المحرر موضوع: رؤية بطران لواقع التعليم الابتدائي العراقي الخربان  (زيارة 980 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل علي الحسناوي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 80
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رؤية بطران لواقع التعليم الابتدائي العراقي الخربان
علي الحسناوي

في الوقت الذي لازال فيه التلميذ العراقي منشغلا بحل طلاسم دار دور والتفكير في الفترة الزمنية التي سوف يبقى فيها البعير على التل فإننا نجد أن الطفل الأوربي ومن نفس الفئة العمرية العراقية قد بدأ بتتبع ممرات ناسا الفضائية ومعرفة جغرافية الارض وعلومها بلغات تصل الى الثلاث في الكثير من الأحيان. وبعد أعوامٍ عجاف من الفشل التربوي والأكاديمي في العراق نجد أنفسنا أمام حقيقة واحدة مفادها أن قطاع التعليم في العراق, وخصوصا في المراحل الابتدائية منه, لازال يأن تحت ضغط ما يسمى بنقص التمويل (؟) وخراب البنية التحتية التي أدت الى نتائج وخيمة على عدد الاطفال المتسربين من القطاع المدرسي الابتدائي. هذا الخراب يشمل مفاصل رئيسية منها خراب المدارس وافتقارها الى ابسط مستلزمات البيئة الدراسية إضافة إلى ركاكة المناهج التعليمية واعتمادها على كلاسيكيات قرون خلت وأخيرا وليس آخرا مستوى قدرة المعلمين والمشرفين التربويين على إعداد جيل طيب الاعراق. ولأن التعليم الابتدائي هو الاساس في بناء الشخصية المدرسية والاجتماعية والفكرية للطالب فإننا نجد قطعا أن انهيار مستوى التعليم في المراحل الاخرى, من المرحلة المتوسطة وحتى الجامعية, هو افراز طبيعي لهشاشة البناء التعليمي الابتدائي. ومن هنا فإن العوائل العراقية التي تعيش تحت خط الفقر وهي بالملايين لا تستطيع أن تجد لاطفالها مقعدا في المدارس الخاصة بل هي على العكس من ذلك تجد لهم أمكنة وقوف تجارية في تقاطعات الشوارع والساحات العامة بغية الاستجداء أو البيع. إن اصلاح التعليم الابتدائي في العراق لا يحتاج الى الكثير من الفلسفة السياسية والتوافق الحكومي ولو انه جزء من المنظومة التعبوية للبلد بقدر ما يحتاج إلى رقابة صارمة ومنفصلة, عن طريق لجان خاصة, على كيفية استثمار واستغلال الاموال في بناء المدارس وتجهيزها بمعدات الدراسة اي ابعادها قدر المستطاع عن صفقات الفساد المالي والاداري الذي ينخر بجسد التنمية العراقية.
لا تعتمد الدراسة الابتدائية في بلدان أوربا على أهمية تحية العلم الصباحية وانضاج الوعي السياسي للطلبة كما أنها لا تهتم كثيرا بالمشتقات الوطنية بغية إعداد جيل من المقاتلين القادرين على الدفاع عن البلد في اية لحظة من غزو محتمل إذ لا غزو في بلدان أوربا اللهمّ إلا غزو الله جلّت قدرته بكوارثه الطبيعية بين الفينة والاخرى. كما أن المدارس الابتدائية الاوربية بعيدةً كل البعد عن التمييز العنصري والعرقي والديني وكافة انواع التمييز الاخرى بمسمياته المعروفة وغير المعروفة.
يُعتبر كل صف دراسي بمثابة وحدة تعليمية مستقلة ومستقرة وتنتمي من الناحية الادارية فقط إلى دائرة ادارة المدرسة التي تشرف بدورها على سير مهنية التعليم ومراقبة خطوات التقدم بشكل حذر وبعيد عن التدخلات السافرة في شؤون المعلمين وطريقة ادارتهم لعقلية التلاميذ. يتم تجهيز كل صف من التمهيدي وحتى السادس بجميع وسائل التعليم المطلوبة ومن آخر المبتكرات الالكترونية بعد أن اضحى الطباشير والسبورات السوداء ارثا من الماضي العتيق.
