المحرر موضوع: العنف. هل له مصوغ قانوني؟  (زيارة 1340 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل مارتن كورش تمرس

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 71
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
العنف. هل له مصوغ قانوني؟
« في: 01:03 16/01/2010 »
 
العنف هل له مُصوِّغ قانوني؟

المقدمة/
     أن فعل العنف الذي يمارس من حول العالم من قبل أفراد أو مجموعات أو تنظيمات لا بد وأن له مصوغ قانوني يستند إلى مواده منفذيه أو مستند معتقدي إجتماعي وفقه يدعم صاحب العنف عمله. في بحثنا هذا ننظر إلى العنف من خلال القانون بإعتباره مجال تخصصنا، لذلك وجدنا من الأجدر البحث والكتابة في هكذا موضوع لغرض تعريف الغير به.
 
تعريفه/
     هو فعل إجرامي في حالة إكتمال أركانه فإنه يلحق الضرر الجسمي أو المعنوي بالمعتدى عليه/ عليهم. وهو فعل مخالف للقانون.

تأريخه/
     في أي عمل أو حدث مهم في حياة الإنسان لا بد للقائم بالدراسة أن يعود إلى أوليات ذلك العمل ونعني بهذا تحديداً تأريخه. لو عدنا إلى قراءة تأريخ البشرية منذ عهد أبونا آدم نجد أن أول فعل عنف اُستخدم هو من قبل (وكلم قايينُ هابيلَ أخاهُ. وحدثَ إذْ كانا في الحقلِ أنَّ قايينَ قامَ على هابيلَ أخيهِ وقتلهُ) "تكوين4: 8". مرورا بقراءتنا لتأريخ الإنسان منذ نشأته نجد أنه في معظم الأحيان كان يلجأ إلى إستعمال العنف لحماية حقوقه أو إرغام الغير على تنفيذ إلتزاماته أو الحصول على مبتغاه أو تحقيق أهدافه أو غاياته بالطرق الغير شرعية والتي نقصد هنا بها العنف. ونتيجة لتطور الإنسان وإنتقاله من مستويات أدنى في المعيشة والتفكير إلى أفضل فيها توسعت مداركه حيث إرتاح من التنقل وبدأ ببناء القرى وأقتنى الدواجن والحيوانات وأمتهن الزراعة وعرف بدايات الصناعة ثم تعرف إلى الكون ونظامه فعرف  الفلك والطبيعة . كانت بداية المحاولات لتنظيم حياة الإنسان في القبيلة من قبل الزعيم(شيخ العشيرة). فكان حمورابي(رابي خمو) وكانت مسلته. أن تطور الإنسان وإمتلاكه لبعض عناصر الطبيعة ومواردها وإستقراره، شعر بأنه محتاج إلى وسيلة بها يحمي كل ما أقتنته يديه، أحتاج إلى النظام لترتيب عمله اليومي وعلاقاته مع إخوته وأبناء قبيلته وهذا ما رأيناه في مواد مسلة خمورابي. إضافة إلى النظام الذي رتب حياة الإنسان داخل مجتمعه والذي لم يكن كافيا لحماية حياته وماله لأن الإنسان المقتني للمواد(أموال) يكون على الدوام محط أنظار الغير وقد يتربصون له في حالة غيابه أوغياب النظام أو ضعفه لذلك فكر الإنسان بوسيلة يحمي بها ماله بل حتى نظامه، فكان السلاح وليد الحاجة للحماية. السلاح الذي من الممكن أن نعتبره الجزاء الذي يرافق عدم تنفيذ مواد أي قانون حسب نظرة حامله حصراً. والسلاح رافق حياته وتطور مع تطور كل شئ من حول الإنسان. والسلاح حاله كحال مختلف الوسائل في حياة الإنسان له جوانب إيجابية وجوانب سلبية.

