المحرر موضوع: الربيع العربي والاسلام السياسي  (زيارة 739 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل تحسين المنذري

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 141
    • مشاهدة الملف الشخصي
الربيع العربي والاسلام السياسي


                                                                                                                        تحسين المنذري

مع إنتهاء الانتخابات البرلمانية المصرية فقد حسمت أربعة دول أمرها بتسليم السلطة الى قوى الاسلام السياسي ( تونس ، مصر والمغرب  عن طريق الانتخابات  وليبيا سيطرة ميليشيات ) مما يثير علامات إستفهام كبيرة عن كيفية حدوث ذلك وقوى الاسلام السياسي لم تكن مبادرة وليست قائدة لتحركات الشعوب ، وشباب الفيسبوك لم يكن توجههم سوى ليبرالي ديمقراطي عام ، ففي تونس لم يكن أي من قادة أو أعضاء حزب النهضة بين قادة الانتفاضة بل كل من تصدى وقتها لقيادة الثورة والمواجهة مع النظام إن هم إلا ديمقراطيون ويساريون وشيوعيون مع حشد من الجماهير ومنظماتها الاجتماعية ، وفي مصر لم يكن الاخوان المسلمون من المشاركين الاوائل في الانتفاضة بل تأخر إشتراكهم لحين إستفزازهم من قبل نظام مبارك في محاولة لتشويه سمعة الثورة على الاقل دوليا ولم يعرف الشارع المصري وقتها تنظيمات تسمي نفسها سلفية ، وفي ليبيا لم يبادر الاسلاميون لمواجهة نظام القذافي بل دخلوا المعركة متأخرين ، وفي مظاهرات المغرب المحدودة كان لليسار الدور الريادي في المواجهة  فكيف حدث ذلك وفاز الاسلاميون في قيادة السلطة السياسية . وللبحث في هذه الظاهرة فلابد من التوقف عند الخلفية التاريخية لشعوب المنطقة والتي تدين اغلبيتها الساحقة بالاسلام دينا ، إضافة الى خلفية تاريخية كبيرة من قيام دول وحضارات إسلامية مهمة تركت بصاماتها على مسيرة تلك الشعوب لاحقا ، مع وجود قبور ومقامات لرموز إسلامية كبيرة مازالت تشكل في ذهن المواطن البسيط مراكزا للغوث والدعاء وإداء المراسيم الدينية ، مع وفرة المراكز الدينية من جوامع ومؤسسات تلقى الرعاية من قبل الدول حتى العلمانية منها بحكم الطبيعة الدينية للشعوب ، وقد شكلت هذه المراكز غطاء تحرك وترويج لفكر الاسلام السياسي على مدى عقود خلت والى الان ، هذه الارضية الخصبة إستغلتها قوى الاسلام السياسي بمختلف توجهاتها إستغلالا كبيرا ولأقصى مدى ممكن . كل ذلك في ظل سلطات جائرة ضيقت ما إستطاعت القيود على مجمل القوى السياسية المناهضة لها والتي لم تجد منها سوى قوى الاسلام السياسي ذلك الغطاء والارضية للتحرك . كما يجدر الاشارة الى تحالفات تمت بين القوى الحاكمة بمختلف مشاربها مع قوى الاسلام السياسي ولفترات مختلفة وحسب الحاجة في مواجهة قوى يسارية – ديمقراطية أو في مواجهة  مواقف أخرى كانت تحتاج السلطات القمعية فيها الى حليف جاهز ولم تجد قوة أكثر جهوزية من تشكيلات الاسلام السياسي . كل هذا وذاك يعني إن لقوى الاسلام السياسي في المنطقة عموما تنظيمات كانت ومازالت ذات شأن مهم في الحياة السياسية والمجتمعية مع الاخذ بنظر االاعتبار الخطاب الشعبوي لتلك القوى والوعود السماوية المجزية لكل من ساهم ودعم تشكيل وعمل الاحزاب الاسلامية . بهذه القوى وهذه الارضية تصدت الاحزاب الاسلامية للوضع الجديد ، فمع