ذكرياتي التي لم أعشـــها
تعودت.. والتعود ادمان لمن يجهل عواقبه ويستهن بنتائجه، تعودت أن اكتب اليكِ قبل أن أنام، انتهى القصف الوحشي، جميعنا بخير لكن صديقي محموم من البارحة وأنا أحرس بالنيابة عنه، ولشدة حماوته يهذي وأنا اهذي على طريقتي اليك ولك، اشتد البرد وانفلت القلم من بين اصابعي واخذتني الغفوة على حين غرّة وانا بين شدّ وارتخاء ترتجف فرائصي من البرد وشدة النعاس والكرب، مازلت أحمل صورتك وهي تشدني للحلم فأعترض سبيلها فاعذريني.. اخرجت القطعة النقدية التي انقذتني المرة السابقة من رصاصة في القلب أهديتها لك وقبلتِها عميقاً وأغمضتِ عينيكِ وتمنيتِ أن تحفظني وترجيتني أن احتفظ بها كأول تذكار بيننا، ذهبت الى الكنيسة قبل الالتحاق نظرت الى حيث تجلسين مسحت الدمعة التي لم أذرفها منذ أن توفيت والدتي وتخيلت لو اني استشهدت ستجلسين قرب نعشي وتبكين بحرقة.. رسمتُ علامة الصليب ووضعت القطعة على المذبح ليباركها وفي طريقي للخروج نظرت مرة أخرى الى المذبح كان يسوع المعلّق على الصليب حزيناً ولم يرد النظر الى عيني وغمست القطعة في الماء المقدس وقبلتُها كما فعلتِ ووضعتها في جيبي، وكانت لا تزال مبللة بالماء شعرت بالبرد في هذه اللحظة كانت دموعي تنهمر على خدي أشعرتني بالبرد عرتني من رجولتي قبل ملابسي، كان صديقي لازال يهذي عن والدته التي قررت أن تخطب له بنت خالته عند عودته في اجازته القادمة، وهو يعترض ويعرق أكثر من ذي قبل ويقول لها كيف ترتضي " نورا" أن تتزوجني وأنا لا اضمن عودتي في كل مرة تودعني ستموت قبلي ألفاً من المرات؟!..أرجوك أماه دعي ذكر الزواج للأحياء لا للأموات... احتظنه بقوة علّه يفوق مما هو فيه من عذاب..قال لي:" لاتخف أنا بخير" ابتسمت له ابتسامة شاحبة معتمة كالليل، ثم اخذ يستطرد كيف ان اخته التي لم تنهي المتوسطة جاءها النصيب، هي جميلة ورقيقة كعود البخور لينة كغصن شجرة برتقال، ستغيب عن البيت.. ستنطلق هذه الشحرورة من قفص عاشت فيه وفي كل زاوية لها طلّة ورائحة لازالت عالقة طي أثوابنا نحن البنون لأنها اختنا الوحيدة، والوحيدة التي لم ترَ والدها قط ولم يراها هي الأخرى.... .
آخر قصاصة كتبت فيها كلمات صغيرة بعضها فوق بعض دخنت آخر ثلاث سيكائر بنهم لأمزق الغلاف وأكتب عليه قبل أن تنتهي مناوبتي فيضيع كل شيء كما يضيع كل يوم من عمري وأنت بعيدة عني.