أركانه/
     فعل العنف  له أركانه التي تميزه عن غيره. أن أي فعل من أفعال الإنسان له أركانه التي في حالة إكتمالها تكون قد تحققت أهدافها وحصلت نتائجها. ومن الممكن أن نعدد ونفصل في هذه الأركان:
1-  المعتدي: أي القائم بفعل العنف تنفيذاً وقد يكون فرداً أو مجموعة أفراد منظمة أو غير منظمة. لأنه قد يكون المنفذ ليس هو المخطط وأحيانا يكونان شخصا واحدا، وقد يشاركه الصورة المحرض أو الشريك. كما قلنا أعلاه هو أما فرد أو جماعات تقوم بإستخدام العنف بشكل من أشكاله ضد الخصوم من أجل تحقيق أهداف معينة. فالفرد يلجأ في معظم الأحيان إلى أبسط الوسائل العدوانية من أجل الحصول على حقوقه عندما يرى غيره قد هضمها. هذا أما بسبب الجهل الذي يقود إلى الغضب ثم ليقع الإعتداء أو بسبب غياب القانون نتيجة مرور البلد بظرف غير إعتيادي، كما حدث لنا بعد السقوط حيث إعتدى بعض المواطنين على غيرهم آخذا للثأر أو الإستيلاء على أموالهم المنقولة أو الغير منقولة. أيضا الجماعات سواء كانت منظمة أو عشائر تقدم على الإعتداء على غيرها من مكونات المجتمع أو الفرد من الأفراد وقد يسبق عملها هذا التهديد والوعيد للمعتدى عليه/عليهم كما حدث لأهلنا في نينوى.
2-  المعتدى عليه/عليهم: وهو الركن الثاني أي الطرف الأساسي المقابل  للركن الأول وهو أما فرد أو عدة أفراد حيث يقع عليه فعل العنف. أيضا أما يكون فرد أو مجموعة أفراد أو سكان آمنين في منطقة سكنية أو عشيرة صغيرة أو قومية صغيرة. حيث يقع الإعتداء على أحدهم دون أن يقع المعتدي تحت طائلة القانون لأسباب كثيرة منها غياب النظام أو الأمن في ذلك المجتمع أو للقوة القاهرة. دون أن يغيب عن بال المعتدي، مال أو جسد المعتدى عليه الذي هو محل الاعتداء والذي قلنا عنه في بداية بحثنا عنه أما هو إعتداء مادي أو معنوي. والإعتداء المادي يمكن معرفته من خلال الوسيلة المستخدمة في عملية ممارسة العنف فأما هو سكينة أو آلة أو سلاح ناري أو حتى الضرب المبرح المؤدي إلى موت المجني عليه أو إلحاق عاهة مستديمة به قد تعوقه طول العمر. أن للوسيلة المستخدمة في عملية ممارسة العنف لها دورها الفعال في مقدار جسامة الضرر الملحق بالمعتدى عليه. الفرق بين أداة الجريمة وفعاليتها وهذا من إختصاص القائمين على التحقيق سواء كانوا محققا عدليا أو لجنة تقصي الحقائق، حيث يقع على كاهله/ كاهلها معرفة الجاني/ المعتدي، وذلك بالكشف على موقع الجريمة والذي يعرفه رجال وفقهاء القانون بدلالة الكشف. الذي فيه تصادر آلة الجرم من قبل المحقق وترسل حسب وضعيتها إلى الجهة القائمة على إدارة الأدلة الجنائية. حيث تتعرف هذه الدائرة على أداة الجريمة من كل نواحيها مثلا مصدرها، منشأها، صانعها، مستوردها، مستخدمها. ومن ثم أهم شئ هو بصمات المعتدي التي تعتبر الخيوط الأولى والصحيحة للوصول إلى الجاني.
3-    محل فعل العنف: هو أما جسد المعتدى عليه أو ماله (منقول أو غير منقول).
4-  الأداة أو الوسيلة المستخدمة في أداء فعل العنف:أي بعبارة أخرى الوسيلة الجرمية. وهي متعددة مختلفة قاتلة جارحة قد تخلف الموت أو العاهة المستديمة.
أن إجتماع الأركان أعلاه يعني تحقق كل جوانب فعل العنف. أما في حالة تخلف أي سقوط أحد أركانه، فيتحول فعل العنف إلى شروع أي عدم حصول النتيجة المبتغاة، وهذه تحكمها نصوص مواد في قوانين العقوبات بإعتبار العقوبة المقررة لها هي أقل في الحبس والغرامة. مثلا الجاني عندما يقدم على أداء أو تنفيذ عمله الأجرامي يتوقع بأنه سيحقق هدفه %100 .

