المحرر موضوع: العراق: الحماية الدستورية للأطياف الدينية..!  (زيارة 1662 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل باقر الفضلي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 495
    • مشاهدة الملف الشخصي

العراق: الحماية الدستورية للأطياف الدينية..!

باقر الفضلي

يتعرض الطيف المسيحي العرااقي وغيره من الأطياف الدينية الأخرى كالمندائي والأيزيدي والشبكي وغيرهم من الأطياف الدينية الصغيرة، منذ العام 2003 وحتى اليوم، الى حملة من الإرهاب والقتل والتنكيل والتهجير والتشريد من مناطق سكناهم المعتادة في المدن العراقية المختلفة ومنها على الخصوص مدن البصرة والموصل والعاصمة بغداد، ليقترن كل ذلك بحالة من الفزع وردود الفعل الدفاعية ذات الطابع الإجباري، التي دفعت بأعداد غفيرة من عوائل الأطياف المذكورة، على مغادرة الوطن طلباً للملاذ الآمن بعد أن لحقهم الإرهاب والتنكيل والقتل حتى أماكن عباداتهم التي حسبوها يوماً ملاذهم الآمن الأخير..!؟؟


وتقف مجزرة كنيسة (سيدة النجاة) في بغداد، التي طالت الطيف المسيحي من المواطنين العراقيين،  في قمة هرم (الترويع والترهيب)، التي تعرض لها أبناء الديانة المذكورة خلال السنوات السبع بعد الإحتلال عام/2003، لتشكل في كل تفاصيلها المعلنة، أبشع جريمة مقصودة ضد الإنسانية، في مفهوم جميع الشرائع الإنسانية والقانونية والدينية، وكل ما يمت بصلة الى موازين الحقوق والعدالة..!؟


فرغم ضبابية الغموض الذي إكتنف التفاصيل الدقيقة التي تحيط بأبعاد الجريمة من حيث التخطيط والإعداد والتنفيذ، والجهات التي تقف وراء كل ذلك، وطبيعة النوايا والمقاصد والأهداف التي توخاها المخططون من ورائها تنفيذ جريمتهم النكراء، فإن كل المؤشرات والقرائن المحيطة بالفعل الجنائي لا تذهب بعيداً في دوافعها عن تحقيق مقاصد ذات طابع سياسي في النهاية، خاصة وإن الجريمة المرتكبة، تبتعد من حيث شخوص مرتكبيها والضحايا، بعداً كلياً عن كل ما يمت الى دوافع شخصية، ذات طابع إنتقامي معروفة أسبابه ودواعيه، بقدر ما إتسم فيه ذلك الفعل الجنائي الإجرامي، من شمولية بعيدة من حيث التنفيذ بالنسبة لإنتقاء الضحايا، أو تحديد أعدادهم من جهة، وإنعدام الرابط السببي في العلاقة بين المجرمين من القتلة وبين الضحايا من الجهة الأخرى..!؟


فالمسلسل الإجرامي الإرهابي، الذي إستهدف الطيف المسيحي طيلة هذه الفترة، جاء متزامناً من الناحية السياسية، مع تعقد الأوضاع السياسية والأمنية في العراق بعد الإحتلال وتدهورها المتواصل، فلم ينفرد المسلسل المذكور بالتوجه ضد الطيف المسيحي وحده حسب، بل شملت توجهاته أغلب الأطياف الدينية الصغيرة الأخرى إن لم نقل جميعها، مما دفع بالألوف من العوائل العراقية من تلك الأطياف، الى ترك أماكن سكنها الإعتيادي، والتوجه الى مدن أخرى والى بلدان المهجر، طلباً للأمن والأمان، مما أعطى ليس فقط المبررات المنطقية الى أسباب ذلك النزوح الجماعي والهجرة خارج البلاد حسب، بقدر ما قدم الكثير من الدلالات والمؤشرات العملية، عن أهداف ومقاصد ذلك المسلسل الإجرامي المذكور، بكونه يهدف الى إخلاء العراق من أطيافه الأصلية من المكونات العراقية الدينية الصغيرة، وهذا ما يدعمه على صعيد الواقع، حجم الكتلة السكانية الكبير من تلك الأطياف التي غادرت الوطن الى دول الجوار وبلدان اللجوء المختلفة، لتشكل هذه الظاهرة أخطر الظواهر الكارثية التي واجهت مكونات الشعب العراقي منذ العام/ 2003، والتي يحاول البعض من إيجاد التفسيرات الشكلية والظاهرية لأسبابها ومحاولة حصرها بالتطرف الديني، بإعتباره من الدوافع التي تقف وراء هذا الإستهداف الإجرامي، بل بعضها من يجد فيه الدافع الرئيس، وهو لعمري تفسير، رغم ما له، من التداعيات السلبية، فإنه لا يدعمه الواقع الراهن ولا تبرره سمات المجتمع العراقي المعاصر على صعيد كافة مكوناته الإثنية وأطيافه الدينية، فعبر حقب طويلة من العيش المشترك بين تلك المكونات، ظل السلم الإجتماعي والأخاء والمحبة بين مكونات الشعب العراقي أحد أهم سماتها المشتركة، بل والقاسم المشترك فيما بينها لكل هذا التواصل على مدى العصور..!


