المحرر موضوع: الأكثرية الحاكمة والأقلية المعارضة في الحياة البرلمانية... هل هي ظاهرة صحية..؟  (زيارة 2129 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل خوشابا سولاقا

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2340
    • مشاهدة الملف الشخصي
الأكثرية الحاكمة والأقلية المعارضة في الحياة البرلمانية... هل هي ظاهرة صحية..؟

خوشابا سولاقا

ان الحياة بشكل عام في الطبيعة وفي المجتمع قائمة على أساس التناقض والتعارض بين الأضداد وتتطور على هذا الأساس أيضاً، أي بمعنى آخر إن كل ما يولد من جديد في الحياة أثناء مسيرتها التطورية هو نتيجة لأسباب معينة والتي كانت بحد ذاتها في وقت ما من مراحل تطور المجتمع نتيجة لأسباب أخرى، وهذه النتيجة ستصبح أسبابا لنتيجة جديدة لاحقة وهكذا يستمر تطور الحياة في دورتها الطبيعية على خلفية صراعات وتناقضات وتعارضات داخلية، وإن إنعدام هذه الصراعات والتناقضات والتعارضات بين الجديد الواعد والقديم السائد وبين الإيجابي المقبول والسلبي المرفوض وبين الخطأ والصواب في الرأي والرأي الآخر في الحياة يعني أن تطورها وتجددها وتحسنها سوف لا يستمر وذلك يعني أن الحياة سوف تتوقف عن التطور وهذا يخالف سنة الحياة الطبيعية. لذلك فان التناقضات والتعارضات والصراعات بين الأفكار والرؤى في الحياة الاجتماعية ضرورة حياتية بل هي قانون تطورها وصيرورتها الحتمية والابدية، وهي بالتالي ظاهرة صحية لابد من وجودها لكي تستمر دورة تطور الحياة على المسار الصحيح بنمطها الطبيعي الى حيث ما يجب ان تصل لتبدأ من جديد... وبما أن البرلمانات الحديثة والحياة البرلمانية في حياة الشعوب المتطلعة إلى الحرية والحكم الرشيد هي المؤسسة التشريعية الوحيدة التي تسعى إلى تشريع القوانين التي تنظم حياة المجتمع وتحمي مصالحها الوطنية والانسانية وفق نسق معين وتمثل قرار الشعب وإراداته الحرة في تقرير مصيره، فان هذه المؤسسة المهمة والحيوية بالتالي هي جزء من بنية المجتمع الفوقية لا تشذ في تطورها عن سنن وقوانين تطور المجتمع نفسه، أي بمعنى آخر أن البرلمان سوف تسود فيه نفس التناقضات والصراعات والتعارضات الفكرية السائدة في المجتمع أثناء الحوارات والنقاشات من أجل التوصل إلى القرار المناسب والملائم والمعبر عن إرادة الشعب بكل ما يتعلق بمصالحه الوطنية. وهذا يعني أن يكون هناك في البرلمان إذا أردناه أن يكون فعالاً ومفيداً وحارساً أميناً على مصالح الشعب والوطن قطبان متعارضان إيجابيان متفقان في خدمة هدف مشترك واحد هو المصلحة الوطنية ومختلفان في وسائل تحقيق هذا الهدف، قطب يشكل الأكثرية أو الأغلبية البرلمانية يتولى حكم البلاد وفقاً للقانون والدستور، وقد يكون هذا القطب مكونا من كتلة سياسية واحدة أو من تحالف لمجموعة كتل سياسية متعددة متفقة في البرنامج السياسي والرؤى حول مصلحة الشعب والوطن، ومتفقة أو متقاربة في وسائل وآليات تنفيذ برنامجها السياسي، وقطب اخر يشكل الأقلية البرلمانية يتولى المعارضة الايجابية، المراقبة والمتابعة والناقدة والمقوَّمة لعمل وأداء قطب الأغلبية البرلمانية