المحرر موضوع: لبنان الرسالة يهتز من جديد!  (زيارة 1956 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Sleman Yousif

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 203
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
لبنان الرسالة يهتز من جديد!

سليمان يوسف يوسف
shosin@scs-net.org
     
لم يكن يهدأ لبنان بعد من الزلزال السياسي الكبير الذي سببته جريمة اغتيال رئيس وزرائه الأسبق، رفيق الحريري والنائب باسل فليحان وآخرين كانوا معهما، في الرابع عشر من شباط الماضي، حتى صدم بجريمة سياسية اخرى نكراء لا تقل عنها بشاعة وفجاعة في الثاني من شهر حزيران الماضي تمثلت باغتيال الصحافي اللبناني المتميز والمناضل البارز في حركة اليسار الديمقراطي اللبنانية، سمير القصير.

وفي صبيحة يوم الثلثاء 21-6، من جديد، اهتز لبنان، لفاجعة أخرى، ذهب ضحيتها الأستاذ جورج حاوي الأمين العام الاسبق للحزب الشيوعي اللبناني، وتكاد تفوق هذه الجريمة السياسية النكراء، ببشاعتها ومخاطرها سابقاتها، من حيث الظرف السياسي والاجتماعي، الذي يمر به لبنان، فهي جاءت بعد يوم واحد من انتهاء الانتخابات النيابية وبداية مرحلة سياسية جديدة، فيها الكثير من الاستحقاقات والتحديات تنتظر لبنان.

مرة أخرى يهتز لبنان ويهتز له الضمير العالمي، وتهتز شروط بقاء لبنان واستمرار رسالته الحضارية وأنموذج التعايش بين الأديان والثقافات والمذاهب، في هذا الشرق العربي المنكوب بكل أنواع العنف والقمع والإرهاب والظلم والذل، في مقدمها الإرهاب السياسي الذي ينزع دوماً الى تدمير كل ما هو خارجه. كان جورج حاوي من ابرز الشخصيات السياسية والوطنية اللبنانية اليسارية والتقدمية والعلمانية، التي تمسكت بالخيارات والثوابت الوطنية للبنان، فكان يسعى دوماً للمصالحة الوطنية وطي ملف الحرب الأهلية، التي نبذها ولم ينجر لها، كان همه الأول طرد المحتل الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية، وإخراج القوات السورية بعدما أدت واجبها، ليعود لبنان وطناً ديمقراطياً مستقلاً سيداً حراً من كل وصاية، عسكرية أو سياسية، إقليمية أو دولية. ولأجل هذه الأهداف بادر الحزب الشيوعي اللبناني الى تأسيس "المقاومة الوطنية" في الجنوب. بقي جورج حاوي مخلصاً وفياً للبنان ولشعب لبنان وللقضية الفلسطينية، ذهب شهيداً ضحية مواقفه الوطنية، انضم الى قافلة شهداء الحرية والكلمة الجريئة.

 

من يغتال الوطنيين اللبنانيين؟

الأسئلة كثيرة، تلك التي يطرحها الواقع اللبناني الراهن في ضبابيته والمتشابك في أزماته، لكن السؤال الأهم الذي يشغل بال اللبنانيين وغير اللبنانيين هذه الأيام: من يغتال السياسيين والوطنيين الأحرار في لبنان؟ أمثال، الحريري والقصير وحاوي وقبلهم النائب مروان حمادة- الذي نجا باعجوبة - وبعدهم تبدو القائمة طويلة؟! ومن هو المخرج الحقيقي والممول الأساسي لهذا المسلسل الدموي الخطير عنوانه (الإرهاب السياسي)؟ !

بدون شك، من الصعب الاجابة على هكذا أسئلة- قانونياً وقضائياً، إن لم تثبت التحقيقات ذلك بالأدلة القطعية- خصوصاً وان لبنان كدولة وكمؤسسات وكنظام أمني، مخترق من اكثر من طرف وجهة، محلية وإقليمية، لكن من السهل جداً معرفة أهداف ودوافع الجهة أو الجهات التي تقف وراء هذه السلسلة من الاغتيالات السياسية، إذ أن أهدافهم واضحة ومكشوفة، هي تفريغ لبنان من الشخصيات الوطنية المميزة في الوسط السياسي والثقافي والإعلامي والاجتماعي والاقتصادي، التي تشكل بمواقفها وافكارها التقدمية والوطنية، عائقاً يحول دون تحقيق هؤلاء لمشاريعهم الفئوية والطائفية في لبنان والمنطقة.