فالقتل الذي جرى بالصورة التي جسدتها مجزرة كنيسة (سيدة النجاة)، لا يمثل بأي حال من الأحوال هدفاً لذاته، بقدر ما يعكس مجرد وسيلة التجأ اليها منفذوا تلك الجريمة النكراء، بهدف خلق وبث حالة الذعر والترويع والفزع بين أوساط  طائفة محددة من المواطنيين العراقيين، سبق وإن جرى إستهدافهم في عدد غير قليل من المدن العراقية، حيث إستهدفت مساكنهم ودور عباداتهم ورموزهم الدينية تحديدا من رهبان وقسيسين، ناهيك عن ملاحقتهم في أماكن رزقهم وسكناهم، ولا أظن أن الغرض من وراء كل ذلك يكتنفه الغموض الى هذا الحد الذي تفضحه حقيقة الهجرة والنزوح الجماعي الى خارج الوطن، التي أصبحت من أولى تداعيات المسلسل الإجرامي المذكور، والهدف المركزي الذي يتوخاه..!؟؟


ولكن الغريب في الأمر أن تختزل مثل تلك الجرائم الى مجرد حوادث جنائية ضد الأفراد، تنتهي آثارها مع نشر الخبر وملاحقة القوى الأمنية للفاعلين، وينتهي كل شيء ليتكرر الحدث وهلمجرا..، فقلما بحث مجلس النواب أوالسلطات الحكومية، أوالتكتلات السياسية على إختلافها، الأبعاد السياسية لهذا المسلسل الإجرامي بتفاصيله المتعددة وأهدافه، أو أن تكونت لجان مختصة من قبل مجلس النواب وبمشاركة السلطات القضائية والأمنية، للبحث والتدقيق في مسارات الإستهداف المبيت ضد مكونات الأطياف الدينية الصغيرة، ولكشف النقاب عن الجهات ذات المصلحة التي تقف وراء ذلك، سواء على صعيد الداخل أو الخارج، بما فيها الدعوات المشبوهة، التي تسعى بطرقها الخاصة، مستغلة النتائج الكارثية لتداعيات ذلك المسلسل الإجرامي، في الترويج الى عملية التسريع بفكرة النزوح والهجرة بين أبناء تلك الأطياف والمكونات العراقية المنتسبة لها، بما فيه تسهيل آليات الهجرة والنزوح الجماعي من الوطن..!؟؟


 فهل توقفت حقاً جميع تلك الجهات الرسمية والسياسية المقصودة بما فيها مجلس النواب، يوماً بجدية أمام هذه التحديات، التي باتت تشكل تهديداً حقيقياً لمصير ووجود المكونات العراقية الأصلية الصغيرة من ذوي الأطياف الدينية الأخرى..؟! إنه سؤال يبحث عن إجابته في مدى جدية الإجراءات الواقعية التي ينبغي أن تقدم عليها الجهات البرلمانية والحكومية والتي ينبغي أن تضعها في أولويات مهامها طبقاً لما سنه الدستور في المباديء الأساسية من الباب الأول..!