الحاكمة، أي كما يسمى بلغة السياسة في بعض البرلمانات المتقدمة في الديمقراطيات المستقرة العريقة بـ"الحكومة" و"حكومة الظل" حكومتان متفقتان في الهدف المشترك ومختلفتان ومتعارضتان في وسائل تحقيق الهدف. إن وجود مثل هذه الحالة وبهذه التركيبة في البرلمان الوطني أمر إيجابي وضروري وظاهرة سياسية صحية بأهدافها في الحياة البرلمانية الحديثة، وإنعدامها حالة شاذة مرفوضة لا يمكن للبرلمان أن يقوم بأداء مهامه الوطنية بالمستوى المطلوب. إلاّ أن المشكلة في هذه الممارسة الديمقراطية النبيلة ليست في وجود التعارض بين قطبي الأغلبية البرلمانية الحاكمة والأقلية البرلمانية المعارضة في الحياة البرلمانية وإنما المشكلة كامنة في طبيعة الثقافة السياسية للنخب السياسية الممثلة لصوت الشعب في البرلمان ونظرتها إلى هذه الممارسة بشكل خاص، والثقافة الإجتماعية السائدة للمجتمع حول مفهوم السلطة والمعارضة وفلسفة الحكم بشكل عام.. حيث أن مفهوم المعارضة في وعي ورؤى البعض من النخب السياسية وفي وعي ورؤى الثقافة الاجتماعية لبعض الشعوب والمجتمعات المتخلفة والأسيرة لقيمها وتقاليدها الاجتماعية البالية وغيرها من المورثات المتخلفة تعني العداء والمحاربة بالوسائل العنيفة، ولا ترى في التعارض والاختلاف والتناقض في الأفكار والآراء والرؤى ضرورة وظاهرة طبيعية وصحية، وإمكانية للتعايش السلمي سوية من أجل خدمة قضية مشتركة واحدة بوسائل وأساليب متنوعة ومختلفة ان مثل هذا النضج السياسي وهذه الرؤية الاستراتيجية ما تفتقر اليه نخبنا السياسية في الحياة البرلمانية.. لذلك نرى في بلداننا المتخلفة ثقافياً وسياسياً وحتى إجتماعياً وإقتصادياً تعد ظاهرة المعارضة مهما كانت طبيعتها وشكلها نوعا من العداء والموقف العدائي ضد الآخر، وعليه وانطلاقا من هذه الخلفية الثقافية فأن من هو في الحكم يتعامل مع معارضيه بأساليب العنف والقوة وبما فيها أساليب التصفية الجسدية، ولا يتقبل فكرة وجود معارضة إيجابية سلمية لا في الحياة البرلمانية السياسية ولا حتى في الحياة الإجتماعية، معارضة تقوم على مبدأ المراقبة والمتابعة والتقويم والنقد البناء من أجل رفع مستوى أداء وشفافية من هو في الحكم ويمتلك السلطة في يديه لخدمة أهداف وطنية مشتركة وأن تتناوب السلطة معه سلمياً من خلال صناديق الاقتراع في إنتخابات عامة حرة ديمقراطية ونزيهة يقول فيها الشعب كلمته بحق من كان في السلطة ومن كان في المعارضة الإيجابية حول تغيير أو تبادل لمواقع ومراكز المسؤولية حسب متطلبات مصلحة الوطن والشعب وفق رؤى الأكثرية من أبناء الشعب بمن يكون في الحكم ومن يصبح في المعارضة بعد الانتخابات والتي تعتبر عملية تجديد للثقة.. إن بناء مثل هذه الثقافة ثقافة قبول الآخر وثقافة تناوب السلطة سلمياً وثقافة تبادل ومناقلة مواقع المسؤولية بين قطبي البرلمان في مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية وثقافة التخلي عن التصور بامتلاك الحقيقة المطلقة من قبل طرف والطرف الآخر عدواً، تعتبر حجر الزاوية في بناء وترسيخ أسس الدولة الديمقراطية الحديثة بمؤسسات صحية سليمة قادرة على