المحرر موضوع: رأسمالية الدولة عصر يتشكل هل هو نهاية السوق الحرة؟ (3)  (زيارة 925 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل د. هاشم نعمة

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 185
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

رأسمالية الدولة عصر يتشكل هل هو نهاية السوق الحرة؟ (3)

                                                                                         
ترجمة: د. هاشم نعمة
      تميزت الموجة الثالثة من رأسمالية الدولة بصعود أهمية صناديق الثروة السيادية، والتي بدأت عام 2005 بتحدي الهيمنة الغربية على تدفق الرأسمال العالمي. احتياطيات رأس المال هذه نتجت من الزيادة الضخمة في الصادرات من البلدان ذات الأسواق الناشئة. وقد استمرت إدارة معظم صناديق الثروة السيادية بيد المسؤولين الحكوميين، الذين يتعاملون مع تفاصيل مستويات الاحتياطي ، والاستثمارات، وإدارة موجودات الدولة كشيء أقرب إلى أسرار الدولة. النتيجة، ليس من الواضح  إلى أي مدى تُستثمر هذه الصناديق ثم أن اتخاذ القرارات يتأثر بالاعتبارات السياسية.
     يقود صندوق النقد الدولي الآن جهوداً لتوفير أعلى مستويات الشفافية والاتساق في عمل صناديق الثروة السيادية، لكن مثل هذه المحاولات سوف لا تتكلل بالمزيد من النجاح أكثر مما يفعله معظم الترتيبات الطوعية. إن صناديق الثروة السيادية التي لا تتسم بالشفافية ،خصوصا، ستبقى غامضة ومبهمة، وسيستمر القادة السياسيون بإدارتها من أجل ربح كل من المكاسب السياسية والمالية. وكتبرير أو تسويغ، يمكن أن يشير مدراء الصناديق بشكل معلن وعلى شكل دعوات سياسية إلى التجرد وبأن عملها يسير وفقا لصناديق الثروة السيادية الغربية المشابهة، مثل صندوق التقاعد الحكومي في النرويج أو نظام تقاعد المستخدمين العام في كاليفورنيا.
    الموجة الرابعة من رأسمالية الدولة وصلت الآن، وتسارعت بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي الأخير. لكن في هذا الوقت، تدخلت حكومات أغنى البلدان في العالم، في اقتصادياتها وليس فقط حكومات بلدان الأسواق الناشئة. ففي الولايات المتحدة، تدخل المشرعون في الاقتصاد على الرغم من عدم ثقة الجماهير، تاريخياً، بالحكومة وثقتها بالمؤسسات الخاصة. وقد حذت حذوها  أستراليا، واليابان، وغيرها من الأسواق الحرة التي تتمتع بوزن كبير. وأما البلدان الأوروبية، ذات التوجهات الدولانية statism * والديمقراطية الاجتماعية فجعلت من التأميم وعمليات الإنقاذ أو الضمان أكثر قبولاً من الناحية السياسية.
    ومع ذلك، لم تتبنَ القوى الصناعية القائدة في العالم رأسمالية الدولة بدون تحفظات. ففي الولايات المتحدة وأوروبا، لا تزال قوة اليد الخفية تشكل مادة للإيمان. وتعرف الحكومات في جانبي المحيط الأطلسي أنه من أجل المحافظة على التأييد الشعبي، يجب عليها أن تحافظ على وعودها بإعادة القطاع المصرفي والشركات الكبيرة إلى أيدي القطاع الخاص بمجرد استعادة صحتها. ولكن ما دامت الحوافز الاقتصادية تأتي في طليعة الاعتبارات السياسية في واشنطن، وفي جميع أنحاء أوروبا، والصين، والهند، وروسيا، سيظل صانعو القرار السياسي في مركز النظام المالي العالمي. ومن أجل ضخ الأموال في الاقتصاد أولاً، سينقذ وزراء المالية والخزانة المصارف والشركات الخاصة، بضخ السيولة، وطباعة النقود، ببساطة لأنه لا يمكن لأي طرف آخر أن يعمل ذلك. في الواقع، القليل من المصارف المركزية، تتمتع بالاستقلالية، وهي لم تعد مقرض الملاذ الأخير، أو حتى إذا كانت مقرض الملاذ الأول ؛ فهي تكون مقرضة فقط. هذا التطور أنتج تحولاً مفاجئاً ومهماً في مركز ثقل القوة المالية العالمية.
