المحرر موضوع: حول تنحي البيروقراطي الحزبي  (زيارة 1033 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Camilia Sadik

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 10
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
حول تنحي البيروقراطي الحزبي

الباحثة اللغوية كاميليا صادق في سان دييكو، كالفورنيا

عادة يمارس الفرد دكتاتوريته حين يقود دولة أو مع أفراد عائلته أو مع المقربين منه.  أما البيروقراطي فهو من يسئ استخدام منصبه ليفوز بما يبتغيه.  يقول دانتـي “Power corrupts.”، بالعربية تعني "السلطة تُفسِد" وبالعراقي تعني "المناصب تُفسِد".  طالما راقبنا تحوّل أكثر من مسؤول لمنظمة أو حزب ذو جماهيرية واسعة إلى بيروقراطي حزب-أشبه بدكتاتور دولة كالقذافي-محتكرا لمنصبه مدة 20 أو 30 سنة وممارسا للأساليب الملتوية، للحفاظ على منصبه.  والسبب الذي يحول دون تحوله إلى دكتاتور هو كونه لم يستلم السلطة بعد، إلا أنه يمر بمراحل مماثله لمراحل تحول الفرد إلى دكتاتور.

مراحل تحوله إلى بيروقراطي حزبي
في المرحلة الأولى التي هي قبل استلامه لأي منصب حزبي عال، كان-على الأرجح-ذو سمعة وطنية جيدة وعلى هذا الأساس شيد القاعدة الجماهيرية التي انتخبته لمنصب القائد. 

بعد وصوله لمركز القائد، تتغير مرتبته الاجتماعية وينتقل لطبقة النخبة-وهو نخبة بين من يحيطه وأيضا بقانون النظام الداخلي للحزب الذي يمنحه امتيازات خاصة للقيام بمهامه.  بما أنه جزءا من حزبٍ تعشقه الجماهير، ينتقل عشق الناس لذلك الحزب إليه (إلى شخصه).  ثم يتوهم ونراه منتفخا كالبالون لا يميز بين الحزب ونفسه، فتتحول الجماهير التي أحبت هذا الحزب إلى عائلته الكبيرة وهو زعيمها الأوحد.

وبمرور الزمن يتعود بل يُدمن على عشقهم له وعلى فكرة كونه الزعيم الأوحد، ولا يرضى التخلي عن منصبه كي لا يخسر كل هذا الحب والاحترام والزعامة-متجاهلا-كون الناس تحب الحزب فيه وليس هو بمفرده.  تدريجيا ينسى الهدف الذي جاء من أجله للقيادة ويركز جهوده كلها وفعلا كلها على الاحتفاظ بمنصبه المرموق وعلى برجه العاجي-يا للهول فقدان منصبه المرموق سيسلبه من الامتيازات الخاصة ومن برجه العاجي ومن حب الناس الذين قد أدمن عليه.  لو كان الإنسان عاقلا يتنحى من منصبه في هذه المرحلة لوقاية نفسه من التحول إلى بيروقراطي مقيت.  وإن لم يكن عاقلا يبدأ ثم يستمر بممارسة الأساليب الملتوية كلها فقط كي يُبقي الحال على ما هو عليه ويتمسك بقبضته الخانقة على مركزه الذي يوفر له ولعائلته بحبوحة يسندها حب واحترام الناس للحزب. 

