حديث الروح
بيدي فنجان القهوة،
دنوت بقرب نافذة غرفتي ,أمتع ناظري بأروع لوحة رسمتها يد فنان عبقري لامع ،
سحرني المنظر ذاك،,
تركت فنجان القهوة على عتبة النافذة ورحت بعيدا مسبحة الله ..
يا لروعة المنظر الخلاب وسط ليل أرخى سدوله ليكشف عن سحر الكون وجماله
.. رباه....رباه....رباه،
ما الذي أراه ؟!!!!
ترى؟.!!!
. أأُخاطب السماء, أم أركع خاشعة أمام رب السماء؟
.. أهو عرس سمائيٌ وسط ظلام الليل؟
أم أنها نعمة من نعم الله التي أغدقها علينا كي نسعد بجمال الليل هذا فلا نغبنه حقٌٌه؟..
ما أجملك يا ليل في حلتك هذه، فقد زينك الله كعروس في يوم زفافها.
تربع القمر وأستوى على عرشه مكللا بهالة وكأني به ملك والحاشية تحوم حوله خاضعة لسلطانه، ونجوم تتراقص فرحة بالعرس، والعريس بطلعته البهية النيّرة، أرسل خيوط ذهبية زينت السماء فبدت النجوم لآلئ مرصوفة تسحر الألباب، فأين لي من شاعر ملهم يترجم ما تراه عيناي، أو بأديب وكاتب ينثر من عبقريته ما يطفئ غليلي من سحر ما خلقه الله! تداخلت الأفكار والتساؤلات في نفسي إن كان هذا ما أعده الله لعبيده في الأرض، ترى ما الذي أعده لمؤمنيه في السماء؟..
ما لم تر عين ولم يعقله عقل إنسان أو تسمع به أذن !!.
ما أعظمك يا رب الجنود،
أي لوحة هذه قد أعددت في كبد السماء؟
لوحة تخلب الألباب قد رسمت أيها القدوس،
وتسحر الأنظار أيها الفنان الرائع،
إن أية ريشة تعجز عن محاكاة هذه، لا بل إني اسمع من بعيد وقع عزف ملائكيٍ،
شجو صوته يشنف أذاني،
من يدري لعلي لست في هذا العالم بل في عالم ثانٍ !!
في ليل قد حوله الله بنوره إلى أروع قاعة أعدَت مملوءة برائحة بخور القناديل المعلقة في سماء الليل الهادئ،
وهفهفة نسيم عليل منعش يريحك من أتعابك فتسبح كطائر سعيد يحلق حول العرس السماوي هذا...
ويحملك إلى حيث تجثو على ركبتيك خشوعا لخالق الكون، وتذرف دموع الفرح عربون الحب الإلهي الذي خلق الكون لأجلك كي تسعد
أنت في كل هذا..
كم أنت عزيز في عيني الرب يا هذا ؟..
لم أعِ كم من الساعات أمضيت في غيبوبتي هذه وأنا مسمرة بالقرب من نافذة غرفتي، شاخصة إلى السماء وقد اجتاحت دواخلي حرارة خلتها حرقت أنفاسي، من يدري لعلي كنت في عالم ثان
في حديث مع الروح ليس بعده حديث ثاني.
لقد كنت في حلم جميل،
ليتني لم أفق منه، ففي الليل تصمت الألسن فتتكلم الجراح،
تسكن الأجسام لتتكلم الأنفس ..
وتتألم،
وماذا عن أوتار القلب ؟!
تدندن للنفس فتبث شجوناً مدفونة في الأعماق بإيقاع حزين تعبر عنه دموع ساخنة تجرح الخدين.
كان حلمي جميلا، أسعدت فيه، لكن أيقظني منه صدى تقاسيم آلة ناي قادمة من بعيد،
وكم أحب شجي الناي أنا،
فسكنت نفسي وكأن على راسي الطير، أنصت لسماع نفسه الطويل ..
لعله ينحب لفراق حبيب !!
أو يناجي خلاً بعيداً فيبكي وحدة مريرة !!
وقد تكون خدمة مجانية لكل من يسمع، فكل يعزف على وتره وكل ينشد ليلاه.
وقع صوت الناي ذاك زاد في سكون الليل تناغما كي ينفرد بروعته
فيهدهد لطفل يعالج النوم
أو لعليل يصارع ساعات الليل البطيئة،ومن يدري
قد يكون دواء لكل علَة !!
الذي أحسسته لم يكن عزفاً بشرياً،
لقد ملأ كل كياني وأنا أسائل الرب أن يدوم العزف هذا كي أنعم بنوم هانئ
واستلقيت على سريري وألحان الناي تتوغل في أعماقي، فهي تدخل دون استئذان،
بعدها لا أدري ما حصل .. لأني أفقت صباحا وفي محجرَي عينيَّ بعض من دمعات، ذكرتني بما كان من أمسي ولا زال فنجان القهوة يشهد في نافذة غرفتي إني
لم أحتسيه
بنت السريان
الشماسة
سعاد اسطيفان