آخر مسيحي في الحبانية بمحافظة الانبار يرفض ترك مدينته
جون ليلاند ودريد عدنان – الحبانية سيسي – العراق كتب الصحفييان جون ليلاند ودريد عدنان في العراق عن قصة المواطن روميل من الحبانية التي كانت تسكنها غالبية مسيحية وكيف خلت المنطقة من سكناها الان بعد سلسلة اعمال العنف التي طالت المسيحيين في بغداد ومدن عراقية اخرى. نص المقال:
يذهب آخر المسيحيين في البلدة الى الكنيسة كل صباح ليعمل على تنظيف بنايتها وتذكر الماضي".
"وُلِدَ روميل هاويل البالغ 48 عاماً في هذه البلدة التابعة لمحافظة الأنبار حين كان معظم سكانها مسيحيين. ويقول الآن أنَّ ولده البالغ 11 عاماً لا يعرف مسيحيين آخرين ولا يتذكر حضور قداس في الكنيسة".
وقال وهو يتأسف بشدة بأن ولده حين يقسم اليمين يجري ذلك باستخدام القرآن وليس الكتاب المقدس"
ويضيف بأن زوجته ترغب في ترك البلدة أو البلاد لتنظم الى ما أصبح معروفاً اليوم بهجرة المسيحيين الجماعية من العراق، ومن جميع مناطق الشرق الأوسط. لكن السيد هوال قال بأنه يشعر أنَّ عليه التزام بالبقاء ويدعمه على ذلك مصدراً غير متوقعاً، إذ يقول، إنَّ ما يعطيني الشجاعة للبقاء هو قول إخواني المسلمين "لا تغادر"
يتكلم السكان هنا في الحبانية سيسي عن بلدتهم على أنها واحةً للأقليات الدينية والعرقية المتعايشة في تآلف وانسجام حيث يعيش المسيحيين والمسلمين والعرب والأكراد والسنة والشيعة منذ عشرات السنين من دون أية مشاكل.
وتقع الكنيسة الآشورية مريم ملكة السلام في شارع قصير وكثير الحُفرْ، ويوجد أيضاً في هذا الشارع جامع سني وجامع شيعي وجامع سني آخر قديم. قال مدير ناحية البلدة المسلم، الذي توقف قرب الكنيسة لتفقد أحوال هوال، إذا أرادت زوجتي أو ابنتي أي شيء فإنهما تذهبان الى الكنيسة لطلبها من الله هناك.
ولكن حتى في هذا الشارع فإن البنايات تخبرك قصة أكثر تعقيداً. فكنيسة مار كوركيس الشهيد تقف هنا فارغة جوفاء بعد تفجيرها عام 2005. أما الجامع الشيعي، حسينية الحبانية، فهو بناء جديد لكنه بدون إمام أو رجل دين بسبب الهجمات ضد الشيعة في المنطقة، بما في ذلك تفجير عام 2006 الذي دمر المبنى السابق.
لقد عمِلتْ هذه الهجمات المدمرة على تشتيت الترابط المتبادل الذي كان مزدهراً جداً في القرن الماضي. ويقول السكان أنه بسبب كون محافظة الأنبار مركزاً قوياً لتنظيم القاعدة وغيره من الجماعات المتطرفة فقد شعر المسيحيين والشيعة بالانفراد والوحدة مما سبب هروبهم من المنطقة. فمن بين سكان البلدة البالغ 10150 نسمة يوجد عائلة مسيحية واحدة، بعد أن كان عدد العوائل المسيحية يبلغ 70 عائلة قبل الغزو الأميريكي عام 2003. وكذلك لا يوجد عدد كافٍ من الشيعة لإشغال هذا الجامع الكبير والجديد.
وقال كاظم عويد الذي يعتني بالجامع الشيعي، ليس لسكان هذه البلدة أي دور في العنف الطائفي الذي يحدث في المحافظة بعد عام 2003، وأضاف لقد دمرَ الاحتلال كل شيء والذين يسببون المشاكل هم غرباء يحاولون زرع الفتنة بيننا، لكننا نعيش الآن معاً وليس هناك أية مشكلة.
وفي كنيسة مريم ملكة السلام لا ينحصر عمل هوال بعنايته بالكنيسة القديمة فقط وإنما بالتاريخ أيضاً. وقد كانت الحبانية في القرن الماضي محوراً هاماً للمسيحيين الآشوريين من جميع أنحاء العراق مع وجود نخبة متعلمة ولهجة فريدة من نوعها. كذلك قاتلت أفواج الآشوريين الى جانب القوات البريطانية ضد القوميين العرب ودول المحور. ويأتي اسم الحبانية سيسي من اسم المعسكر المدني للحبانية الذي شيدته القوة الجوية البريطانية بعد الحرب العالمية الأولى.