بعد حوالي 2 إلى 4 سنوات يُدمن العيش ببحبوحته المريحة ويتطور ويصير هو الكادر الأوحد في المنظمة، ويمقت فكرة خلق كوادر كثيرة في الحزب، ويميل لقلة العدد لتنفيذ كل مهمة، ويتخلى عن النضال من أجل الحزب ليناضل للحفاظ الدائم علي منصبه.  ثم 1) يحيط نفسه بمجموعة من أعضاء حزبيين مخلصين ومتحمسين جدا للوطنية لكن ليس من النوع الذي سيبرز منهم كادرا ينافسه على منصب قيادة الحزب.  ولشدة ولائهم للحزب، ينفذ هؤلاء الأعضاء-الذين لن يُطوِرَهم هو إلى كوادر-ما يطلبه منهم بتفاني ودون تساؤل.  2) يُبعد بطريقة أو بأخرى كل من يرى فيه سمات الكادر، ويدير ظهره بطريقة بيروقراطية مقيتة لأي عضو جديد مقتدر يحاول الانتماء للحزب، بينما يبالغ بالترحيب بمن يشخص فيهم قلة الوعي ويمدحهم ويطلب منهم الانتماء لهذا الحزب العظيم.  3) أيضا يستمر بإبعاد المفكرين وأصحاب القلم الذين قد ينافسوه أو قد يحرضون بقية الأعضاء ضد انتخابه في المؤتمر الحزبي القادم.  4) ويظهر بمظهر الإنسان الوديع العريض الابتسامة ويحيا بين هذه المجموعة المغلقة من التابعيين له، ويستمر بالتغني بأمجاده الماضية حين كان في صفوف المناضلين العراقيين إلى أن يصاب بالصدأ.  5) وبعد كم سنة يتقلص وينكمش حزبه على نفسه ويصبح بدون قاعدة جماهيرية لأنه بات حزبا يعاني من شحة في الكوادر-بالطبع شحة الكوادر تمنع الحزب عن مد جذوره بين الجماهير.     6) يمضي في منصبه فترة 20 أو 30 سنه وهو الكادر الأوحد، وحين يضغط عليه البعض بالتنحي، ربما يتنحى لفترة لكنه يأتي بأحد أفراد عائلته ليحل محله.  وهكذا يتحول هذا الشخص من المناضل البطل الثوري الوطني المضحي والخ من الألقاب الطنانة إلى بيروقراطي مقيت.  لقد صح كلام دانتي بكون المناصب تُفسِده، وهكذا شخص كان-على الأرجح-في البداية إنسانا رائعا محبا للوطن أكثر من حبه لنفسه. 


كيف يقوم بعملية إبعاد الكوادر أو بعملية منع بنائهم
يعرف من يفهم بالعمل التنظيمي بأن زج الناس بالعمل التنظيمي الرفيع المستوى يُزّيد وعيهم ويطورهم فكريا وعمليا ويصقلهم ثم يخلق منهم كوادر.  لكن كيف يقوم البيروقراطي الحزبي بعملية إبعاد الكوادر أو بعملية منع بناء الكوادر؟    1) يحتكر ميزة الكادر الأوحد لنفسه وأحيانا يشارك أحد أفراد عائلته.  2) يسعى بقوة للتفوق في العمل التنظيمي الرفيع المستوى ويصر على عدم زج الآخرين به فيتطور بالعمل وحده دون الآخرين، ويبقى هو العارف والآخرون جهلاء بتمشية أمور التنظيم، ثم ينعتهم بأنهم لا يعرفون-وهم بالفعل لا يعرفون لأنه لن يسمح لهم بممارسة ما يقوم هو به من عمل رفيع المستوى وهو قد عزَلهم بأساليبه الملتوية ليظهر أمام الآخرين بأنه هو وحده المناضل المقتدر والواعي والفاهم والمثقف، والآخرون من حوله محدودي القدرات والكفاءات.  3) وهكذا يبرر الجميع إعادة انتخابه رغم كونه المسؤول الأول والأخير لخواء الحزب من الكوادر، وفعلا يبقى هو الصحيح في إدارته للمنظمة والبقية غلط في غلط.  4) وحين ينكمش التنظيم على نفسه ويخسر قاعدته الجماهيرية نرى نفس الوجوه في كل مناسبة أو حدث.  أما جوابه للذي يثير سؤال استبداله أو تنحيته فهو دائما جاهز مع ابتسامة عريضة جدا-وهو إنه لا يوجد بديل له لأنه هو فقط المقتدر الوحيد الذي يعرف كيف يدير المنظمة كلها، ويجلس هو وعائلته في مقدمة اجتماعات التنظيم كالملوك المتوجين بتاج مصنوع من عشق الناس للحزب.  5) وحين يُفرض عليه التنحي، يتربص لفشل القائد الجديد كي يقول بنظراته "شفتوا؟ ماكو واحد غيري يعرف شلون يشتغل".  وهذه طبعا محاولة منه لغسل أدمغة الذين لا يعرفوا بأنه هو نفسه الذي أوصل بالتنظيم إلى هذه الكارثة.  يا ترى نراه ملتوي السلوك وهو "خلـﮓ قائد لتنظيم بدون سلطة حكومية"، لا سامح الله لو يستلم سلطة حاكم العراق "شراح يسوي"! 