إنهيار الانظمة المستبدة وحصول الفراغ السياسي والامني ، كانت قوى الاسلام السياسي القوة الاكثر تنظيما وتأهيلا لسد الفراغات ، إضافة الى الدعم الذي حصلت عليه من قبل دول أخرى وبشتى الاساليب – المالية والاعلامية وفي البعض العسكرية ـ مع تحالف غير معلن في كثير من الاحيان مع قوى الانظمة المنهارة ، ففي مصر قدم المجلس العسكري خدمات جليلة للاخوان من قبيل توقف دعم الدولة للمراكز الصحية في القرى والارياف والسماح للاخوان بتقديم تلك الخدمة مجانا بدلا من الدولة ، إضافة الى إيقاف تقديم المساعدات الدراسية لاغلب المدارس المصرية مثل الكتب والقرطاسية وتصدي الاخوان لتقديمها بالمجان أو بأسعار رمزية ، مما أعطاهم فرصة الدعاية الكبيرة وطرح أنفسهم كبديل أمثل للدولة وبالتالي الاكثر تأهيلا لاستلام السلطة السياسية . ومع كل هذا وذاك قدمت القوى الاسلامية تطمينات كبيرة للمجتمع الدولي وأقامت علاقات سريعة  لكن متينة  حتى مع الشيطان الاكبر ، وتمت لقاءات علنية بين الاخوان في مصر وممثلين عن الكونغرنس الامريكي  وحكومة أوباما  كل ما قيل عنها إنها للبحث في مستقبل العلاقة بين الطرفين ، لكن الغنوشي في تونس كان أكثر جرأة إذ زار البيت الابيض قبيل تقديم اسماء حكومته للبرلمان التونسي لغرض إستحصال موافقة أميركا على ذلك التشكيل ، وكان رئيسا وزراء تونس والمغرب نجمين لامعين هذا العام في مؤتمر دافوس الاقتصادي الدولي ، وأقامت ميليشيا الاسلام السياسي في ليبيا علاقات وثيقة مع الغرب بكل تلاوينه قبل استلامها للسلطة ، لقد وعت قوى الاسلام السياسي دور الغرب وأميركا تحديدا في إسنادها وتمكنها من العمل بحرية في مجتمعاتها وتقديم كل أشكال التسهيلات للمال الغربي في الاستثمار وتوجيه الاقتصاد في بلدانها .
بالمقابل فإن القوى التي بادرت وقادت الثورات كانت على نوعين ، الاول شباب متحمس يمتلك القدرة العالية على التحشيد والتظاهر وإستخدام أفضل الاساليب التقنية للتواصل مع بعضهم ، لكنه يفتقد الخبرة التي تؤهله للاستمرار والمناورة والتحرك السياسي ، والنوع الثاني هي قوى المعارضة التقليدية ، والتي تفتقد لقدرة التحرك والتحشيد بنفس قدر الشبيبة ، لكنها ذات خبرة في المناورة والاستمرارية ومعرفة الخصوم ورسم الخطط المضادة ، إلا إن المشكلة الاكبر هو عدم تحالف تلك الكتلتين من المناهضين للانظمة المنهارة ، بل ووصلت في أحيان معينة حتى لعدم التنسيق ، مما أتاح الفرصة للقوى المنظمة والتي إزدادت قوة في تلك الفترة وأعني قوى الاسلام السياسي على البروز كقوة أكثر تماسكا وأدق تنظيما ، فخاضت الانتخابات موحدة في مقابل التشتت الذي رافق عمل القوى الاخرى ممن لا ينادون بالدولة الدينية ، وبمراجعة بسيطة لنتائج الانتخابات في تونس فإن القوى الاسلامية حصلت فقط على 42% من مقاعد البرلمان مقابل 58% لقوى اخرى تدعو للدولة المدنية لكنها لم تستطع أن تحقق تحالفا إنتخابيا ، وفي المغرب ايضا حيث لم تحصل قوى الاسلام السياسي سوى على 117 مقعدا في برلمان يضم 395 نائبا ، أي إن 278 نائبا ليسوا من دعاة الدولة الدينية لكنهم غير متحالفين ولم يمتلكوا حتى ولا  إتفاقا على برنامج إنتخابي موحدا ، مما أهل قوى الاسلام السياسي في تلك الدولتين على قيادة السلطة السياسية لما بعد الانتخابات وتشكيل الحكومات الجديدة .
