المحرر موضوع: تَطوّر الدراسات حول الكنيسة المناهضة لمجمع خلقيدونيا  (زيارة 1870 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل henri bedros kifa

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 653
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
تَطوّر الدراسات حول الكنيسة المناهضة لمجمع خلقيدونيا ]  29 / 07 / 2006 

عتبر العالم \"نو\" \"NAU\" من طلائع المؤرخين الذين دافعوا عن أرثوذكسية السريان , وذلك لإعتماده على المصادر السريانية فهو يؤكد في مقالته المشهورة : \"لم يكن اليعاقبة يوماً من أتباع أوطيخا\" (7) ,أما \"جوزيف لوبون\" فإنه يمييز بين  المونوفيزتية الفعلية والمونوفيزتية الإسمية , وأعتبر السريان \"مونوفيزيتيين بالإسم\" (8)  فقط .
     كتب المؤرخ \"شتاين\" : \"إن العقيدة الإيمانية عند المونوفيزتيين هي نفسها عقيدة سوريوس الإنطاكي , أما التنظيم الذي بفضله صمد إلى يومنا هذا في مصر وسوريا فهو يعود إلى يعقوب البرادعي , وإنه لمن الأصح ألاّ يسمى هذا التنظيم بالكنيسة السوريوسية بل بالكنيسة اليعقوبية\" (9) 0
يعتقد \"شتاين\" أن الكنيسة المناهضة لخلقيدونيا قد سميّت \"يعقوبية\" بفضل دور ونشاط يعقوب البرادعي .المؤرخ \"فان روي\" (10) يؤيد هذه الفكرة .

من الملاحظ أن خصوم(11) هذه الكنيسة كانوا يسمونها \"يعقوبية\" ويدرجونها ضمن البدع المانوية , الأريوسية والنسطورية وغيرها .
 ذكر البطريرك ميخائيل الكبير في تاريخه : \" كثيرون كانوا يؤيدون فكرة يعقوب الطاعن في السنّ , لأنهم كانوا متعلقين به , ولهذا السبب أُطلِقت عليهم تسمية اليعاقبة\" (12).


NAU(F) , dans quelle mesure les jacobites sont-ils monophysites ?
(7) Dans Revue de l’Orient Chrétien T-10 , p. 131 .
LEBON(J) , le monophysisme Sévérien … P. 15 note (3)
(8)Stein (E) , Histoire du Bas Empire . T-2 , p-626 .
(9)VAN ROEY (A) , les débuts de l’église jacobite dans , Das Konzil Von Chalkedon
(10)T-2, p-339-60
Nicephore Callistas . H.E dans P.G. T-147 col 438 citée par BUNDY(D.D)
(11)    Jacob Baradeux , dans le MUSEON  .
MICHEL LE SYRIEN , chronique , livre X , chap XIII P-324 .  (12)

-7-

ما ذكره البطريريك ميخائيل الكبير هو نصف الحقيقة , أما الحقيقة الكاملة موجودة في تاريخ     يوحنا الأفسسي(13) , فهو عاصر هذه الأحداث وكتب عنها , ويُخبرنا عن إختلاف يعقوب البرادعي مع البطريرك بولس حول امور داخلية متعلقة ببطريركية الأسكندرية , فإختلاف أبناء هذه الكنيسة بين مؤيّد ليعقوب البرادعي ومؤيّد للبطريرك بولس.

تسمية \"اليعاقبة\" جاءت من هذا الخلاف وليس بسبب نشاط وتنظيم الكنيسة بواسطة يعقوب البرادعي !
لا يتفق البعض مع ما ذكره \"شتاين\" و \"فان روي\" حول دور يعقوب البرادعي في \"تنظيم\" الكنيسة المناهضة لخلقيدونيا 0 فالبطريرك سويريوس ظلّ , بعد طرده من كرسي أنطاكيا سنة 518 م , يدير شؤون الكنيسة , وهذا واضح من رسائله العديدة التي وصلتنا 0 فكان على علاقة مع الرهبان السريان بواسطة برافتونيا رئيس دير مار باس (14) 0 وهو الذي سَمح ليوحنا التلي برسامة الكهنة والشمامسة (15) ،    وأخيراً البطريرك سويريوس هو الذي أخذ القرار \"باستقلالية\"  الكنيسة المناهضة لخلقيدونيا .
 المتخصصون في تاريخ الكنيسة السريانية المناهضة لخلقيدونيا يؤكدون إن الخلاف حول العقائد المسيحانية  بين الفريقين لم يكن \"جوهرياً\" , لا بل نحن نرى بعض المؤرخين القدماء قد أشاروا في كتاباتهم إلى هذا الخلاف \"السطحي\" .