أسبابه/
     ممكن أن نعتبر السبب هو الأرضية التي ينبني عليها فعل العنف. هذا ما يسمى في لغة قانون العقوبات بـ (النية) التي لا يأخذ بها القاضي عند إصداره قرار الحكم. والسبب قد يكون مشروعا أو غير مشروع. والمشروع منه فقط نراه بشكل واضح وجلي في عمل (ردة فعل)الركن الثاني ونقصد به تحديداً المعتدى عليه/ عليهم وفي عمليات الدفاع عن النفس التي شملتها الظروف المخففة في قوانين العقوبات. أما الغير مشروع قد نراه في عمليات الإعتداء السافر على الغير بدون مبرر أو في عمليات الضرب المبرح حتى من قبل أولياء الأمور، أو في عمليات السطو المسلح، أو حالات الهيجان العام في المجتمع لظرف ما كما حدثنا لدينا بعد السقوط. علماً بأن لكل عمل أسبابه، بحيث لا يحدث عمل إلا وله أسبابه، والسبب يختلف عن النية لأن القاضي يأخذ به في صياغة قرار الحكم عند دراسة حيثيات القضية التي أمامه مأخذ الجد بإعتبار فعل العنف قد أنبنى عليه. أن لفعل العنف، مسبباته التي تدفع بالجاني/ الجناة إلى إقتراف الجرم ضد غيره/ غيرهم؛ لكن لا يمكن في حال من الأحوال إعتبارها مبرراً لإقتراف الجرم بل على العكس هي دليل إثبات الجريمة على مُقترفها والتي يدان وفقها وبالتالي يحاكم وفقا للقانون. والعنف(الفعل الجرمي) قد يقع من الجاني (الإبن) على المجنى عليه (الأب). أي وقوع الفعل الجرمي من أحد الفروع على أحد الأصول وأحيانا بالعكس. اذا للأسباب دورها الفعالة في عملية بناء وتكوين العنف الذي يتحول به الإنسان السّوي إلى مجرم. لذلك كان للعائلة وللمجتمع الدور الفعال في تربية الفرد وتقويم سلوكه لكي لا ينحاد عن جادة الصواب التي خلقه الله من أجلها. الله الخالق الذي أعطى للإنسان عقلا لينظم به حياته خاصة لو إستخدمه بشكله الصحيح دون أن يورط نفسه في الشرور التي تؤدي إلى إهانة نظمام الله. أسباب موجودة بالمجتمع كما هي السلع والبضائع مطروحة بالأسواق وليس إلا على المستهلك إقتنائها بالوسيلة المقررة إقتصاديا (دفع المال أو المقايضة). 

نتائجه/
     هي معروفة وتحصيل حاصل في حالة إكتمال أركان فعل العنف. أما في حالة تعثر ركن من أركانه مما يعني عدم تحقق الأهداف التي سعى من أجلها منفذ فعل العنف وهنا ممكن تسميته قانونا بفعل الشروع والذي له أحكامه الخاصة في قوانين العقوبات.

مصدره/
     هو الشر المتولد من الخطيئة التي أساسها الشيطان. لأن الإنسان خُلِقَ مدني بالطبع وأن كان إبن خطيئة (هأنذا بالإثمِ صُوِرتُ وبالخطيةِ حَبِلتْ بي أمي.)"مزمور51: 5" . لكن تنقصه الممارسات العدوانية أولا لكونه طفل والثاني لم يدخل بعد إلى المجتمع ليكسب منه مختلف العادات، والسيئة قبل الحسنة. طبعاً لن نجد مجتمعاً خالياً من الجرائم أو على الأقل المخالفات. وهي تختلف نسبياً من مجتمع إلى آخر. ولكل عنف عناصره التي أنبنى عليها وأولها العناصر أو الأسباب الإقتصادية وتأتي البقية حسب تأثيرها على القائم بالعنف (المعتدي) وبالمقابل مدى إستعداد نفسيته لتكون وتنسج عمل العنف في أفكاره.

