المحرر موضوع: الآشورية وسام شرف على (في) أعناقنا أم قيد في معصمينا؟  (زيارة 2451 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبدالاحد سليمان بولص

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2135
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الآشورية وسام شرف على(في) أعناقنا
أم قيد في معصمينا؟

يتكرر بعض الخطاب الآشوري وبالحاح  محاولا  فرض الهوية الآشورية على جميع المسيحيين في العراق وبقية الدول المجاورة وبصورة تفوق ما درج عليه القوميون العرب أثناء موجة المد القومي في أوائل ومنتصف القرن الماضي الذين أنكروا وجود أية قومية أخرى وأدعوا بأن جميع الشعوب التي تعيش في الدول العربية قد هاجرت من شبه جزيرة العرب أمعانا في فرض فكرة كونهم عربا كما تمادى حزب البعث العربي في العراق بهذا الأسلوب حيث أعتبر كل عراقي بعثيا  وأن لم ينتم الى درجة فرض عضويته على الأكراد الذين أراد تعريبهم وكذلك على القوميات الأصغر كالكلدان والآشوريين والشبك واليزيديين والصابئة المندائيين حيث أن عضو حزب البعث يصبح عربيا بشكل آلي لأن أسم الحزب هو حزب البعث العربي .

كذلك يتكرر طرح موضوع الحركات المسلحة التي قام بها قسم من أبناء قومنا سواءا ضد الدولة العثمانية  أو في العراق خلال وبعد الحرب العالمية الأولى ويصور الأمر على أنه دفاع عن الهوية القومية الشمولية وهي الآشورية بكافة طوائفها كما يحلو للمتشددين أن يصفوها وفي الوقت الذي لا يمكن نكران أن كافة الأقليات ضمن الدولة العثمانية قد لاقت الأمرين على أيدي جلادي تلك الدولة وصنائعهم وبصفة خاصة أبناء الديانة  المسيحية وعلى رأسهم الأرمن والكلدوآشوريين السريان الذين أعطوا ضحايا بالملايين من الأبرياء حيث كانت تلك الدولة مثل الثور الجريح في آخر أيامها تحاول أفناء كل من يقف في طريقها وفي نفس الوقت فمن المؤكد أنه كانت هناك تحركات غير مدروسة النتائج والتوقيت بعناية كاملة من قبل كل الذين ثاروا ضد الحكم الآيل للصقوط حيث أعتبروا خونة يجب الأنتقام منهم بتلك الطريقة الهمجية التي أدت الى شبه أبادة تامة لكل الذين اشتركوا في المقاومة.

هذه المقدمة  أسوقها لأخوتنا الآشوريين الذين أصبحوا يتفوقون على العروبيين والبعثيين في تشددهم القومي من دون مبرر أو أساس تاريخي يمكن الأستناد أليه لأثبات تصورهم بأن جميع المسيحيين من كلدان وسريان وغيرهم هم آشوريون في الوقت الذي يستحيل عليهم كما يستحيل على دعاة القومية الكلدانية أو السريانية أثبات أنتمائهم المباشر ألى أمة محددة من تلك الأمم التي عاشت في غابر الزمان حيث أن بقايا الشعوب القديمة من سومريين وأكديين وبابليين وكلدانيين وآشوريين وآراميين قد أندمجت مع بعضها بفعل الزمن وبصورة خاصة بعد دخولهم في الدين المسيحي الذي جعلهم ينصهرون بشكل كامل مع بعضهم وأن كانوا بدون أدنى شك أحفاد تلك الحضارات التي تتكون من سلسلة ذات حلقات متعددة يتعذر معها أثبات من هو من أصل آشوري أو كلداني أو آرامي وعليه تكون نسبة المسيحيين العراقيين  الى شعب محدد من الشعوب الغابرة ضربا من الخيال الأنتقائي.

أن مفهوم القومية أصبح في الوقت الحالي بين الشعوب المتحضرة نوعا من النعرات القبلية التي أخذت تفقد قيمتها  حيث أستعاض الأنسان بدل ذلك بأنتمائه الى وطن ينتسب أليه ويدافع عنه ويعطيه الأولوية على مفهوم القومية الضيق. فلو أخذنا كمثال أحدى أرقى  الدول الأوربية وهي سويسرا ذلك البلد الصغير والجميل نلاحظ أن شعب سويسرا يتكون من أربع قوميات مختلفة وهي القومية الأصلية  للبلد والمسماة بالرومانش ثم هناك  الفرنسية  الألمانية والأيطالية وكل مقاطعة  من هذا البلد الصغير تتكلم بلغة مختلفة عن الآخرى ومعظمهم يجيدون جميع اللغات العائدة لتلك القوميات ولم نسمع حدوث تناحر بينهم في يوم من الأيام كما لم نسمع يوما أن سويسريا قد تباهى بكونه رومانشيا أو ألمانيا أو فرنسيا أو أيطاليا ولا يختلف أحدهم عن الآخر عند تعاملهم مع مواطني الدول الأخرى حيث يجمعهم أسم قومي واحد هو سويسري والأمثلة على مثل هذه الدولة كثيرة.

