المحرر موضوع: الازمة السورية ودور تنظيمات شعبنا  (زيارة 1265 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل تيري بطرس

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1326
  • الجنس: ذكر
  • الضربة التي لا تقتلك تقويك
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الازمة السورية ودور تنظيمات شعبنا


تيري بطرس
bebedematy@web.de

اندلعت الحالة الثورية التي تعم الكثير من البلدان المنضوية في الجامعة العربية، من حالة احراق البوعزيزي لنفسه في تونس، وخلال ايام تمكنت تونس من التخلص من رئيسها الذي حكمها من خلال الاجهزة الامنية، رغم كل التقييمات الايجابية التي كان تحضى بها تونس من نواحي عدة. لو تفحصنا الحالة التونسية جيدا، فاننا بلا ادنى شك سنجد، ان الواقع التونسي، مثل مستوى التعليم والانفتاح الاجتماعي ونوع من التعددية السياسية والفكرية، والانفتاح على اوربا، كان عاملا حاسما في تقصيرة فترة الاحتجاجات ضد الرئيس زين العابدين وفي الان ذاته كان عاملا مهما في عدم قيان حرب اهلية ومحدودية العنف الحكومي المستعمل. وهذا الامر يمكن ايضا ان يلاحظ في مصر، فمصر رغم الامية والفقر، الا انها كدولة لا زالت تحترم الذات وتعتبر نفسها نموذجا في المنطقة ساعد الجيش في اتخاذ القرار المناسب لانقاذ مصر من الاسواء.  الا ان تمكن الفكر الديني المتعصب من التغلغل فيها ومحاولة السيطرة على الدولة وتوجيهها، سيكون سببا في انحلال الدولة وتحولها الى امارات متحاربة على نفسها، ان لم تعي الدولة الامر وتتلافاه، لكي تبقى الدولة ذلك الجهاز القائم بخدمة الجميع من خلال منظور واحد وهو مصريتهم . ولكن المفارقة ان مصر وليبيا وسوريا واليمن، كلهم قالوا نحن لسنا تونس. في اشارة ضمنية الى انهم دول قوية وتونس دولة ضعيفة، حسب مقاييسهم لقوة الدولة والتي كذبتها سريعا الاخبار المتتالية من هذه الدول. اي نعم صدقوا، فهم ليسوا تونس، لان الحدث التونسي ان حدث، فسيكون الدمار والقتال والخراب. ولعل الجميع يتسأل عن سبب تطور الامور في سوريا وليبيا الى قتال وكان الحكومة في حالة حرب مع الشعب، الذي تدعي حمايته وتمثيله والعمل من اجل تحقيق امانيه! انها اسباب تدخل في صلب تكوين النظام السياسي القائم، والتي لا تسمح لاي معارضة او تعتبرها كفرا وجحودا ونكران نعمة. ان هذه الحكومات لا تعرف شعبا حرا ولا تعرف كلمة مواطن، بل تعرف قطيع من الرعاء لا غير، وان استعملت مصطلح المواطن فانه لذر الرماد في العيون، ومن مظاهر الادعاء الثقافي والانفتاح الفكر. ولكن في الحقيقة فانهم يتعاملون مع هذا المواطن كحاجة، كشئ عليه الطاعة والخضوع لرغباته فقط والادلة كثيرة ولعل الصور التي تاتينا يوميا من ليبيا وسوريا واتتنا من العراق سابقا تكفينا.  كان من الواضح ان اي انتفاضة في سوريا سيتم مجابهتها بالعنف والشدة المفرطة. لان النظام السوري يؤمن انه قطع كل خطوط الرجعة مع شعبه، فالقضية كانت يا نحن او هم، نحن هنا هي الفئة الحاكمة وهم تعني الشعب، دون اي التحام بين الشعب والقيادة، اللازمة التي اوجعوا ادمغتنا بها.