أشكاله/
     ليس للعنف شكل محدد بل متنوع يختلف من وقت إلى آخر ومن مكان إلى آخر ومن شخص إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر. أما مخطط له وهذا يسمى قانونيا الفعل الجرمي مع السبق والترصد والإصرار. أو يكون آنيا أي لم يسبقه أي تخطيط أو تفكير. مثال ـ في السبق والترصد يخطط الجاني لعملية سطو مسلح على محل مجوهرات وفي وضح النهار. أما في الجرائم الآنية الحدث، مثال ـ شخصان يلعبان الدومينو في مقهى شعبي يكتشف أحدهما بأن خصمه يحتال عليه في اللعبة، فيغضب لتقع النتائج الوخيمة أما قتل أو أصابة أو عاهة مستديمة. وهو فردي أو جماعي وهو قاتل مميت أو فقط مؤذي أو هو مادي أو معنوي(وأما أنا فأقولُ لكمْ إنَّ كلَّ مَنْ يغضبُ على أَخيهِ باطلاً يكونُ مُستوجِبَ الحكمِ.ومَنْ قالَ لأخيهِ رَقا يكونُ مُستوجِبَ المجمعِ.ومَنْ قالَ يا أحمقُ يكونُ مُستوجِبَ نارِ جهنمَ)"متى5: 22". أو بقصد أو بغير قصد أو ذو هدف أو عشوائي أو منظم أو غير منظم. نقدر أن نقول اليوم على الذي يحدث من حول العالم بأن العنف صار منظما في أبسط وسائله ومن أسذج منفذيه إلى أعقد وسائله وأفتكها ومن أمهر وأثقف منفذيه. إنه ثقافة ذات بؤرة عميقة التوغل في حضارة الإنسان ومعتقده في مجتمع تحول الإنسان فيه إلى متفكر بشؤون نفسه وأحيانا بشؤون غيره ولضعفه وقلة محبته وحصر مخيلته وقصر نظرته بل وحتى أحيانا إصابته بمرض أما جسدي أو نفسي، أو تشتت أفكاره كتسممها بالتيارات الفكرية التي توصل إليها من خلال إستقراءاته أو تجواله بين مختلف المواقع الألكترونية، أو شاذاً يبحث عن مؤى لتنفيذ غاياته بأقصر وقت وبأبخس وسيلة وذلك لغياب وسيلة التفكير عنده أو تجرده من الفكر الإنساني الصالح أو إللحاده إلى حد التجديف والتنكر لكل السماويات أو بالعكس تماما كأيمانه وإعتقاده بأن إلهه يريد منه أن يفتك بالضحية لأن الضحية لا يؤمن بما يؤمن هو به. لنتذكر على سبيل المثال الشكل المنظم منه الذي دعم بمستند قانوني. كلنا له أطلاع وعن كثب على نصوص مواد قوانين العقوبات المقارنة في العالم حيث مرت بمراحل عديدة إلى أن تطورت وتنزهت وتأقلمت لتواكب نفسية الإنسان (تهذيب، تأديب، تقويم سلوك) وترتقي به نحوى السّوية والمدنية والألفه وتبتعد به عن الإستبداد. ولنذكر هنا على سبيل المثال عقوبة الإعدام التي أصبحت بالية لا تدل إلا على التأخر وتخلف الفكر القانوني وإنحصار مخيلة المشرع بالإعتماد على مصدر واحد حتى وأن بدأ قديما غير مواكب لتطور المجتمع بإعتبار القانون يواكب حالة الفرد بالمجتمع وبأعتبار الفرد هو أغنى رأس مال في المجتمع لذلك صار من التخلف عدم الاهتمام بالإنسان كثروة فكرية وإنتاجية والتبذير بها بوجود عقوبة الإعدام. أن شريعة (السن بالسن والعين بالعين) كانت في وقتها مبدأ أساسيا في حماية حقوق الفرد في المجتمع. اليوم وبعد حدوث الثورة الفكرية التي ضمت برأي كل من(الثورة الصناعية، نهاية الحربين العالميتين، الحرب الباردة، ظهور الفضائيات، شبكات الأنترنيت، الموبيل، إكتشاف الفضاء) في العالم وتحرر الفرد من تجارة الرق وأنتقاله من العبودية إلى الحرية مما يستوجب تطوير القوانين ، فالقوانين التي كانت معمولة للفرد أيام كان المجتمع منقسماً إلى طبقات إجتماعية منها في الحضيض (عبد وآمة) ومنها في القمة كالطبقات البرجوازية أو الإقطاعية. أصبحت المجتمعات اليوم تسعى إلى تحقيق التساوي بين الإنسان وأخيه الإنسان وتعمل جاهدة من أجل محو الفوارق الطبقية التي أصبحت بالية موجودة في بعض العوائل بشكل حصري. أن الإنسان في المجتمعات المتطورة اليوم أصبح من الصعب الإفراط به بعقوبة تودي بحياته وتهين خلق الله بقتله شنقا أو رميا بالرصاص أو الإطاحة برقبته بالمقصلة. لذلك أرتفعت من حول العالم أصوات المنددين بعقوبة الإعدام من رجال القانون المعاصرين ومن معظم الناشطين في  حقول حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني في دول العالم التي قطعت مجتماعتها أشواطا في ممارسة الديمقراطية. وفق نظرة إنسانية بسيطة إلى عقوبة الإعدام نجدها مهينة للأنسان بأعتبار أن مالك الرقاب هو الخالق ووحده القادر على أخذ الروح لأنها منه وإليه تعود ولا يمكن أن تكون في أي وقت من الأوقات المقياس العادل للجرم الذي صدر من المعتدي.وأن في قوانين العقوبات عقوبات بديلة  لعقوبة الإعدام على سبيل المثال عقوبة السجن المؤبد. أن العنف لا يمكن أن يكون حلا للعنف ،أي بعبارة أخرى ومعروفة ( لا يجوز علاج الغلط بالغلط). لا يخفى علينا ونحن دخلنا الألفية الثالثة وقد ظلت بعض أشكال العنف عالقة في سلوكنا من غابر الزمان ولعدم إستطاعة الإنسان حتى وهو في مجتمع متطور أن يتحرر من سلوك العنف (ممارسة، مشاهدة) لذلك لجأ إلى رجال القانون ليبرروا  له ذلك العنف المتداول لديه من سنين مضت، فإستطاع أن يجعله مبررا قانونا، هذا كله ناتج من سيطرة الخطيئة على الإنسان . ومن هذه الأعمال المتميزة العنف، هي الملاكمة أو المصارعة. فهاتين اللعبتين الرياضيتين المحفوفتين بالمخاطر على حياة ممارسيها والتي تودي في أغلب الأحيان بحياة أحداهما بإعتبارها لا تخلو من كل انواع القوة والضرب المبرح. والجمهور يهتف من حول الحلبة وكأنه قبيلة من الغاب قبضت على مدنيين إثنين وأقتادهما أعزلان موثقي اليدين ليتم ربطهما إلى خشبة وظهريهما متقابلين ومن حولهما النيران مشتعلة وكل أفراد(الجمهور الرياضي)القبيلة يرقص من حولهما وهما يحترقان. صورتان متشابهتان في مكان وزمان مختلفين يجمعهما العنف الذي هو القاسم المشترك بينهما.