لا مانع من أن يختار أي منا تسمية قومية معينة  تقليدا لمن يعيش حولنا من شعوب لا زالت تؤمن بالقبلية أنتماءا ومن حق كل واحد منا أن يتسمى آشوريا أو كلدانيا أو سريانيا أرتباطا بتاريخ أجدادنا الذي نفتخر به جميعا ولا يجب أن  ننكر أصلنا أطلاقا ولكن من غير المقبول أن نحاول فرض التسمية التي نختارها على الآخرين  خاصة وكما قلت بأنه يستحيل على أي أنسان  أن يدعي أنه من نسل قوم معين من أجدادنا الذين عاشوا قبل آلاف السنين. فمن يدعي أنه آشوري قد يكون أصله كلداني بابلي أو بالعكس قد يكون من يدعي الكلدانية من أصل فارسي تعلم أجداده لغتنا بعد الأنتماء الى الديانة المسيحسة منذ ما يقرب من ألفي سنة  ومما لا شك فيه أن عدد نفوس العراق من المسيحيين قبل الفتح الأسلامي كان بعشرات الملايين وقد اسلمت الأكثرية بسبب ظروف ليس هذا مجال مناقشتها وعليه فهناك الكثير من العرب والأكراد يرجع أصلهم الى الكلدانيين والآشوريين .

أن هذا التشبث غير المبرر والتناحر فيما بيننا لا يزيدنا ألا فرقة على فرقتنا ويسيء ألينا جميعا أكثر مما يفيدنا لذلك يجب على الجميع الأبتعاد عن كل ما يزيد من التفرقة التي تكاد تقضي علينا كشعب له في أجداده كل ذلك التاريخ العظيم فهؤلاء الأجداد جميعهم أجداد لنا جميعا سواء كانوا آشوريين أم كلدانيين أو أكديين وكأننا نحاول أعادة عقارب الساعة ألى الماضي السحيق قبل أكثب من 2500 سنة خلت حيث أدت الحروب الطاحنة  بين بابل ونينوى ألى أضعاف وزوال كلتا الدولتين .

يضاف الى ذلك أن اللغة السائدة في منطقتنا أيام أنتشار المسيحية والمسماة باللغة الآرامية كان ينطق بها العراقيون والفرس وما يعرف حاليا بتركيا اضافة الى سوريا وفلسطين وقد تضاءل أستعمال هذه اللغة بعد الفتح العربي وأنحصر في المسيحيين دون غيرهم وهذا لا يستبعد أن يكون  هناك مسيحيون أصلهم فارسي أو ميدي أو غير ذلك يتكلم لغتنا من دون أن يكون من أصل آشوري أو كلداني كما لا يمكن أعتبار كل من يتكلم الأنكليزية أنكليزيا أو الفرنسية فرنسيا .

أن النعرات الطائفية قد تولدت لدى الأوربيين بعد عصر النهضة وحدثت بسببها غير المباشر حربان عالميتان مدمرتان  أشعلتهما  العنصرية النازية الألمانية وقد أنتقلت هذه النعرات الى منطقتنا على يد الأتراك العثمانيين الذين أسسوا تركيا الحديثة على أنقاض الدولة العثمانية على أسس قومية عنصرية حيث كان العثمانيون سابقا يتسمون بالأسلام والخلافة الأسلامية ولم يذكروا أية خلافة تركية. أنتشرت الفكرة كرد فعل لدى العرب خاصة عندما ثاروا على الدولة العثمانية وعادوا كل ما هو تركي بسبب الظلم الذي لحق بهم خلال أربعة قرون قضوها تحت الحكم العثماني ثم أنتقلت  الى الشعوب الأخرى مثل الأكراد وأبناء شعبنا الذين كانوا بحاجة الى خيمة قومية يستظلون بها وبدأوا يفتشون عن أصولهم التاريخية منتقين أسماء قومية محددة كل حسب الظروف المحيطة والمؤثرة في مناطق تواجده  وهذه كانت المرة الأولى التي أختار فيها قسم من أبناء شعبنا التسمية الآشورية  لأن قسما آخر منهم كان قد أختار التسمية الكلدانية  بعد الأنفصال المذهبي الذي حدث في القرن الخامس عشر.

هل  أستفاد  أبناء شعبنا من التعصب القومي ولجوء بعضهم الى الأسلوب القتالي وتقديمهم لضحايا كثيرين أعتمادا على أستغلال بعض الدول الأستعمارية لهم ووعدهم بوعود بعيدة عن الواقعية والغدر بهم بعد ذلك وتركهم عرضة للقتل والتصفية وهل كانت تلك الحركات مدروسة بشكل دقيق أم كانت فورات أنفعالية عاطفية أدت الى نتائج عكسية ليس فقط على القائمين بها ولكن على المسيحيين بشكل عام في العراق والمنطقة وهل هناك مبرر معقول لكل هذا التشدد القومي المتأخر بعد أن زال بريقه لدى معظم الأقوام الأخرى؟ هل يعتبر هذا التشدد العنصري وسام شرف نعلقه في رقابنا أم أنه قيد يربط معصمينا؟  هذا ما يجب على كل واحد منا مراجعته بواقعية بعيدا عن الفورات العاطفية التي تهدم ولا تبني.

عبدالاحد سليمان بولص