المؤرخ أفاغر من القرن السادس الميلادي أشار إلى عدم إدراك بعض التعابير : \"أن يقال من  طبيعتين , يُفهم بأنه مُركّب من طبيعتين\" (16) 0 كان مناهضي خلقيدونيا يعتقدون أن الخلقيدونيين يؤمنون بوجود \"طبيعتين\" عند يسوع المسيح وبالتالي فهم كالنساطرة يؤمنون بوجود : يسوع الإنسان ويسوع الإله 0 طبعاً الخلقيدونيون لم يؤمنوا بهذه العقيدة
 أكّد القديس يوحنا الدمشقي  من القرن السابع بأن اليعاقبة : \"قد أبتعدوا عن الإيمان الكاثوليكي بحجة مجمع خلقيدونيا , أما في سائر الأمور فهم أرثوذكس\" (17) 0

JEAN D’EPHESE . H.E Livre IV Chap.17 .
(13) JEAN , vie de Sévère , P-25     
(14) JEAN D’EPHESE , vies des saints orientaux , P-316 (15)
EVAGRE , HISTOIRE , II (5)    (16) Saint JEAN DAMASCENE. DE HOER , 83 P.G C X IV citée par MASPERO(S),  (17) Histoire des Patriarches P-12 .

-8-
يجب أن لا نستغرب بما كتبه \" جيجي \" : \" المونوفيزتية ( عند سويريوس ) كانت انقساماً أكثر من أن تكون بدعة , كانت خلافاً في الكلمات أكثر من أن تكون إختلافاً في العقائد\"  (18) .
نقل \" ماسبورو \" هذه الفكرة في تاريخه : \" على كل الأحوال المونوفيزتية ( سويريوس ) ليست ببدعة ولكنها فكرة إنقسامية فقط \" (19) .
\" جيجي \" كتب وقصد إنقسامات داخل الكنيسة , سرعان ما يحّولها \"ماسبورو\"  إلى فكرة إنقسامية داخل الامبراطورية البيزنطية 0 \" كان الأقباط يكنّون ضد الحكومة البيزنطية كراهية عنصرية من شعب إلى شعب أخر \" (20) 0
لقد أخطأ \"ماسبورو\" عندما إعتبر السريان والأقباط شعبين عنصرييّن يعارضان الأمبرطورية البيزنطية . فحتى أواخر القرن السادس الميلادي كان المسيحيون في القسم الشرقي للأمبرطورية البيزنطية : الأقباط , الأرمن , اليونانيون والسريان 000 يشـعرون بأنهم جميعاً متحدين لأنهم ينتمون إلى الشعب المسيحي (21) .

من المهم جداً أن نعرف ما هو المقصود بهذه  \" الفكرة الإنقسامية \" ومتى ظهرت عند مناهضي مجمع خلقيدونيا؟
أ- هل هي إستقلال ذاتي كنسي ؟ مثل إستقلال الكنيسة السريانية الشرقية في الأمبراطورية الفارسية في آواخر القرن الخامس .
ب-هل هي إستقلال كنسي- قومي مثل الكنيسة الأرمنية ؟
ج-هل هي الإستقلال الوطني للسريان والإنفصال عن الامبرطورية البيزنطية كما ذكر       \"فاسيليف\" (22) :
\"خلف الخلافات الدينية التي تزداد صعوبة , بدأنا نرى بشكل واضح ظهور الخلافات الوطنية خاصة في سوريا ومصر ، رويداً رويداً , تبنّت الشعوب الوطنية في مصر وسوريا فكرة الإنفصال عن بيزنطيا وأرادت تحقيقها\" .
د-أخيراً هل \"فكرة الإنفصال\" هي سبب أم نتيجة لوجود الكنيسة السريانية المناهضة لمجمع خلقيدونيا؟

JUGIE , La primauté romaine d’après les premiers théologiens monophysites
(18)   Dans Echos de l’Orient , T-33  P. 181 .
MASPERO (J) , Histoire des patriarches  P. 11
(19) IBID P-114 .(20)
FREND (W.H.C) The rise of monophysisme  P. 70
(21) VAISILIEV (A.A) Histoire de l’Empire Byzantin , T-1 , P. 135(22) 

-9-
إن جميع هؤلاء المؤرخين لم يقدموا , أية نصوص سريانية تؤكد نظرياتهم .
شتاين إعتبر المونوفيزتية مثل \"القناع\" (23) , إستتر خلفه التيار الشعبي والقومي , ولكن للأسف بدون أية براهين 0 تماماً مثل \"وودوارد\" (24) الذي يُعتبر أول من ربط بين الإنشقاقات الكنسية والحركات القومي. وكان \"وودوارد\" (25) قد رأى \"شعوراً قومياً\" عند السريان ضدّ الأقباط وذلك بعد خلافهم الداخلي بين \"البولسيين\" و \"اليعاقبة\" !