أنواعه/
     قد لا يكون فرق واضح بين أنواعه وأشكاله وقد ذكرنا أعلاه عن بعض أشكاله. بالنسبة إلى أنواعه فلنذكر هنا الإعتداءات الداخلية والإعتداءات الخارجية. الداخلية هي عديدة وكثيرة منها التي تقع داخل الأسرة الواحدة أو العائلة الواحدة أو المجتمع الواحد أو الدولة الواحدة أو ضمن فترة زمنية محددة. فالعائلة الواحدة يحكمها الشخص الذكوري الذي يتسلط عليها وبيديه زمام أمورها وكأنه الدكتاتور وهذا جلي للعيان في المجتمعات الشرقية. لحد الآن الأب له دوره والإبن الكبير هو ولي عهده في حالة غياب الأب أو موته. لكلاهما حق تأديب أفراد العائلة من الزوجة وإلى أصغر طفل في الأسرة، معتمدين في التأديب على أسلوب الضرب(شكل من أشكال العنف). هكذا نجد مثل هذا النمط في التربية في المدارس وفي المؤسسات وفي الدوائر. فالمعلم يضرب التلميذ ويهينه، والمدير يضرب المنظف ويهينه، وصاحب ورشة العمل يضرب العامل الصغير ويهينه، والضابط العسكري يعاقب الجندي بعقوبة لا أنسانية ومهينة. فالمعلم يريد من التلميذ النجاح، والمدير يريد من المنظف الجدية بالعمل، وصاحب الورشة يريد من عامله الصغير إتقان المهنة، والضابط يريد من الجندي الإخلاص والدفاع والتضحية. على الرغم من وجود المتناقضات في هذه السلوكيات إلا أن القاسم المشترك فيما بينها هو العنف الذي من الممكن والوارد أن يتخيله المعتدى عليه كعصى مرفوعة في الهواء لا يعرف متى تقع على رأسه مما تزرع فيه روحية الخوف والرعب وتقتل فيه الجرأة والإقدام وقد تجعل منه إنساناً فاشلاً في الحياة لا يقوى على إتخاذ أبسط قرار. أما الخارجية فهي الأخرى عديدة ومنها على سبيل المثال قيام عشيرة ما بالإعتداء على عشيرة أخرى.