تعتمد الدراسة في منتصف مراحلها وتحديدا من الرابع وحتى السادس على شبكة متكاملة من البحث والتقصي الذاتي عبر الشبكة العنكبوتية مع تقليل دور المعلم في التلقين وبالتالي حصر دوره بالشرح والاشراف على البحوث ومن هنا تقع على عاتق الطلبة مسؤوليات جسام, وتحت خيمة تنمية عقلية العمل الجماعي, في انضاج واجباتهم الدراسية عبر الدراسة أو المذاكرة المشتركة وهو ما يعزز مستقبل الطالب العلمي والاجتماعي كون أن كافة مفاصل الحياة الاوربية تقوم على اساس العمل الفرقي أو الجماعي وفقا لمباديء جليلة ونبيلة أولها احترام الراي والرأي الآخر. يركز قطاع التعليم الاوربي وبصورة ذكية على أهمية قدرة الطلبة على المشاركة والتفاعل الميداني في روح الفريق الواحد حيث لا تلعب النتائج في الكثير من الأحيان دورا مهما بقدر نتائج التفاعل والقدرة على التخاطب الجماعي اي بقدر أهمية النتائج الاجتماعية المتحصلة من بعد انتهاء العمل الجدماعي ذاته. ومن الجدير بالذكر هنا أن المدارس الاوربية انتهجت فكرا متجددا في اعتماد التعليم عن بعد اي من خلال قيام الطالب وبمفرده من متابعة دروسه ومذاكرته من خلال تصفح المواقع الدراسية والمكتبات ومتابعة الاحداث عبر مواقع الانترنت. ومن هنا وفي هذا السياق بالذات نجد أن قدرة الاطفال في العمر الدراسي الثالث الى السادس قد تطورت الى درجة مذهلة في تعلم اللغات الاخرى وخصوصا الانكليزية التي اضحت اللغة المكملة والمتممة لاي بلد من بلدان أوربا في تعاملاتها اليومية مع العالم.
لا تعتمد الدراسة الابتدائية في اوربا على مبدأ التوبيخ والضرب والاسقاط والتسفيه بل هذه كله جرائم يعاقب عليها القانون الأوربي بل تعتمد وبشكل كبير على مبدأ تعاون أولياء امور الطلبة مع المدرسة في متابعة التطور الاكاديمي والاجتماعي والتربوي لابنائهم وبناتهم إضافة إلى تواجد الآباء والامهات في كافة الحلقات النقاشية الدورية التي تهم العلاقة بين الطالب والمدرسة حيث يتحول المعلم هنا إلى منصت جيد ونبيه لاستقبال ومناقشة افكار اولياء أمور الطلبة. وتتم برمجة الحصص الدراسية بشكل يؤدي الى حصول الطالب على استراحات متفاوتة ومتباينة (من 15 وحتى 30 دقيقة) لاستعادة نشاطه الجسدي والعقلي والحصول على كميات اكبر من الاوكسجين النقي حيث لاوجود لمبدأ الاستراحات المنتظمة ذات العشر دقائق بين حصة وأخرى كونها اثبتت عدم فاعليتها إضافة إلى انعكاساتها السلبية على راحة الطالب اليومية.
لا تخلو المدارس الاوربية الابتدائية من وحدة التطوير والمتابعة الصحية والتي تُعنى بالدرجة الاساس بالوضع الصحي والنفسي والغذائي للطالب عن طريق وجود الوحدة الصحية المصغرة في كل مدرسة من هذه المدارس والتي تقوم بالتعاون الثلاثي بين المعلم البيت على متابعة ورصد التطورات الصحية للطلبة عن طريق وضع ارشيف صحي خاص بالطالب يرافقه من عامه الأول وحتى انتهاء عمره الدراسي الافتراضي.