نلاحظ أن \"ويغرام\" (26) في كتابه عن الكنيسة السريانية قد رَفض فكرة الإستقلال لأسباب قومية !
أما \"جونس\" فهو بالحقيقة يُعتبر أول من تصدى للتيار القومي , وقد قدّم عدة أسباب أو براهين من أهمها عدم خيانة السريان (27)  للبيزنطينيين أو مساعدتهم للفرس خلال الحروب في عهود يوستنيان ويوستان الثاني وطيبر الثاني 0 وخاصة عدم وجود فكرة الإستقلال في كتب المؤرخين السريان المونوفيزتيين .
سنة 1973 قدّم \"فوبيس\"  المختص في السريانيات دراسة حول بدء الكنيسة المونوفيزتية ذكر فيها : \"يوجد عند السريان شعور قوي جداً بالوعي الذاتي من أجل الإستقلال\" (28) , وخاصة أنه يؤكد أن هذه \"الرغبة\" في الإستقلال موجودة في كل المصادر السريانية .
نحن الآن على خلاف جديد حول المصادر السريانية بين جونس الذي يؤكد عدم وجود فكرة الإستقلال في المصادر السريانية وبين فوبيس الذي يؤكد وجود هذه الأفكار 0 من المؤسف أن فوبيس , لكي يؤكد أفكاره الجديدة , يطلب منا العودة إلى كتبه بشكل عام ، وبالتالي لم يقدم لنا نصوصاً سريانية تؤكد بوضوح وجود الوعي الذاتي من أجل الإستقلال .
أخيراً رغم تقدم وتطور الدراسات التاريخية العلمية حول المواضيع المتعلقة بالشعب واللغة والكنيسة السريانية , فنحن لا نزال حتى اليوم لا نعرف الأسباب الحقيقية لنشأة الكنيسة السريانية المناهضة لمجمع خلقيدونيا 0 ومن هنا أهمية هذا الموضوع .

STEIN (E) , Histoire du Bas Empire , T-2, P-389 . 

 (23)    WOODWARD(E.L), Christianity and Nationalism in the later Roman Empire P-VI .   (24)   IBID  P-64 .
(25) WIGRAM(W.A) The Separation of the Monophisites P-65 . 
(26) JONS (AHM) , were ancient heresies national or social movements in disquise ?
(27) dans JTS(1959) p-298  .
VOOBUS (A) , The origin of the Monophysite Church in Syria and Mesopotamia ,(28) dans , Church History T-42 (1973) P-17 .

-10-

الأسئلة التي تُطرح الآن :
أ - هل توجد نصوص جديدة تؤكد التيار القومي أو التيار العقائدي ؟
ب-هل نستطيع اليوم أن نتبع أحد التيارين ونرفض الأخر ؟
ج- هل نستطيع إستناداً إلى المصادر السريانية أن نجد \" حلاً \" لهذه المشكلة ؟

خلاصة :
نأمل أن نقدم الأجوبة العلمية لكل هذه الأسئلة , إستناداً إلى المصادر السريانية التي تلقي الأضواء حول بداية الكنيسة المناهضة لمجمع خلقيدونيا وتطورها وتحولها -عبر مراحل- إلى كنيسة سريانية وطنيةّ , وأن نصحّح بعض المعلومات الخاطئة حول \"الخلقيدونيين\" ؛ هنالك شبه إجماع على كونهم من العنصر اليوناني , وهذا الأمر صحيح في آسيا الصغرى وبلاد اليونان , أما في الشرق فالأكثرية الساحقة من أتباع خلقيدونيا هم من السريان ! يجب أن لا ننسى البطريرك أفرام الآمدي 527-544 م السرياني الذي لعب دوراً كبيراً ضدّ السريان مناهضي مجمع خلقيدونيا , وكذلك رهبان دير مار مارون السريان في سوريا الثانية , بصمودهم ضد تعاليم سويريوس , وبالتالي فالخلافات العقائدية لم تقسّم الكنيسة وحسب ,  بل قسّمت أيضاً الشعب السرياني في الشرق .
أخيراً نأمل أن نقدم البراهين التي تثبت أن الشعور الوطني عند السريان لم يكن \" سبباً \" بل \" نتيجة \" لقيام الكنيسة المناهضة لمجمع خلقيدونيا .

 هنري بدروس كيفا
قنشرين