المحرر موضوع: نحو الذكرى العاشرة لرحيل المناضل توما توماس (7)  (زيارة 1268 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نبيل دمان

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 896
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
نحو الذكرى العاشرة لرحيل المناضل توما توماس
(7)
نبيل يونس دمان

مقدمة : لدي الكثير من الذكريات والصور والاوراق للراحل الخالد ، كلما سنحت الظروف انشر بعضها ، يراودني امل جمعها وتوثيقها يوما ما ، وبالتنسيق مع اولاده الطيبين  . اود الان نشر صفحات مختارة من كتابي الموسوم ( القوش حصن نينوى المنيع ) الذي ينتظر الطبع .
مضايقات عــام 1971
     منذ بدء الخليقة والظلم والاستغلال قائمان ، وإن تفاوتت شدتهما من مكان أو زمان وآخر، والصراع متواصل بين قوى الخير وقوى الشر ، فرجل مثل توما توماس أمضى سنينا ً طويلة مقارعا ً الظلم في سبيل الحرية ، وكذلك من وقف الى جانبه ، في طاقاته وامكاناته ، هؤلاء جميعا ً يشملهم الناس بأحاديثهم ، ويخصهم الشعراء بقصائدهم ، وتظل اجيال تروي بطولاتهم ، ويفتح التاريخ صفحاته لهم .
     في ربيع عام  1971 انتقل حديثا ً معاون شرطة إسمه محمد ، ويبدو ان نجماته الذهبية أغرته كثيرا ً ، فتحلق حوله أذناب السلطة وبسّطوا امامه مهمة القبض على توما توماس ، لكونه قاطع طريق !! يقلق أمن المواطنين !!! .
عقد الضابط العزم على تنفيذ المهمة ، وتحيّن فرصة وجود غريمه في البلدة ، ولذلك حين ورود انباء من المخبرين بان المطلوب للحكومة يجلس في احدى مقاهيها ، لم يتوان الضابط في تجميع شرطة المركز والنزول الى وسط البلدة .
     وصلت القوة المسلحة الى السوق ، ثم ارتقت مقهى 14 تموز الذي كان بادارة بتي دكالي ، لم يكن المعاون يعرف توما توماس ولم يراه قط ، فاشار احدهم الى توما توماس الذي كان في حينها يلعب النرد ( الطاولي ) مع العم عيسى حميكا .
كانت المقهى مكتظة بالناس التي ستشهد ما سيحدث . تردد الضابط في التقدم نحو الشخص الذي يراه امامه وهو يشرق بهيبته وحسن قيافته ، فلم يجرأ من التقرب اليه ، فشاغل نفسه بالتفتيش عن هويات رواد المقهى ، ثم أمر الشرطة بالقبض عليه ، فلم يتقدم منهم احدا ً لان الشرطة لها فترة قياسية في القوش ، وتعرف جيدا ً من يكون المطلوب القبض عليه . نفذ صبر الضابط فتقدم نحو احدى الطاولات وقال :
     ▬ هل تسمح لي ببطاقتك الشخصية .
 ( توقف توما عن اللعب ) ووجه سؤالا ً:
▬  هل تعرفني ، حتى تسالني عن بطاقتي الشخصية ؟
 فاجاب الضابط :
 - نعم اعرفك ، انت توما توماس  .
      ( هنا انتفض توما ويده على مسدسه ) فما كان من الضابط الا ان يدير ظهره بسرعة ليولي الأدبار ، تنقذه ارجله ، وليجد سلالم المقهى مفتوحة امامه فقد سبقه في اجتيازها افراد شرطته ، هاربين جميعا ً لا يلوون على شيء ، ويصل المعاون الى مركزه مكسورا ً ومهانا ً . عصر اليوم نفسه امسك توما باحد مرتزقة السلطة فاخذ يرتعش بين ايديه كالفأر ، وبعد اهانة مناسبة أمره ان يترك البلدة فورا ً ، فتركها ولم يتوقف إلا في الكويت !! .
وفي اليوم التالي جاء محافظ نينوى وعضو الفرع جبرائيل إسحق ، وطلبوا اللقاء مع توما توماس ، فاجاب الى طلبهم شرط ان يكون اللقاء في مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني ، حدث اللقاء وعبروا عن اسفهم لما حدث ، وحضر المعاون ايضا ليعتذر لتوما توماس، فيما كان الانصار يحيطون المكان تحسبا ً لاسوأ الاحتمالات .
     في صيف ذلك العام نقل الى القوش مفوض في الأمن من بغداد ، واسمه سعد منصور ( أصل عائلته من تلكيف ) ، فمارس ذلك الوغد ضغوطا ً شديدة على ابناء البلدة وخصوصا ً الشباب ، بالاستعانة برجاله المدربين على استفزاز الناس . هكذا لاحق الطلبة والشباب ومنع تجوال اكثر من اثنين معا ً، واعتبروا ذلك بمثابة اجتماع !! ، فضاقت الناس ذرعا ً بهم في الليل و النهار وفي طريق الدير والمقاهي والسوق ، فآثر الكثيرون الانزواء او ترك البلدة الى بغداد لتفويت الفرصة .