الصمود بوجه التحديات المستجدة في الحياة والاستمرار بالسير إلى الأمام للتقرب من الكمال المفروض.. هكذا يجب أن تكون الحياة البرلمانية الديمقراطية الحقيقية، لأن الديمقراطية السياسية التعددية بأبسط أشكالها تعني حكم الأكثرية التي تفرزها وتشكلها صناديق الاقتراع من خلال انتخابات ديمقراطية حرة نزيهة وشفافة من جهة، وحماية حق الأقلية في المعارضة الإيجابية لمراقبة ومتابعة ونقد وتقويم أداء الأكثرية الحاكمة من جهة أخرى.. أما ما أصبح يعرف اليوم في العراق المحاصص بالديمقراطية التوافقية فهي ديمقراطية مشوهة عرجاء لا تقدم إلاّ أنصاف الحلول، أو الحلول المبتورة ذات النهايات المفتوحة إلى كل الاجتهادات والتفسيرات والتأويلات المتباينة والمتناقضة أحياناً والفارغة من أي محتوى موضوعي لبناء دولة ديمقراطية عصرية، أي حلول مشوهة التي تهدئ الحالة ولا تعالجها ولا تأتي بالحلول الجذرية الكاملة والحاسمة، وإن الاصرار بالسير على نهج ومبادئ الديمقراطية التوافقية للتصدي للتحديات التي تواجه شعبنا ووطننا هو خيار ينطوي على قدر كبير من الحماقة والغباء السياسي، وهو بالنتيجة لا يؤدي إلا إلى تكريس واقع المحاصصة بكل أشكالها والوانها القائم حالياً في العراق، كما يؤدي إلى كبت المشاكل المختلفة التي يعاني منها الواقع العراقي بمرارة إلى حين وليس إلى حلها وحسمها واجتثاثها بشكل جذري ونهائي وبتر جذورها من دون أن تكون لها عودة مرة أخرى...
وهذا لا يعني أن الديمقراطية التوافقية حالة أو ظاهرة مرفوضة بشكل مطلق كما قد يتصور أو يستنتج البعض على طول الخط، بل قد تكون صالحة ومفيدة في ظل ظروف تاريخية معينة ولأمد محدود، وفي عراقنا الحالي من وجهة نظرنا قد تخطينا وتجاوزنا هذا المدى وأصبحت المرحلة الان تتطلب منا التخلي الكامل عن اسلوب ونهج الديمقراطية التوافقية والتحول إلى اسلوب ونهج الديمقراطية الليبرالية لكي لا تتحول بالتالي إلى غطاء شرعي وقانوني لأستمرار حالة المحاصصة المقيتة التي تضر ضرراً بالغاً بمصالح البلاد... لذلك بوسعنا القول لقد آن الأوان لأن نقفز على هذا الشكل من الديمقراطية ونتجاوزه إلى ما هو أرقى وأسمى ألا وهو الديمقراطية الليبرالية الحقيقية التي تؤمن بشرعية وقانونية وضرورة وإيجابية وجود معارضة أقلية برلمانية تتعايش سلمياً وتعمل جنباً إلى جنب مع الأكثرية البرلمانية الحاكمة، لكي تكتمل دورة الحياة البرلمانية و نتمكن من خلالها المحافظة على الوحدة الوطنية الراسخة والفعالة، وحدة المصير المشترك لمكونات الشعب بكل إنتماءاتها، وحدة القرار الوطني، عندها فقط نتمكن من بلورة و إنضاج الآراء والأفكار والمقترحات المفيدة والناجعة حول أية قضية وطنية ومن ثم إيجاد الحلول الجذرية والكاملة غير المبتورة لحلها ومعالجتها والتصدي لمشاكلنا المستجدة والتي تتجدد مع تجدد متطلبات الحياة الاجتماعية في العراق، وأن نتقبل وجود معارضة الاقلية إلى جانب الأكثرية الحاكمة وكونها ظاهرة صحية وضرورية ولا بد من وجودها في الحياة البرلمانية وأن ننظر إليها نظرة إيجابية وموضوعية على أساس أن وجود أقلية معارضة لها نفس القدر من