وضع شعبنا السرياني الاشوري في سوريا، صعب ، لانه يتم وضعه امام خيارات صعبة، سواء من قبل الطغمة الحاكمة او المعارضة، او حتى من قبل بعض من ابناء شعبنا. حيث يتم وضعهم امام خيار تكرار تجربة العراق بحقهم، او بين خياري تايد نظام علماني (كما يدعي) ،وبين نظام اسلامي يكفرهم ويعمل المزيد من اجل تهميشهم، ولو استمعنا الى بعض من يدعي المعارضة مثل الشيخ العرعور، فانه وبلا شك، فالوضع لا يطمئن. وكما قلنا فالوضع في العراق ومصر، هو صورة مقيتة لما ال اليه اوضاع اتباع الاديان الاخرى او ابناء القوميات الغير العربية والكوردية. ولمن يحاول منح صك البراءة للنظام السوري مستغلا ما حدث في العراق ومصر، نقول ان هذا النظام لم يدخر جهدا في العمل من اجل تعريب ابناء شعبنا، وتعريب البلد، وفرض التبعيث والتعريب عليهم، ليس هذا بل انه حاربهم في اسلوب خطير اخرفي الخابور كمثال، حيث تم الاستيلاء على ماءهم، حينما منح قطع اراض كبيرة لمؤازريه قرب راس العين، منبع نهر خابور، حيث قام هؤلاء المؤازرين بحفر ابار ارتوازية وسحب ماء العين ومن ثم تم تجفيف نهر الخابور، وتدمير الزراعة التي هي المورد الوحيد لاغلب مناطق شعبنا، وبالاخص سلسلة القرى الواقعة على ضفتي الخابور، وما الهجرة الواسعة لابناء شعبنا الا نتيجة للسياسات الاقتصادية والتنموية والتعامل مع الشعب لهذا النظام.
الحقيقة انه من الصعب علينا سواء كاشوريين سريان كلدان او كمسيحيين تقبل العيش في ظل نظام يقوم بتكفيرنا كالانظمة الاسلامية، التي يمكن ان تقوم في المنطقة، لان هذه الانظمة تلغي المواطنة المتساوية. ولكن القبول بالواقع القائم وعدم تغييره وهو قد وصل الى عنق الزجاجة، امر غير مجد لان العملية ستكون وكانك تقف في وجه مسيرة تاريخية واجبة التحقق. ان النظام الدكتاتوري وبممارساته واسلوب حكمه قد هيا الواقع لمثل هذه الحالة. لا بل انه سبب وصول الامر الى هذه الحالة التي لا يمكن فيها ايجاد حلول لمشاكل البلد الا من خلال ثورة تقلع النظام وقد تثيرمشاكل اكبر، نتيجة للاحتقان الطائفي المزمن الذي ادخلت البلد اليه. ففي الوقت الذي يتشدق فيه النظام السوري وسبقه النظام العراقي البائد بالعلمانية. فان الوقائع تكذب كل ذلك وتؤكد انها من رسخت الولاء الطائفي والعشائري والاسروي، حيث وضعت لنفسها اسيجة حماية متعددة. لا بل انها من باب الحماية للنظام وراسه قامت باشراك الاخرين في جرائمها لتوزيع دم الضحايا على العشائر والمذاهب والاديان المختلفة، وهذا النمط وجدناه واضحا في العراق وسوريا البعثيان.
 ان نجح النظام السوري في تجاوز الحملة القائمة لتغييره، وهو امر مشكوك فيه، فانه سيخرج مثخنا بالجراح، ضعيفا واهنا، سيخضع لقوى اقليمية وسيساوم القوى الداخلية وخصوصا الاسلامية لضمان بقاءه او العفو عنه (من الغريب ملاحظة ان الانظمة القومجية مثل نظام صدام وبشار والقذافي والتي تدعي محاربة الامبريالية والصهيونية والصليبية، قدمت عروض مغرية للدول الغربية مقابل ضمان بقاءها في السلطة ولكن لم يتم الاستجابة لطلبها لان مفعولها انتهى، انها صارت اكسباير). ودلائل تقديم النظام التنازلات معروفة وواضحة، فالاحتجاجات لم تكن قد بدات حتى قدم النظام العروبي السوري التنازلات العديدة لاستمرار بقاءه، الا ان القوى التي قدم لها التنازلات تلقفت المعروض، ولم تعطه صك الامان، لانها تدرك انه سيقدم المزيد والمزيد ومن ثم سيرحل غير ماسوف عليه. ولذا علينا ان ندرك ان النظام راحل وان بقى بالصورة في نهاية الامر، وعلى هذا الاساس يجب ان تعمل احزابنا.