    حتى وقت قريب جداً، كانت نيويورك العاصمة المالية للعالم، أنها لم تعد الآن حتى عاصمة مالية للولايات المتحدة. هذه الحقيقة، باتت معروفه الآن في واشنطن، حيث يتخذ أعضاء الكونغرس والسلطة التنفيذية القرارات ذات التأثير البعيد المدى في السوق على نطاق لم يسبق له مثيل منذ عقد الثلاثينات. وهناك تحول مماثل يأخذ طريقه في كل مكان من العالم فيما يتعلق بالمسؤولية الاقتصادية: من شنغهاي إلى بكين، ومن دبي إلى أبو ظبي، ومن سدني إلى كانبيرا، ومن ساو باولو إلى  برازيليا، وحتى في الهند التي تتمتع نسبياً باللامركزية، من مومباي إلى نيودلهي. وفي لندن، وموسكو، وباريس، حيث يتعايش المال والسياسية، يحدث نفس التحول نحو الحكومة.
     من المرجح أن تنشأ اقتصاديات رأسمالية الدولة نتيجة تباطأ النمو العالمي مع تحكم غير مسبوق في مستوى النشاط الاقتصادي. حيث نرى الصين وروسيا تدعما كلا من شركاتها العائدة للدولة والشركات الوطنية التابعة للقطاع الخاص والنصيرة للدولة للخروج من المأزق.  وتعملا لصالح دمج الصناعات الرئيسية من أجل خفض التكاليف. وفي أعقاب هبوط أسعار النفط من 147 دولار للبرميل في تموز 2008 إلى أقل من40 دولاراً في شباط 2009، واجهت روسيا أول عجز في الميزانية منذ عقد من الزمن. بينما حصلت الصين،  البلد المستورد والمستهلك الرئيس للنفط، على بعض الفوائد من هبوط أسعار النفط، لكن تباطأ النمو العالمي ترك حكومتي البلدين عرضه لارتفاع البطالة مترافقاً مع اضطرابات اجتماعية. وقد استجابت الحكومتان على حد سواء، لمعالجة الجزء الأكبر من الأزمة، من خلال ممارسة سيطرة الدولة على الاقتصاد والتي لا تزال تتسم بالشدة.
    رغم الركود العالمي، فإن صناديق الثروة السيادية، اللاعبة الاقتصادية الرئيسية السابقة، وجدت لتبقى إلى المستقبل القريب. رغم انخفاض مجموع القيمة الصافية العائدة لها من تقدير عال حوالي 4 تريليون دولار عام 2007 إلى أقل من 3 تريليون دولار في نهاية عام 2008، هذا الرقم الأخير لا يزال يقترب من مجموع الممتلكات العالمية من النقد الأجنبي العائد للمصارف المركزية ويتجاوز الأصول المشتركة المشغلة أو المملوكة من قبل جميع صناديق الوقاية من الخسارة المالية في جميع أنحاء العالم. وتشكل حسابات صناديق الثروة السيادية حوالي 12% من مجموع الاستثمارات العالمية، وهي ضعف الرقم مقارنة بقبل خمس سنوات. ومن المقرر أن يستمر هذا المسار، ويقدر بعض التوقعات الموثوق بها قيمتها المرجحة عند 15 تريليون دولار عام 2015.
   باختصار، رغم الأزمة المالية العالمية، لا تزال شركات النفط الوطنية تسيطر على ثلاثة أرباع الموارد الأولية الإستراتيجية في العالم، ولا تزال الشركات العائدة للدولة والشركات الوطنية المملوكة للقطاع الخاص والنصيرة للدولة تتمتع بميزات تنافسية أساسية على منافسيها من القطاع الخاص، ولا تزال صناديق الثروة السيادية تفيض بالسيولة النقدية. هذه الشركات والمؤسسات، حقاً، أكبر من أن تتعرض للفشل.