إتجاهه/
     عنف الإنسان ضد قرينه. وهذا هو موضوع بحثنا .وعنف الإنسان ضد الطبيعة، ما يظهر في فتحة الأوزون على سبيل المثال.عنف الإنسان ضد الحيوان. عنف الإنسان ضد النباتات، حرق الغابات والمزارع، مثلاً.

بنيته/
     من السهل جداً بناءه ما دام يجد الأرضية التي ينبني فيها وتتوفر في تربتها مقومات نموه ومن ثم بنائه في المجتمع الذي يكون له حاضناً. وطرق بنائه متعددة وأسهلها هو بنائه في جيل الأطفال وقد وفرت التكنلوجيا المعاصرة بين أيديهم الصغيرة كل التقنيات التي لم تخلو في كل وسائلها من العناصر المدمرة لشخصية الطفل. فمن الصعب على والديه الغير مواكبين للتطور من مجاراة كل الأجهزة المتطورة التي تم إستيرادها من الدول المتطورة والتي تحمل مختلف الشوائب الفكرية في أوقات لهو الأطفال بها في ذات الوقت لا يمكن لأي واحدٍ منا أن ينكر مقدار الفوائد التأتية من تلكم الأجهزة والتي تفوق مضارها أي إيجابياتها أكثر بكثير من سلبياتها على سبيل المثال لكل عائلة اليوم جهاز الستلايت في البيت وفي شاشة تلفازه نشاهد كل القنوات ونراقب كل البرامج الثقافية والتربوية وبرامج الأطفال، لكن إلى جانبها توجد من البرامج التي تكون سبباً في ضياع فلذات أكبادنا. هل نُقدم نحن أولياء الأمور ونمسحها من شاشة تلفازنا؟ (أظنكم عرفتم أيّ القنوات أقصد؟) . فمعظم أفلام الكارتون أصبحت ذات درامة إجرامية التي تعلم الطفل على ممارسة العنف. معظم الدمى أصبحت اليوم في السوق هي أسلحة وبمختلف الأنواع، فالطفل يلعب بها مع شقيقه لعبة الإقتتال. هذا ما يتعلمه الطفل في نعومة أظافره، التي من الممكن أن نسميها بالدروس الأولى في ممارسة العنف. لتبقى الأم حائرة في ممارسة دورها الأساسي في تربية الطفل بإعتبارها المدرسة الأولية التي يتعلم فيها الطفل المناهج الأولى في التربية والتعليم.لكن يا ترى ما الذي تقدر أن تعمله الأم وخاصة الأمية منهنّ والأب لا يفكر كيف يمنع عن طفله كل اللعب المؤذية لأفكاره والتي تبث الإنحراف في سلوكياته. اذا الأرضية الأساسية في بناء جدار العنف في الإنسان يبدأ في مرحلة الطفولة. (لم يخفَ عن بالي القيام بإعداد بحث عن مرحلة الطفولة) لذلك وجب على المعنيين بمرحلة الطفولة في المجتمع، على سبيل المثال وزارات التربية، منظمات المجتمع المدني المعنية بشؤون الطفولة، إضافة إلى دور الأسرة وبالذات مسؤولية الأب ودور الأم.