     قبل فترة عاد الى ارض الوطن المناضل توما توماس وكان له نشاط ملحوظ في الذكرى الاولى لبيان 11 آذار فحضر احتفال اقيم في بيادر محلة قاشا ، حيث ألقى كلمة مناسبة ، وظل يتردد على البلدة ويتحسس معاناة الناس من ممارسات اجهزة السلطة حتى انفجر الموقف في شهر آب ، عندما كان توما توماس يتحدث في السوق الى صاحب محل الخياطة ياقو تومكا .
     في نهار من نهارات شهر آب اللهاب تعرض النصير سالم اسطيفانا الى استفزاز إثنين من رجال الامن احدهم من بخديدا ( قرقوش ) واسمه (حبيب ) والثاني من حمام العليل واسمه ( عامر ) فخاطبهم سالم بإسلوب طيب  للتوقف عن مضايقة الناس ، وبأن واجب الشرطي هو المحافظة على أمن الناس وغير ذلك ، هنا استغل الرجلان تلك المناشدة المتحضرة واعتبراها نقطة ضعف ، فتمادا في الاستفزاز واطلاق الكلمات النابية . لم يرق ذلك الموقف لفلاح القوش الشهم بدري القس يونان ، فتقدم وهو يردد كلاما مسموعا ً : لقد تحملنا كثيراً ، كفى كفى ذلك .... وضرب ضربته الصاعقة على احدهم فكانت الشرارة التي اضرمت الموقف والذي كان مهيأ أصلا ً، فنزل الشباب المتقد حماسا ً الى ساحة السوق ، واشبعوا رجلي الامن ضربا ً وركلا ً بالاحذية ، صودرت اسلحتهم ، مرغوا في ساقية مياه المجاري ، وهم تحت الاقدام . طلبوا الرحمة من ابي جوزيف ، لم يعرهم الاهتمام ، حتى تأكد بانهم نالوا جزائهم العادل من الجماهير الساخطة ، فاصدر امره بالتوقف ، ثم قفل راجعا الى داره القريبة من السوق .
     بعد عدة ساعات وعلى اثر برقيات عاجلة الى قيادة نينوى ، تم ارسال قوة من الشرطة السيارة ، فطـُوق غرب البلدة . عند ذلك غادرت مجموعة من افراد الأمن مركز القوش بقيادة سعد منصور ، وتوجهت نحو بيت توما توماس فأحاطوا به من كل جانب ، وشرع بعضهم يفتش البيت ، عندها سألتهم ام جوزيف عن مراميهم ، فاجابوا بانهم يبحثون عن رجلها ، فقالت بصراحة وجرأة ، انه امامكم ( وتشير الى الاتجاه الذي سلكه ) ، إلحقوا به ان انتم رجال وكفاكم العبث بمحتويات الدار وتخويف الاولاد .
     ترك ابو جوزيف البيت حالـَما وردته أخبار تقدم الشرطة ، ومعه مجموعة من الانصار والطلبة والعديد ممن اشتركوا في عملية السوق ، وقطعوا بيادر محلة سينا وارتقوا الجبل . في تلك الاثناء لحق به الامن من داخل البلدة ، وقوة الشرطه تحركت لتحتل مرتفع مار يوسف المطل على محلة سينا .
بدأت المعركة برمي كثيف من مسلحات الشرطة التي تحمل رشاشات برن ، اصبح توما توماس ورجاله تحت الرمي من عدة جهات وهو يسعون حثيثاً للوصول الى الجبل ، فكانت إلتفاتة سريعة من أحد رجاله الى الخلف ليرى منير توما توماس وصديق له اسمه جاسم حنا القس يونان مطاردين بشدة وتحت مرمى النيران ، صرخ الرجل بما يراه امامه ، فاستدار الوالد ليرد بكثافة على نيران العدو ، وكذا فعل الرفاق ، فانقذوا حياة منير وصديقه من خطر داهم ، وقد كان اشد عناصر الامن شراسة في ملاحقتهم وهو العريف سراج الذي تقهقر منسحبا ومخذولا الى احد ازقة البلدة . 
انتهت المعركة بالصمود الرائع لتلك المجموعة الصغيرة بوجة القوة الحكومية الكبيرة ، لقد استطاع توما توماس ان يخترق الحصار المفروض من وسطه ، ويخوض معركة متنقلة ، يخرج منها سالما مع كامل مجموعته التي كانت غالبيتها بدون سلاح ، بعد ان كبد العدو خسائر ملحوظة ، ظل النصير الشجاع حبيب يوسف ( چيچو ) فترة يرويها .
اثناء تلك المعركة الباسلة ارتقى بعض الناس اسطح منازلهم في البلدة ، حابسين انفاسهم ومتابعين بقلق خط انسحاب توما ورجاله ، وكيف كان الرصاص ينهال عليهم في البداية ، حتى هلت البشائر بخلاصه ووصوله الى الجبل حيث عرينه الدائم .[/b][/size][/font]