على القوى السياسية لشعبنا السرياني الاشوري ان لا ترضى بوضعها امام خيارين احلاهما مر، رغم ادراكنا ان وضعها ليس سليما لاسباب ديموغرافية وخريطة المنطقة الاقليمية، الا انه عليهم التعلم من تجربة شعبنا المريرة في العراق، والخسائر التي تكبدناها جراء عدم العمل سوية وعدم الاتفاق على اولياتنا، رغم اننا في العراق تمتعنا بفترة قدرها اكثر من عشرة سنوات، كان يمكننا خلالها ان نهئ امورنا بصورة افضل، الا اننا انتظرنا وخسرنا الكثير من الاوراق ولم نتعلم من تجارب الاخرين الا بعد ان اكتوينا بالضربات المؤلمة. ان على قوانا السياسية في سوريا، قد لا يتمتعون بهذا الترف، ولكن عليهم  ان يتجاوزوا  ذلك كله، لان معاناتنا في العراق كانت معاناتهم وعاشوها لحظة بلحظة، وهي خبرة يجب ان لا يفرطوا بها.
يجب ان ننوه بان هناك تحركات جيدة، ولكن المطلوب ان نعمل من اجل تقوية اوراقنا السياسية، لتعوضنا عن الخلل الديموغرافي، من خلال طرح المبادرات الوطنية التي تضع حلول لمستقبل سوريا يعمه السلام والوئام والاستمرارية. والحلول يجب ان تدرك ان حال سوريا يجب ان يتغير وان تقوم دولة على انقاض شبه دولة، دولة مؤسسات، تراعي فيها التعددية الدينية من خلال ابعاد الدين عن السياسية، مع طرح كل الانظمة الدينية القائمة كمثال لسؤ الحال وانغلاق الافق والانعزال عن العالم.  ودولة تقر بالتعددية الاثنية للبلد من خلال ازالة اسم العربية من اسم الدولة وكل ما يترتب عليه، وانفتاح التعليم الرسمي على لغات الامم المكونة للشعب السوري. دولة تكون محور لارساء دولة القانون في المنطقة، ودولة تكون جسرا بين هذه الدول، لانها دولة قادرة على ربط العراق بلبنان، ليس جغرافيا فقط، بل حضاريا واقتصاديا. لقد كانت مرحلة الاستعمار هي افضل مرحلة تمكنت فيها هذه البلدان من تطوير بنى مشتركة مثل خطوط انابيب النفط\ن التي خلقت مصالح مشتركة وفرضت حوارا دائما حولها، وهو الامر الذي فشلت في تحقيقة، هذه الدول في الفترة المسماة بالاستقلالية رغم طول الفترة الثانية قياسا بالاولى.
ان الاوان لاحزاب شعبنا ان تدرك مع من تتحالف ولماذا، فالتحالف بالنتيجة هو لتحقيق اهداف محددة وليس لان الاطراف المتحالفة تعشق بعضها الاخروكل الاطراف السياسية تدرك ذلك، ولذا فان القول ان تحقيق مصالح شعبنا وحقوقنا المشروعة سيكون اساس تحالفنا، لا يضر المكانة الوطنية لهذه الاحزاب، لان من تمثله او تدعي تمثيله هو جزء من الشعب السوري. واذا طالبهم الاخرين بالتنازل فالتنازلات يجب ان تكون متبادلة فالوطن هو للجميع، والمعايير الثقافية والحضارية والحقوق والحريات الفردية لاتخضع لاي مقياس سوى مقياس المساواة التامة.
ان اي تطور ايجابي وخطوة لتحقيق بعض طموحات شعبنا السياسية في سوريا، هو مكسب لكل الشعب في اي مكان كان، ومن الجدير ذكره ان الواقع السوري قد يمنح لابناء شعبنا وقواه السياسية ثقلا اكبر مما هو في العراق. وعلى هذا الاساس فدعم قوانا السياسية المتحدة في سوريا هو واجب كل كلداني سرياني اشوري، اينما كان، سواء كان هذا الدعم ماديا او معنويا.
ان ملاحظة وفهم اللعبة الاقليمية امر مهم للتخطيط ولتقوية اوراقنا السياسية، ولعل اكثر الامور المهمة هي مراقبة التحركات التركية، وفهم ابعاد اللعبة التي تلعبها، لكي تتمكن قوانا من تحديد افضل المخارج والطروحات لتحقيق اماني شعبنا الانية والمستقبلية. ان المبادئ تلهم الناس، ولكن الواقع يفرض عليهم التعامل مع متغييرات عديدة، ولكي لا يكون شعبنا ضحية مبادئ حالمة، علينا ان نخضع مطالبنا واهدافنا القريبة والبعيدة المدى لميزان النقد وتخضع للامكانيات المتاحة.

ܬܝܪܝ ܟܢܘ ܦܛܪܘܤ