الحلول/
     لدينا العديد من الحلول ومنها الجذرية التي تمسك الإنسان منذ طفولته وإلى أن يصل سن الرشد لكي يمتلك القدرة السلوكية ليدخل المجتمع وهو محمي من كل الشوائب الفكرية التي تتطور بتطور المجتمع ومنها على سبيل المثال وليس الحصر بإعتبار موضوع الحلول هو شاسع وواسع ولكن مع كل الأسف لا نكلف أنفسنا في البحث فيه عن حل به نعلاج ولو أصغر مشكلة في حياة الإنسان. ولنفرض أننا مجموعة من الباحثين الإجتماعيين قد تم تكليفنا بوضع دراسة عن مجموعة من الأحداث المحتجزين في إصلاحية للأحداث. لا بد لنا أولا من دراسة كل حالة لوحدها ليسهل عندئذٍ وضع الحلول الملائمة لها ولنفرض أننا وجدنا الحلول ولنذكر واحداً منها وهو كما يلي: إخراج الحدث من الإصلاحية ووضعه في مصحٍ آخر فيه تتوفر كل الشروط التي تنسيه الواقع الذي كان السبب في إدخاله الإصلاحية. وفي هذه الإصلاحية الجديدة يتم دراسة الحالة من مختلف جوانبها وفق جلسات تشبه حالة العلاج السريري بإعتبار المرض النفسي يشبه المرض الجسدي، علماً بأن الأول قد يسبب الثاني. إلى أن نصل إلى إنقاذ الحالة وإرجاعها إلى سابق عهدها قبل سقوطها في بركة ممارسة العنف. وغير هذا العديد من الحلول التي يتم رصد لها المختصين(أطباء نفسيين،باحثين إجتماعيين،مختصين في شؤون الأطفال، معلمات من مدارس الروضة والإبتدائية، ممثلات من منظمات المرأة، محامون مختصون في قضايا الأحداث) وبين أيديهم تتوفر كل الوسائل والأجهزة المتطورة.

