يتبادر الى ذهن المرء من هذا الكم من الشجب والأستنكار لهذه الجريمة النكراء وما يتخلله من تجاوز على الكرامات من قبل بعض السادة المعلقين هذه الجريمة التي تمت بحق أناس آمنين مسالمين كل ذنبهم أنهم كانوا وسط ساحة معركة بين قوتان غاشمتان لا تعير أية أهمية لحياة الأنسان في سبيل الوصول الى أهدافها, الحكومة كانت تهدف القضاء على ما تدعوه التمرد الكردي, والأكراد كانوا يدعون الدفاع عن حقهم المشروع , والقرى المسيحية كانت تعيش بين هذين النارين , مطرقة الحكومة وسندان الأكراد, فالحكومة تتهمهم بالتعاطف مع الأكراد ومساعدتهم خفية , والأكراد يعتبرونهم عملاء للحكومة وهم في الحقيقة يبذلون جهدهم في تجنب شرّ الطرفين.
كانت مجزرة صوريا نتيجة لهذا الوضع , حالة الصراع الدموي بين الحكومة والأكراد, ذهب ضحية ذلك ( 49 ) نفسا بريئة كل ذنبها أنها صادف وجودها في ساحة المعركة بين الطرفين, أنها جريمة بحسب القوانين الوضعية والسماوية , جريمة لأن ضحاياها أبرياء , بل مسالمين , كانوا في المرات السابقة عندما تمر قافلة الجيش بقريتهم وهي في طريقها الى قاعدتهم في قرية فيشخابور, يستقبلونها بتقديم الماء البارد و( الشنينة ) للضباط والمراتب للشرب سواء في الذهاب أو في العودة وكان هذا الوضع في السنوات السابقة , فقد مرت هذه القافلة نفسها مئات المرات سابقا ولم يحدث أي حادث .
وهنا يتبادر الى الذهن سؤال أحتمالي , ترى لو لم يزرع اللغم في ليلة ذلك الحادث في طريق القافلة , أو حتى لو لم ينفجر اللغم ويودي بحياة عدة عسكريين , هل كانت هذه الأرواح البريئة قد لاقت وجه ربها ؟ أم كانوا للآن يعيشون بيننا , ولعل معظمهم كان سيكون لديه الآن العديد من الأولاد والأحفاد ؟ أن الحكومة مسؤولة مسؤولية مباشرة عن هذه الجريمة التي نفذها أحد ضباطها, ومسؤوليتها ثبتت لتخاذلها عن أتخاذ الأجراءات القانونية بحق الفاعل , غير أن المسؤولية من جانب آخر تقع على الطرف الكردي الذي زرعت عناصره اللغم قرب القرية الآمنة , فأذا كنا ننشد الحق والعدالة علينا أن لا نتهم طرف ونغض النظر عن الطرف الآخر.
واليوم ولمناسبة فتح مقبرة شهداء صوريا, تزاحمت أقلام البعض تحاول تجيير هذا الحدث المأساوي لصالح أجندتها سواء كانت هذه الأقلام آشورية أو مجلسيّة. لقد عاش المجرم عبدالكريم الجحيشي في مدينة دهوك الى بداية التسعينات وهو بمنصب آمر قاطع الجيش الشعبي في محافظة دهوك ووصل الى رتبة عقيد وهو في منصبه لعدة سنوات في معقل الأحزاب الكردية آمنا مطمئنا, فما الذي حدث الآن لذرف هذه الدموع على المسيحيين المضطهدين ؟