   إن تدخلاً أعمق للدولة في الاقتصاد يعني بأن تبديد البيروقراطية، وعدم الكفاءة، والفساد من المرجح أن تكبح النمو. وتكون هذه الأعباء أشد في الدولة الاستبدادية، حيث يتمتع المسؤولون السياسيون بالحرية في اتخاذ القرارات التجارية دون تدقيق أو مراقبة من قبل الصحافة الحرة أو الوكالات التنظيمية السياسية المستقلة، أو المحاكم، أو المشرعين. ومع ذلك، فإن الركود العالمي المستمر قد قوض الثقة العالمية في نموذج السوق الحرة. وآيا كان السبب الحقيقي للأزمة، فإن حكومات الصين، وروسيا، ودول أخرى لديها أسباب مقنعة لتوجيه اللوم للرأسمالية على النمط الأمريكي عن أسباب التباطؤ الاقتصادي. حيث أن هذا اللوم يسمح لها تجنب تحمل المسؤولية عن ارتفاع البطالة وانخفاض الإنتاجية في بلدانها والدفاع عن التزامها برأسمالية الدولة، التي بدأت كنظام قبل وقت طويل من بدء الأزمة الحالية.
   ورداً على ذلك، يجب على صانعي القرار السياسي في الولايات المتحدة أن يحاولوا بيع قيمة الأسواق الحرة، على الرغم من أن تنفيذ هذه الخطوة يمثل لحظة صعبة. وفي حالة تحول واشنطن إلى نظام الحماية والاحتفاظ بقبضة شديدة على النشاط الاقتصادي لفترة طويلة جداً، فإن الحكومات والمواطنين في جميع أنحاء العالم سترد بالمثل، إن المخاطر كبيرة، بسبب إدخال السياسة الشعبوية على نطاق واسع في التجارة الدولية والاستثمار سيعرقل الجهود الرامية لتنشيط التجارة العالمية ويحد من النمو، مستقبلاَ. فسياسة الحماية تولد الحماية، وسياسة الإعانات تنجب الإعانات. فقد فشلت جزئياً محادثات جولة الدوحة للتجارة العالمية عام 2008 بسبب إصرار الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي على استمرار العمل بالرسوم الجمركية الزراعية العالية ورغبة الصين والهند بحماية كل من مزارعيها وبعض صناعاتها التي لا تزال ناشئة، والتي لا يمكن أن تتنافس حتى الآن من تلقاء نفسها. إن جمود محادثات الدوحة كلفت بالفعل مئات المليارات من الدولارات التي يحتمل أن تنتج من زيادة التجارة العالمية.
      بدأت نشاطات حمائية أخرى تؤثر في التجارة الدولية. فقد أعادت الصين العمل بنظام الإعفاءات الضريبية لمصدرين معينين. وحصرت روسيا الاستثمار الأجنبي في 42 "قطاعاً استراتيجياً" وفرضت رسوماً جديدة على السيارات المستوردة، وعلى لحوم الخنازير والدواجن. وفرضت اندونيسيا رسوماً جمركية على الواردات وقيوداً على  منح التراخيص على أكثر من 500 نوع من المنتجات الأجنبية. وأضافت الهند  فرض ضريبة 20بالمائة على استيراد زيت فول الصويا. وتبحث الأرجنتين والبرازيل علناً فرض رسوم جمركية جديدة على استيراد النسيج والنبيذ. ورفضت كوريا الجنوبية إلغاء الحواجز التجارية أمام استيراد السيارات الأمريكية. وأعلنت فرنسا إنشاء صندوق حكومي لحماية شركاتها المحلية من السيطرة الأجنبية. هناك بالفعل مطالبات من جانب العديد من البلدان في مناطق مختلفة لرفع الرسوم الجمركية إلى أقصى المستويات المسموح بها في إطار جولة أورغواي بشأن الاتفاقية العامة للتجارة والتعريفة الجمركية. ويجري إحلال الاتفاقيات العالمية الشاملة وآليات حل النزاع من خلال التصحيح والعمل بحوالي 200 اتفاقية ثنائية أو إقليمية. (200 اتفاقية أخرى أو نحو ذلك هي في العمل.) هذه التجزئة تمنع المنافسة العالمية، وتضر بالمستهلكين، وتضعف النظام الجماعي أو المتعدد الأطراف- كل ذلك في الوقت الذي يحتاج فيه الاقتصاد العالمي إلى تحفيز جديد.

* تعني الدولانية تركيز السلطة الاقتصادية والتخطيط الاقتصادي في يد الدولة لكن في تقديرنا أن هذا المبدأ لا تطبقه البلدان الأوروبية الرأسمالية إلا بشكل محدود ويبدو أن الكاتب يشير إلى أن الدولانية أكثر استخداماُ في أوروبا مقارنة بالولايات المتحدة. (المترجم)
الترجمة عن مجلة: Foreign Affairs, Volume 88 No. 3, May/ June 2009