المحرر موضوع: اللغّة الآشورية هي التجسيد الحيّ للفكر الآشوري ...!  (زيارة 2317 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نضال كابريال

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 177
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

يرى أصحاب النظرة السلبية للقومية الآشورية أنهم يدافعون عن أفكار وقيم كانت وما تزال حقيقة واقعة، فإن ما يدور من جدال وسجال على امتداد القرون القليلة الماضية حول القضية الآشورية هو في الحقيقة يعبر عن اتجاهين مختلفين، وينطلقان من مدخلين متواجهين، الأول هو مدخل الوفاء لهذه الأمة العريقة الذي ينادي ويدعو إلى حقيقة الأمة الآشورية الواحدة، وينظر إلى الفكر القومي الآشوري كحقيقة حية تعيش في وجدان أبناء الأمة، وهو فكر حي قابل للتجديد ومقاومة الجمود والتحجر، وإن القومية الآشورية هي فكرة حيوية، تكمن حيويتها في المقدرة على النضال والجهاد والمقاومة من أجل نهضة هذه الأمة وتقدمها، ومقاومة التخلف والأمراض الاجتماعية والسياسية، والتصدي لقوى الاستعمار التي تحتل أرض آشور اليوم وتحاول أن تشوه تاريخه.

 أما المدخل أو الاتجاه الثاني، فهو مدخل الجفاء أو العداء المتأصل للآشورية الذي يتجاهل حقيقة أننا أمة واحدة، وحد الزمان ظروفها من خلال وحدة اللغة ووحدة الأرض ووحدة التاريخ، ومن المؤكد أن أصحاب هذا الاتجاه المعادي للقومية الآشورية لا يستطيعون أن يساهموا في حل مشاكل الأمة، لأنها بمواقفها هذه تسهم في تشويه الواقع وتزييف التاريخ مما يجعل من هذه القوى جزءا من مشكلة الأمة الآشورية وليست جزءا من حل مشاكلها( أصحاب نظرية الاسم المركب....وأصحاب النظرية المذهبية....) ولعل من المفيد عند هذه النقطة المضي في إلقاء الضوء على حقيقة القومية الآشورية من خلال إبراز دور وحدة اللغة الآشورية واستمرارها كركن أساسي من أركان القومية الآشورية.
فهناك قومياتٌ عديدةٌ على وجهِ المعمورة وكلّ منها تحملُ خصائصَ ثقافيةً ولغويةً وتاريخيةً وجغرافية، فتصبح تبعاً لذلك مرآةً لهويتهم وخصوصيتهم التي تميّزُهم عن غيرهِم.
والقومية الآشورية هي إحدى القوميات المستمرة منذُ القدم وهي بما تحمله من خصوصيةٍ تاريخيّةٍ وحضاريةٍ تُعدّ مرآةً تعّبر عن أحلام وآمال وطموح وإرادة الأمة الآشورية. فالقوميّة الآشورية إذن هي هويّة الإنسان الآشوري تجاه الأمم والقوميات الأخرى. إنّ الانتماء إلى أمة ما، يخلق في داخل الإنسان شعوراً من العاطفة، نابعاً من العمق الوجداني. إنّها العاطفة التي تربط الإنسان بمحيطه الاجتماعي الإنتمائي: الانتماء إلى تاريخ ٍ واحدٍ ولغةٍ واحدةٍ وثقافةٍ واحدةٍ وإلى حاضرٍ واحدٍ ومستقبلٍ واحدٍ وأرض واحدةٍ وآمالٍ واحدةٍ. إنّ القوميَّ الآشوري الأصيل هو مَن يَعي أنّ التاريخ أصلهُ، والأرض شرفه، والوحدة قوّتهُ، والحضارة الآشورية رسالتُه..
 منذ قرونٍ ولاسيّما، في القرن الميلاديّ المنصرم إلى يومنا هذا ونحن نتعرض لهزاتٍ مدمّرةٍ وتياراتٍ جارفةٍ وعواصف عاتيةٍ فلا بدّ للقومية الآشورية من أن تحمل (ثوابت الأمة الآشورية)، وأعني ثوابتها التاريخية والثقافية والحضارية بكلّ وضوح، لتصبح تلك الثوابت هي الحدود التي يمارس في داخلها وتحت سقفها الصراع الفكريّ الفلسفيّ العقائديّ الآشوري. وتلك الثوابت هي بمثابة "خطّ الدفاع" عن خصائص وهويّة القوميّة  الآشورية في عصر التطورات والمتغيّرات الفكريّة، وأعني "عصر العولمة" بقيمها المادية التي ضربت القيم الإنسانية ومنها قيمنا نحن الآشوريون بالذات.