هنا تبرز تساؤلات عديدة منها ، الم تصل قوى الاسلام السياسي الى الحكم عن طريق الانتخابات ؟ فلِمَ الاحتجاج ؟ وأيضا ألم تعـِد القوى الاسلامية تلك بالابقاء على الحريات العامة والحفاظ على مدنية الدولة ؟ واليست هي قوى من داخل مجتمعاتها وغير غريبة عنه ؟ وربما غيرها العديد من التساؤلات والتي يمكن إختصارها بسؤال واحد هو لـِمَ التخوف من فوز الاسلاميين ؟ وللاجابة على هذا التساؤل الهام لابد من مراجعة أساليب قوى الاسلام السياسي في العمل بما تتمثل به من إنتهازية وتحالفات هلامية ( كما حصل مع الوفد في مصر ) وتعدد الخطابات السياسية ( داخلية وإعلامية ) وتبدل في الخطاب العلني حسب الظروف ، إضافة الى رعايتها للقوى السلفية وبشكل خاص رجال الدين المتشددين ، وعدم ترددها في اللجوء الى أي وسيلة للحفاظ على مكاسبها السلطوية بما فيها الالتفاف على المفاهيم الديمقراطية نفسها وإعتبار الكثير من قيادي الاسلام السياسي الديمقراطية كآلية للوصول للحكم لاغير ، فكيف الحال وقوى الاسلام السياسي ستكتب الدستور في مصر وتونس ؟ ففي تجربة العراق ما يكفي لمعرفة أساليب قوى الاسلام السياسي في وضع الكثير من الالغام والمطبات في نصوص الدستور بما يمكنها من تفسيرها هي كما تشاء ، وفي غضون الفترة القصيرة جدا المنصرمة من حكم هذه القوى ظهرت للعلن العديد من الظواهر التي تجعل الخوف مشروعا ، فرجل دين في تونس يعلن عن تشكيله لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر سيئة الصيت ، بصمت مطبق من حزب النهضة والقوى المتحالفة معه ، ولا أحد يعرف عن مصادر تموين هذه الهيئة شيئا ، إضافة الى ظهور ميليشيات لحزب النهضة وفي أكثر من مناسبة لقمع إحتجاج أو لتفريق تجمع في الجامعات مثلا وفي ساحة البرلمان ، وكذا الحال في مصر حيث التوجه المعلن للاخوان في قمع حرية الابداع في الفن والكتابة والنشر بحجة مخالفة ذلك لتعاليم الدين الحنيف مما يهدد بهجرة متوقعة للمبدعين والفنانين خصوصا أو لنتاجاتهم على الاقل وتلكمؤشرات خطيرة جدا على مستقبل البلدان تلك حيث تسعى الاحزاب الاسلامية ليس الى السيطرة على الحكم فقط بل للاطباق على كل مفاصل الحياة وقمع الحريات الاجتماعية بأقسى قدر ممكن والتأسيس لولادة أجيال متخلفة في الوعي والثقافة مما يسهل للقوى الاسلامية الاستمرار في الحكم ، إنها ببساطة صورة سوداوية لمستقبل مظلم . فما العمل ؟
لا سبيل سوى النضال والعمل الجماهيري ووضع علمانية الدولة الشعار الابرز في عمل القوى ذات التوجه غير الديني والسعي لاقامة تحالفات مرحلية فيما بينها ترتكز على نفس الهدف هو الديمقراطية بشقيها السياسي والاجتماعي مع التأكيد على علمانية الدولة ،ومن الضروري عدم المهادنة وفضح كل أساليب الاسلام السياسي وبشكل غير مجامل والعمل على إفراغ القوى الاسلامية من محتوى خطابها الشعبوي ومرتكزاته الغيبية والوقوف بحزم ضد كل أساليب السحر والشعوذة التي تتبعها عادة القوى الاسلامية ، وعلى القوى السياسية الديمقراطية اليسارية منها والليبرالية تحمل مسؤولياتها التاريخية إزاء شعوبها ، وإلا فأنها ستضيع وستضيع معها الشعوب وبالتالي الاوطان .