الحوار والراي الحر > المنبر الحر

في رحاب العدالة والقانون - هل يستطيع القضاء حماية الديمقراطية

(1/1)

د. خالد عيسى:
دردشة على فنجان قهوة
In the scene of justice and Law
في رحاب العدالة والقانون
هل يستطيع القضاء حماية الديمقراطية
المستشار خالد عيسى طه
رئيس جمعية محامين بلا حدود
                           
إن أهمية هذا المقال ليس لأنه هو حصيلة تجارب من مارس التقاضي في قاعات المحاكم العراقية ، بل لأنه هناك ترابط واضح بين فقدان الديمقراطية اليوم ، وبين انتهاء دور القاضي العراقي النزيه اليد والمديد التجربة والخبرة ، هذه القضية التي بدأ بها النظام الصدامي ، وسعر أوارها الاحتلال الظالم ، وكان صدام يقصد بهذا التحجيم للقضاء كي يقوي السلطة أو يطيل عمر النظام ، أما الاحتلال فان قصده كان أن يعمق خيانة من استعدوه على أوطانهم ، وهم معروفون بالاسم والعائلة جيداً لدى الشعب الذي له ذاكرة تحصر فيه الاساءة حصراً .
الديمقراطية لا يمكن أن ينبت لها جذور الا في الجو المساعد ، فالنبتة الخضراء موتها محقق في تربة قلوية مالحة ، التربة التي لا تساعدها على النمو ، وإن النبتة والديمقراطية كلاهما لا يعيشان الا في جو ملائم ، فالنبتة ترغب بالسقي المتواصل ، والديمقراطية باغتنائها بالحرية والاستقرار .
العراق اليوم بخيل على نخيله وزراعته بالماء ، رغم جريان الرافدين دجلة والفرات من طول البلاد وعرضها ، وكما قطع الظالمون الحياة عن الديمقراطية حين حجبوا عنها الاستقرار والحرية ، فذوت هذه الديمقراطية وتحجمت بل وأزيلت تماماً في نهاية عهد صدام ، في عهد للمخابرات والارهاب سطوة كبيرة على كل العراقيين.
أنا من جيل كان يواصل الاعتراض على عهود سبقت مثل عهد الملكية الدستورية ، وقد دخلت من أجل هذا الاعتراض وسيرتي النضالية ، وقيادتي لحشود اليسار الديمقراطي في شوارع بغداد ، والاشتراك في نتاجات فكرية على صفحات الجرائد سجون في عهود مختلفة ، وكان حبي واندفاعي في متابعة القضايا المهمة المحالة للقضاء العراقي ، والتي أشعر أن واجبي المهني وتطلعي الى مبدأ الحريات الديمقراطية وعلى حق المتهم بالدفاع عن نفسه ، وأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته ، مقتبسين مسيرة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً " ، وقد كان من أهم القضايا التي دخلت فيها أدرجها حسب التسلسل:
أولاً: الدفاع عن رئيس الوزراء الدكتور محمد فاضل الجمالي بتهمة الخيانة العظمى في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم سنة 1959 ، أمام المحكمة الخاصة التي يرأسها العقيد محمد فاضل المهداوي .
ثانياً: تولي الدفاع عن بهاء الدين نوري الشيوعي سكرتير الحزب الشيوعي ، أمام المحكمة العسكرية الخاصة التي كان يرأسها عبد الله النعساني ، وكان جل اهتمامي في الدفاع يتركز على انقاذ السكرتير من الموت شنقاً .
ثالثاً: الدخول وتولي الدفاع عن 140 طالب من طلاب الكلية العسكرية ، أحيلوا الى محكمة السد الخاصة بتهمة توزيع مناشير للحزب الشيوعي واجراء التنظيمات الحزبية داخل الجيش .
رابعاً: الدخول في مرافعة تختلف عن المرافعات الأخرى وبالاشتراك مع الوالد الذي كان نقيباً للمحامين بالوكالة عن المتهم الانكليزي المدعو ( رودني ) والذي جاء مدفوعاً من الصهيونية العالمية ، ناجحاً في تفجير عدة دور ديانة يهودية في بغداد ، الغرض زرع الفزع والخوف لدى نفوس اليهود العراقيين وبالتالي تشجيعهم على ترك العراق الى اسرائيل .
خامساً: تولي مسؤولية الدفاع عن رؤساء جرائد عراقية مشهورة وخاصة جريدتي البلاد والأخبار ، أتهم رئيسي تحرير هتين الجريدتين بأنهما قاما بنشر تقرير سري من مديرية السجون العامة الخاصة بمجزرة السجن ضد الشيوعيين السياسيين لأجبارهم على الترحيل الى سجن بعقوبة .
إن اندفاعي وأساس فكرة تكريس جهودي القانونية من أجل أن أكون عاملاً مساعداً للذين يحالون الى المحاكم العراقية ، للونهم السياسي ولتفكيرهم المعارض لتفكير السلطة والنظام ، رغم أن في العهد الملكي كان هناك فسحة من الديمقراطية ، يستطيع الانسان أن يصبح بها محدودية تمنع عنه الارتطام بصخرة التناقض المصلحي مع مدرسة نوري السعيد ، وللتاريخ إن المحامين المنتمين للنقابة حين يلتقون كل يوم صباحاً في الغرفة الكبيرة للمحامين في محكام السراي ، نجد أكثريتهم ديمقراطيين وطنيين يميلون الى التبرع بجهد معين لنصرة العدالة والديمقراطية ، إن وزن النقابة آنئذٍ كان وزناً مهماً على السلطة السياسية وكانت النقابة تشترك في إضرابات إن كان هذا الاضراب مطلوب للاحتجاج على موقف سياسي معين ، بل وكان بعضهم من الشباب الديمقراطي يدخل في صخب المظاهرات المعادية للسلطة مصطفاً مع نقابات العمال والفلاحين والكادحين ، إن المحامين كانوا مميزين عن غيرهم بالوعي السياسي وبالقدرة على إبداء هذا الوعي ، وبدأ نفوذ النقابة السياسي بالتقلص عندما جاء البعثيون الى استلام مجلس النقابة ، وقد امتنع عن مواصلة مسيرتهم بجبهة وطنية مع الديمقراطيين وحزب الأحرار وحزب الشعب ، هذا أدى الى استقطاب سياسي شق صف المحامين عمودياً ، القوميون والاشتراكيون والبعثيون في جانب ، والشيوعيون والديمقراطيون والأحرار واليساريون بصورة عامة في جانب آخر ، وأدى هذا الانقسام الى مجابهة ذهب فيه ومن أجله الكثير من الضحايا ، فهم محامين وتوج هذا الصراع يوم أتى حزب البعث في شباط ليعلن نقيب المحامين آنئذِ عبد الرزاق شبيب أسماء 284 محامياً يسارياً كنت في الأربعة الأوائل منهم وكان النقيب يطلب حجز أموالنا والقضاء علينا فوراً ، لا نريد أن ندخل الحالى الصعبة التي مرت على المحامين بعد انقلاب شباط 1963 ، وكيف عوملوا بكل قسوة ووحشية ، وكانت هذه القسوة تأتي من محامين زملاء لهم في غرف التعذيب الخاصة بالجيش الشعبي ، هذه المسيرة كانت عليّ وعلى غيري أن يسجلوها لتقرأ من الجيل القادم ، ويأخذون منها العبرة والحكمة ، والعوامل التي أدت لتقديم الضحايا والقرابين على مذبح الحرية والديمقراطية .
 
أبو خلود [/b][/size] [/font]

تصفح

[0] فهرس الرسائل

الذهاب الى النسخة الكاملة