الخاتمة/
     أن العنف من الأعمال المنافية للأخلاق الإنسانية وللقوانين الوضعية وتقع تحت طائلة قوانين العقوبات في العالم وهي منافية لمبادئ العدالة ولحقوق الإنسان والمجتمع على حدٍ سواء ولا مبرر لها مهما كانت أسبابها. أن الذي نسعى إليه في بحثنا هذا هو الرقي بالمجتمع البشري إلى مستوى المجتمعات المتطورة التي ودعت العنف بكل أشكاله التي كان للدولة أو للفرد يد في تنفيذه. الحكومات ما عادت ثوروية ولا إنقلابية لكي تكون دكتاتورية فتحول القانون إلى عصى تنهال بها على رأس الأفراد متى ما أرادت. صحيح أن بعض الأفراد فيها يمارسون العنف ضد الطفل ضد المرأة وهذا ما يحدث ضمن العائلة أو الأسرة الواحدة، وهذا مرده نمط الحياة العشائري الساري في بعض المجتمعات. أن الإهتمام بسلوكية الفرد في العالم يعني إعادة إعتباره بين رؤوس الأموال في المجتمعات التي تسعى إلى بنائه ليكون كما يريده الله ينهى عن الشر وممارسته بل يسعى إلى السلام وإلى العيش بمدنية.أن الإنسان الذي سقط في العنف أو في وضع ممارسة الجريمة ودخوله الملجأ الحكومي الإصلاحي لإعادة ترتيب سلوكه وفق جلسات فيها تطبق الدراسات القانونية ذات المصادر السايكلوجية والبايلوجية والإجتماعية لإعادة بنائه وإرجاعه إلى المجتمع كما كان قبل ممارسته العنف وسقوطه في ضحالة الجريمة.ثم وضع دراسات أخرى من قبل رجال القانون وعلم الإجتماع من أجل مرافقة الخارج من الإصلاحية الحكومية(المصحة السجنية) كمرحلة تكميلية، تعقب المرحلة الأولى مرحلة إعادة ترتيب سلوكه بينما هو يقضي فترة محكوميته في السجن(الإصلاحية)والمرحلة هذه وهي الثانية فيها يعود الإنسان الغير سوي إلى ممارسة حياته كما كان قبل دخوله السجن،وبما أنه أصبح جديداً على مجتمعه إن لم يكن غريباً لذلك وجب متابعة سلوكه ليسهل إعادته إلى مجتمعه كسابق عهده دون أن يسقط في وحل الجريمة ثانية بالعود.أنه العنف أيها السادة الذي لا يكف الإنسان عن ممارسته، وعندما وجد أن جهوده لا تفي بالغرض في تحقيق الكثير من المكاسب الغير شرعية لذلك سعى إلى تنفيذها بالتكاتف مع غيره من الأفراد من يحملون مثل سلوكياته. دعونا كرجال قانون نعطي للإنسان في دراساتنا الكثير من الإهتمام من أجل الرقي به إلى المستوى الذي يريده له خالقه. هذا يتطلب منا تقديم الدراسات إلى المجتمع وفق مراحل هرمية تبدأ من القاعدة (الرعاع) ولتصل إلى القمة (الموظفين).
أنها محاولات جادة من أجل القضاء على العنف في مجتمعات  صارت الصفة الطاغية عليها هي السلوكيات العدوانية التي بها تهدر الأرواح والأموال بل وتودي بالبنية التحتية لأقتصاد الدولة. وهذا ما شاهدناه بُعيد السقوط كيف الكثير من الرعاع شرعوا مشمرين عن سواعدهم في نهب ممتلكات الدولة(القطاع العام) وهم لا يعلمون وقتها بأنهم يسرقون أموالهم أو يسرقون بعضهم بعضاً.
نتمنى أن نكون قد وضعنا بين أيدي الدارسين قبل غيرهم دراسة لتكون الباكورة لعلاج العنف بإعتبارنا كمجتمع إنقلبت موازين حياة وعيش الفرد فيه وقد دخل مرحلة جديدة، إضافة إلى فقره وعدم شعوره بالأمن والسلام، إضافة إلى ظهور تيارات متنازعة متعاكسة مما أعطت لعجلة العنف الوقود الدائم. العنف موضوع صار في وقتنا الحاضر يهم الفرد والمجتمع في أن واحد بل أصبح حديث الساعة لدينا، ويؤثر على حقوق الرعاع بل ويدمر البنية التحتية للمجتمع إقتصادياً. إضافة إلى الآثار الإجتماعية الوخيمة التي تبقى تُولِد مقومات العنف وبمختلف أشكالها وأنواعها. العنف الذي تطور وأصبح اليوم بما يسمى الإرهاب. واكبه تطور القانون ليحكم هذا الفعل مما حدى بالمشرعين في مختلف دول العالم بسنِّ قانون مكافحة الإرهاب.
 
المحامي والقاص/
مارتن كورش