المحرر موضوع: والدةُ الشّهيد ... بقلم مارتن بنّي  (زيارة 806 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Enhaa Yousuf

  • مشرف
  • عضو مميز
  • ***
  • مشاركة: 1748
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • http://www.enhaasefo.com/



والدةُ الشّهيد




 مارتن بني




سالَ الدّمُ على رُكَبها
حاوَلت تخطّي قطرات عينيها
لكن دقاتِ قلبها منعتها
أرادت مسح دموع مقلتيها
فرجف يديها لم يسعفها
تذكّرته كيف وُلد
وصوته الباكي يعزف في المستشفى
كأنه سيمفونية تلعب على آلة (البيانو)
منها استقى (موزارت) عزف يديه
وبها بدأ يؤلف لحنه
والقماش الأبيض يلفّ جسده الصغير
كأنه ملاك أنجبته احدى آلهة الجمال
علّها تكون أفروديت
كَبُرت زهرتي يوماً بعد يوم
وفي كل يوم
أسقيها وأرعاها
ونضجت آنا ًبعد آن
وانفتحت
وانبثقت منها الثمرة
تلك الثمرة التي كانت تلذّذ طعم لساني
وترفع من حكم ذوقي
يسير أمامي صباحاً ومساءً كان
وما تركته لحظة
لعبة مركبة تملأ
فراغ البيت كل نهار
ويؤنس آلام وحدتي
شرارة لهيب
يضيء عتمة الغسق
وقارورة طيب
تعطّر أطراف ثيابي
بئر يُروي الجمال على قارعة الطريق
ويفرح بلقائه كل حبيب وصديق
مفتاح باب جنّتي
وفردوس جحيم حياتي
تخيّلت عصفوري خارج قفصه
يزقزق فوق أغصان جنينتي
يخبرني بمجيء الضيوف
كما العادة حينما
تزقزق العصافير أمام البيوت
الضيوف قد أتوا
لكن أين هو؟
جاؤوا حاملينه من جناحيه
متهاوياً من فوق عمود الكهرباء
مصعوقاً برصاصة سوداء
كُسر منقاره الناعم الذي كنت أُقبّله كل صباح
تقاطرت قطرات دمه كقطر الندى
وامتزج دمه بدم عيني أمه
كمزج الخمر مع الماء
وكأن الاحمر القاتم يضيع أمام الاحمر الفاتح
فتلألأ لون ابيض من السماء
كلؤلؤة صياد اصطادها من أعماق البحار
وانفتحت طبقات السماء تنادي
يا ولدي يا ولدي
كيف احيا من بعدك
والحياة أبت ان تحيا فيّ
ماذا أقول؟
والقول قول لا يُجيب قائله
ولا يُسمع منه سوى صدى نَفْس مكتئبة
نَفْس نَفَس ضَيّق
ضيق السحرة والمشعوذين
وكيف أفرح؟
والبهجة لا تُبهج إلا المبتهجين
بإحراق الجثث واجتثاث أشلاء الجسد
ومن اُعانق؟
وعنقك لم تفارق عنقي
وبعد العناقِ وداع
وانا أهوَن على ان لا أودّعك
كما تودع الامهات أبناءهن
لمّا يسافرون و لا يعودون
فها هي أثار دم بطني على جلدك
قبل خمس وعشرين سنة
وكيف  تريدني  ان لا اشرب من كأسك
بعدما اشركتك في الشرب
من مجاري أوردتي وشراييني
وها إني أمسح بقع دمك بعد خمس وعشرين سنة
كما مسحتها حينما غنّجتك لأول مرة
وتهديلك يصدح في آذاني
فمَن يغنّج الآن عويلي
وذاك القماش الأبيض
الذي لففتك به يوم مولدك وأنت صغير
ها إني ألفّك به يا حبيبي
-يا عمري
يا معبودي
يا عشقي الأبدي
يا ابن أحشائي-
وأنت كبير