المحرر موضوع: هل تتجه المنطقة الى حرب سنية شيعية؟  (زيارة 2128 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل تيري بطرس

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1326
  • الجنس: ذكر
  • الضربة التي لا تقتلك تقويك
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
هل تتجه المنطقة الى حرب سنية شيعية؟



تيري بطرس

في كانون الاول عام 2004 ، وعند زيارته للولايات المتحدة الامريكية، وفي مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست، عبر الملك عبدالله الثاني ملك المملكة الاردنية الهاشمية عن مخاوفه من اقامة هلال شيعي يضم كل من ايران والعراق وسوريا. في المقابل عبرت السعودية عن مخاوفها من التعامل مع الرئيس الباكستاني اصف زرداري لكونه شيعيا كما نشر موقع وكيليكس. واكد الرئيس المصري الاسبق حسني مبارك عن شكوكه في الشيعة من كونهم موالين لايران وليس لاوطانهم. مما تقدم وما تقوم به المجموعات المسلحة المحسوبة على سنة العراق او تنطلق من مناطقهم، يؤكد ان هناك تخوف كبير من السنة في المنطقة من توجهات الشيعة. وهذه التخوفات ليست دون اساس فالعداء الشيعي السني عمره تقريبا من عمر الاسلام. ولقد عانت الاقليات الشيعية في المناطق السنية الكثير من التمييز والتهميش. وهنا لا بد لنا ان نذكر ان الشيعة ليسوا براء من العداء للسنة، ففي ايران يعاني السنة الكثير من الظلم والتمييز. ولعل اكثر الحروب الدائرة بين الطرفين علنية، نجدها في الفضائيات التي تنموا كالفطر من الجانبين لفضح الطرف الاخر ليس سياسيا، بل وحتى مذهبيا، ليس الان فقط بل من صحابة النبي محمد ولحد الان.
بعد احداث البحرين، ظهر واضحا ان الوضع لم يؤخذ كاحداث داخلية يمكن التعامل معها والتكييف مع نتائجها، بل اخذت كتهديد حقيقي لامن المنطقة، وللواقع الجيوالسياسي القائم، من قبل الدول الاعضاء في مجلس التعاون لدول  الخليج العربي، والجماهير السنية في المنطقة. في المقابل هللت الاطراف الشيعية ومنحت للمظاهرات صفات الثورة الاسلامية وتلقت دعما اعلاميا كبيرا وتغطية واسعة من قبل الاعلام الايراني كقناة العالم وقناة المنار الحزب اللهية. ومن بعض الاطراف الشيعية العراقية في خطوات طائفية صريحة تضر المصلحة العراقية ككل.
في بداية حزيرات الحالي عرضت اعترافات اعضاء تنظيم الجيش الاسلامي حول مجزرة التاجي البشعة، مسببة احتقان طائفي كبير، خيم على الاجواء السياسية في العراق برمتها. وبات واضحا ان هناك طرفين متقابلين، طرف شيعي يظم اغلب القوى الشيعية وبعض الافراد من السنة، والطرف المقابل يضم القوى السنية المتسترة خلف اسم القائمة العراقية وتضم رئيس الوزراء الاسبق الشيعي الدكتور اياد علاوي.
بين الطموح السياسي والاحتقان الطائفي الداخلي المخيم على الوضع، تنغلق اسس التعامل السياسي، وتتصاعد التهديدات والتهديدات المقابلة، مؤدية الى الجمود السياسي وتمترس كل طرف بمواقفه، مما يسهل الانفجار ومن ثم التمزق الداخلي وما يتبعها من حرب اهلية شيعية سنية، تذهب بالوطن وبامال الشعب. 