الأهمية كوجود الأكثرية الحاكمة في الحياة البرلمانية، أي بمعنى آخر أن وجود الاثنين معاً يمثلان وجهان لعملية واحدة لا يمكن لأحداهما أن يكون من دون وجود الأخر، وأن نعمل بجدية وصدق وأمانة وشفافية لتطوير آليات عمل المعارضة الإيجابية والارتقاء بها ودفعها إلى الأمام إلى أقصى مدى لكي تصبح الظهير القوي والحارس الأمين لتقويم وحماية الأكثرية الحاكمة من الخلل والزلل والانحراف وفساد السلطة والخروج عن المسار الصحيح الذي يرسمه الدستور لادارة شؤون البلاد بطريقة عقلانية رشيدة، هكذا يجب أن تكون العلاقة بين الأقلية المعارضة والأكثرية الحاكمة في الحياة البرلمانية في مجلس النواب العراقي الموقر وليس على النقيض منه كما هو عليه الحال في الوقت الحاضر. ولكن على كل حال يمكن أن نؤمل أنفسنا أن يكون ما يجري من حراك سياسي برلماني الآن وحتى في المستقبل القريب مرحلة من مراحل تطور الحياة البرلمانية الديمقراطية السائرة على مسار من الحسن إلى الأحسن وليس من السيء إلى الأسوأ. وعلى النخب السياسية العراقية كافة المشاركة في العملية السياسية الجارية لبناء عراق جديد، عراق ديمقراطي إتحادي تعددي حر بشكل عام، والنخب السياسية المتحكمة بالقرار السياسي الوطني حالياً بشكل خاص أن تدرك دورها التاريخي ومهمتها التاريخية في وضع الأسس الرصينة والمتينة لبناء وتشييد هكذا دولة، دولة القانون والمؤسسات الدستورية وذلك لكي تتمكن من حماية نفسها من لعنة وحكم الأجيال القادمة من جهة ومن لعنة وحكم التاريخ من جهة ثانية.. عليه يتطلب الأمر من هذه النخب جميعاً أن يكونوا بمستوى المسؤولية التاريخية وأن يحتكموا في سلوكهم وعملهم إلى منطق العقل والرشد السياسي ونضوج الفكر ووضوح الرؤى والابتعاد عن تأثير تغليب وتقديم الخصوصيات مهما كانت طبيعتها والاندماج والانصهار في بوتقه العمومية الوطنية التي من المفروض بل من الواجب أن نضع الوطن والاعتبارات الوطنية فوق كل الاعتبارات الخصوصية، وأن تكون المصالح الوطنية لعموم الشعب العراقي في صدارة أولوياتنا، عندها فقط سنجد أن كل أشكالاتنا قد حلت وكل خلافاتنا وإختلافاتنا قد إنتهت وكل صراعاتنا ونزاعاتنا مهما كانت طبيعتها وأسبابها ودوافعها قد سويت إلى الأبد... الوطن والوطنية والانسانية يجب ان يكون المحور المركزي الذي نتمحور حوله والوطن، هو الخيمة التي تجمعنا وتوحدنا وتحمينا من شر الاعداء والاقدار وكل شيء سواه هو مجرد هراء في هراء.. عسى أن نصل أو يصل بنا قادتنا السياسيون إلى هذه المرحلة المشرقة وتفتح لنا آفاق المستقبل المشرق الزاهر بعد كل هذه التضحيات الكبيرة التي قدمها شعبنا العراقي على مذبح الحرية طيلة تاريخه الحديث.. كفتنا المآسي والعذابات كفانا القتل ولنوقف أنهار الدم العراقي من الجريان يا قادة نخبنا السياسية المحترمون، قولوا ما قاله الزعيم الشهيد إبن العراق البار عبد الكريم قاسم أبو فقراء العراق (عفا الله عما سلف) وإن ما فات قد مات وعلينا بالجديد الواعد لكي لا يكون جديدنا تكرارا مملا للماضي القاتم الأليم ولكي نتفادى لعنة الأجيال القادمة ولعنة التاريخ التي لا ترحم أحداً.