المحرر موضوع: اللحظات الحرجة  (زيارة 1345 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Abdullah Hirmiz JAJO

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 604
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
اللحظات الحرجة
« في: 09:31 27/08/2006 »
اللحظات الحرجة

يقال عند الشدائد تُعرف الرجال، وأيضا أن الرجال معادن، ولا يُختبر الإنسان إلا في وقت الشدة، وهكذا أيضا الصديق في وقت الضيق... لأن وقت الراحة والفرح يجمع الكثيرين كونه لا يكلفهم شيء، بينما الوقت الحرج يهرب منه الكثيرين، وأقله لا يحبذون التواجد فيه، لأن اللحظات الحرجة تحتاج إلى رجال أو حتى نساء من طراز خاص يكون لهم مميزات تمكنهم من الثبات والتفكير السليم ولا تزعزعهم المحن بل يتصرفون بحكمة ويستطيعون بهذه المميزات عبور الأزمات أو العبور بالأزمة إلى شاطيء الأمان وصنع الفرح بعد الألم والأمن بعد الخوف والسلام بعد الشدة.

ولمثل هكذا اناس البشرية بحاجة، لأنهم أناس الملمات والأوقات الحرجة ليست دائمة ولا هي ملائمة للجميع، لكن لابد أن تأتي الشدائد، وحتى ربنا له المجد في رسالته على الأرض كان معه الكثيرين وفي دخوله لأورشليم أجتمعت المدينة كلها لتحيته بأغصان الزيتون وبفرش الملابس أمام مسيرته، لكن بعد أسبوع وفي شدته هرب معظمهم ما خلا يوحنا الحبيب وبعض النسوة تواجدوا معه على الجلجلة. وما أشبه اليوم بالبارحة وما أكثر أوقات الضيق فإنها مزدهرة في أيامنا حتى أصبحت ظاهرة عامة لا نتفاجأ عند مصادفتها، لأن الأسباب كثيرة وأرض الشر أصبحت خصبة والضحايا بالآلاف. إذ أصبح الشر شبه أمر عادي، لكن لمن يكون هو الضحية حتما ليس الأمر هكذا. ونسمع أن من يده بالماء ليس كمن يده في النار والشبعان لا يعرف حال الجوعان، ومن لا يواجهه الموت أو الخطر لا يعرف حال من يكون في اتونها!!!!

نقول هذا ونحن في العراق نعاني من كثرة اللحظات الحرجة التي نقع فيها؛ فمن المفخخات إلى العبوات الناسفة إلى القتل والسلب والخطف و... أمورا كثيرة نصبح أحيانا في حيرة من أمرنا ويختلط علينا الأمر ولا نعرف كيف نتصرف، وقد يكون تصرفنا سليما أو نقع في هفوات هنا او هناك. وهنا اود التركيز فقط على موضوع الخطف والمساومات التي تحدث حول الضحية بين أهله وأصدقائه من جهة وبين الخاطفين من جهة أخرى، والمخطوف لا يكون دائما في حالة مادية جيدة ويصبح أهله لا حول لهم ولا قوة امام مطاليب الخاطفين. وأعرف مرة أن والد الضحية كان موظفا بسيطا لا يملك من المال سوى قوت يومه، والخاطفين يطالبون بلغة (الدفاتر!!) وهنا كيف للأعصاب أن تتحمل وتتحدث وتفاوض؟ فالأم من جهة تبكي وتولول والأب منهار ويده فارغة !!! حينها طالب أهل الضحية الخاطفين أن يرسلوا سرا أحدهم لكي يتحقق من الحال!!! تصوروا... وكانت النتيجة ولله الحمد إيجابية بقبول الخاطفين بالقليل الذي جمعه الأصدقاء للعائلة المنكوبة لقاء عودة أبنهم سالما.

فكيف لهؤلاء البشر أن يبنون حياتهم مقابل تعاسة الآخرين وقتلهم أو سلبهم لأموالهم؟ إن الأرقام بدأت تكبر وعدد الدفاتر (عشرة آلاف دور) بدأ يكبر وكأن الدفتر شيء بسيط يمكن الحصول عليه بأيام أو بأشهر قليلة؟!!! لم يسلم من هذا أي أحد في العراق؛ المسلم.. المسيحي.. الإيزيدي.. الصابئي المندائي... فالجميع سواسية وكأننا امام القانون والجميع متساوون أمامه، كما لم يسلم رجال الدين من هذا الشر ومن كل الأديان، وهذا دليل أن الإرهاب لا دين له، فرجل الدين الذي نذر نفسه للوعظ والإرشاد ونشر المحبة والإحسان والود ما بين البشر، أي أنه ينشر رسالة السماء للإنسانية جمعاء؛ أيكون مثل هذا ضحية؟!!!! أليس الإرهاب كافرا ومن غير دين؟ وعندما يتم دفع فدية لهكذا اناس أو من يطلب فدية عن مثل هؤلاء الناس، ألم يسأل نفسه من أين لمثل هؤلاء المال؟ هل مهنتهم تجارية؟ هل لديهم محلات يربحون من خلالها ؟ أم أنهم يضاربون بالعملة؟.... إن تجارة هؤلاء الناس هي جذب البشر إلى معرفة الله، ومحاربة الشيطان وأفعاله وتعرية نشاطاته الشريرة، وفضح الباطل ونصرة الحق، وفي قول الحق لا يخشون لومة لائم، فمن يخطف هؤلاء أليس حليفا للشيطان ؟ أليس ناصرا للشر؟

إنها البلية التي لا تضحك بل تقودنا إلى البكاء، إنها تراجيديا شديدة الحزن، إنه حالنا وحال أهلنا في العراق، وإن وصلنا إلى محاربة رجال الدين يعني أننا بدأنا في مرحلة الكفر والإلحاد، لأننا نحارب رجل الله على الأرض، نحارب دعاة الخير، نحارب حاملي راية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... هذه هي اللحظات الحرجة التي تتطلب من الجميع التوحد، لأن الشر محيط بالجميع والنار لا تميز بين وقودها فهي تحرق الأخضر واليابس، وعلينا جميعا أن نخوض غوارها، لكي نقف أمام هذا الشر وننصر المظلومين ونعتبرها قضية حياة أو موت، وإن لم نفعل فستكون الضحية اللاحقة جاهزة، وهكذا لن يفلت أي أحد من الشر وسنصبح جميعا ضحايا لا سامح الله.