نحن امام مسارين، وكليهما قد يؤدي الى حرب طائفية، المسار العراقي الذي سيتغذى بالمسار الاقليمي المحتقن، والذي ينتظر ايضا عود كبريت لتشتعل المنطقة، من لبنان الى ايران جارفة المنطقة كلها الى حرب لا تبقى على شئ. فالدول كلها تبدي استعدادا لمثل هذا السيناريو المفزع. ان دعم ايران لحزب الله وسوريا والحوثيون لم يكن الا محاولة لتقوية اوراقها في المنطقة وبالتالي فرض شروطها ومن ثم رؤيتها. والمنطقة التي تظم غالبية سنية لم تهظم هذا التوجه وان كان تحت يافطة معاداة اسرائيل التي باتت يافطة مهلهلة ولا تحضى بالمصداقية، وخصوصا بعد الثورات العربية على حكام، لم يجدوا في الدفاع عن كراسيهم الا ان بقاءهم هو ضمانة لاسرائيل. من الجانب الاخر بدات القوى السنية في المنطقة بجمع مقومات قوتها وذلك بمحاولة ضم الاردن والمغرب الى مجلس التعاون لدول  الخليج العربي، رغم ان الدولتين لا علاقة لهما بالخليج وحتى بناءهما الاجتماعي والاقتصادي ليس قريبا مما سائد في دول الخليج العربي، بل من الواضح انه كان لدواعي عسكرية وسياسية، وخصوصا ان جيشي الاردن والمغرب جيشان قويان وموقفهما السياسي اكثر انفتاحا ويملك مصداقية في الغرب .
عراقيا ان لم نعد الى العقلانية والتعامل السياسي والمساومة بطريقة تلتزم اسس العمل السياسي الحقيقي فاننا بالتاكيد مقدمون على حرب اهلية مدمرة. ورغم الثقة بان القوى الكوردية لن تتورط في مثل هذه الحرب، الا انه لا يستبعد ان تنفذ تهديدها بالانفصال وان كان غير معلن، بمعنى ان تترك الطرفين السني والشيعي لكي يصفوا حساباتهم الغير العقلانية خارج المناطق الكوردية، وفي النهاية ستقرر هذه القوى موقفها من موقف اقوى كثيرا مما هي عليه الان رغم قوة موقفها الحالي. الخطوات التي يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار، هي ان سقف طموحات القائمة العراقية ورئيسها الدكتور اياد علاوي، اعلى بكثير مما يستحق، وموقف التحالف الوطني بشان رئاسة الدكتور علاوي لمجلس السياسي هو موقف سليم فلا يمكن لعلاوي او اي اخر ان يتراس مجلسا يضم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس اقليم كوردستان لان هذا يجعله في موقع اعلى من كل هؤلاء. ولذا فان تسمية بسكرتير هو الافضل والاكثر توفيقا. ان هذا المجلس يجب ان يكون جل واجبه هو وضع التصورات العامة لمستقبل العراق، من النواحي السياسية والاقتصادية وعلاقاته مع الجوار. اي ان يخلق توافق شعبي حول مواقف عامة ويترك الاختلاف في التفاصيل للاحزاب السياسية، بمعنى ان اي حكومنة عراقية ومن اي حزب او توجه كانت لا يمكنها ان تخرج من هذا التوافق العام، كما هو الامر في الدول ذات المؤسسات الراسخة.
طبعا ان شعارات القائمة العراقية في علمانية الدولة ومدنيتها وابعاد الدين عن التاثير في العمل السياسي، شعارات تستحق المساندة والدعم، ولكن مع الاسف ان هذه الشعارات بات الناس في شك منها، لان اغلب قيادات القائمة العراقية، مغرقة في طائفيتها، ومواقفها القومية المتقوقعة على الذات وعلى شعارات البعث البائد. ان تحالفات العراقية، اهتزت كثيرا، وخصوصا بعد ان ظهر ان بعض عتاة الارهابيين كانوا قريبين منها، وهي مطالبة بتوضيح حقيقي وليس هروبا الى افتعال ازمات اكبر مع الاطراف الاخرى، كما ظهر في  البيان الاخير للاستاذ علاوي الذي لم يكن موفقا البتة. من الجانب الاخر يظهر ان تصعيد الاطراف الشيعية والمطالبة باعدام المجرمين المشاركين بمجزرة عرس التاجي البشعة والمدانة بكل المقاييس، هو الاخر تصعيد غير موفق ويتجاوز القانون ومساراته. فرغم بشاعة الجريمة، الا انه يجب ان نحترم مسار القانون واتباع كل الطرق التي تجعل القضية غير مشكوك فيها، وغير قابلة للاستغلال السياسي من هذا الطرف او اخر، بل تجعل كقضية لمحاربة الارهاب والجريمة المتلبسة لشعار محاربة الاحتلال والمتغطية بالاسلام.