إن الجهات المخططة لهذه الاغتيالات تسعى للتخلص من رجال وشخصيات لبنانية قادرة على تحريك الرأي العام، اللبناني والدولي، ضد الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية الشاذة التي يعيشها لبنان في هذه المرحلة الحرجة، التي يقف فيها على أعتاب مرحلة سياسية مفصلية يستعيد فيها عافيته وحريته وسيادته، وبالتالي منع لبنان من تحقيق هذه النقلة التاريخية، عبر هذا "الإرهاب السياسي" والاجتماعي، ومن خلال خلق البلبلة والفوضى والاضطراب وزرع الرعب والخوف في المجتمع اللبناني، وفي النهاية تستهدف هذه الجهات إعادة لبنان الى النفق المظلم. ان اغتيال شخصيات وطنية من خارج اطار "الميليشيات" وأمراء الحرب الأهلية، مسألة يجب التوقف عندها، فهي تضع اكثر من اشارة استفهام على الجهة التي تقف خلف هذا المسلسل الإجرامي، الذي يأتي في نطاق المؤامرات السياسية على لبنان.

دوماً لـ "الاغتيال السياسي" أبعاد ومخاطر تفوق حالات القتل العادية والاغتيالات الأخرى، إذ لا تتوقف آثاره ونتائجه على الشخص الذي اغتيل، وإنما تتعداه لتطال شرائح واسعة وربما تصيب شعباً باكمله ودولة بمؤسساتها، وفي لبنان المتميز في تركيبته السياسية والاجتماعية، للاغتيالات والجرائم السياسية، مخاطر كبيرة ومضاعفة، في هذا الجو الطائفي المحتقن والمشحون وأجواء الحرب المتوترة المخيمة على المنطقة، ووجه الخطورة في الإرهاب الممارس في لبنان، انه غالباً، يتم بادوات لبنانية وتغطية وبحماية من جهات لبنانية، وفي ظل سلطة مخترقة ونظام أمني مخترق.

أمام هذا المشهد اللبناني القاتم، المرعب والمخيف، يبقى أمل اللبنانيين كبيراً ببقاء وطنهم وتجاوزه لهذه المحنة، وبان لبنان الكبير بتاريخه والقوي بشعبه المستنير سيهزم في النهاية أصحاب العقول والأفكار الظلامية القابعين في الكهوف والقرونوسطية، فطوال التاريخ الانساني، "الاغتيال السياسي" لم يحقق أهدافه ولم يكن أبداً مدخلاً لاحداث أي تغيير سياسي في هذا البلد أو ذاك، والامثلة والنماذج التي يزخر بها تاريخ البشرية اكثر من أن تحصى، فاميركا لم تتغير باغتيال ابراهام لينكولون وجون كندي... وسياسة مصر لم تتبدل باغتيال السادات، وديمقراطية الهند استمرت مزدهرة باغتيال صانع استقلالها (المهاتما غاندي) ومن بعده أنديرا ومن ثم راجيف غاندي.

فعمر الإرهاب والاغتيالات السياسية والحرب الأهلية لم تصنع ثورة ولن تبني أوطاناً، واليوم لبنان وشعب لبنان سيهزمان مافيات القتل والإجرام وكل أعداء لبنان، لبنان باق ولا خوف عليه طالما بقي فيه من يؤمن برسالته ومتمسك بوحدته ويناضل من أجل حريته، ومن دون شك، هم كثر، سائرون على درب شهدائه الوطنيين الأحرار، من فرج الله الحلو ومهدي عامل وكمال جنبلاط ورشيد كرامي ورفيق الحريري وباسل فليحان وسمير القصير وجورج حاوي.

-----------
نشر في صدى البلد