المحرر موضوع: وتكلم التاريخ جزء2 بقلم بنت السريان  (زيارة 938 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل بنت السريان

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 570
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
وتكلم التاريخ
بنت السريان

جزء 2

,وفى بوعده ضيفي الحميم
وزارني في أمسية ثاني يوم
كنت في انتظاره وقد أرخى سدولَه الظلام
لم أسأله لكنّه استطرد بالكلام
يشجبُ بني آدم
وقد انحلّت عقدة لسانه بالتمام
وها هو يفصح عمّا به من ألم
قائلاً هذا ما جنوه علي من سقم
صغيرهم يعزف أسوأ نغم
وكبيرهم ينفثُ سمّاً ونِقم
وأردف قائلاً
بنو جِلدتِك
سوّدوا صفحتي يا جليستي؟!!
منهم أتوخّى الحذر
أنا ما جنيتُ على أحــــــد
هي مهنتي ليس أمرٌ آخر
أسجّلُ فقــــــــط
ما يعتريني من البشر
وهم في غفلة من أمرهم
وقلبهم من حجر
,كوحوش يتطايرُ
من عيـــــونها الشرر
لا تعرف سوى لغةَ الموتِ
والبقاءَ للأقدر
ثم قدّم لي بعين البصيرةِ
حوادثَ مخيفةً وبالصور
بقرَ بطونِ الحوامل
ودماء تجري كالنهر
و شباب في مقتبل العمر
يُذبح كغنم ليس لها مفرّ
وكأنَّ ناحرها يقدم ذبيحـــةً لله
والناحرُ بها يسرّ
وبكى
بكى التاريخ متالما من البشرية
وقد ثقُلتْ أحماله
و من هول ما يحدث من كوارث
شُلّت حركته وزادت بلاياه
ومن جراء كل هذا
أصبح الكون لا يؤتمن عقباه
قال
أنا التاريخ!
حمّلني البشر كل المسؤولية
هذا يلعن وذاك يسب
ولا حول لي ولا قو
ولا حكم ولا قضاء
تحملتُ كلّ إثم
وصبرت على كلِّ داء
وابن آدم
يلقي عليَّ سهامه النجــلا
جاعلا ًمنـي
شمّاعة فـــــــي الضرّاء
أفعالهم
قصمـتْ ظهري
أفقدتني قوّتي على المسير
كما قصمت الشعرة ظهر البعير
كفى يا ابن آدم
ترى متى تستنير؟
جئتك شاكيا وقد اتشحتْ صفحاتي
بالسواد والزمهرير
محذّراً إيّاك مما سيؤول إليه أمرك
بئس الأمر, علقم مرير
نسيتَ الله
وبيدِ عدوّ خلاصِك وضعْت يديك
أصبحت له أسير
سئمْتُك لكنْ دعائي لك ليس عليك
فالأمر خطير
أعقلْ وتوكّلْ أعد حساباتك
فالأجل يدنو منك
ألا تخشى بئس المصير
أفحمَني التاريخ
بما أدلى من حجج قويّة
جعلتْ حروفي
بين طياته واهية عصية
لا مهربَ لها منه
وأوراقي حائرةٌ نديّة
صعُبَ عليها
أن تُعْتَق من أسرها
والتاريخُ بقيود الحقيقة
قد كبّلها
بعد كشفه أهوال بني آدم
وماآلهُ منها
وإله هذا العالم
لم يرتو بعد من لعقِ آثار الدم
فهو متعطش للبطش والذمّ
بمزيد من الجراح والألم
ذبُلتْ نظارتي
وغدا وجهي أصفر
ودمعـــــي
في المحجرين تحجّر
لقد نفـــــــذ المسكُ وفُقِدَ العنبــر
ماتــــــتِ الورود وبكى الصنوبر
وفي دواخلي
لم يبق سوى الضجر
أفكاري عجِزتْ وعلى
محاججةِ التاريخ لا أقدر
فقد وضعَ النقاط على الحروف
وفضح ما كان مستتر
تسمّرتُ في مقعد
كقطعة ثلج تتكسَّر
تحت وطأة بنو جلدتي
والقلب يتحسّرْ
عجَز النطقُ منّي
,والقول أدبرْ
نعم أيّها التاريخ
ظلمناك وأنت علينا
من صبر
سوّدنا صفحاتِ أيّامك
وعلّقنا أخطاءنا
فوق شماّعة القدر
لكنَّ حروفي أبتِ الصمت
فمن عُمق الغمر
كصرخة يونان من بطن الحوت
بدأتْ تهدر
لابد أن تقذفني الحوتُ
على الجرف وبين البشر
لأنادي بدكِّ أسوارِ أريحا
وهدمِ عرشِ أرطاميسَ
بقدرة القادر المقتدر
وأبشّرُ بمحبّة خالصةٍ طاهرةٍ
وأكسبُ الرهانَ وأعلنُ الظفر
ويعودُ الكلُّ
لمعرفة الحقِّ الأبرّ
كما عاد أهل نينوى
ولبسوا المسوح واتّخذوا العبَر
ويؤمن الكل بالمخلّص
الذي اعتق البشرية وحرر
من كانوا في
عبوديّة إبليس في الأسر
وتطفأ شهوة الشرِّ
ولعبة الغدر
وتتحطم القيود بقوة المقتدر
ويزهق الباطل
ويعلن الحق إنتصر

يتبع الجزء الثالث
[/b]