من هنا على جميع الاطراف العراقية ان تتوخي الحذر والحيطة في مواقفها، لانها ستكون خاسرة كلها والعراق سكون الخاسر الاكبر. اما اقليميا فان ايران مهما كان الوضع باعتقادي ستبقى دولة موحدة رغم انها قد تخرج ضعيفة،  وسيكون ذلك سببا لاهتمامها بشانها الداخلي لفترة طويلة، لان اثار الحرب ستكون كبيرة عليها وعلى الجميع.ولكن دول المنطة الاخرى مهددة بشكل كامل بالتقسيم والتشرذم، الى مكونات اصغر، فما سمى دول وطنية كما هو الوضع الراهن اثبت فشله، لانه اعتمد على قيام طائفة معينة باستلام السلطة وتسير دفة الدولة حسب مصالحها وحرمت البقية من دورها ومن حصتها في الثروة الوطنية او منحت لها الفتاة ليس الا. والواضح ان القيادات السياسية لهذه الدول عملت بدرايتها ام بدونها على وصول الوضع الى حالة الاحتقان الحالية. من خلال حرمان الاطراف القومية والدينية والطائفية الاخرى من المشاركة في القرار  السياسي، بشكل قانوني او بغيره. لا بل وصل الامر الى حصر القرار في ايدي عائلة او عشيرة واحدة (العراق في عهد صدام، سوريا، ليبيا، مصر بشكل ما، والدول الخليجية). فكان الجمود والاحتقان صفة للوضع. ولكن السياسة وحقوق الناس لا يقبلان الجمود ابد الدهر، مهما كانت الشعارات المرفوعة.  ورغم الفرص الكثيرة للتغيير التي كان بالامكان استغلالها، الا ان القيادات ظلت تعتقد انه يمكنها تسير دفة العمل كما تريد، ولعل الخلاف الكبير بين قيادات السعودية والادارة الامريكية مرده الى هذا، اي عدم رغبة القيادات في التغيير، فبات التغيير مطلبا جماهيرا، لا يمكن لهذه القيادات الا الانصياع له، او مواجهته بالحديد والنار، وياقاتل او مقتول كما نشاهد في ليبيا واليمن وسورية.
ان التصعيد السني الشيعي له سبب غير معلن لبعض الدول الا وهو ابعاد الاستحقاقات السياسية اي التغيير بحجة مواجه الاطراف التي تريد الشر بالوطن. حتى لو كان الوطن ومصيره هو الضحية. وهنا يقصد بالاطراف المعادية بالنسبة لغالبية  الدول العربية الشيعة، الشيعة الذي منحوا الكثير من اسباب الشك في نواياهم تجاه المنطقة. لانهم ساروا خلف التصعيد السني اعلاميا وسياسيا وطائفيا، من خلال التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى باسم الطائفة، ولعل وضع البحرين كان اكثر وضوحا في هذا المجال.
وفي ظل هذا الوضع المشحون لا يبقى في العراق للاقليات وللقوى العلمانية الحقيقية والليبرالية، من دور، بل ان البعض التبس عليه الامر وخصوصا بعض العلمانيين وصار محسوبا على الدكتور علاوي وان كان لا يرمي الى ذلك، بل ان اختلاط الاوراق والمطالبات المختلفة والمتزامن هي التي تعطي هذه الرسالة الخاطة، او ان ادعاء العراقية بالدفاع هن هذه المطالب هو السبب، حتى وصل الاختلاط الى اعتقاد الجماهير الشيعية الى ان مطالب القوى العلمانية باطلاق سراح بعض المساجين هو دعوة لاطلاق سراح الارهابيين ومنهم مجرمي مجزرة التاجي. ان هذه القوى مطالبة بفصل موقفها وتمييزه ووضع حدود واضحة بينها وبين المطالب الطائفية المدعومة اقليما. وحصر المطالب بالوضع الوطني.  اما وضعنا نحن كاقليات قومية ودينة، فهو وضع مرتبك، وعلى سياسيينا دراسته وعدم الاستعجال في اي تحالف مع القوتين اللتان تسحبان العراق الى حرب طاحنة لا ناقة لنا فيها ولا جمل.
في الطائفتين السنية والشيعية وعل مستوى المنطقة كلها، تتواجد قوى علمانية وليبرالية ولكن صوتها سيكون ضعفيا في الوضع المشحون الحالي، نحن نتمنى من ان تتمكن من الوصول الى مستوى القرار لانه فقط بيدها سيكون الانقاذ، الا ان التمني شئ والواقع شئ اخر مع الاسف.   
ܬܝܪܝ ܟܢܘ ܦܛܪܘܤ