يحصل الطلبة في أوربا, مجانا في العديد من الدول, على وجبة الغداء الاساسية والتي يشرف عليها اطباء تغذية في مطعم الطلبة حيث يمارس الطلبة هنا دورهم الريادي والعملي في ترتيب واعداد المطعم على أكمل وجه ومن خلال جدول زمني يومي يشمل مشاركة كافة المراحل (عدد الطلبة المستفيدين من هذه الخدمة يصل الى 500 طالب في كل مدرسة ابتدائية). وفي حالة عجز اولياء الأمور عن توفير وجبة الافطار الصباحي لاطفالهم فما عليهم إلا الاتصال بالمدرسة كي يتم درج اسماء اطفالهم في قائمة الفطور الصباحي المجاني. وبعد انتهاء الحصص الأكاديمية وباوقات متفاوته ونتيجة لانصراف الاطفال الى قاعات اللعب والترفيه حتى المساء فإن البعض منهم يحصل على وجبات غذائية سريعة أو نوع من الفاكهة كوجبة مكملة حتى وصول الاطفال للسكن وحلول موعد تناول طعام العشاء المبكر.
يحصل كل طالب على حصص رياضية وفنية ومهنية من خلال تواجد قاعات رياضية متكاملة التجهيز وبمعدل ساعتين اسبوعيا وباشراف متخصص رياضي من خريجي كليات التربية الرياضية حصرا وخصوصا نجاحه في مادتي القيادة الرياضية والتعامل النفسي مع الاطفال. وتتم ادارة الاستوديو الفني من قبل متخصصين موسيقيين أو فنانيين متمكنين من ادوات عملهم يُضاف الى هذه العملية قاعة خاصة ومتكاملة بتعلم بعض الحرف والمهارات المتخصصة.
وعودة إلى حال التعليم الابتدائي العراقي, ومع ثبات كافة عوامل البناء والتطور, فإننا نجد أنه ليس من الصعوبة بمكان تعيين ممرض أو ممرضة من خريجي القطاعات الطبية للاشراف على الحالة الصحية للطالب العراقي في كل مدرسة ابتدائية كما أن الأمر لا يستوجب أكثر من تجهيز غرفة طبية بسرير طبي وبعض المستلزمات الطبية والدوائية البسيطة حيث يتمكن حينها هذا المشرف الطبي من التعاون مع المراكز الصحية الموجودة في البقعة الجغرافية لمكان المدرسة. وليس من الصعوبة أيضا تعيين معلمين لاستيفاء الحصص الرياضية من خريجي كليات التربية الرياضية مع توفير مستلزمات الاداء الرياضي والتي لا تتعدى بضعة مئات من الدولارات قياسا بسوق الرياضة العراقية الواقع في شارع النهر. أما الحصص الفنية فحدث ولا حرج كون أن معاهد وأكاديمية الفنون الجميلة حبلى بالخريجين ممن يقفون في طابور البطالة أملا في الحصول على تعيين ما في مدرسة ما. والسؤال المطروح هو ماذا تعني لميزانية المدرسة الابتدائية أن تقوم بصرف مايعادل المليون والنصف دينار عراقي لفريق من ثلاثة اشخاص (مشرف طبي, معلم رياضة, معلم فنية) في المرحلة الاولى من التعيين مقابل كافة الخدمات التي سوف تحصل عليها في إنضاج عقلية مئات الطلبة الصحية والجسمية والفنية في آن واحد. للاسف يتخرج الطالب العراقي من اعرق كليات العراق وفي تخصصات الطب والهندسة وهو غير قادر على تكوين جملة انكليزية واحدة بلا ركاكة أو تأخير والحال اتعس حينما تقف على قدرات خريجي كلية اللغات من قسم اللغة الانكليزية واللغات الاخرى.
قد يصفني البعض بالبطران وينعتني الآخر بالفسكان  وربما يتفوه فقيه ما بمقولة (عرب وين وطنبورة وين) ولكن هذا كله لن يمنعنا من ممارسة حقنا الطبيعي والشرعي في النقد والتحليل مستفيدين من رؤيتنا الخاصة وواقعيتنا في الطرح واحترامنا لمن يلقي عليهم الموضوع بظلاله ولأن موضوعي هذا بحد ذاته لا يعني احداث ثورة تعليمية في العراق بعيدا عن نضج الضروف الذاتية والموضوعية وكأنني ارى في العراق واحة للأمن والأمان ولم تسوده صراعات الاخوان وتصاريف الزمان ولكنني ابغي منه اصلاح عملية التعليم من الداخل بعيدا عن بناء المدارس بالجدران ذات النقوش الاسلامية والشبابيك ذات الطراز العباسي والمقاعد التي تشبه مصطبة احتياط نادي ريال مدريد والله من وراء القصد.