محـــــطة أولــــى أخيــــــــرة
ويمر قطار العمر ليضيف إلى حياتنا مزيداً من ذكريات الرحلات، محطات نتوقف عندها نتأمل ما قد فات وأخرى نمضي قدماً إلى المجهول الذي ينتظرنا لما تبقى من محطات، ورحلتي مع الموت تكاد تكون يومية ورفقتي للأموات لا تنتهي لأن عند الموتى وفقط مع الموتى أسرار الحياة.
بعدما دارت بنا عجلة الحياة وأسرعنا الخطى لا نعرف للفرح معنى ولا تفسير للألم وابتعدنا بالفكر فما للحب من طعم.
يخطئ من يظن أن الموت نهاية أليمة وأن التفكير في الموت فكرة عقيمة فلولاه لما كانت حياتنا ذات قيمة.
الموت هو ذلك الجدار الذي يوقفنا فنفكر في اجتيازه، ذلك الصعب الذي يختبر فينا ذلك القادر وهذا العاجز، محطة وحيدة نتوقف عندها نسأل أنفسنا ألف سؤال وسؤالٍ، ذلك الصدى الذي يتغلغل داخلنا إلى عمق أنفسنا ودهاليز ماضينا، يفجر فينا الشوق والألم والآهات والأمل، يخيفنا..يبكينا..يغربلنا ويدخلنا لعمق ذواتنا فنهابه بقدر أخطائنا ونتودد إليه بقدر صوابنا ونبقى خائفين من الزوال والعدم.
وأعيش مع الذين احتضنهم الموت بأجنحته البيضاء، أعز الناس إلى قلبي. نحن حقيقة والحقيقة يدركها العالم بعقله والشاعر بقلبه والمحب بشعوره والمتألم بحواسه فيتلمسها ويجسمها في خياله ويعيشها بتفاصيلها، وهذا ما تفعله الطبيعة بنا إذ تستنبتنا من التراب فنرتعش لملامسة الهواء ونتطهر بحرارة الشمس ونغرس في التراب جذورنا لنستمد منه عناصر ديمومتنا فنزهر ونثمر ونلقي في التربة بذارنا فتنام طوراً وتبعث حياتها من جديد وفي كل مرة تقول البذرة لذاتها " أنا وحـيدة في الهواء لكني سأنضم إلى اخوتي في رحم أمي" هذا الكلام رددته آلاف المرات لكني لا أتذكر أني قلته قبل الآن.