تعلقت روحي بجدتي الحنونه منذ نعومة اظفاري وخصوصا بعد انتقالها للعيش معنا في بيتنا القديم ..فتعلمت منها معنى الحب والتضحيه ومعنى الفطرة والرقه والطيبه ..وايضا علمتني الادب مع الكبير والرحمه مع الصغير..فعند جدتي الحنونه لايفارق الحب حنانها ولايفارق ذكرالله لسانها..عانت وصبرت وتحملت الكثير وخصوصا بعد وفاة جدي المبكر..رغم هذا تتمتع بروح الفكاهه وخفة الدم ..ودائما تشعرنا بالفرح والسعاده ..تبيع الفرح وهي حزينه
نستمتع كثيرا بحديثها عن ذكريات الماضي واخباره فيطير خيالنا الى عالم آخر..فعندما كنا صغارا انا واختي نعشق الجلوس بقربها ونعشق حديثها وامثالها البغداديه مثل(امجدي وعيشته قديفه)و(حمص بالجدر ينبص)و(دهدر الجدر لكه قبغه)والخ ..ونعشق حكاياها المليئه بالشجاعه والكرم والنزاهه وحب الاخرين والحكمه والموعظه الحسنه..فعند كل مساء نلتف حول جدتي انا واختي بشوق ولهفه لتروي لنا حكايه من حكاياها الجميله..فتذهب قائله (انتظروا حتى يخدر الجاي )بعد ذلك تجلب قدح الشاي المفضل لديها (الاستكان)المرصع بخطوط ذهبيه ..تسكب الشاي من (القوري الفرفوري )المفضل لديها ايضا ومن ثم تسحب علبة سكائر(بغداد)من مخبأ سري في ثوبها وتبدأ بالتدخين ..سالتها (بيبي) رائحة هذه السيكارة نتنه ..اجابت ضاحكه (هاي سوله بعد ياابني التدخين شسوي)..ثم تسالنا انا واختي هل اغتسلتم وانهيتم واجباتكم المدرسيه؟ فنجيب نعم يا(بيبي)..تقوم بترتيب (فوطتها)تشرب الشاي ..تدخن السيكارة وتبدا برواية القصه ..يااولادي اليوم اروي لكم قصة التمبل احمد..كان ياما كان في قديم الزمان :
يحكى ان زوجة اغنى تاجر في بغداد تحتضر الموت..فنادت على بناتها الثلاثه قائله
الام:يابناتي فالتاتي كل واحده منكم ببطيخه وتقسمها الى نصفين لارى نصيبكم من هذه الدنيا قبل ان اموت
احضرت البنات الثلاثه البطيخات..قسمت الاخت الكبرى بطيختها الى نصفين فاذا هي حمراء تسر الناظرين..قسمت الاخت الوسطى بطيختها فاذا بالبطيخه ايضا حمراء وتسر الناظرين ..واخيرا قسمت الاخت الصغرى (بدرالبدور) فاذا ببطيختها بيضاء..بدون طعم ..بدون رائحه ..ضحكت الخوات بسخريه على بدر البدور قائلات:
الاخت الكبرى:اعتقد يابدر البدور قسمتك ونصيبك رجل عجوز اقرع واحول
الاخت الوسطى:تضحك ساخرة ايضا وتقول :وانا اعتقد يابدر البدور قسمتك ونصيبك رجل اعرج ومخبول في نفس الوقت
حزنت الام وتالمت كثيرا ..فقالت بدرالبدور لامها :لاتقلقي علي ياامي سوف اكون بخير
قالت الام:سوف اموت وحسرتي عليك يابدر البدور..ثم ماتت الام
مرت الايام ومرت من امام قصر التاجر وهي راجعه الى بيتها امرأه كبيره في السن تحمل حطبا على ظهرها وتمسك فأسا بيدها وتنادي حطبا للبيع ..بائعة الحطب هذه لديها ابن اسمه احمد..سيرته على كل لسان في بغداد..حيث يلقب (بالتمبل احمد)من شدة كسله وحبه للنوم..فهو دائما يتجنب السخرة والعمل باختباءه في (التنور) حيث يأكل ويشرب وينام فيه..
دخلت بائعة الحطب ام احمد الى بيتها ....وضعت الحطب والفأس على الارض وهي تئن ..آه ياظهري ..فنادت على ابنها (التمبل احمد)
الام:احمد ..احمد..يابني..احمد
تمبل احمد:اووووه ياامي ماذاتريدين لماذا ايقضتني
الام:اخرج يااحمد من التنور هداك الله وساعدني فلم اعد قادرة على حمل الحطب وبيعه..اصبحت كبيرة في السن وحمل الحطب قصم ظهري..وعظامي تؤلمني
تمبل احمد:ماهذا الكلام ياامي الا من الاجدر بك ان تذهبي وتعدي لي الطعام فانا جائع ولم ااكل شيئا طوال اليوم
الام المسكينه:حسنا يابني;رحماك ياربي
جلبت الام الطعام لتمبل احمد ومررته الى داخل التنور ليستلمه الاخير
تمبل احمد:ياكل الطعام ويتمتم;ماهذا ياامي لماذا الطعام غيرمملح..تعالي وخذي الطعام وضعي عليه قليلا من الملح وارجعيه الي
الام:حسنا يابني ;رحماك ياربي..وايضا تضيف قائله;لاتنسى بان تغتسل اليوم يااحمد فقد مرت مده طويله وانت لم تغتسل
تمبل احمد:حسنا ياامي سخني قدر الماء كالعاده واسكبيه علي
الام المسكينه:اخرج يابني من التنور هداك الله..ظهري يؤلمني ولااستطيع رفع قدر الماء ..اخرج واغتسل مثل الناس يابني
تمبل احمد:اووووه انتهى ياامي قررت ان لا اغتسل
الام:حسنا يابني; رحماك ياربي..سخنت الام قدرالماء وبدات تسكبه على احمد وهوفي التنور
تمبل احمد:ماهذا ياامي الماء دافئ ..اجعليه ساخنا
الام المسكينه:حسنا يابني;رحماك ياربي
وفي صباح اليوم التالي
انتهى الجزء الاول