هل حقاً بيننا حرب التسميات القومية ؟
بقلم : حبيب تومي / اوسلو
مقدمة
الهيمنة الأيديولوجية اقتصادية ، سياسية ، دينية ، أعلامية .. تكمّم وسائل التعبير اللغوية والفنية والفكرية ، لتذهب الى عالم رتيب قوامه الطاعة العمياء ودفن الأبداع ، والخشية الدائمة من الأنفتاح وتقبل الآخر .
ان الأمر بالنسبة الى مراقب متبصر ستكون هذه الظاهرة قناعاً وتمويهاً وحصان طروادة تختفي في ظله محاولات للهيمنة على مصائر الناس باسم هذه الأديولوجية المقنعة .
وبعد ...
اضطرت إدارة عنكاوا الى وضع بعض القيود على المواضيع التي تناقش أمر التسميات التي يتمسك بها شعبنا فتبدو وكأن المسألة مستعصية على الحل . والأسئلة المطروحة في هذه الحالة :
هل شعبنا يعاني من التشرذم في صفوفه ؟
هل حقاً بيننا ضغائن وأحقاد ؟
هل حقاً بيننا حرب حول التسميات ؟
أقول :
الحرية التي يتملكها ويمنحها موقع عنكاوا هي مثالية يقتدى بها ، فهناك مواقع معروفة تنطق باسماء أحزاب كبيرة لا تقبل الآراء سوى ما يصب في خانة التمجيد لها ، اما أبواب الصراحة والنقد فهي موصدة بأقفال من حديد .
أما موقع عنكاوا فيطرح كل الآراء بشفافية وأخلاقية حيادية منقطعة النظير ، ومكانته المرموقة وشعبيته بين القراء من كل شرائح شعبنا خير دليل على هذا الحقيقة . ومع هذا لا يروق هذا النهج السليم لمن احترف مهنة مصادرة الحقيقة . ومن اجل تعكير جو الحرية النقي وصد الأصوات المعارضة ، كانت تجند بعض الأقلام لكي تسئ التصرف الى مبدأ الأنفتاح والحرية الذي وفره موقع عنكاوا ولكي تخيم الضبابية وأخيراً لكي تُخلط الأوراق ....
ولكن كيف .. ؟
نأتي أولا الى موضوع التسميات
نحن شعب مسيحي واحد فيه : الكلداني والسرياني والأرمني والآشوري ، وكل منهم يحمل بين جنباته : مذهبه الديني وتاريخه ولهجته وثقافته ... ان التسميات المدونة جاءت عبر التاريخ وعلى مر العصور ولم تكن اختراعاً سياسياً آنياً .
وسوف لا نبتعد عن السؤال حول حرب التسميات : إن هذه التسميات ( كلدان وسريان وآشوريين ) كانت معروفة وليست وليدة اليوم ويحترمها الجميع ، ولم تكن يوماً محل حرب طاحنة او صراع بين مكوناته المتآخية .
(( كان ولا زال شعبنا المسيحي : من كلـــدان وآشوريين وأرمن وسريان يتسم بالألفة والتفاهم ورقة الطبع ويسود الأحترام المتبادل بين مكوناته وتحترم خصوصياتهم الثقافية ، وهم أهل المهن والوظائف والشهادات والفنون والموسيقى والرياضة والمحبة ، وليس ثمة مساحة شاغرة في قلوبهم للضغينة والحرب والحقد والقسوة .. هذا هو الواقع بالرغم مما تثيره ( بعض ) الأحزاب الاشورية من احقاد بين ابناء الشعب الواحد )) .
وسوف لا ننسى السؤال : هل ثمة حرب تسميات بيننا ؟
الحرب نشبت حينما بدأت أحزاب اديولوجية أشورية بتمرير اديولوجية مفادها مصادرة الهويات التاريخية لشعبنا والأبقاء على لون واحد هو اللون الآشوري ..
إذن الحرب ليست حول التسميات وكما يروج لها ، إنها حرب بين فكر شمولي اقصائي من جهة ، وبين فكر ليبرالي ديمقراطي من الجهة الأخرى ، إذن اين حرب التسميات التي يتخوف منها الفكر الآشوري ؟ إنه يخشى النتيجة التي لا محالة منها ، وهي انتصار الفكر المتفتح الديمقراطي الليبرلي وانهزام الفكر الأستبدادي .
أقول :
هناك احترام متبادل لهذه التسميات بين أبناء الشعب الواحد ، لكن الآشوريون القوميين المتعصبين وحدهم لا يحترمون التنوع ويريدون تمرير افكارهم الأقصائية النرجسية المتعالية ويوقعون شعبنا في معترك الصراع حول التسميات التي يعتز كل طرف بتسميته التاريخية .
من هنا يكون قد وضعنا يدنا على موضع الجرح ، إن العلاج بدون تشخيص المرض يكون سقيماً .
لو حدث ان سلمنا امورنا بيد الأحزاب الآشورية وقلنا نحن جميعاً شعب واحد تجمعنا التسمية الآشورية . نكون قد عالجنا الأمر لكن حسب النظرية الأحتوائية او الأقصائية لبقية التسميات التاريخية الأخرى لشعبنا ؟
إذن هل نسكت عن المناقشة والحوار ، وكل أمر يأتي من الأحزاب الشمولية نباركه ونثني عليه ونقول كما ذكرني احد الأخوة بمقولة ( يا محلى النصر بعون الله ) .
وفي السكوت وكم افواه الكتاب ينطلق الحزبيون المتعصبون وفق أهوائهم ، هل نسلم امورنا للأنقياد القطيعي ونحن نولج الألفية الثالثة ؟
إن الوقوف بوجه الفكر الأقصائي الشمولي والنقد الشجاع وفضح المواقف المواقف الخاطئة هي التي تصحح وتبني ، أما التزلف والتملق فيفسد الحاكم والسياسي ويوهم الأحزاب بصوابها رغم غرقها في لجة من الأخطاء . هناك السكوت ودفن الرأس في الرمل كما تفعل النعامة حينما يحدق بها الخطر ، وهنالك ايضاً كيل المديح والأطراء . إن المديح لقادتنا وساستنا يقوي سلطتهم ويعطيهم الصفة الألهية الراسخة ، ونصبح نحن اللذين نصنع الأصنام ونعبدها مثل صدام وهتلر وغيرهم من العتاة في التاريخ .
إن النقد الصريح هو نافذة صحية لخلق الجدل ، لكن الأنتهازية والتزلف والتملق تكون حاضرة في مآدب الأحزاب الشمولية . في الحقيقة لا يوجد اسهل من كيل المديح والميلان مع الريح ، ولا ادري هل مطلوب منا ان نسلّم ونرفع الأعلام البيضاء امام هذا الفكر الذي يلغي تاريخاً عريقاً وثقافة ولغة ومآثر لشعب من الشعوب ؟
وإذا سكتنا هل يعني ان المعضلة قد حلت ؟
بنظري ان وحدتنا تستحق ان تستعاد في إطار أشمل باعتبار اننا اعضاء وأنداد في المحفل المسيحي العراقي فيستطيع كل منهم ( أشوري كلداني أرمني سرياني ) التماهي معها ، وان لا يصار الى استبعاد احد المكونات ، أي لا يشعر أي طرف من الأطراف انه متهماً او خائناً أو مجسداً للشر حينما يفصح عن هويته وعن مشاعره بل يكون مرفوع الرأس بين أقرانه مهما كانت تسميته .
حبيب تومي / اوسلو