المحرر موضوع: الإنسان بين الصِراع والتصادم  (زيارة 1261 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ehab2005

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 412
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الإنسان بين الصِراع والتصادم

ظافر نوح كيخوا
كاتب وإعلامي
 
يتصارع الإنسان في عالم اليوم كثيرا، ويمضي نحو المزيد من المشاكل التي لا حصر لها، ويبدو إن للإنسان اليد الطولى في ذلك الصراع، فمنذ القدم ظهرت المصارعة بين الإنسان والحيوان بهدف الصيد والبطولة، ومن ثم بين الإنسان والإنسان وذلك من خلال رياضة المراهنة والتسلية من المبارزة بالسيوف إلى المسدسات، وكانت غالبا ما تنتهي بقتل أحد المبارزين، وبعدها ظهرت رياضة الملاكمة والجودو وغيرها من الفنون القتالية، وذلك في أوائل القرن 18، بين عمال المناجم والمصانع وكان الهدف منها فرض السيطرة والسطوة والأنانية وبسط النفوذ بين زعماء العمال، وبعدها تحول الإنسان من المصارعة العضلية الى المصارعة الفكرية والثقافية، إبتداءً بالأفكار والسياسات المتغطرسة ونظرياتها المختلفة، وإنهمك البعض الآخر في صراعات دموية، منها ما هو من أجل السلطة والكراسي أو لغرض تحقيق مبدأ شخصي أو مصلحة مادية، وهذا ما نراه اليوم حتى بين أشكال ومستويات أبناء الدين والمذهب الواحد، وقد تمخض عن هذا الصراع ظهور: تيار ينبش في تواريخ السنين والأحداث والظروف، و يريد أن يتقدم ويزدهر، منطلقًا من تاريخ هذه المؤسسة أو تلك، وتيار أخر يبني ويحقق المستقبل على ما يحدث اليوم ويريد تحقيق الأفكار المطروحة، هاملاً معطيات التاريخ، ومناديًا برفض التأخر الناجم عن الماضي، مبررًا منطقه بالإشارة إلى نقاط ضعف الماضي. ويبدو إن هذا الصراع تحول الى التصادم وسوف لن ينتهي، بل أصبح من أصوليات التي تعطي للحياة معنى، وهذا مايذكرني بقول هاملت بطل مسرحية شكسبير "إن عظمة المرء في الحياة هي اشتراكه في صراع عظيم"
    اما في الحياة الاقتصادية، فلم يخلص الإنسان أيضا، فعالمنا اليوم ينتابه ما يسمى بـ "الانهيارات والتضخم الاقتصادي". مما يدفع بأتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء مما يؤدي إلى انخفاض المستوى المعاشي لدى الغالبية، ناهيك عن مشاكل البيئة الناجمة عن الصناعات المختلفة وتلوث المياه والهواء والأتربة، وإلى جانب المشاكل الاجتماعية بدءًا بصعوبات الزواج قبله وبعده في مواجهة المتطلبات المادية وغلاء المعيشة وعدم التآخي أو التكاتف الاجتماعي، وفقدان الأمانة والثقة من ذمة الناس، بل زاد ظهور ظلم الإنسان لأخاه الإنسان، فتعاظم ذلك ليصل حتى القتل العمد، أو يكون ذلك الظلم متسببًا في قتل بطيء، قد يحدث داخل الأسرة من جراء تعاطي الكحول والتدخين وعدم الاكتراث بأمور مهمة أخرى بناءة ومفيدة. ومنها خصوصًا عدم إكرام الوالدين، وفقدان الاحترام بين الإخوة، إن ما نشهده اليوم من تمزق عائلي وتفكك اجتماعي خطير، ناتج كله من تصادم ومعاناة الإنسان مع الأخر ومع نفسه، وما يعتري طريقه من معضلات تقف حاجزًا أمامه في تحقيق أهدافه، وكأن عالمنا يسير بدون عقل وبلا موجه، أي أنه يسير وفق ما يحلو له وكأنه يمضي نحو المجهول.
وبالرغم من الأبحاث الاجتماعية والنفسية والتقدم التكنولوجي والاقتصادي الهائل في كل المجالات، يبقى التساؤل هو لماذا لا يفهم الإنسان ولا يدرك خطورة ما هو فيه؟ لماذا لايبحث عن معنى وجوده على هذه الأرض؟ وكيف السبيل إلى عدم التصادم بين الإنسان وأخيه الإنسان؟ لئلا يؤول الحال إلى تكرار قصة قائين وهابيل (تكوين 4)، فإن أفضل الحلول هو أن يسير الإنسان وفق نظام شامل وكامل يحدده لنفسه بدقة، وأن يصنع نظامًا يجعله يقتنع بالقاعدة الذهبيّة وهي "أحبب لأخيك ما تحبّه لنفسك"، فيصبح هدفه من الصراع، هو كيف يصير إنسانًا حقًا؟ منسجمًا مع الحياة والاخر، وأن يعيش في ظل مبادئ المحبة والتسامح. إن ما ينقصنا نحن البشر اليوم، هو البحث عن عناصر ومقومات النهوض بالخير والمحبة، ومعرفة السبيل إلى العيش بمقتضاهما، لتعود الحياة من جديد إلى الطريق الصحيح، لتبدأ مسيرة الفرح والطمأنينة في ظل الفضيلة والفطنة، على أن يبقى الإنسان يتصارع ويتحدى كل شي من  أجل المحبة والتضامن وعمل الخير في كل مكان على الارض .

نقلا عن كاتب المقال
الأب إيهاب نافع البورزان