع غنيمة في منشوره البطريركي : اننا جميعاً ابناء وطن واحد وكلنا تجمعنا غاية واحدة : هي رفع شأن هذا الوطن واسعاده إذ يعمل كل منا في دائرته وبحسب وسائطه على تحقيق الهدف السامي ...
وكان ايضاً لمار يوسف عمانوئيل البطريرك مكانة مشهودة في مساندته للحكم الوطني ، لقد سبق له ان جمع كبار رؤساء عوائل الموصل وخطب بهم وطلب ان تكون للعراق حكومة وطنية عربية وهكذا اتفقوا وأيدوا الحكومة الوطنية في تشكيلها سنة 1921 م . وكان له دور ايضاً في ضم ولاية الموصل الى العراق سنة 1925 م .
كان تمثيل المسيحيين في مجلس النواب سنة 1924 الى سنة 1946 بسبعة نواب وبعد ذلك الى سنة 1956 كان تمثيلهم بثمانية نواب ، وشغلوا في مجلس الأعيان ايضاً وهم :
ــ البطريرك مار يوسف عمانوئيل الثاني من سنة 1925 ــ 1945
ــ يوسف رزق الله غنيمة من 1945 حتى وفاته سنة 1950 م .
ــ البطريرك مار يوسف السابع غنيمة من 15 تموز وحتى وفاته في 8 تموز 1958 أي قبل اسبوع من ثورة 14 تموز .
لقد عين يوسف غنيمة وهو كلداني كاثوليكي وزيراً للمالية في سنة 1928 في العهد الملكي .
ويكتب عن الكلدلنيين عبد الرزاق الحسني فيقول : انهم هادئون وادعون متفاهمون مع الأكثرية المسلمة مخلصون للحكم الوطني ميالون الى الثقافة والتطور ، يشغل لفيف منهم مناصب كبيرة في بعض دواوين الحكومة ، ويتعاطى الباقون الصناعة والتجارة والزراعة ولبعضهم رغبة في العلم والفن .
مفاهيم خاطئة عن القومية الكلدانية
الكلدان قوم من الأقوام العراقية الأثيلة التي ظهرت في بلاد ما بين النهرين وامتزجوا وتفاعلوا مع غيرهم من الأقوام التي ظهرت في هذه الأصقاع قديماً وحديثاً : كالعرب والأكراد والآشوريين والآراميين واليهود والمندائيين .. ومن السذاجة الطفولية ان نعرف الكلدان بمفهوم مذهب ديني كنسي ، فالمذاهب الكنسية معروفة وهي الكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستانتية والنسطورية وتشعبات هذه المصادر المذهبية ، وليس للكلدانية علاقة بالدين المسيحي ، سوى انها قومية لشعب مسيحي مذهبه كاثوليكي كقولنا الأرمن الكاثوليك او الأرمن الأرثوذكس ، او هناك عرب كاثوليك وعرب بروتستانت . فالأسم القومي له مفهومه وله معاييره .
لكن هناك من يريد خلط الأوراق بوضع مفهوم الكلدان وكأنه مذهب ديني مسيحي ويهدف من وراء ذلك اقصاء قومية عراقية اصيلة ومن منطلق قومي عنصري مقيت ، ان هذه الأفكار العنصرية الأقصائية ينبغي ان تختفي وتزول امام مناخ حريات الرأي والتعبير والأنتماء ... في العراق الجديد .
حقائق عن تعداد الكلدانيين في العراق
ان المعلومات الأحصائية منها الحكومية واخرى كنسية وكلها تشير الى ان القومية الكلدانية تأتي بعد القوميتين العربية والكردية .
في احصاء لنفوس العراق اجري من قبل القوات البريطانية سنة 1920 لنفوس العراق يفيد بأن نفوسه كانت : 282 , 894 , 2 نسمة منهم : 792 , 78 مسيحياً وفي سنة 1935 كان عدد المسيحيين بموجب سجلات الكنيسة ، وهي الأدق ، بما لا يقل عن : 000 , 135 نسمة .
يفيد الدكتور عبدالله مرقس رابي في كتاب عن الكلدان المعاصرون : ان عددهم سنة 1992 يبلغ :
( 378800 ) نسمة .
وفي محاضرة المطران سرهد جمو نشرت قبل اسابيع في منتديات عنكاوا ان تعداد المسيحيين داخل العراق يبلغ ( 000 , 800 ) نسمة ، لكننا نقرأ توزيعاً مفصلا للقوميات العراقية وزعته وكالة انباء الكلدانية وينشرها ناجي عقراوي في موقع بحزاني ، وتحت عنوان :
يجب تفعيل حقوق اخوتنا الكلدان في العراق ، ويقول ان عدد الكلدان في العراق بحدود ( 650000 ) نسمة ، ونسبة الأطياف العراقية في المجتمع العراقي هي كالآتي :
العرب = 70%
الكورد = 20%
الكلدان = 5 ,3%
السريان = 1%
التركمان = 5 , 2
الآشوريون = 5 ,0 % نصف بالمئة
بقية الأقليات = 5 , 2
لقد قدم الكلدانيون قوافل من الشهداء البررة فسقوا ارض العراق بدمائهم الزكية الى جانب اخوتهم من الأديان والقوميات الأخرى سواء في حروب صدام ضد جيران العراق ، او في مقاومة ومقارعة االحكم الدكتاتوري الذي خيم على ارض العراق لاكثر من ثلاثة عقود .
نحن الكلدانيون نعتز بانتمائنا العراقي نريد من الدستور العراقي الدائم ان يشمل كل الأطياف العراقية الدينية والعرقية والمذهبية بالمنظور الأنساني العراقي الواسع ، فيشمل الى جانب العرب والأكراد ، التركمان واليزيدية ، والشبك والأرمن والآشوريون والسريان والمندائيون ، ولكن ينبغي ان يأخذ الكلدانيون ايضاً مكانهم وحضورهم المناسب في الدستور العراقي الدائم .
حبيب تومي / اوسلو