المحرر موضوع: تظاهرات السليمانية.. الفئوية السياسية وشرعية الاحتجاج  (زيارة 737 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبدالمنعم الاعسم

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 788
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
تظاهرات السليمانية..
الفئوية السياسية وشرعية الاحتجاج

عبدالمنعم الاعسم

 تكمن قوة وشرعية وضرورة حركات الاحتجاج الجديدة التي عمت هذه المنطقة في طابعها السلمي اولا، وفي نأيها عن الارتهان لمشروع فئوي او حزبي، ثانيا، وفي انطلاقها من مطالب محددة تمثل حاجات (وشكوى) الجمهور المتراكمة في خزين الصمت الطويل، ثالثا، وفي ما تركته السلطات الحاكمة ونزعات الاستفراد بالقرار السياسي من تغييب للحريات رابعا، وفي ضيق الحكام وامتناعهم عن السماع لصوت الاحتجاج وتعاملهم بالقوة والردع وحدهما اسلوبا في التعامل مع المحتجين، اخيرا.
 وبين ايدينا نماذج حية لحركات الاحتجاج في شمال افريقيا، سرعان ما شملت جميع شعوب المنطقة من غير استثناء، وقد انتصرت في ساحتين (تونس ومصر) وبمدى قصير نسبيا وباقل الخسائر في الارواح ووفي بنى الدولة بفعل الزخم السلمي، عابر الفئوية، وهي مرشحة للانتصار في اكثر من ساحة بحسب التزام هذه الحركات بالكفاح السلمي وحصانتها ضد المشاريع الفئوية للمعارضات التقليدية التي لا تضمر في جوهرها وجهة اصلاحية قدر ما تضمر طموحا الى السلطة.
 وتظاهرات السليمانية وقبلها اربيل وحلبجة وكلار ومدن اخرى في الاقليم، انطلقت، اول الامر، من شكاوى واضحة للجمهور حيال الاوضاع المعيشية للفئات الشعبية إذ تزايدت الهوة بين شريحتين، غنية تزداد غنى، وفقيرة تنحدر فقرا، وايضا حيال تطبيقات وهياكل سياسية وادارية تمس الحريات العامة والخاصة ، لكنه منذ اليوم الاول اظهرت قيادة الاقليم، على مستوى الرئاسة والحكومة، تفهما لهذه الحركة واستعدادا للدخول معها في اجراءات اصلاحية، ولم يكن اصطدام "الحافات" من اجهزة الامن وجماعة التطرف قد دفع الى فقدان الانضباط، في حين فتحت ادارة الاقليم مسارا للتفاوض متعدد المستويات وتم التوصل الى برنامج المطالب الـ17 الذي يضم اصلاحات اجتماعية وسياسية واسعة، كان معروفا انها لن ترى النور إلا في ظل الاجواء السلمية والتضامنية والصادقة.
 وفيما وضعت حكومة برهم صالح خطة تنفيذ المطالب وتطبيع الاوضاع الامنية والسياسية ظهر المشروع الفئوي لتحالف المعارضة (اسلامي- يساري) في اوضح صورة له في تحريك ساحة الاحتجاج الى المخاشنة وتجاوز فروض التعبير السلمي للمطالب والتعدي على الشواهد الحكومية والسياسية، وتولت مجموعات صغيرة متطرفة القيام باستعراضات مسلحة وتجييشية بالنيابة عن فئتين معارضتين، وبدا ان الاتجاه يمضي الى خيار التخلي نهائيا عن المعارضة البرلمانية الشرعية لصالح اغواءات القفز الى السلطة عن طريق الشارع، او ربما عن طريق "الشرعية الثورية" سيئة الصيت التي جاءت الى المنطقة باعتى الدكتاتوريات.
 ولم يعد اصحاب هذا المشروع  الفئوي يتحدثون عن برنامج الـ17 الذي شاركوا في صياغته، بل انهم اصدروا بيانا في السابع من نيسان الجاري طوى ملف التفاوض ورفع مطلبا جديدا ولافتا هو "تشكيل حكومة انتقالية تكون على أساس التوافق".
