المحرر موضوع: في ذكرى الاب اوغسطين صادق  (زيارة 656 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل kaldanaia

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 871
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
في ذكرى الاب اوغسطين صادق
« في: 21:53 30/06/2011 »
الثاني من الشهر السابع من كل سنة يتملكني الاسى والحزن وتضيق بي الدنيا.
و تتشابك في الذكريات. اضيع فيها. عندما اتذكر بريق عينيه الذي كان يتكلم
قبل ان ينطق لسانه . امتلئ ندما وقول لنفسي . كان الكنز الحقيقي امامك الا
انك كنت اسيرا لهفوات شبابك . كل من عرفه صار اسيرا لحبه . كان عندما
يتحدث الينا نشعر انه يلامس مشاعرنا و عواطفنا. لم يميز يوما بين احد منا
كان قلبه كبيرا كان كتلة محبة تكفي للجميع . وعندما كنا نلاحظ عليه المرض
و التعب كنا نخاف كثيرا . لانه كان الاب الحقيقي الذي يعطي دون كلل او ممل.
احاديثه كانت دوما تملئنا بالامل في الحياة . علمنا كيف نحب الحياة . كيف نحب
ارضنا وحضارتنا . اتذكر لحد هذه الساعة كيف كان يتحدث الى الاطفال كنا
نحس بطفولته . وكانه طفل كبير وكذلك مع كبار السن كان يتحدث اليهم وكانه
قد اخترق جدار الزمن بينه وبينهم . احبه الجميع الاسلام قبل المسيحيين . مجلسه
وصحوبيته لم يعرفا الفراغ يوما . كنا نتعجب كيف يحب هذا الانسان ما هذا القلب
من اين ياتي بهذه الكلمات . ماهذه الثقافة . من اين لكاهن كل هذا الكم من المعلومات
عن حضارة النهريين. عن بابل الكلدانية عن اشور واكد وسومر. هو عرفنا على
شخصية كلكامش . كان يقول عنه انه باكورة المحبة النهرينية . كان معجبا جدا
بملحمة كلكامش . وبالذات شخصية كلكامش المعطاءة. لم نكن نعرف شيئا عن بابل
زينة فخرالكلدانيين كما يقول الكتاب المقدس.او عن حمو رابي وشريعته ونبو خذنصر
هو علمنا . علمنا المطالعة واختيار المادة التي نطالعها . لاجل توعيتنا وتثفيفنا .اسس
في كنيستنا جوقة تراتيل رائعة كتب ولحن قرابة اربعون ترنيمة ومن اشهرها
ياشيفانا طاوا و شلاملخ مليثا نعمي و ترنيمة قملى مارن ونشيد يا بلادا زاحمت كل الدهور
ونشيد بثنهرين يا حبيوا والكثير الكثيرالذي ليس لنا متسع من الوقت لذكره في هذه
المقالة . التمسنا في قلوبنا ايمانه بالكلمات التى كان يكتبها والتى كانت تتوج الحانه
وتكملها وكاءن الروح القدس هب فيها واعطاها شئ لا اعرف كيف اعبر عنه لانه
من السماء . في عهده اصبح نادي نوهدرا منبرا للثقافة . فيه كان يجتمع الجميع
كلداني اثوري ارمني . في عهده انطلقت النشاطات من مهرجانات و ندوات وحفلات
عائلية تتخللها ترانيمه وكلماته العذبة . نعم علمنا المحبة المجردة لم يميز يوما بين
هذه الجماعة وتلك . لذلك كان مجلسه يمتلئ بالشباب كانوا جميعا يحبونه وياخذون
بمشورته في شؤنهم الخاصة و العامة. كان الاب اوغسطين هادئا وجريئا . كان
يتكلم مع اي مسؤول ومهما كانت رتبته بكل جراءة وصراحة. المحبة والاحترام
الذي كان بينه وبين شمامسته   قل ما رايته في الكنائس الاخرى. لحد الان
اتذكر الشماس رابي جورج ذلك الانسان الوقور الذي كان صوته يخترق القلب
ويلامس الايمان من رخامته وعذوبته. كان مرة هذا الشماس يتحدث مع الاب
اوغسطين ذهلت من الرقي الذي كان يصاحب نقاشهم حول امور الطقس و القداس
ومرة بعد وفاته كان الشماس راسم هرمز يتحدث مع الشماس شمال توما قائلا
هناك اناس لايجوز ان يموتوا . لن انسى ابدا كيف كانت عيونهم تلمع تكاد تدمع
حزنا و اسى . كنا عندما نقول له ابونا نحس بالابوية لانه كان يحس بكل واحد
فينا. لم يهمل احدا. كان يقرب البعيد ويدعو الجميع الى مجلسه. في عهده كانت
المحبة سائدة مهماكانت الخلافات ان وجدت..من لا يعرفه يقول اني ابالغ
ولكن عندما تخطف الاقدار الذين نحبهم نحس بالضياع لا بل نضيع . هذا ما جرى
عندما توفى الاب الراغي اوغسطين. صرنا كاوراق قصة رائعة رياح الحزن
بعثرتها واتلفتها. صرنا كعبارات مبعثرة هنا وهناك .  ولكن من
خلاله يقول لنا المسيح ... لاتخف ايها القطيع الصغير..واليوم عندما نتذكره
نرتفع الى منزلة اخرى لا يعرفها هذا الزمن . نعم هذا هو الاب اوغسطين
الراعي الحنون المفعم بالمحبة . نعم هذا هو الطفل الذي ولدة من ام اسمها
شمامة واب اسمه اسحق في قرية دهوك انذاك . والتى هي اليوم من اجمل
محافظات العراق عامة  وكردستان خاصة . سنة1922 ولد طفل في احضان
دهوك وبين جبلين تتوسطهما قرية صغيرة تزينها الحقول والكروم ونهر
يترنح و يتمختر بين بيوتها وحقولها. كانت دهوك بناسها الطيبين المحبين
وكانما ينتظرون من ياتي ليرسخ هذه المحبة بكل معانيها المجردة.   بعد ان
انهى دراسته الابتدائية سنة 1933 . دخل المعهد الكهنوتي . مار يوحنا الحبيب
في مدينة الموصل سنة 1934 . حيث درس اللغة الكلدانية و اللاهوت
لمدة اثنتى عشرة سنة حتى ان انهى دراسته بهدوء يختبئ وراءه طاقة هائلة.