نعم هناك حل بسيط للغاية
الحل لهذه المشكلة بسيط للغاية وهو إضافة نقطة جديدة للنظام الداخلي للحزب أو المنظمة تنص على أن "لا يسمح نهائيا بإعادة انتخاب نفس الشخص الذي تم انتخابه سابقا أو أي من أفراد عائلته لأي منصب في الحزب أو المنظمة لا الآن ولا في المستقبل، وعليه أن ينزل إلى مرتبة عضو عادي مثلما كان في أول انضمامه للحزب".  وبذلك نضمن انتخاب أشخاص جُدد أثناء كل فترة انتخابية التي هي عادة مرة كل سنة للمنظمة وكل أربع سنوات للحزب.  والجانب الإيجابي الآخر في وضع هكذا تعديل بالنظام الداخلي هو كون بقية الأعضاء سيضطرون للسعي في تطوير وبناء أنفسهم ككوادر للقيام بمهمات جدية ورفيعة المستوى في المستقبل-وحتى الرئيس نفسه سيسرع في مهمة تهيئة وخلق الكوادر. 

بالتأكيد ستثار أسئلة كثيرة حول وضع هكذا تعديل، منها "كيف سنقبل أن يكون حال هذا الإنسان العظيم الذي ضحى كثيرا في الماضي حال العضو العادي؟"  في هكذا حالة نقترح الرجوع لأهداف الحزب منذ تأسيسه، ثم طرح السؤال "هل هناك نقطة بأهداف الحزب تشير إلى مكافئة العضو المضحي بمنحه مركزا حزبيا معينا؟"  أيضا الإنسان المضحي والعظيم لن ينظم للحزب من أجل أن يحصل على مكافأة أو تعويض، ولكونه عظيم ومتفاني سيتنحى عن منصبه بكل رحابة صدر، خاصة وأنه يضع مصالح الحزب والوطن قبل أي مصلحة أخرى.  وبما أنه كان في البداية إنسانا رائعا محبا للوطن أكثر من حبه لنفسه، لما لا نبقيه هكذا؟  وإن كان في الحزب برنامج غير معلن لمكافأة أو تعويض المناضل، فيجب إزاحته فورا لتنظيف الحزب منه لأنه برنامج مُجرَب واثبت فشله وهو خطر ويؤدي-بالضرورة-إلى دمار الحزب وانكماشه على نفسه وتشويه سمعته.  وإن كانت الحجة كون هكذا شخص يستمر بمنصبه وفق انتخابات ديمقراطية حزبية، ندحض الحجة بالقول بأن العالم مليء بقادة أحزاب ورؤساء دول رديئين للغاية تنتخبهم ديمقراطيا جماهير مغسولة الأدمغة.  لنتوقف ونسأل أنفسنا "لماذا بات العراقيون يتناءون ويغسلون أيديهم من شيء اسمه حزب أو منظمة؟"  تخيلوا عظمة عملية نسيان العراقيين كلهم لشيء اسمه مناصب ومكافآت حزبية وانصرافهم لتحقيق مكتسبات للوطن وللإنسانية!