وقال الشماس يوخنا، من كنيسة المشرق الآشورية الذي يسكن في بيروت حالياً والمولود في الحبانية، إنَّ الآشوريين هناك هم الذين جلبوا من نظائرهم البريطانيين لعبة كرة القدم الى العراق. وأضاف الشماس وسكان آخرين بأن عدد السكان المسيحيين بدأ بالتناقص منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي للأسباب الاقتصادية.
والسيد هوال الآشوري تحوَّل الى كنيسة مريم ملكة السلام التابعة للرومان الكاثوليك بعد أن أصبح شقيقه مشرفاً على هذه الكنيسة وبقيَّ هو بعد مغادرة شقيقه الى بغداد ومن ثمَّ الى اقليم كردستان في شمال العراق، إذ غادر ما يُقارب نصف عدد المسيحيين العراقيين البلاد منذ الغزو الأميريكي.
ويتذكر السيد هوال احتفالات عيد الميلاد في حديقة الكنيسة حيث كان يبقى هناك طوال الليل مع جيرانه المسلمين العرب والأكراد.
وتابع هوال بالقول هذا هو تاريخنا، إذ يمكنني شم رائحة أصدقائي وعائلتي هنا وهناك ويضيف بأن العديد من الأصدقاء يقولون بأن عليه المغادرة الآن وإن العمل متوفراً له في الأماكن التي يتواجدون فيها، لكنه يُجيب بعدم استطاعته مغادرة الكنيسة.
ويتأسف محافظ البلدة السيد فوزي بشدة لفقدان جيرانه السابقين ويقول بأنه مستعد لوهب حياته حتى تعود الحياة التي اعتاد عليها من قبل مرة ثانية.
وقال هوال، إن بناية الكنيسة تمثل رمزاً لغيابهم، إذ تجثم مقصوراتها الخشبية الثقيلة على الأرض الكونكريتية القاحلة وليس هناك تدفئة أو كهرباء، ويجاورها مساحة واسعة من الأرض التي ترمى فيها النفايات. وأضاف هوال، عند قدومي الى هنا أشعر بالألم فأنا لا أعتقد بأنها ستعود على الاطلاق كما كانت سابقاً بحديقتها الجميلة.
ومن بين ما ذهبَ أيضاً ناقوس الكنيسة الذي كان رمزاً للبلدة حيث كان يقرع هنا باستمرار. وقالت رحمة نوفة الدليمي، البالغة من العمر 72 عاماً وتمتلك متجراً صغيراً لبيع الملابس بالقرب من الكنيسة، وصوت آذان الجامع أيضاً الذي يُشير الى دعوة المسلمين للصلاة خمس مرات يومياً. وأضافت الدليمي بأن أسماء جميع العوائل في البلدة كانت موجودة في سجلها الذي كانت تحتفظ به، إلا أنها حرقته قبل سنتين أو ثلاث لأنها لا تتريد أن تتذكر. وحالها حال السيد هوال تتذكر بصورة خاصة احتفالات عيد الميلاد سوية. وتقول بأن الأصدقاء المسيحيين كانوا يذكرونها عن قرب عطلة العيد وتقوم هي بتحضير المعجنات المختلفة للمناسبة، وأضافت لا أعلم متى كان عيد الميلاد هذه السنة.
وقال السيد هوال أنَّ حياته أصبحت مماثلة ثقافياً لجيرانه، ففي متجره الذي يبيع فيه المواد الإنشائية هناك لافتة كُتِبَ عليها " ألله أكبر ....ألله هو الكبير" ويعرفه الزبائن أبو يوسف المسيحي. ويضيف بأن العائلة تصلي في المنزل لكن الشعائر الدينية لا تكتمل إلا بوجود الكاهن. وتابع، أن القسم الأصعب من حياته هي تربية ولده هنا، ويقول كلما نظرت اليه تفطرَ قلبي ألماً فهو صديقي الحميم وأريده فقط أن يعيش حياة اعتيادية يمكنه من خلالها ممارسة التقاليد المسيحية. وتابع، لو كان هناك عائلة اخرى تأخذ على عاتقها الاهتمام بالكنيسة لغادرت البلدة.
وبالرغم من تحسن الأمن، إلا أنه يبقى قلقاً على يوسف، وأحياناً تقول له زوجته بأن يوسف غير موجود مما يجعله يعدو مفتشاً عنه في ملعب كرة القدم حيث يلعب مع أصدقائه المسلمين ويتمتعون باللعبة، التي جلبها المسيحيين الآشوريين الى العراق، في أجواء بعيدة عن الصراع الطائفي. لكن الوضع الأمني هش والسيد هوال يعلم ذلك، إذ قال، أن أخاف جداً من أن أفقده، إذ أني أطلب منه دائماً عدم الذهاب الى الأماكن البعيدة وعدم التحدث مع الغرباء، فهو كل ما تبقى لديَ.
ترجمة: عنكاوا كوم
http://www.nytimes.com/2011/01/20/world/middleeast/20christian.html?_r=1&src=twrhp ا