 وهنا ظهر اغواء آخر هو المحاصصة بديلا عن المعارضة تحت قبة البرلمان.
 على ان العثرة الاولى للمشروع الفئوي الاحتجاجي في اقليم كردستان هو تخليه عن المعارضة البرلمانية التي كان قد نال عنها مكاسب كبيرة، واستثمرها في الخروج الى هواء الاعلام والعلاقات العامة، على الرغم من الملاحظات على تناقض المواقف بين فرقاء المعارضة حيال مضامين وحدود الحريات التي تدعو لها بين اقصى اليمين المحافظ (يشكو من الحريات المدنية) واقصى اليسار المتطرف(يدعو الى اطلاق تلك الحريات)  وبالرغم، ايضا، من تجاوز الاداء البرلماني للمعارضة لفروض اللعبة الديمقراطية المقررة في تشريعات واتفاقات من جهة، وللظروف الامنية الحساسة والمعقدة للاقليم من جهة اخرى.
 المراقب الموضوعي الذي يطالع تفاصيل المطالبة باقامة حكومة انتقالية في الاقليم يتلمس محاولة للالتفاف على مفردات مطالب المحتجين باجتثاث الفساد وضمان الحريات وتأمين المساواة وفرص العمل الكريمة واصلاح الهياكل الحكومية، ويرصد منهجا فئويا انانيا بالتخلي عن برنامج الاصلاح المتفق عليه  واختزال حركة الاحتجاج الى مكاسب فئوية سياسية للاقلية البرلمانية جوهرها القبض على السلطة من قاعدة المحاصصة الحزبية، وبمعنى ما، محاولة تعويم قاعدة المحاصصة القائمة في العملية السياسية في بغداد إذ يشتمها المعارضون الكردستانيون ويطالبون باسقاطها هناك فيما يحبذونها لتصبح قاعدة يحصلون خلالها على الامتيازات والمناصب في اقليم كردستان.
 والغريب في الامر ان شعارات المحتجين في السليمانية (اذا شئنا ان نطالعها من الخارج) بدأت منذ حين تنطلق على يد المشروع الفئوي من حلقة الى اخرى في مسار من التصعيد المرسوم الواضح، ففيما يجري الاتفاق على احترام جميع المطالب والسعي الى تنفيذها بالتزامات وتعهدات وخطوات معلنة نفاجأ بشعار تصعيدي آخر لم يكن ليرد في السابق ثم تتبعه مخاشنات وهجمات على مراكز حساسة، حتى رست الشعارات عند وضع مطالب حركة الاحتجاج جانبا لصالح شعار جديد وتجييشي يتضمن اسقاط الهياكل السياسية المنتخبة عبورا من فوق امكانيات وشروط وشرعية مثل هذا المنحى، وتحديا لتشريعات متحققة على الارض. 
 وهكذا فان المشهد الاحتجاجي في السليمانية، والاقليم، تجاوز الجدل حول شرعية او عدم شرعية مطالب المحتجين الى ما يتصل بالسلم الاهلي في الاقليم، والى ما يحمل على الاعتقاد بان ثمة "قوة" من القوى المحلية، او جهة متمردة  تدفع المشهد الى الاستقطاب والمجابهة وتصفيات الحساب النائم ، وتعرقل اية فرصة للاصلاح وتلبية مطالب المحتجين، وهي نفسها (ووحدها) صاحبة المصلحة بشلّ الاوضاع الامنية، وهي السعيدة بانهيار فرص الحوار والتفاوض والحلول الوسط بين فرقاء الساحة السياسية.
 من زاوية يبدو ان ثمة حلقة مفقودة في صفوف المعارضة الكردستانية بحاجة الى الكشف عن مصادرها.. ولولا اني ضد نظرية المؤامرة لقلت انها مؤامرة.
*         
"  الإختلاف في الرأي ينبغي ألا يؤدي إلى العداء وإلا لكنت أنا وشريكتي في الحياة من ألد الأعداء".
غاندي