تخرج وارتسم كاهنا سنة 1945 باسم الاب اوغسطين . ومن هنا بداءة
مسيرة المحبة الباذلة التى لاتعرف الا العطاء . في ابرشية زاخو و دهوك
لمدة ثلاثة سنوات حتى ان باغته المرض الذي بدا ينهش في صدره .
وكانه جاء لكي يحطم احلامه واماله . نعم وهكذا بدا يصارع الموت
حتى اجبره المرض على الرحيل الى المجهول الى عالم الغربة الذي
لا يرحم . رحل الى لبنان وما ان وصل ادخل الى مصح ..بخنس..
قريب من بيروت لمدة سنتين. سنتين وهو يصارع المرض متحديا الامه
وغربته لا من معز ولا صديق . ولكن كما يقول الرسول بولص حيث لم
ترى عين ولم تسمع اذن ولم يخطرببال احد ما اعده الله لمحبيه.. كانت
محبة الله وستبقى هي التى تنجينا من كل مكروه . حيث شفي من مرضه
وباشر مسيرته في ابرشية بيروت وكرس جل وقته في القراءة والشبيبة
حيث انشا نادي بابل واسس مجلة بابل تيمنا برمز حضارة وادي الرافدين
عرفه الجميع هناك بثقافته ومحبته وتواضعه .وخير ما نعبر عنه في تلك الفترة
هو ما قاله الاب الدكتور يوسف حبي رحمة الله عليه.عرفته في لبنان كاهنا
كاهن شاب وفكر وتجديد . عرفته رجل ثقافة و صداقات على اعلى المستويات
الفراغ الذي تركه في لبنان لا يعوض غير انه ترك ارثا ما زال جمرات
متقدة . بل لهبات نار . لم تتمكن احداث لبنان المؤلمة ان تحولها رمادا او
ركاما وحطاما . انهم شبابه واصدقائه.. ومن كان له شباب واصدقاء لايموت.
نعم يا ابونا يوسف حبي كنا نحن الشباب الثمرة الحية التي كان يفرح بها و يقودها.
كنيستنا كانت مفعمة بالحياة بروح الشباب الملتهبة بالنشاطات التي كان يهئ
لها كل ما يلزم لاستمراريتها. نعم الكنيسة التي تخلو من الراعي الصالح والشباب
تحيا ميتة. واود هنا قبل ان اختم ان اذكر اهم صفة في الاب اوغسطين تزيدو
افتخارنا به والتي كانت تميزه هي انه لم يكن ماديا مطلقا حتى في احق حقوقه
مثلا لم يكن يعلم كم هو راتبه الشهري . وفي مرة من المرات كان يريد الذهاب
الى الموصل لحضور اجتماع في مطرانية موصل الكلدانية.وكنت حاضرا
عندما قال لمحاسب الكنيسة العم المخلص سمير توما شيشو اريد بعض النقود
لاسافر الى الموصل فابتسم العم سمير قائلا له ..ابونا ان لديك رواتب عندنا
فلمادا لا تاخذها قال له دعك من هذا الان الرواتب التي تتحدث عنها سوف
نوزعها قبل العيد لمن هو احوج منا اليها. هكذا كان الاب اوغسطين بعيد
كل البعد عن المادة حتى عندما توفى كل ما كان يملكه في جيوبيه لم يتعدى
الدنارين والنصف علما ان كنيسة دهوك كانت وما تزال من اغنى كنائس العراق
هو الراعي الصالح وعلى خطى معلمه بذل نفسه من اجل محبيه . لم تعرف
الانا طريقا له . كاهنا فريدا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني وابعاد.ولكنها
الحياة فيها البعض يضيئون ويذوبون كالشمعة لانارت مسيرة الاخرين .
هذه الرسالة انهكتك يا ابتي في حنانك وعاطفتك واعطيت بسخاء حتى خارت
قواك . هكذا هكذا اختتم الاب الراعي ارسالته في يوم 2.7.1985 .........
انا اسف جدا اذا كنت قد غفلت عن بعض المواقف التي كان يستوجب ذكرها

                                                   غالب صادق