إن الثوابت أو الأركان التي لا بّد وأن تبقى في صميم النهج الفكريّ القوميّ الآشوري في مسار التطورات والمتغيّرات العالمية، والصراع الفكري والسياسي الآشوري الآشوري عديدةُ، ولكنّي،  رجّحت ركن (اللغة) على غيرها من أركان القومية الآشورية:
لقد تعرّضت أرض آشور عبر مراحل التاريخ إلى حالاتٍ من المدّ والجزر الجغرافيين تبعاً لقوّة أو ضعف الدول التي ينتشر فيها الشعب الآشوري، وفي جميع هذه الأحوال كان أبناء هذا الشعب ملتزمين بالانتماء إلى أمتهم الآشورية، رغم وقوعهم تحت سلطة وإدارة الأمم المستعمرة، وكان ذلك نتيجة ارتباطهم وحفاظهم على لغتهم، أي، رباطهم القومّي.
فمثلاً، لقد قام الحكم العثماني باسم (الخلافة الإسلامية)، باحتلال الأرض العربية والفارسية واليونانية..، ثم قام بمحاولاتٍ عديدةٍ لـ(تتريك) الشعب الذي يعيش في هذه المنطقة(من عرب وآشوريين وغيرهم..)، ومن خلالهم (الإسلام). فاصطدمت الرابطة القومية التركية بإرادة أبناء الرابطة القومية العربيّة وأصحاب الفكر الآشوري من رجال الدين والسياسة، وانتصرت اللغة الآشورية والعربية.
وفي هذا السياق، يمكننا القول بأنّ محاولات (التتريك) وغيرها التي وقعت على أبناء الشعب الآشوري وغيرهم،كانت مقتبسة عن العرب المسلمين أنفسهم حين قاموا بتعريب أبناء الأقاليم في عصر الفتوحات.
 و بعد احتكاك الآشوريين بالحضارات والثقافات المختلفة( بعد سقوطهم السياسي عام 612 ق.م)، ازداد  مخزون العلم والمعرفة عندهم بسبب استمرار العطاء الحضاري والإنساني الآشوري، ذلك المخزون الذي ولد منذ منتصف الألف الرابع ما قبل الميلاد، وبناءً على تلك الثقافة والمخزون المعرفي، أصبح هناك (فكرٌ آشوري) ينطلق منها، والفكر هو أحد أوجه اللغة، إذ إنّ اللّغة رباط فكريّ بين أبناء الأمة الواحدة. فاللّغة هي آلة لإظهار الفكر، والتفكير ما هو إلا "تكلّمٌ باطني".
من جهةٍ أخرى، أنّ اللغة هي واسطةُ لنقل الأفكار والمكتسبات من الآباء إلى الأبناء، ومن الأجداد إلى الأحفاد، ومن الأسلاف إلى الأخلاف. وهي العلاقة التي تربط بين أفراد الأمّة وتعبّر عن أحلامهم وآمالهم وعن لذائذهم وآلامهم، وهي الخزينة التي ترسم فيها الأمة عناصر ماضيها وتُسطّرُ بها حوادث تاريخها وثمرات نتاجها في العلم، أو السياسة، أو الآداب، أو الفّن أو الحرب.. وهي الواسطة التي يتمّ بها انتشار الأفكار والمشاعر فتنتقل من فردٍ إلى آخر ومن مجموعةٍ إلى أخرى. فاللغة ليست مجموعةً من الألفاظ والعبارات الجامدة، بل هي أحاسيس ومشاعر ونوازع كامنة، وأفكارٌ وميولٌ حيّةُ مطويّةُ تقومُ بمثابة طابعٍ قوميٍّ يشدُّ من روابط الاتحاد والألفة بين جميع أفرادها، فيشعُرُ هؤلاءِ وكأنّهم أسرة واحدة.
وبناءً على ما تقدّم، نرى أنّ اللغّة الآشورية هي التجسيد الحيّ للفكر الآشوري، بطموحهِ وآمالهِ وأحلامهِ وبآلامهِ وقهرهِ واضطهادهِ، فيجب المحافظة عليها.
وختاماً، أقول: قد تسقُطُ دولة أو أمّةٌ من الأمم تحت نير سيطرةٍ أو غزوٍ أو سيادةٍ أجنبيّةٍ، و يأخذُ الأجنبي يتحكّم في شؤونها كما يشاء. فخسارة الشعب المحتلِّ في حالةٍ كهذه لا تتجاوز حريّته و استقلاله السياسي و الاقتصادي، و قد تأتي ظروف تمكّنه من دحر المحتلّ الأجنبي عاجلاً أم آجلاً ليستعيد حريّته و أرضه المفقودتين. لكن إذا خسرت أمّة لغتها القومية و اعتنقت لغةً جديدةً‌ بديلةً‌، فإنّ ذلك يعني فقدان تلك الأمّة كيانها وحياتها.
ليس بمقدور أيّ لغةٍ بديلةٍ أن تعبّر عن (الفكر القومي). الفكر القومي لا ينطق إلا (بلغته القوميّة). إن الفكر واللغة صنوان، أو كلاهما وجهان لعملةٍ واحدة.

نضال زيا كابريال – كاتب أكاديمي.