 وللحقيقة يمكن القول؛ بأن الواجب الوطني والدستوري يلزم وبعد مجزرة كنيسة (سيدة النجاة) خصيصاً، بأن يكون من أولى ما يمكن أن يضعه مجلس النواب الجديد في جدول أعماله القادم، هو مسألة مناقشة وبحث ما تتعرض له الأطياف الدينية للمكونات العراقية الصغيرة من حملة إرهاب وترويع وإكراه على الهجرة والنزوح الجماعي جراء ذلك، والخروج  بما يكشف اللثام عن حقيقة الجهات التي تقف وراء المسلسل الإرهابي الإجرامي الذي تتعرض له تلك المكونات بالذات، وما يستلزمه واقع الحال من تشريعات وإجراءات ملزمة..! 


ولعل مما يزيد الطين بلة، وينحو بمسألة  ضمان توفير الحماية الدستورية المسؤولة للمكونات العراقية الصغيرة من ذوي الأطياف الدينية الاخرى، بعيداً عن حلولها الجذرية الواقعية، أن تتجه بعض الدعوات، على الرغم من حسن النوايا، الى أبناء المكونات العراقية الصغيرة بأطيافها الدينية من مسيحيين ومندائيين وغيرهم من ابناء الأطياف الأخرى، بالتجمع في مناطق معينة من العراق لتأمين حمايتهم؛  فلعمري ، أنه ورغم ما في مثل تلك النداءات من مشاعر إنسانية، فلا أظنها ترقى الى مستوى الحلول العملية والدستورية التي ينبغي أن تأخذها الدولة على عاتقها، فمسؤولية الدولة تتحدد دستورياً في ضمان تأمين الحماية الحقيقية المسؤولة الى كافة المواطنين العراقيين ومنهم أبناء الأطياف الدينية بدون تمييز، وذلك بأن تؤمن لهم الأمن والأمان الذي يشعرهم من جهة، بكامل حقوقهم أولاً كمواطنين عراقيين، قد كفل لهم الدستور مثل هذا الحق دون أية موارية، ومن جهة أخرى، ضمان كامل حقوقهم ثانياً كطيف ديني، له من الحقوق ما للآخرين من الأطياف الدينية الأخرى، كبيرها أوصغيرها بلا إستثناء، ورغم أن الدستور لا يخلو من مثالب في هذا الجانب، إلا أنه كفل لتلك الأطياف كامل حقوقها في إقامة شعائرها الدينية، وحماية أماكن عباداتها على السواء مع الأطياف الأخرى، وما إحترام معتقداتهم الدينية على إختلافها، إلا أحد شروط تلك المستلزمات التي تقع على عاتق الدولة لا غير..!


لقد طرحت أحداث مجزرة كنيسة (سيدة النجاة)، الكثير من الأسئلة أمام الحكومة الحالية والقادمة، وأمام كافة الكتل السياسية، وبالذات أمام أعضاء مجلس النواب الحالي، محملة الجميع مسؤولية الحفاظ على وحدة النسيج الإجتماعي العراقي، ومسؤولية حماية كافة مكوناته الوطنية بلا إستثناء، بل وضعت في أولويات مسؤولياتهم، كشف حقيقة مسلسل الجرائم المرتكبة بحق الأطياف الدينية من المسيحيين والمندائيين وغيرهم من الأطياف الأخرى ومن يقف ورائها، وسن القوانين التي تلزم الدولة بكافة أجهزتها، توفير الحماية الكاملة لوجودهم الطبيعي حيثما كانوا في كافة أرجاء الوطن، وتعويض كافة الأضرار التي لحقت بهم في الأفراد والممتلكات ودور العبادة..! 


إنه لمن المؤسف حقاً أن يتعرض المكون الكلدو آشوري السرياني، الأعرق في وجوده الإنساني على أرض وادي الرافدين، الى حملة التنكيل والترويع الإجرامية، وأن يصبح عرضة للإستهداف الإرهابي المتواصل، الدافع بإتجاه إكراه هذا المكون العراقي الأصيل، الى مغادرة وطنه الأم، بإستخدامه ابشع الوسائل والطرق اللئيمة في التفريق بين مواطني العراق الواحد على أساس من الهوية الدينية والمذهبية، والتي جسدت مجزرة كنيسة (سيدة النجاة) ، أبشع صورها اللاإنسانية، وعكست في الوقت نفسه المستوى المتدني للوضع الأمني، الذي أرتكبت في ظله تلك الجريمة النكراء..!!؟؟